|
أيدلوجية القص
مقداد مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 4519 - 2014 / 7 / 21 - 11:27
المحور:
الادب والفن
أيدلوجية القص / الاتصاليات المتماهية في (الشارع الطويل ) للناقد محمد دكروب مقداد مسعود *على أيميلي وصلتني دعوة رسمية من مجلة الطريق اللبنانية للحضور والمشاركة، لكن لأسباب ترتبط بالخطوط الجوية العراقية في البصرة، حالت دون مشاركتي في 28 آذار 2014 موعد قيام الجلسة الخاصة بفقيد الأدب العربي الناقد والمناضل محمد دكروب لذا أرسلتُ هذه الورقة في 26 آذار الى اللجنة المشرفة في مجلة الطريق...للمجلة شكري وتقديري وأتمنى عليها تقبل غيابي القسري، عن المشاركة لأسباب خارج أرادتي الشخصية.. ........................................................... منذ أوئل سبعينيات من مكتبة عائلتي ،قرأت (الشارع الطويل) للقاص محمد ابراهيم دكروب ،الذي سأقرأه ناقدا في منتصف تلك السنوات والى مابعد الآن...قراءتي الاولى كانت سؤالا وجهته لأحد أفراد عائلتي :هل هناك من يكتب عن أوجاعنا نحن ؟ هكذا تساءل المراهق الذي كنته وأنا ألتهم أعمال سهيل أدريس، ومارون عبود ويوسف توفيق عواد ،وقبلهم كلهم أسفار جبران خليل جبران ،وكتابات محمد عيتاني وحسين وكريم مروة ومهدي عامل ويمنى العيد... المسافة شاسعة بين تلك القراءة وقراءتي الثانية، قبل ان توجه لي مجلة الطريق اللبنانية، دعوة الحضور في ندوة تقيمها في بيروت 28/ آذار / 2014 ..والسؤال الجمالي الآن ماذا تبقى من مجموعة قصصية صدرت منذ أكثر من نصف قرن ؟!..الآن في قراءتي الثالثة للمجموعة القصصية أصطادت قراءتي : الاتصاليات المتماهية (1) تنتظم سيرورة السرد عبر منظور طبقي انحيازي للطبقات المضطهدة ، لكن هذا الانحياز الايدلوجي لم يحوّل فعل القص الى لافتات سياسية ، اذ تشتغل النصوصي على التداعي كما في (القصر والشارع الطويل ) و(التراب)والتخيل بشكل جزئي في (خمسة قروش) و(الزجاج)..وكذلك نهاية (سائرون في الليل) (2) تدور القصص في فضاء شتوي،ويمكن أعتبار المطر، من أهم الشخصيات الملاصقة للشخصيات الانسانية.. وكذلك الشارع.. (3) يمكن اعتبار القصص، قصة طويلة واحدة ، تتشكل من تنويعات في المنظور.. (4) الجوع هو المشترك الاجتماعي بين الشخوص
ثريا المجموعة : تشع على الغلاف (الشارع الطويل) والعنوان هنا من العنوانات الاشتقاقية، كما علمنا أستاذنا القاص والروائي محمود عبد الوهاب(2) أعني إنه عنوان لأطول القصص (43-64) ، وحين نقارن بين العنوانين سنجد في ثريا المجموعة ، حذفا جزئيا للعنوان : في القصة العنوان مثبت هكذا (القصر والشارع الطويل ) لكن حين ندقق في فضاءات القصص، سنجد الشارع هو المهيمن فيها كلها، فأبطال القصص من المشائين بالقوة وليس بالفعل وهو يسردون حيواتهم في الشوارع لا في غرف البيوت..إذاً السيادة للشارع الطويل..في حيوات القص وفي ثريا المجموعة القصصية واليكم عينات من الشارع أو مشتقاته في القصص: *(أجتزت ُ ذلك الزقاق الموحل..ثم سرتُ بين صفين من أكوام الخضاروالفاكهة/ ص7- خمسة قروش) *(أجتمعنا بهدوء وتابعنا السير..فقد أصبحنا وسط الطريق العام ص17 – سائرون في الليل) *يتابع أبو خطار سيره في ذلك الزقاق الطويل الغريب / ص36- التراب) *(وصباح كل يوم عندما يجتاز مصطفى الشارع الطويل قاصدا المرفأ،وعندما يعود في الليل يسير وسط هذا الشارع/ ص62- القصر والشارع الطويل) *(النافذة نصف مفتوحة،ومحمود يقترب منها ببطء، ويطل بتأمل الشارع المقفر الطويل..المحلات مقفلة ص77- المتفرج) *(هل ينزل الى الشارع ويندمج بهذه الكتلة البشرية الهائلة/ ص83- المتفرج) *(في هذه اللحظة وحدها..شعر محمود بضرورة نزوله الى الشارع، عله يلقي في المتظاهرين خطابا ناريا يستطيع ان يرد عنه نظرات قاسم الحمراء/ ص85- المتفرج)*ص87 *ولكنه يشد يديه على خاصرتيه ،ويسير في الشارع الطويل الطويل..وحيدا في الليل الصامت على الاسرار/ص104 – الملك لله.
المطر كشخصية قصصية الشارع الطويل يمكن أعتبارها ذات فضاء مائي..والمطر رديف الظلام في أغلب القصص ،بإستثناء قصة (التراب) *الظلام أخذ يتكاثف ،والمطر ينصب من السماء/ص5 *وأقفلنا المحل ،فذهب معلمي يستقل أحدى السيارات ،وسرتُ أنا في الظلام تحت المطر/ ص7 *المطر يلسع وجهي ويتسرب الى صدري/ 9 *المطر ينصب من السماء كأنما يغسل الأرض من آثامها/ 29 *أبنه محمود يسعى في الظلام وتحت المطر كي يقضي على الدود مصدر هذه الآلام /ص30 *المطر مازال ينهمر...تنصب خيوطه على الأرض ثم تتجمع وتندفع سيولا في أتجاهات عدة تجرف أمامها كل شيء/ص33 *..والمطر ينهمر ويعنف ...والبرق يشع والرعد يضج والظلام يتكاثف ويتكاثف ..وماء المطر يغسل التراب عن وجه أبي خطار.ص40 *كان الهواء عاصفا لاسعا يتلاعب بكل شيء بالشجر وبالناس وبالمطر ينصب خيوطا من السماء/ ص92 *وأخذ ينفض سكب المطر عن شعره وثيابه،ثم يفرك كفيه، وينفخ فيهما هواء ساخنا عله يبدد عنهما خدر الصقيع/ 105- الملك لله..
الجوع الجوع في هذه القصص،لاعلاقة له برواية كنوت هامسون (الجوع)،أعني ان تجربة القاص دكروب ليس تجربة قراءة ،بل هي تجربة مكابدة حقيقية متماهية في مكابدات المجتمع اللبناني،وتحديدا مكابدات المحذوفين من قائمة المدعوين الى المائدة في (القصر)..والجوع في هذه القصص،ليس بيئيا،بل مجتمعيا، سببه أستحواذ أقلية تابعة لكولونيالية، على سلطة السلطة : *وبسرعة مخيفة وجدتني انقض ّ على الرغيف كوحش هائج ،وأغرز به أنيابي الصفراء وأهرش معه الفجل بقشره واغصانه وورقه الاخضر حتى ابتلعته /ص13 – خمسة قروش * أتابع السير، وأضع يدي على بطني الفارغة..وأتخيل الخبز والزيتون ص25- سائرون في الليل. *ويأتي أبو خطار بأولاده الى بيروت ، حيث الفقر والجوع والدوران الممل على عمل / ص39- التراب *قصر كبير يتحول الى سيول من جياع تنزف منها الدماء / ص43- القصر والشارع الطويل *ومرت فترة تعطل فيها (أبو مصطفى) عن العمل ،فعانى مصطفى آلام الجوعص54- القصر والشارع الطويل
*وتصور أمه وأخوته الجياع ، وجاره الذي يطالبه بالدين والغلاء/ ص73- الأغلال *وتنشقت مريم الهواء بتلذذ وشوق وهي تشم رائحة التوابل وبخار المقانق يتصاعد من محل قريب لبيع (الساندويش) ص94- الزجاج
الوعي السياسي اليساري ان اليسارية كأيدلوجية،لم تحضر بزيها الرسمي، بل بوعيها الجمالي في السرد، ومنتج القص ، يثق بفطنة المتلق في تفكيك شفافية المشفّر في القص ،وكقارىء منتج سأنضد شذراتٍ مقبوسةً من أفعال القص : *أتخيل تلك الأيام البيضاء التي أسعى مع الملايين من العمال وأنصاف المثقفين والفقراء أمثالي لبلوغها/ ص8- خمسة قروش.. *فأنا عامل ميكانيكي أشتغل أثنتي عشر كل يوم في ذلك الحي الغريب المليء بأمثالي..لانملك بعدها سوى آمال كبار نسعى في الليل، تحت جنح الظلام تطاردنا العيون في سبيل تحقيقها/ ص21- سائرون في الليل *وأنحنى يقول للسجناء من حوله بهمس خافت،أنه سيحاول الحصول على جريدة صغيرة تأتيه بأحدى الطرق،فهل يصغون إليه عندما يقرأ لهم حروفها النابضة بالنور/ ص64- القصروالشارع الطويل *بعد ثلاثة أيام ،وكان العمال قد أعلنوا فيها الاضراب ،أطلق سراح يوسف وبعض رفاقه من السجن ص74- الاغلال *المدينة مضربة،والتجمعات ممنوعة / ص80- المتفرج *وان رفاقه الثلاثة اشتروا له الدواء لرجله،وانه سيعود الى عمله عندما تشفى قدمه، وسيزداد أجره مع باقي العمال..فقد نجح الاضراب/ ص100- الزجاج *من خلال أحاديث انطوان كان ذهن ابراهيم يتفتح على حقائق رائعة لم يكن يعرف عنها من قبل شيئا/ ص107- الملك لله..
نهايات القص ألتقط نهايات سبع قصص..لأقول انها نهاية واحدة موزعة على قصص المجموعة بإستثناء قصة (التراب) التي تنتهي نهاية مأساوية، كقارىء منتج ألاحظ ان الوعي الايدلوجي للقاص ،يختم فعل القص برومانسية ثورية توائم تلك الحقبة، أعني زمن فعل القص، وهي تحقيبيا منسجمة مع نسق الثورية الرومانسية ،في الوطن العربي كافة..فالواحد في القصة يتماهى مع الكثرة الموجودة خارج القص/ داخل الحياة، إذا الكائن خارج النص هو الذي يموّل المهيمنة القصصية في المجموعة القصصية.. *وأمامي ..هناك في الأفق البعيد..نور عظيم تندفع نحوه من كل بقاع الأرض ،ملايين العبيد والعمال والجياع والمعذبين وهم يهزجون فتدوي أصواتهم الرهيبة في الفضاء الفسيح / ص13- خمسة قروش *وتشابكت أذرعنا..وسرنا بقوة وعزم ومرح ..وأصواتنا تدمدم لحناً عظيما يردده ملايين البشر في كل أنحاء الارض/ ص26- سائرون في الليل.. *أما السجناء، داخل القاووش ،فقد كانوا ينظرون الى مصطفى،السجين الجديد ،كأنهم أطفال يتطلعون الى الشمس وهي تبزغ في الصباح / ص64- القصر والشارع الطويل . *ولم ير يوسف على ورقات النقد صور الارز أو حطام قلعة بعلبك،بل رأى مكانها صورة مضيئة لعمال بلاده وقد تفجر من صدورهم نور الوعي،فاذا هم جسد واحد جبار يحمل مطرقة ضخمة يحطم بها الاغلال / ص71- الاغلال.. *يحس كأنه ولد الآن..الآن فقط...بين جموع المتظاهرين / ص87- المتفرج *حيئذ عرفت مريم ان الاضراب هو أحد الطرق التي تؤدي الى حدائق الزهور/ ص100- الزجاج *واذا هو يحس بعضلاته كلها تنتفض ويذكر انطوان ورفاق انطوان ويذكر أحاديثهم عن ملايين الناس فيشعر فجأة كأنه كبير كبير، أكبر من المارد الذي رآه يوما في فيلم (لص بغداد)..ثم نظر الى الابنية الشاهقة..نظرة الواثق من انها ستعود اليه يوما..تصبح ملكه له هو...هوالذي شادها بأيديه وأفكاره وأتعابه /ص111- الملك لله. *المقالة منشورة في صحيفة الزمان/ 4تموز 2014 *محمد ابراهيم دكروب/ الشارع الطويل/ دار القلم/ مطبعة الحياة / بيروت/ 1954 *محمود عبد الوهاب/ العنوان ثريا النص/ دار الشؤون الثقافية /بغداد/ 1996
#مقداد_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في (يدي تنسى كثيرا) للشاعر والناقد مقداد مسعود
-
نجمة قشة مبللة بالنواح الزراعي/ حسب الشيخ جعفر..من خلال قصيد
...
-
فضة شعرك : أغلى من الذهب في رثاء الرفيق(أبو ليث) غالب الخطاط
-
مهدي عامل / 28
-
الشاعرة إلهام ناصر الزبيدي
-
الشاعرة البلغارية كابكا كاسابوفا
-
الشاعرة رؤى زهير شكر
-
الشاعرة جومان هه ردي/ قصيدة (مطبخ أمي)
-
الشاعرة سمر قند الجابري في قصيدة (الجثة)
-
الشاعرة مريم العطار
-
قراءة منتخبة من قصائد نينيتي/ المهرجان الثالث للأدب العالمي/
...
-
دفتر(أبو) ثلاثين ورقة
-
ملتقى جيكور الثقافي،يقيم جلسة تأبين للشاعر والقاص عبد الستار
...
-
سيرورة وعي الذات شعريا ..لدى الشاعر هاشم شفيق
-
بيوت مفاتيحها على جدران الهجرة / الروائية إنعام كججي في (طشا
...
-
مسح ضوئي/ عامر توفيق: درس في الاصرار
-
مؤنث الابداع
-
كتابة الكتابة
-
بدل عدوى
-
بصرياثا..من خلال جنة البستان
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|