|
عن حكومة تحتكر الإرهاب: حكر أبو دومة
علاء الاسوانى
الحوار المتمدن-العدد: 1275 - 2005 / 8 / 3 - 11:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
فى وسط القاهرة، بالقرب من كورنيش النيل، بجوار الفنادق والمبانى الفاخرة التى يسكنها الأغنياء، توجد منطقة عشوائية اسمها.. حكر أبو دومة.. يعيش فيها آلاف المصريين بلا ماء ولاصرف صحى ولاخدمات من أى نوع، وهم جميعا معدمون، الرجال عاطلون عن العمل والأطفال يتسولون والنساء يعملن خادمات وربما فى الدعارة، لم أسمع عن حكر أبو دومة حتى رأيت فيلما تسجيليا عنه للمخرجة الشابة الموهوبة ايناس سيف، التى حملت كاميرتها لتنقل لنا الحياة اليومية لهؤلاء البؤساء، فرأينا كيف يصطف أهل أبو دومة جميعا كل صباح، نساء ورجالا وأطفالا، فى طابور طويل حتى يتمكنوا من مجرد غسل وجوههم فى الحنفية الوحيدة البعيدة جدا عن منطقتهم، رأينا كيف يعيش كثير من سكان الحكر مع الحيوانات فى مكان واحد، وكيف تنحشر أسر بأكملها فى حجرة واحدة، قال أحد سكان الحكر فى الفيلم: نحن لسنا أحياء بل ميتون.. كثيرا ما أفكر أن الموت بالنسبة لنا رحمة.. وتساءل بائس آخر: هل هذه بلدنا فعلا أم أن الحكومة لا تعتبرنا مصريين؟. و ظهرت فى الفيلم سيدة تنام مع زوجها وخمسة أطفال فى حجرة واحدة، فشرحت لنا كيف يستلقون آخر الليل بالعرض، البعض على الأرض والبعض على السرير الوحيد، حتى يحشروا أجسادهم المنهكة ويناموا.. ثم صمتت السيدة قليلا وقالت بحزن:: طبعا فى ظروفنا دى أولادنا لازم يطلعوا مجرمين.. أمال يعنى يطلعوا دكاترة..؟... ماذا فعلت الدولة لانقاذ هؤلاء.؟.. لاشيء على الاطلاق.. كل ما فعلته الحكومة أنها زرعت غابة من النخيل والشجر حول حكر أبودومة حتى تخفيه عن الأنظار وكأنه لا يوجد، وعندما يمر فى المنطقة أشخاص مهمون تدفع وزارة الداخلية بعشرات من جنود الأمن المركزى ليحاصروا حكر أبو دومة حتى لا يطل البؤساء برؤوسهم على موكب الزائر الكبير فيفسدوا المنظر الجميل المعد لاستقباله..
فكرت وأنا أشاهد الفيلم: ماذا لو تسلل شاب من فقراء أبو دومة..الى فندق هيلتون رمسيس المجاور ثم قتل أحد النزلاء واستولى على ماله..؟ ستكون جريمة بشعة، ولكن هل من العدل أن نعتبر هذا الشاب وحده مسئولا عنها..؟ أم أن الدولة التى تسببت فى افقاره وقمعه ويأسه.. تعتبر شريكا فى الجريمة..؟. تذكرت حكر أبودومة وأنا أتابع تفجيرات شرم الشيخ..حزنت، مثل المصريين جميعا، من أجل الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم بلاذنب،.. لكنى تساءلت: ما الذى يدفع شابا فى مقتبل العمر، الى الانتحار بتفجير نفسه وقتل أناس لايعرفهم بطريقة عشوائية..؟....هناك فى رأيى أكثر من إجابة:
1- عندما تم اغتيال أنور السادات.. كتبت جريدة الجارديان: انها حقا جريمة فظيعة ولكن، يجب على القاريء الانجليزى أن يتذكر أن السادات مثل أى حاكم عربى لم يترك لمواطنيه طريقة أخرى لتغييره.. هذه الجملة تفسر لنا لماذا يظهر الإرهاب عادة فى البلاد الديكتاتورية..؟ هل سمعنا عن شاب هولندى أو سويدى يفجر نفسه ليغتال رئيس الجمهورية أو أحد الوزراء هناك..؟.. المواطنون فى البلاد الديمقراطية لا يحتاجون الى قتل الحاكم.. لأنهم ببساطة يستطيعون تغييره فى أى وقت عن طريق صناديق الاقتراع..مصر يحكمها نظام لم ينتخبه أحد لكنه جثم على صدور المصريين ربع قرن و هو عازم على البقاء الى الأبد..ألا يعد اغتصاب السلطة إرهابا..؟ ألا يعد تزوير إرادة المصريين فى الانتخابات إرهابا..؟ والعبث بالدستور من أجل تمكين الرئيس وابنه من حكم مصر كما يريدان.. ألا يعتبر إرهابا..؟..أليس من الطبيعى أن يقدم الناس على عمليات إرهابية من أجل تغيير الحكم بالقوة، اذا انعدمت أمامهم فرص التغيير السلمى..؟.
2- يعيش فى مصر طبقا للأرقام الحكومية 37 مليون شخص تحت خط الفقر و7 ملايين عاطل، وفى القاهرة ذات ال15 مليونا، يعيش واحد من كل ثلاثة مواطنين فى مناطق عشوائية، صار ملايين المصريين يائسين تماما من المستقبل: لاعمل ولامسكن ولا فرصة فى الزواج ولا التعليم ولا حتى العلاج اذا مرضوا... إفقار الناس واذلالهم وحرمانهم من حقوقهم البسيطة فى الحياة بينما الحكام وأتباعهم ينعمون بثروات أسطورية..ألا يعتبر كل ذلك إرهابا.. من الطبيعى أن يقابله إرهاب مضاد..؟..
3- تستعمل أجهزة الأمن أبشع وسائل القمع فى التعامل مع المصريين، هناك على الأقل أربعون ألف معتقل قضوا فى الحبس أعواما طويلة بلا تهمة ولا محاكمة..أبشع أنواع التعذيب تمارس يوميا ضد المشتبه فيهم السياسيين والجنائيين جميعا، اعتاد ضباط الشرطة التعذيب حتى أصبحوا يمارسونه لأهون سبب، فيكفى أن يتوسط شخص مهم لدى أحد الضباط حتى يقوم بالتنكيل بخصومه بغض النظر عن وجه الحق فى النزاع.. كل عام يموت من شدة التعذيب عشرات المصريين فى مقار الأمن التى تحولت الى سلخانات بشرية.. فى أعقاب تفجيرات طابا الأخيرة تم القبض على 4 آلاف مواطن من سيناء.. وقد أجمعت التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الانسان، على أن ضباط أمن الدولة، بالاضافة الى ضرب المعتقلين وتعليقهم كالذبائح وصعقهم بالكهرباء فى أعضائهم التناسلية، كانوا يأمرون باحضار زوجات المعتقلين وأمهاتهم وأخواتهم ثم يخلعون ثياب الواحدة منهن حتى تتعرى تماما ويأمرون الجنود بالعبث بأيديهم فى جسدها أمام زوجها أو ابنها حتى يدفعوه الى الادلاء بمعلومات..؟ هل يوجد إرهاب فى العالم أبشع من هذا..؟ ماذا يتوقع النظام المصرى من رجل رأى الجنود ينتهكون عرض زوجته أمامه..؟ هل سيهدى اليهم الورود..؟.. أم أنه سيفعل أى شيء من أجل الانتقام لشرفه وانسانيته المهدرة..؟
4- بقيت الأسباب الدينية للإرهاب.. والحق أن المد الاسلامى فى مصر، فى جانب منه، ظاهرة اجتماعية تعود الى تفشى الفقر و ازدياد الفوارق الطبقية بشكل فاحش منذ السبعينيات، الفقراء الذين فقدوا الأمل فى العدل لم يعد لهم سوى ربنا سبحانه وتعالى لينصفهم فى الآخرة بعد ما ظلموا فى الدنيا.. سبب آخر لهذه الظاهرة: أن ما لايقل عن ربع المصريين قد عملوا فى الخليج وعادوا من هناك بمفهوم شكلى مغلق للاسلام يحصر التدين فى المظهر والعباءات.. فيكون واجب المسلم أن يصلى ويصوم ويخرج الزكاة ويلتحى ويرتدى جلبابا ويدفع زوجته وبناته الى التحجب أو التنقب.. بينما يظل قليل الاهتمام بحقوقه السياسية، لأنه طبقا لهذا المفهوم يجب على المسلمين طاعة الحاكم حتى وان كان ظالما مادام ينطق بالشهادتين ويؤدى الصلاة.. وقد تبنى النظام المصرى هذا المفهوم الخاطيء للاسلام وروج له سنوات عديدة.. وخلال ثلاثين عاما لم يخل التليفزيون المصرى يوما واحدا من مشايخ السلطان الذين يدعون المسلمين الى التدين الشكلى.. كان الهدف بوضوح اسقاط المصريين فى حالة من الغيبوبة تجرهم الى قضايا ونزاعات فرعية ينشغلون بها عن محاسبة الحكم المستبد.. وقد ظل الاسلام الشكلى يصب فى صالح النظام حتى جاءت لحظة انقلب فيها السحر على الساحر وبدأ الوجه التكفيرى القبيح لهذا المذهب يهدد النظام بشدة.. وحاول النظام أن يتخلص من الشبح الذى استحضره بيديه ولكن بعد فوات الأوان.. فقد أصبح الفكر التكفيرى مرتبطا بظروف موضوعية لا بد من تغييرها حتى يتغير. إن الدعوة الى تصحيح المفاهيم الاسلامية، قد تكون مشفوعة بالنوايا الطبية لكنها تظل وحدها غير مجدية،. فالفكر الدينى لا يمكن مناقشته بعيدا عن سياقه الاجتماعى.. ولو أخذنا نموذج السكان فى حكر أبودومة.. فان حياتهم البائسة ستدفعهم قطعا الى تبنى أكثر المذاهب الدينية تشددا، لأنها تعبر أكثر من سواها عن شعورهم بالسخط ورغبتهم فى الانتقام ممن تسببوا فى بؤسهم.. الدعوة الى الاسلام الصحيح يجب أن يسبقها رفع الظلم وتحقيق العدل الاجتماعى.. عندما تصل المياه العذبة والصرف الصحى ويتم بناء مساكن تليق بالآدميين فى حكر أبودمة.. عندئذ فقط سيتخلى الفقراء عن أفكارهم المتطرفة...
ان موجة الإرهاب التى تعصف بمصر الآن، بقدر ماهى مؤسفة، ليست سوى رد فعل طبيعى لإرهاب أشنع بكثير يمارسه النظام المصرى ضد مواطنيه منذ عقود.. عندما يحظى المصريون بحياة عادلة كريمة ويختارون من يحكمهم بحرية.. عندما تتحقق الديمقراطية ويتوقف إرهاب الدولة سيتوقف الإرهاب ضدها.
كلمات للتأمل مصادرنا الرسمية، القوية، تؤكد مقتل السفير إيهاب الشريف فى العراق.. بنسبة تتراوح من 94 الى 96 فى المائة.. - أحمد أبو الغيط..- جريدة الوفد
الاسلام يدعو اخواننا فى العراق الى عدم تدمير أنابيب البترول - محمد طنطاوى شيخ الأزهر - جريدة المصرى اليوم
الضابط النقيب كريم راتب ضرب زوجتى وهددها بالاغتصاب أمامى ثم دخل وراءها الى حجرة النوم وجذبها لينزل بها عارية للشارع فهربت منه وقفزت من النافذة فسقطت جثة هامدة.. صعدت روحها الى ربنا سبحانه وتعالى تشكو له الظلم.. - المواطن سيد شيخ العرب - لجريدة التجمع
طوال حياتى لا أحب الرفاهية.. ولم أكره قدر الذين يمدون أيديهم الى مال الغير ولن أدارى على انحراف حتى ولوكان من أقرب الناس الى.. - الرئيس مبارك عام 1981. - جريدة الدستور
شركة واحدة يملكها جمال مبارك اسمها ميدانفستمنت.. يبلغ رأسمالها 750 مليون جنيه... -
#علاء_الاسوانى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دهس تلاه إطلاق نار.. كاميرا ترصد اللحظة المروعة في نيو أورلي
...
-
اجتماع سعودي مع أول وفد سوري يزور المملكة بعد سقوط بشار الأس
...
-
نتنياهو يغادر المستشفى بعد خضوعه لجراحة استئصال البروستاتا
-
بعد منعه من أداء امتحاناته وحرمانه من الزيارة .. -تغريب- محم
...
-
هروب -مثير- لركاب مغاربة من طائرة هبطت اضطراريا بمطار مالطا
...
-
تقرير إسرائيلي يثير الجدل على مواقع التواصل حول إقالة عباس
...
-
-من الشهادة في سبيل الوطن- إلى -في سبيل الله-.. تعديلات تربو
...
-
-زنوبيا- تُحذف من المناهج السورية.. فهل كانت مجرد شخصية خيال
...
-
العلاقة الغامضة بين هجومَي لاس فيغاس ونيو أورلينز بدأت تتكش
...
-
لحظات مريرة في غزة: تدافع الجائعون على كشك طعام في خان يونس
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|