أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم والصراعات الحزبية















المزيد.....


ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم والصراعات الحزبية


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 4513 - 2014 / 7 / 15 - 19:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في الذكرى السادسة والخمسين لثورة 14 تموز1958
القسم الثاني 14 تموز 2010


الحزب الشيوعي يعلن مساندته للثورة وقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم دون قيد أو شرط

سارع الحزب الشيوعي فور وقوع الثورة إلى إعلانه بإسناد الثورة وسلطة عبد الكريم قاسم دون قيد أو شرط في برقيته للزعيم قاسم التالية:
رئيس مجلس الوزراء السيد عبد الكريم قاسم
نهنئكم من صميم قلوبنا على خطواتكم المباركة التي وضعت نهاية حاسمة لعهد طويل من المآسي والمحن التي قاسى منها شعبنا المجاهد النبيل على يد الاستعمار وأعوان الاستعمار.

إننا نعبر عن تفاؤلنا بأن هذه الخطوة الحاسمة ستكون فاتحة عهد جديد، عهد حرية وتطور عراقنا الحبيب، وتبؤ شعبنا البطل مركزه في الموكب الظافر، موكب العروبة المتحررة الناهضة والحبة للسلام، وموكب الإنسانية العاملة من أجل تحررها من نير الاضطهاد والاستعمار.

إن شعبنا العراقي بعربه وأكراده سيسجل لكم بفخر جرأتكم وتفانيكم من أجل تحقيق أهدافه الوطنية الكبرى، وهو يحمي ويصون بدمائه الغالية جمهوريته الوطنية الفتية، وإنه لعلى ثقة كبرى من قدرته على القيام بهذا الواجب المقدس، ومن مساندة القوى التحررية العربية في جميع ديارها، وعلى رأسها الجمهورية العربية المتحدة ، ومن قوى الحرية والسلام في جميع أنحاء العالم، وعلى رأسها الإتحاد السوفيتي .
{إن اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي تضع كافة قوى حزبنا إلى جانب مؤازرتكم، وللدفاع عن جمهوريتنا البطلة}.
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
14 تموز 1958

استبعاد الحزب من التشكيلة الوزارية لثورة 14 تموز
من المعلوم أن الحزب الشيوعي لم يشترك في حكومة الثورة التي شُكلت صبيحة الرابع عشر من تموز 1958، رغم ثقله السياسي الكبير، ورغم مساهمته الفعالة في نجاح الثورة، وإسنادها منذ اللحظة الأولى واستمرت حتى النهاية على الرغم من تغير موقف الزعيم قاسم من الحزب.

لم يطلب الحزب الشيوعي آنذاك إشراكه في السلطة بسبب الظروف الدولية الخطيرة التي كانت تحيط بالثورة، حيث نزلت القوات البريطانية في الأردن، والقوات الأمريكية نزلت في لبنان فور وقوع الثورة.

كما تم حشد القوات التركية والإيرانية على الحدود الشمالية والشرقية، وكان واضحاً أن الإمبرياليين وعملائهم في تركيا وإيران قد صُدموا بقيام الثورة التي هدمت أحد أهم أركان حلف بغداد، وأضاعت أحلامهم في ضم بقية الدول العربية إلى ذلك الحلف، وخاصة سوريا.

ولم يكن الحزب الشيوعي، ولا السلطة الثورية الجديدة يريدان مزيداً من الاستفزاز للإمبرياليين آنذاك، لكي لا يصورا ثورة 14 تموز على أنها ثورة شيوعية قامت في بلد كالعراق له أهمية قصوى في حساباتهم الإستراتيجية في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

فالعراق بلد نفطي أولاً، ويقع على رأس الخليج ثانياً، ومعلوم أن الخليج يتسم بأهمية كبرى، بكونه أكبر مورد للنفط في العالم، لذلك كله سكت قيادة الحزب الشيوعي عن المطالبة في إشراكه في السلطة، أسوةً ببقية أحزاب جبهة الاتحاد الوطني، ولم تكتفِ بسكوتها هذا، بل بادر منذُ الساعات الأولى لانبثاق الثورة إلى إرسال برقية إلى الزعيم عبد الكريم قاسم تبلغه بوضع كافة إمكانيات الحزب في خدمة الثورة وحمايتها دون قيدٍ أو شرط.

لقد أدركت قيادة الحزب أن المهمة الأولى بالنسبة للحزب هي صيانة الثورة، وحمايتها من تدخل الإمبرياليين، وشل نشاط الرجعيين الرامي إلى إجهاضها، وإعادت العراق الجامح إلى سيطرتهم من جديد.

لم يكتفِ الحزب الشيوعي ببرقيته المرسلة إلى عبد الكريم قاسم صبيحة الرابع عشر من تموز 1958، بل أتبعها بمذكرة إيضاحية حول السياسة التي يرى أهمية الأخذ بها لقيادة مسيرة الثورة، وهي مذكرة تعبر عن سياسة الحزب تجاه الأحداث الجارية، والمستقبلية للثورة.

ركزت المذكرة على ضرورة انتهاج سياسة وطنية واضحة، وذلك عن طريق الإعلان الرسمي لانسحاب العراق الفوري من حلف بغداد، وإلغاء كافة الاتفاقات المعقودة مع بريطانيا، والولايات المتحدة، والتي تخل بسيادة العراق واستقلاله، وتتعارض مع سياسة الحياد الإيجابي، والتعاون مع جميع الدول على قدم المساواة، من أجل مصلحة الشعب والوطن.

كما دعت المذكرة إلى إعلان الاتحاد الفدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة، وإلى تبادل التمثيل الدبلوماسي مع البلدان الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، وقيام علاقات اقتصادية، وثقافية وغيرها، مما يعزز موقف العراق، ويحمي مصالحه.

كما دعت المذكرة إلى فرض رقابة حازمة على مؤسسات شركات النفط، والبنوك، وكافة المؤسسات الاقتصادية الكبرى ذات العلاقة الكبيرة بحياة الشعب، وحماية اقتصاد البلاد من مؤامرات الإمبريالية وعملائها في الداخل، والهادفة إلى تخريب الاقتصاد الوطني، ومنعه بشتى الوسائل والسبل من التطور والنمو لخدمة طموحات الشعب والثورة.

كما دعت المذكرة إلى انتهاج سياسة وطنية أساسها الثقة بالشعب، وإطلاق الحريات الديمقراطية، والسماح للشعب بممارسة حقوقه السياسية، بتأليف الأحزاب، والجمعيات، والمنظمات الجماهيرية، وحرية الصحافة، والعمل على إطلاق سراح كافة السجناء السياسيين، بأسرع وقت ممكن، وتكوين فصائل المقاومة الشعبية وتسليحها لتكون درعاً واقياً للثورة، جنباً إلى جنب مع جيشنا المقدام، وتطهير جهاز الدولة، والأمن، والشرطة، من العناصر الفاسدة، والمعادية للثورة.

كما دعا الحزب الشيوعي إلى الاهتمام بالأعلام، ووضعه في أيدي أمينة على مصالح الشعب والوطن، نظراً للدور الهام الذي يلعبه الإعلام في الدفاع عن مصالح الشعب وحماية الثورة، وفضح ألاعيب المستعمرين، وأذنابهم في الداخل.
لقد كانت العلاقات بين الحزب الشيوعي وعبد الكريم قاسم على ما يرام، فقد التفّ الحزب حول قيادته، وسانده منذُ اللحظات الأولى للثورة، ووقف ضد كل المحاولات التآمرية التي جرت ضد قيادته، وضد مسيرة الثورة، وخاصة عندما قاد عبد السلام عارف في أوائل أيام الثورة ذلك الانشقاق بين الفصائل الوطنية محاولاً فرض الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، ودعم الأحزاب القومية له في تلك المحاولات التي انتهت بالتآمر المسلح.

لقد وقف الحزب الشيوعي موقفاً حازماً من أولئك الذين حاولوا قلب السلطة وسيّر المظاهرات المؤيدة لقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، والتي ضمت الآلاف المؤلفة من جماهير الشعب التي كانت تهتف بالشعار الذي رفعه الحزب، والذي يدعو إلى إقامة الاتحاد الفدرالي مع العربية المتحدة، ونبذ شعار أسلوب الإلحاق القسري الذي رفعته القوى القومية وحزب البعث العربي الاشتراكي ،كذبا وزورا، وكان عبد الكريم قاسم بحاجة ماسة لدعم الحزب، ومساندته آنذاك في صراعه مع القوى القومية والبعثية.

الحزب الشيوعي يطلب إشراكه في السلطة :
في الخامس من تشرين الثاني 1958، رفع الحزب الشيوعي إلى عبد الكريم قاسم مذكرة هامة دعاه فيها إلى الاعتماد على الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، مذكراً إياه بإشراك كافة أحزاب جبهة الاتحاد الوطني في السلطة باستثناء الحزب الشيوعي.

وفي حين كانت الأحزاب القومية لا تنسجم مع اتجاه ومسيرة الثورة، ومحاولاتهم المتكررة لإلحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة، وكان الحزب الشيوعي يقف جنبا إلى جنب مع السلطة الوطنية، مسخراً كل قواه من أجل دعم مسيرة الثورة، وتحقيق أهدافها.

وفي حين كانت رائحة التآمر تبدو واضحة على الثورة وقيادتها، ذاد الحزب الشيوعي عن السلطة، وحمى الجمهورية من كيد المتآمرين عليها، وقدم التضحيات الكبيرة في هذا السبيل، وعلى ذلك فإن من حق الحزب الشيوعي أن يعامل على قدم المساواة مع بقية الأحزاب السياسية على الأقل.

لكن عبد الكريم قاسم لم يستجب لمذكرة الحزب، مما دفع الحزب إلى اللجوء إلى الشارع في مطالبته إشراكه في السلطة.
وجاءت مسيرة الأول من أيارـ عيد العمال العالمي ـ في بغداد، والتي نظمها الحزب الشيوعي، طارحاً من خلالها شعار[ إشراك الحزب الشيوعي في السلطة] بيد الجماهير، وضخامة تلك المسيرة، التي ضمت أكثر من مليون من أعضاء، ومؤيدي، وجماهير الحزب، من عمال وفلاحين، ومدرسين وطلاب وأطباء ومحامين ومثقفين ، كصاعقة نزلت على الرؤوس جميعاً، وأدخلت الرعب فعلاً في قلب عبد الكريم قاسم والقيادة اليمينية في الحزب الوطني الديمقراطي، المتمثلة بكتلة [ محمد حديد وحسين جميل] ورفاقهم، فقد شعروا أن الأرض قد زلزلت تحت أقدامهم وهم يسمعون هتاف الجماهير الصاخبة مطالبين إشراك الحزب الشيوعي في الحكم، وبدا أن الشعب كله يقف وراء الحزب، ونزل الجنود، والضباط المؤيدين والمناصرين للحزب إلى الميدان أيضاً، وشعر المراقبون في ذلك اليوم أن الحزب قد بات قاب قوسين أو أدنى من الوثوب إلى الحكم .

وفي 13 تموز، وتحت ضغط الحزب الشيوعي، أجرى عبد الكريم قاسم تعديلاً وزارياً، أدخل بموجبه الدكتورة [نزيهة الدليمي]، عضوة اللجنة المركزية للحزب في الوزارة، وعينها وزيرة للبلديات، كما عين كل من المحامي [عوني يوسف] ـ ماركسي ـ وزيراً للأشغال والإسكان، والدكتور [ فيصل السامر ] ـ يساري ـ وزيراً للإرشاد ، والدكتور[ عبد اللطيف الشواف]، وزيراً للتجارة. لكن إجراء قاسم لم يكن سوى خطة تكتيكية، ولفترة محدودة من الزمن، ريثما يحين الوقت المناسب لتوجيه ضربته للحزب الشيوعي.

أما الإمبريالية، فقد راعها أن ترى تلك المسيرة تملأ شوارع بغداد، وسائر المدن الأخرى، تهتف للحزب الشيوعي، وتطالب بإشراكه في الحكم، وأصابها دوّار شديد، وباشرت أجهزتها على الفور تحبك الدسائس، عن طريق عملائها وأزلامها، لتشويه سمعة الحزب الشيوعي، وإدخال الخوف والرعب في نفوس قيادة الحكم، والبرجوازية الوطنية، ودفعها إلى مرحلة العداء للحزب، والعمل على تصفية نفوذه، تمهيداً لعزل السلطة وإضعافها، وبالتالي إسقاطها فيما بعد.

وحقيقة القول، كان للحزب الشيوعي كل الحق في الاشتراك في تسيير دفة الحكم، والمشاركة في السلطة، شأنه شأن بقية أحزاب جبهة الاتحاد الوطني على أقل تقدير، إن لم يكن له دور مميز في جهاز السلطة، نظراً للجهود التي بذلها الحزب من أجل حماية الثورة، والدفاع عنها، وصيانتها من كل محاولات التآمر، ووقوف الحزب إلى جانب قيادة الثورة، وزعيم البلاد عبد الكريم قاسم، مسخراً كل قواه، دون قيد أو شرط.

إذاً ليس في ذلك من حيث المبدأ خطأ في مطالبة الحزب الشيوعي إشراكه في السلطة، غير أن الأسلوب الذي تم فيه طلب إشراكه في السلطة، ونزول ذلك الطلب إلى جماهير الشعب، من أجل الضغط على عبد الكريم قاسم، أعطى نتائج عكسية لما كان يهدف إليه الحزب من تلك المسيرة.

لقد أخطأ الحزب في أسلوب معالجة مسألة إشراكه في السلطة، وكان على قيادة الحزب أن تركز جهودها على مسالة انهاء الفترة الانتقالية ، وسن دستور دائم للبلاد وانتخاب مجلس النواب ، وكنت واثقا بأن رصيد الحزب في الانتحابات لو جرت آنذاك كبيرا جداً ، كما أن الزعيم عبد الكريم قاسم لو اختار أن يؤلف له حزباً سياسيا يخوض تلك الانتخابات لفاز باغلبية المقاعد في البرلمان.
ثم عاد الحزب الشيوعي وأخطأ مرة أخرى عندما تراجع، واستمر في تراجعه أمام ضغط عبد الكريم قاسم، وضرباته المتلاحقة، مستغلاً أحداث الموصل وكركوك، وكان بإمكانه وهو في أوج قوته أن لا يسمح لقاسم مواصلة مواقفه العدائية تجاه الحزب.

أن لجوء قاسم إلى سياسة العداء للحزب الشيوعي لم يكن هناك ما يبررها إطلاقاً، فلم يكن في سياسة الحزب وتفكيره إطلاقاً الوثوب إلى السلطة، وهو لو أراد ذلك لكان من السهل جداً له استلام السلطة عام 1959، عند ما كان الحزب في أوج قوته، سواء بين صفوف جماهير الشعب أو في صفوف القوات المسلحة، لكن الحزب لم يقرر هذا الاتجاه مطلقاً بل كان جُلّ همه حماية مسيرة الثورة ودفعها إلى الأمام، من أجل تحقيق المزيد من الإنجازات والمكاسب للشعب، وكان وفياً لعبد الكريم قاسم، وهو الذي منحه صفة[الزعيم الأوحد]، ووقف إلى جانبه حتى النهاية.

وفي المقابل وقع عبد الكريم قاسم في خطأ جسيم عندما سلك سبيل العداء للحزب الشيوعي، وعمل على استمالة القوى القومية، محاولاً إرضائها دون جدوى، فقد كانت تلك القوى قد حزمت أمرها على تصفية الثورة، وتصفيته هو بالذات. ـ
ومن جانبه وقع الحزب الشيوعي بأخطاء كان من الممكن تجنبها، وجرى استغلالها من جانب القوى المعادية للثورة ، كما جرى استخدامها لتحريض عبد الكريم قاسم ضد الحزب ، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

1 ـ الاستئثار بالمقاومة الشعبية التي اسسها الزعيم عبد الكريم قاسم لحماية الثورة والتي استأثر بها الحزب فكانت أشبه بقوة تابعة للحزب، مما دفع عبد الكريم قاسم، وقد تملكه الشك من نوايا الحزب بعد مسيرة الاول من أيار ، وبعد المذكرة الطويلة التي رفعها الحزب للزعيم قاسم، حيث بادرإلى سحب السلاح من المقاومة، ومن ثم أصدر امراً بإلغائها، وبذلك عالج الخطأ بخطأ أعظم، فقد كان الواجب يقتضي إصلاحها لا حلها، ولو كانت المقاومة باقية يوم 8 شباط لما تمكن الإنقلابيون من النجاح في انقلابهم.

2 ـ استئثار الحزب الشيوعي بسائرالمنظمات الشعبية والنقابات واتحاد الطلاب والفلاحين ولم يراعي الحزب أهمية إشراك حلفائه الآخرين وخاصة الحزب الوطني الديمقراطي، وكان الواجب يقتضي من الحزب تجنب هذا السبيل وفسح المجال لإشراك حلفائه في الجبهة الوطنية في تلك القيادات.
ومرة أخرى عالج الزعيم عبد الكريم قاسم هذا الخطأ بخطأ افضع بسحب كافة المنظمات الجماهيرية، واتحاد النقابات، واتحاد الجمعيات الفلاحية، واتحاد الطلبة وكافة النقابات المهنية، كنقابة المعلمين، والمهندسين، والأطباء، والمحامين، وسائر المنظمات الأخرى من أيدي الشيوعيين، لكي يجرد الحزب الشيوعي من جماهيريته في تلك المنظمات والاتحادات والنقابات ذات التأثير الكبير على سير الأحداث. .
ولم يكن عبد الكريم قاسم، ولا البرجوازية الوطنية المتمثلة بالحزب الوطني الديمقراطي، بقادرين على استقطاب تلك المنظمات والاتحادات، والنقابات، والسيطرة عليها، فكانت النتيجة أنْ وقعت جميعها تحت سيطرة أعداء الثورة، والمتربصين بعبد الكريم قاسم نفسه، وبالحزب الشيوعي، سند الثورة العنيد والقوي. لقد فسح عبد الكريم قاسم المجال واسعاً أمام تلك القوى، من بعثيين ومدعي القومية من الرجعيين وأذناب الاستعمار، لكي يسيطروا سيطرة كاملة على تلك المنظمات والاتحادات والنقابات، بأسلوب من العنف والجريمة لم تعرف له البلاد مثيلاً من قبل.
كانت العصابات البعثية والقومية، وقد لفّت حولها كل العناصر الرجعية، تترصد لكل من يبغي الوصول إلى صناديق الاقتراع لانتخاب قيادات تلك المنظمات والاتحادات والنقابات بأسلحتها النارية، وسكاكينها، وعصيها، وحجارتها، لدرجة أصبح معها من المتعذر حتى للمرشحين الديمقراطيين والشيوعيين الوصول إلى صناديق الاقتراع، والإدلاء بأصواتهم، أفليست هذه هي الديمقراطية التي أرادها عبد الكريم قاسم؟ أن قاسم، شاء أم أبى، قد وضع السلاح بأيدي أعداء الثورة والشعب، لكي يتم نحر الجميع يوم الثامن من شباط 1963.

3 ـ انجرار الحزب الشيوعي وراء القيادة الكردية التي حملت السلاح ضد الثورة، مما أثار غيظ عبد الكريم قاسم، وخاصة بعد أن أقدم الزعيم على اعتقال المئات من كوادر ورفاق الحزب على أثر حملته [السلم في كردستان والديمقراطية للشعب] واستخدمها ذريعة لتوجيه ضربته للحزب، وتقليم أظافره.

4 ـ عدم التعامل الصارم مع تلك الدعوات التي كانت تتردد على لسان البعض من رفاقه وأصدقاء الحزب حول ضرورة استلام السلطة، بعد أن انقلب الزعيم على الحزب، والتي كانت القوى المعادية توصلها للزعيم قاسم مما أثار الريبة والشكوك لديه، كما أن البرجوازية الوطنية عملت على إقناعه بأن الحزب قد أصبح قاب قوسين أو أدنى لانتزاع السلطة منه.
اما الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين فقد اصيبوا بالفزع من تنامي قوة الحزب الشيوعي، وبدأوا يمارسون الضغوط على الزعيم قاسم للحد من النشاط الشيوعي في العراق، فقد صرح رئيس جهاز المخابرات الأمريكية آنذاك [ ألن دلاس] وقد راعه تلك المسيرة الجبارة في الأول من أيار بقوله { إن أخطر ما يواجه عالمنا اليوم هو الوضع في العراق}.

5 ـ الأحداث التي رافقت قمع انقلاب الشواف : لقد كان للحزب دور أساسي في قمع انقلاب العقيد الشواف، وحماية الثورة، لكن الفوضى سادت في المدينة، وبات من المتعذر السيطرة على الأوضاع فيها خلال الأيام الثلاث التي تلت الانقلاب حيث وقعت بعض أعمال القتل والسحل من قبل عناصر لا علاقة للحزب بهم، وجرى لصقها بالشيوعيين، لكن الخطأ الوحيد الذي وقعت فيه قيادة الحزب في الموصل هو محاكمة 17 وإعدام فرداً من المشاركين في الانقلاب خلافاً للقانون، وكان المفروض تسليمهم للسلطة لمحاكمتهم أمام المحاكم العراقية.

6 ـ تماهل قيادة الحزب في كركوك في وقف الصدامات بين الأكراد والتركمان خلال الاحتفالات بالذكرى الأولى لثورة 14 تموز، ولم تتخذ الإجراءات السريعة للسيطرة على الموقف، مما أدى إلى وقوع العديد من الضحايا التركمان، وحرق العديد من المحلات التجارية والمقاهي والدور العائدة لهم، وقد جرى من قبل القوى المعادية للثورة زج اسم الحزب في الصراع الكردي التركماني ، وقد جرى استغلال تلك الأحداث بالإضافة لأحداث الموصل من قبل الزعيم عيد الكريم قاسم كذريعة لتوجيه ضربته للحزب الشيوعي، حيث جرى اعتقال المئات من رفاقه وجرى إحالتهم إلى المجالس العرفية [ المحاكم العسكرية]، والتي حكمت عليهم بعقوبات قاسية جداً وصلت حد الإعدام كما سهلت السلطة للقوى الرجعية في الموصل وللأجهزة الأمنية لحملة الاغتيالات الإجرامية التي طالت الشيوعيين وجماهير الحزب والتي ذهب ضحيتها ما يناهز 1000 شهيد، من دون أن تؤدي السلطات الأمنية واجبها في إلقاء القبض على القتلة وأحالتهم إلى المحاكمة ، بل كانت تكتفي فقط بالقبض على الضحايا!!.وقد أدت تلك الجرائم إلى هجرة أكثر من ثلاثين ألف عائلة من الموصل إلى المدن العراقية الأخرى للنجاة بحياتهم.
وهكذا مهدت سياسة الزعيم الطريق لإعداء الثورة لإنزال ضربتها القاضية بثورة 14 تموز المجيدة وقيادتها، وأغرقت البلاد بالدماء في 8 شباط 1963.

ألأخطاء التي ارتكبتها القيادة الكردية بحق الثورة والزعيم
لقد أخطأت قيادة الملا مصطفى البارزاني في جر الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى حركة التمرد التي قادها الإقطاعيان [رشيد لولان] و[عباس مامند]، وحمل السلاح بوجه السلطة الوطنية، ولجوء السلطة إلى القوة العسكرية لحل التناقض مع الأكراد، مما سبب إضعافاً خطيراً للسلطة، وشق جبهة الاتحاد الوطني، ودفع الحزب الديمقراطي الكردستاني للتعاون مع انقلابيي 8 شباط، ومع التمرد الرجعي لرشيد لولان وعباس مامند المدعم من قبل الإمبريالية الأمريكية وحليفها [شاه إيران].
ففي الفترة بين 20 ـ 23 تموز أجتمع السفير الأمريكي في طهران [ هولمز] بالشيوخ المتمردين، وتم إرسال [ علي حسين أغا المنكوري ] على رأس عصابة مسلحة بالأسلحة الأمريكية، وبإشراف خبراء أمريكان، ليفرض سيطرته على ناحية [تاودست ] ، كما أعترف الأسرى من المتمردين بأنهم يحصلون على العون والأسلحة من الولايات المتحدة، وبريطانيا عن طريق إيران .
وعلى الرغم من أن الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن يحمل أفكاراً شوفينية تجاه القومية الكردية، وأن استقباله للسيد مصطفى البارزاني، ورفاقه العائدين من الاتحاد السوفيتي، وتكريمهم، والتأكيد على الحقوق القومية للشعب الكردي في الدستور المؤقت، كل ذلك يؤكد هذا الموقف لدى الزعيم.
لكن القيادة الكردية انزلقت نحو التعاون مع تلك القوى القومية التي نفذت انقلاب 8 شباط 963، والتي كانت غارقة في شوفينيتها، وكراهيتها للشعب الكردي، والتي خدعت القيادة الكردية بوعود شفهية كاذبة بتحقيق الحكم الذاتي للأكراد، ولم تصبر على المباشرة بقمع الحركة الكردية بعد نجاح انقلابها سوى أقل من أربعة أشهر، منزلة الخراب والدمار بكردستان بشكل وحشي يندى له جبين الإنسانية.
إن تلك الكارثة التي حلت بالعراق وشعبه، وأوصلت حزب البعث الفاشي إلى السلطة، وتولي الدكتاتور الأرعن صدام حسين السلطة، وما جره حكمه الإرهابي، وحروبه الدموية الكارثية، تستدعي من سائر القوى الوطنية كافة هذا اليوم أن تتعلم الدرس البليغ من تلك الأحداث، لكي لا تقع في تلك الأخطاء وتدخل في صراعات فيما بينها، وعليها أن توحد جهودها في جبهة وطنية عريضة، وتتفق فيما بينها على الخطوط العريضة لبناء عراق ديمقراطي تعددي، وتشريع دستور علماني، ويصون الحقوق والحريات العامة للشعب بكافة مضامينها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، ويصون التآخي القومي والديني والطائفي في البلاد، وهذا هو السبيل الوحيد للخروج بالعراق من هذا المأزق الواقع فيه اليوم نتيجة الأعمال الإرهابية التي تمارسها نفس تلك القوى الرجعية التي أسقطت حكومة عبد الكريم قاسم، واغتالت ثورة الرابع عشر من تموز، وأغرقت العراق بالدماء، وجرت على شعبنا كل الويلات والمآسي التي عشناها طيلة 61 عاماً قاتمة السواد، ولاشك الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب العراقي حتى اليوم هي نتاج لانقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963.
المجد لثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.
المجد والخلود لقائد ثورة 14 تموز الشهيد عبد الكريم قاسم وصحبه الأبرار
المجد لشهداء الحركة الوطنية الذين قضوا تحت التعذيب في زنازين البعثيين .



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة 14 تموز والصراعات الحزبية واخطاء الزعيم عبد الكريم قاسم ...
- العراق يُغتصب وزعماء الكتل يتصاعون على المناصب!!
- حذار: العراق بات على شفير الحرب الأهلية الطائفية المدمرة
- الانتخابات البرلمانية القادمة وحلم الشعب بعراق ديمقراطي
- شهادة للتاريخ/ انقلاب العقيد الشواف في الموصل والاحداث التي ...
- شهادة للتاريخ: انقلاب العقيد الشواف بالموصل والاحداث التي را ...
- من أجل تحرر المرأة العربية وتمتعها بحقوقها الديمقراطية
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط واغتيال ثورة 14 تموز/ الحلقة الثا ...
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط الفاشي واغتيال ثورة 14 تموز
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط الفاشي واغتيال ثورة 14 تموز/ الحل ...
- من ذاكرة التاريخ : وثبة كانون الثاني المجيدة عام 1948
- هل يشهد العالم نهاية وحدانية القطبية الأمريكية وانفرادها بقي ...
- دعوة للتضامن مع كفاح المرأة العراقية من أجل تحررها ومساواتها ...
- أمريكا والعراق، وديمقراطية آخر زمان!
- دعوة مخلصة لوحدة كل القوى والتيارات الديمقراطية والعلمانية ف ...
- في الذكرى الثالثة والاربعين لرحيل عبد الناصر/ عبد الناصر وال ...
- في الذكرى الثالثة والأربعين لرحيل عبد الناصر / عبد الناصر وا ...
- في الذكرى الثالثة والاربعين لرحيل عبد الناصر/عبد الناصر والس ...
- حوار حامد الحمداني مع رئيس تحرير صحيفة سيفيل الكردية فيصل خل ...
- حوار حامد الحمداني مع رئيس تحرير صحيفة سيفيل الكردية فيصل خل ...


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم والصراعات الحزبية