|
الاستبداد يُوَلِّدُ الإرهاب
محمد كمال
الحوار المتمدن-العدد: 4514 - 2014 / 7 / 16 - 08:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاستبداد والإرهاب صنوان لحنضل واحد، والاستبداد هو البادي، والعلاقة بينهما سببية؛ الإرهاب الذي يشظي الإنسان والمجتمع يتكون في رحم الاستبداد، ويأخذ في هذا الرحم مداه إلى أن يخرج ويكون كالعقرب الوليد يأكل أمه؛ هذا الاستبداد وذاك الإرهاب كلاهما ترهيب للإنسان وتخريب للأوطان، وكلاهما خروج على قواعد الأخلاق، هذا من ذاته وذاك مضطراً؛ ولا ملامة للاستبداد على الإرهاب لأن الإرهاب يستمد شرعيته من الاستبداد، فلولا الاستبداد لما كان الإرهاب. بين الاستبداد والإرهاب مسافة زمنية تتفاوت من حالة إلى أخرى، وبينهما فراغ حقوقي عصي على الاستحقاق إلّا بفعل حكمة توقف الاستبداد وتمنع الإرهاب. العلاقة بينهما تسترجع من الذاكرة أحداث فيلم سينمائي باسم “الإرهاب والكباب” بطولة عادل إمام؛ والفيلم باسلوبه الكوميدي وتعاطيه الساخر يكشف الغطاء عن رموز الاستبداد وشرذمة الحراك المتجمع تحت مسمى الإرهاب حسب الخطاب الرسمي لرموز الاستبداد، ويتنادى بينهما غائب أساسي وهو الكباب؛ وهذا الكباب رمزية نستدل بها إلى أن الذي اضطرهم على هذا الحراك الموسوم بالإرهاب هو غياب الحقوق بمعانيه الشاملة، وما أن حصلوا على مبتغاهم وهو الكباب (الحقوق) ذاب “الإرهابيون” في جموع الناس ولم يتمكن رموز الاستبداد من التعرف عليهم؛ وهذا الذوبان بين الناس هو رمزية أخرى لتبيان أن الإرهاب من الناس وبين الناس وما هو بنازل على المجتمع من جار قريب أو غريب بعيد، وهذا الجار وذاك الغريب لا يستجرؤ النفاذ إلى أوطان الغير إن لم تكن هذه الأوطان حاضنة لهما. إن الطبيعة البشرية متفاوتة في جدليتها مع تبعات الاستبداد، وهكذا نجد أن الذين يرزحون تحت سطوة الاستبداد ليس كلهم تتملكهم ردة الفعل الغاضبة في لبوس “التعامل بالمثل” والذي يجد سبيله الى نهج العنف في التعاطي مع الاستبداد، بل هناك خيارات أخرى وانجرارات متناقضة تتفاعل في عجينة المجتمع الذي يتوجع ويئن من الاستبداد. إن نهج الاستبداد يكشف، بشكل عام، عن ثلاث فئات من الناس، فمنهم الخانع المستسلم والذي قد يخدع نفسه بالقدرية المحتومة، وآخر حانق غاضب متربص، وثالث الفئات الانتهازي وهذا ينشق إلى صنفين، انتهازية التسلق على سلم الفرص المتاحة إلى مواقع الاستحسان والقبول لدن سلطة الاستبداد، وانتهازية صاحبة طموحات سلطوية، وهي الأخطر، تستثمر رصيدها في صفوف الفئة الغاضبة؛ وهذه الفئة الانتهازية الطموحة إلى السلطة تعمل على أن تستحوذ على مواقع استقطاب اجتماعي تتمتع باحترام الناس، وليس أفضل لهذا الغرض من الدوائر الدينية والمذهبية، لأن الموقع العقائدي الديني ساحة جامعة ومنابره تبث الخطاب في اتجاه واحد، ويلقى هذا الخطاب من الجمهور المحتشد القبول والاستحسان دون مساءلة ولا مناقشة؛ هذه الانتهازية تغير لونها ومسارها حتى تتشكل وتتماهى برموز المنابر الدينية والمذهبية؛ هكذا تتربع على هذه المنابر الجاهزة وتبث منها خطابها الديني المبطن بالتحريض السياسي، لأن التغيير خارج الأطر الدستورية لا يكون إلّا بالعنف والإرهاب وهو أكثر ضمانة للاستحواذ على السلطة؛ وطبيعي أن تكون هناك انتهازيات طموحة متعددة على هوى مذاهب الدين. الفئة الحانقة الغاضبة تتشظى بين فئة الانكفاء على الذات وبين قاعدة عريضة تنجر إلى خطاب التحريض والعنف والإرهاب. هذه المنابر التي من المفترض منها أن تكون منابع لنشر القيم الأخلاقية والتي هي جوهر الدين، وإذا بها تتحول إلى منابر تمتطي الدين إلى مسالك العنف والإرهاب. هذه المنابر الدينوسياسية لا يهمها الخطاب الديني الأصيل الذي يرتكز على قاعدة “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، ولكنها تستثمر بخبث شذرات من النصوص المتفرقة التي تعبرعن آنيات واعتبارات جزئية عابرة اقتضتها مسيرة الرسالة الدينية في مرحلة الكينونة الجنينية، ويتم التركيز على تأويلات هذه النصوص وتضخيمها وتبجيلها إلى مراتب القدسية المطلقة والفروض الواجبة، وهكذا يتحقق الخروج عن المسار الأصيل للدين والذي هو نشر الفضيلة والأخلاق والمحبة والتسامح إلى مسار مناقض للدين يدعو إلى الحقد والكراهية ويحرض على الإرهاب. وميزة المنابر الدينية أن ارتيادها هي لوازم الفروض العبادية اليومية، وهكذا يتكرر الخطاب الدينوسياسي ويمر عبر قنوات الوعي ويتراكم في مخزون الوعي الباطن. ومن التكرار يكون التراكم الذي يؤدي إلى تحول نوعي في البنيان النفسي لدى متلقي الخطاب التحريضي. إن مشروع هذا الخطاب هو تحويل الإنسان من كائن مفكر وحر في إختياراته إلى إنسان طَيِّعٍ منساق، دون إرادة، لأصحاب المشاريع الانتهازية الطامحة إلى السلطة؛ إن هذا الحانق الغاضب المغرر به من عامة الناس يأتمر بتوصيات القيادة الانتهازية وينصاع لتأويلاتها وينفذ أوامرها ويضحي بنفسه وأهله بإخلاص المؤمن الصادق الذي يحرم على نفسه حق السؤال وحرية الاختيار. هكذا يتكون جند الاحتياط للإرهاب من مواطنين عاديين حالهم حال غيرهم في المجتمع، فيصبح المجتمع ملغوماً بهذا الخفي المخفي عن أذهان وأنظار سلطة الاستبداد ويعيش المجتمع في غفلة عن وجودهم وعن مواقع متاريسهم. من الطبيعي أن يكون هؤلاء القادة الذين شكلوا جند الاحتياط في حاجة إلى دعم مادي ومعنوي ولوجستي، وهذه الحاجيات الأساسية لتحقيق مشروع القفز على السلطة لا بد لها من ممول إما من قوى داخلية متنفذة ومقتدرة اقتصادياً أو من قوى إقليمية ودولية ذات مصالح ذاتية. وهكذا يتفاكر الداخل الانتهازي الطموح مع الخارج المتربص ذات المصالح الخاصة به لتحديد ساعة الصفر والذي يبدأ تقليدياً باستثارة حدث درامي يكون نقطة الانطلاق لخروج جند الاحتياط من سكونه الاجتماعي إلى صخب العنف والارهاب. إن الساحة العربية المزحومة بالارهاب ومنذ ما يزيد على الثلاث سنوات تكشف للعرب وللعالم أجمع عن المسؤولية الأساسية للحكم الاستبدادي في خلق هذا الإرهاب الذي يعصف بالسلطة ذاتها ويعبث بالناس الأبرياء... بينما المستقبل في حكم المجهول.
#محمد_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجغرافيا العربية باحة لحرب المشاريع
-
وأد الديمقراطية في دارها!!
-
الاقتصاد أناني وسلبي
-
النُخَبُ وهذه «الجماهير»
-
رُبَّ ضارةٍ نافعة
-
المدى الاستيعابي للأزمات
-
المسيحية بين التبشير والسلطة
-
القوى السياسية بين الأيديولوجيا والبرنامج السياسي
-
الوعيُ المُغَيَّبُ عند نوابنا الكرام
-
نَبْعُ الفتنة وتردداتها
-
تحصين منظومة التعليم
-
حريق وزارة الإعلام
-
الجريمة والعقاب
-
الرقص طرباً على أنغام الطائفية
-
المشروع الإصلاحي والطائفية
-
الطائفية هي الطائفية رغم الأطياف
-
مخاطر المحاصصة الطائفية
-
الإقطاعية الدينية
-
الإسلام و الإرهاب
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|