رام الله ـ فلسطين
المحتلة
مضت على انتخاب كل
من المجلس "التشريعي" الفلسطيني ورئيس سلطة الحكم الذاتي مدة توازي المدة
القانونية لكل منهما، ومع ذلك لم تجر انتخابات لأي منهما. وليس من الواضح بعد إن
كانت ستجرى هذه الانتخابات في الموعد المفترض لها، اي في الشهر الاول من العام
المقبل طبقا لما صرح به رئيس السلطة الفلسطينية. والحقيقة ان السلطة الفلسطينية بما
فيها "السلطة التشريعية" ليست قلقة على إجراء انتخابات رغم اطمئنانها بأن نتائج
الانتخابات المقبلة ستكون لصالحها ايضا طالما بقيت القوى السياسية الرافضة للتسوية
على مواقفها منذ الانتخابات السابقة.
تجدر الاشارة في هذا الصدد ان الانتخابات الفلسطينية السابقة، والتي احيطت
بمبالغات هائلة عن "نزاهتها" كانت من اقل الانتخابات نزاهة في العالم الثالث.
فقد اعتادت اجهزة الاعلام
البرجوازية على وصف الانتخابات بالنزاهة حين لا يكون فيها تزويراًٍٍ، هذا اذا كانت
حقا دون تزوير. فالانتخابات في الضفة والقطاع مطعون في شرعية حصولها اصلا بمعنى
انها انتخابات تحت حراب الاحتلال، وبالتالي فهي انتخابات لاجهزة ادارية تنفيذية
وامنية وليست انتخابات ذات صفة تشريعية لسلطة ذات سيادة على الارض بغض النظر عن كون
هذه الارض في الضفة والقطاع فقط.
هذا اضافة الى ان فرصة الاعداد للانتخابات اعطيت لطرف فلسطيني واحد وتم
تزويده بكافة المقومات التي تضمن نجاحه بينما حُجبت عن غيره. فقد تم تسليم سلطة
الحكم الذاتي لحركة فتح وبالتالي حصلت هذه الحركة على فرصة استلام السلطة بما يوفر
لها ذلك من امكانيات للتوظيف والاعطيات وشراء الذمم. اي وضعت تحت تصرفها امكانات
واسعة سمحت لها بتجنيد المؤيدين سواء بالوظائف او المنح او الامتيازات..الخ. وهو
امر دام لثلاث سنوات قبل اجراء الانتخابات. وبالتالي تم خلق قطاع من المستفيدين
الذين عليهم التصويت لمرشحي هذا الحزب، إما "عرفاناً" بالجميل او لأن المرء حصل على
منصب او دخل لن يتسنى له الحصول عليه او البقاء فيه اذا ما وصلت الحكم حركة اخرى.
وعليه، فإنه حتى اذا ما تم الاحتكام لصندوق الانتخابات، بمعزل عن الشرعية القومية
للانتخابات، فإن هذا الصندوق ليس بريئا كما يصوره دعاة تبرير
الانتخابات.
على ان الاشكالية في
الساحة الفلسطينية اكثر تعقيدا وتركيبا مما كانت عليه في الانتخابات السابقة.
فحينما جرت الانتخابات السابقة كان الهدف منها تزكية مشروع أوسلو وتنفيذ هذاالجانب
منه. وحتى على المستوى الشعبي، فقد كان هناك بعض الأمل في الشارع الفلسطيني بأن
اوسلو سيجلب شيئا ما لفلسطينيي الضفة والقطاع على الاقل. اما الانتخابات الحالية
فستجري في مناخ مختلف. فقد جرب الشارع الفلسطيني اتفاقات أوسلو. لا بل ان الحديث عن
هذه الانتخابات يجري وجيش الاحتلال متواجد في كامل الارض المحتلة حيث يقوم بإرهاب
مفتوح على مسمع من الامم المتحدة وبمباركة كبار اعضائها. واذا كانت الانتخابات
السابقة قد اجريت باشراف الولايات المتحدة التي اعتبرتها استكمالا لمكياج اوسلو، اي
تجميل الحالة المعلقة ما بين الاحتلال والاستقلال، فإن الحديث عن الانتخابات
المقبلة يدور بتشجيع من الولايات المتحدة نفسها، ولكن هذه المرة لتجميل وجه
الاحتلال المباشر.
ومع ذلك، فإن
القوى التي وافقت على الانتخابات السابقة وشاركت فيها بحجة ان تلك الانتخابات مقدمة
لاستقلال حقيقي، فإن هذه القوى مصرة على المشاركة في الانتخابات الجديدة رغم انها
تتم في مناخ الانتفاضة التي تقاوم الارهاب المنظم من قبل الاحتلال. بعبارة اخرى،
فإن قوى التسوية كانت قد قبلت "ولاية" على الارض المحتلة. وهي على استعداد للعودة
لتسلم هذه الولاية التي سحبها الاحتلال خلال الانتفاضة اذا ما أعادها الاحتلال
اليها. بمعنى آخر، فإن كافة التضحيات ونتائج الارهاب الذي مارسه الاحتلال، لم تثن
فريق التسوية عن انخراطه فيها، بمعنى ان لا دروسا تم استخلاصها من الانتفاضة بكامل
تجربتها. اذن، لم يتغير في موقف معسكر التسوية اي شيىء.
لذلك تعقد ندوات ومحاضرات ومناقشات بشأن كيفية
اجراء الانتخابات، ومن اجل اقناع القوى التي رفضت الانتخابات السابقة، وكأن الوضع
عادي تماما!!
ولعل الملفت
للنظر في هذا الخصوص هو موقف المثقفين والاكاديميين الذين يدعون لهذه
الانتخابات وكأنها عادية في بلد عادي؟ قد لا يثير الاعتراض سلوك رجال السلطة ومن
ينافسونهم على المناصب، اقصد سلوك المستوى السياسي. اما سلوك المستوى الثقافي
والاكاديمي فهو مثير للاستغراب وربما للشك . فكيف يسمح مثقف واكاديمي لنفسه بأن
يخدع الشارع عن سبق اصرار!
قد
يقول قائل ولكن: بالنسبة لفريق التسوية فهذا مشروعهم، فما هو مشروع رافضي التسوية،
هل يبقوا على الهامش بينما يسمحوا لفريق التسوية بالتفرد بكل شيىء كما حصل
سابقاً؟
هناك منطق معين في هذا
السؤال، رغم ما فيه ايضا من التسطيح والتبسيط.
اما المنطق فهو في وجوب
تحرك الاطراف المعترضة ضمن مشروع معين لها. فبوسع معارضي الانتخابات ان يقوموا
بحملة توعية ضد هذه الانتخابات وبالتالي يوفرون لشارعهم فرصة نشاط وتوعية ودور
معترض. كما ان بوسعهم دعم مرشحين معينين من المستقلين دون ان يُعتبروا ممثلين لهذه
الحركات.
اما التبسيط، فهو في
نسب قوة او انجاز غير عادي لمن يشاركوا في الانتخابات ويحصلوا على مقاعد. فإذا
انطلقنا من حقيقة ان هذه الانتخابات ليست شرعية ولا سيادية، فإن ما سيكون بيد
السلطة بشقيها (التشريعي والتنفيذي) هو ما يسمح به الاحتلال!. والمقصود هو ان
المشاركين في هذه الانتخابات إنما يقومون بدور مطلوب منهم انجازه على ان يأخذوا
مقابل ذلك ثمنا ما. وإذا كان الامر على هذا النحو، فليس هناك من شيىء يخسره
الرافضون.
اما البعد غير المرئي،
ولكن المهم، في موضوع الانتخابات فهو المحاولات المستميتة من قبل السلطة والانظمة
العربية المعترفة بالكيان الصهيوني لاحتواء المعارضة، ولا سيما الاسلامية، كي تشارك
في الانتخابات. ولا شك ان هذه المحاولة موجهة من الولايات المتحدة التي تضع على رأس
مهماتها في هذه الحقبة اجتثاث اية مقاومة للراسمالية عامة واسرائيل خاصة في حقبة
العولمة.
لا يخفى ان الضغط على
القوى الرافضة هو محلي وعربي وعالمي وهو ما يضع هذه القوى امام اختبار شاق جداً.
والحقيقة انه اذا ما كالت هذه القوى بمكيال المرحلة، فما عليها سوى الاستسلام ودخول
نفق التسوية. اما اذا ما ابقت على نفسها كجزء من حركة التاريخ ودفاع
الانسانية عن شرفها أمام فاشية رأس المال وتوابعه، فليس عليها سوى الثبات على
الموقف.
ودون ان نخوض في تكهنات
عن سلوك هذا الطرف او ذاك، ، او تعداد المؤشرات الايجابية او السلبية هنا او هناك،
فإن الحلقة المقبلة من مشروع التسوية آتية قريباً ولا سيما المتعلق
بالانتخابات منها. وعليه نقول ما قاله الشاعر:
فإن يك صدر هذا اليوم ولى
فإن غدا
لناظره قريب