أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - أمريكا والعالم: أمن بلا أمن















المزيد.....

أمريكا والعالم: أمن بلا أمن


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 330 - 2002 / 12 / 7 - 10:08
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


 

أخبار الشرق - 6 كانون الأول 2002

إذا كان العقد المنصرم قد سجل قفزة نوعية في قوة الولايات المتحدة زيادة هائلة في وزنها في النظام العالمي والسياسة الدولية، فقد سجل كذلك تمددا أكبر لها وانتشاراً أوسع وأعمق لمصالحها وأدوات نفوذها في شتى أرجاء العالم، لكن بموزاة هذين التطورين يبدو أن مصادر التهديد زادت واتسعت المخاطر الأمنية. هكذا تشعر الولايات المتحدة بتهديد لمصالحها القومية لا في نصف الكرة الغربي الخاضع منذ بداية العقد الثالث من القرن التاسع عشر لمبدأ مونرو (منع القوى الأوربية من التدخل في شئون القارة الأمريكية)، ولا في الشرق الأوسط الذي وُسِّع مبدأ كارتر ليشمله كله (الولايات المتحدة ستحارب إذا تعرضت إمدادات النفط لأي تهديد)، بل كذلك حول بحر قزوين وفي روسيا وبحر الصين وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا ثم شرقها .. أي عملياً في كل مكان من العالم.

وترتسم هكذا مفارقة أولى: تزداد الولايات المتحدة قوة وتزداد شعورا بانعدام الأمن. وإذ يقود انتشار مصالحها وأدوات نفوذها إلى جعلها الدولة الوحيدة في العالم التي تحد كل دول العالم الأخرى، فإن الوجه الآخر لتمدد "الامبراطورية" الأمريكية هذه يتمثل في أن كل دول العالم الأخرى تغدو منابع محتملة للتهديد الأمني. وهذا يقتضي المزيد من القوة والإجراءات الأمنية التي تعني بدورها التوسع والتمدد، وبالتالي مخاطر جديدة .. وهكذا. هذا الواقع هو الأساس العقلاني لدهشتنا حين نقرأ عن المخاوف الأمنية الأمريكية وعن التهديدات التي ترى الولايات المتحدة أنها تتعرض لها إلى درجة أنها عادت مجددا إلى زيادة ميزانيتها الدفاعية ونسبة إنفاقها الدفاعي إلى موازنتها العامة. تصدر الدهشة عن افتراض ضمني بأن الدول الأقوى هي الأمنع وهي الأكثر شعورا بالأمن، وأن الدول الأضعف أكثر هشاشة وأقل شعورا بالأمن. إن هذا الافتراض مستبطن بالفعل في مفهوم الدولة الحديثة التي لا يمكن إلا أن تكون قوية إن شاءت أن تطابق مفهومها كسلطة سيادية. وضمن هذا المفهوم يقترب تعبير الدولة الضعيفة من أن يكون تناقضا في الألفاظ، ويعاش كقصور وعاهة، أو كفساد بالمعنى الكينوني للكلمة الذي أعاد التذكير به نيغري وهارت في كتابهما "الامبراطورية". غير أن الدول الضعيفة مُنحت التعويض الذي يناله الفقراء عادة: راحة البال، أو بعبارة أخرى ضعف الحساسية حيال تغيرات ومخاطر البيئة الدولية؛ تماماً كما عوقب الأغنياء القادرون بالهم والخوف على ما بأيديهم. وليس من الصعب أن نكشف أن السر في هذه المفارقة هو ازدواج معنى كلمة أمن. فهي شعور من جهة، ثم جهاز وقوة وسلاح من جهة أخرى. وليست العلاقة بين الاثنين بدهية كما تشير عشرات الأمثلة حولنا. فإسرائيل القوية والتي تلتزم الولايات "بالمحافظة على، وتعزيز، أمنها وتفوقها النوعي على أي مجموعة من الأعداء" وفقاً لآخر صيغة لهذا الالتزام وردت في مذكرة تبادلتها الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية في 15/11/2002، حول المساعدات الأمريكية لإسرائيل في عام 2004، إسرائيل النووية هذه تشارك الولايات المتحدة مخاوفها الأمنية من قوى أضعف منها بكثير. والدول العربية ليست أقل وسوسة بالأمن واعتماداً على القوة والأجهزة الأمنية لإرواء عطشها الأمني. والغرض في كل الحالات تعزيز نظام القوة والسيطرة والحفاظ على بنى السلطة الامتيازية، سواء على الصعيد الدولي (الولايات المتحدة) أو على الصعيد الإقليمي الشرق أوسطي (إسرائيل) أو على الصعيد المحلي (نخب السلطة العربية).

والحال إن "النظام الوستفالي" المبني على تكافؤ السيادة، كما تعبر عنه عضوية جميع الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقوم بالضبط بإخفاء حقيقة لا تكافؤ القوة والسيادة والسلطة على الصعيد الدولي. ففي العالم الواقعي وخلافا لعالم نظرية الدولة ومفهوم السيادة تشكل الدولة الضعيفة القاعدة المطردة بقدر ما تشكل الدولة القوية استثناء يزداد ندرة. علماً أن ضعف الدول وقوتها من وظائف النظام الدولي دائما، ولا يمكن أن يفهم إلا على أرضيته، وخصوصا في عالم ما بعد الحرب الباردة. وعلى هذه الأرضية لا تكون الدولة قوية إلا إذا أمكن لها احتلال موقع في النظام يتيح لها الإفادة من التفاعلات الدولية، الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية، التي تميزت دائما بطابعها الاستقطابي. وضعفها بدوره مرهون بموقعها غير الملائم في النظام. وفي الحالين لم يعد للنظام خارج يلجأ إليه، فالانسحاب من النظام اليوم لا يعني تضاؤل فرص الدولة في القوة بقدر ما يعني أن فرصها في البقاء هي التي تغدو مهددة، وهذا ينطبق اليوم بقوة على العراق وكوريا الشمالية وكوبا. وفي هذا النظام العالمي الواقعي تحتل الولايات المتحدة الموقع الأفضل للإفادة من مزايا العولمة كما ينقل مايكل هدسون عن ستيفن بروكس ووليام وولفوورث (مجلة "المستقبل العربي"، 10/2002)، علماً أن العولمة هي الاسم الآخر لنسق التفاعلات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وهي، أي الولايات المتحدة، تعمل بكل وعي على منع أية دولة أو تحالف دول من أن يصبح قوة عظمى تحاول التفوق عليها أو مضاهاتها حسب تقرير الاستراتيجية الأمنية الأمريكية (وجهه الرئيس بوش إلى الكونغرس في 20/9/2002). وبهذا يتضمن ضعف الدول وقوتها عنصر إضعاف وعنصر تقوية، أي عنصراً قصديا بل تآمريا.

والشرط الأمثل لاستمرار الولايات المتحدة في موقعها الامتيازي هذا هو بيئة أمنية دولية حافلة بالمخاطر والتعقيدات كما يعبر التقرير نفسه، حتى لو لم يظهر هذه الشرط الأمثل فيه إلا كاستقراء موضوعي. فالميزة الأولى لصانع النظام العالمي، بل تعريف هذا الصانع، أنه يجد إرادته مدونة في الوقائع الموضوعية، وتنطق بقراراته الحقائق البدهية. ولذلك تجد الولايات المتحدة نفسها دائما مضطرة لفعل ما يناسبها تماما، وتتطابق في تخطيطها الستراتيجي الخلاصات التحليلية مع التفضيلات العقائدية، والمصالح مع القيم كما يقول التقرير ذاته دائماً. بعبارة أخرى البيئة الدولية حافلة بالمخاطر لأن الولايات المتحدة تريدها كذلك، ولأنها لا تستطيع تحقيق برامجها في السيطرة العالمية دون "إنتاج" الأخطار أو صنع الأزمات التي تستفز رغبتها في الضرب وصوغ العالم كمجال للقوة. لهذا يدرك الأمريكيون العالم بلغة الأخطار بينما يدركه الأوربيون بلغة المشكلات حسب روبرت كاغان، وقد ندركه نحن بلغة القدرية السياسية إن لم يكن بلغة التوسل كما قال قائل.

برزت خلال العقد الأخير نفسه أنواع جديدة من الحدود والتحديات أمام السياسة الدولية للولايات المتحدة. فهذه السياسة لا تستطيع الإمعان في محاصرة الدول وإضعافها دون المجازفة بأن "تفشل" هذه الدول وتصير منبعا لـ "الإرهاب" والفوضى؛ كما لا تستطيع دعم الدول وتقويتها دون أن تجازف بأن تتمرد هذه عليها وتفكر بالاستقلال، وهو الإغراء الطبيعي لكل الدول في ظل نظام السياسة الدولية المؤسس على القوة. والميزة التي تنفرد الولايات المتحدة بامتلاكها اليوم هي موقعها غير المسبوق في النظام الدولي. وهذا الموقع لا يتيح لها أن تتحكم بالتناقضات التي تنتجها سياستها فحسب، بل وأن تستفيد منها كذلك لتحريض ديناميكية تراكم القوة لديها. فكأن الولايات المتحدة لا تكتفي باحتلال قمة جبل القوة التاريخي وإنما تحتكر أيضاً تحديد المستويات الحرجة للارتفاع والانخفاض المسموح للآخرين ببلوغها. وما يجعل من هذا الوضع حاملا بالفعل لكل أنواع المخاطر على العالم هو أن قاعدة الجبل ضيقة جدا بالقياس إلى ارتفاعه.

يبدو عالم بداية القرن الحادي والعشري خطراً جداً ويزيد من خطره أنه فاقد للتوازن لأنه يكاد يستند استنادا حصريا إلى القوة؛ وهو إلى ذلك مختل العقل لأنه يعتقد بإمكانية تحقيق كل شيئ بالعقل الأداتي، عقل القوة.

لقد انبنت السياسة دائماً على القوة والحرب كما رأى ميشيل فوكو، لكننا لا نبدأ بالتحدث عن السياسة إلا بقدر ما تبتعد عن القوة الخام. السياسة هي مسافة الابتعاد هذه. اليوم تضيق هذه المسافة على صعيد العلاقات الدولية، مما يجعل العالم غير متوازن قدر ما هو قاس ومخيف وغير آمن. وبالعودة إلى مفارقة تنامي القوة وتنامي الشعور بالمخاطر الأمنية ندرك انه لا حل لهذه المشكلة ضمن منطق القوة وسياسة القوة، ولن تقود اية حلول مؤقتة على أرضية القوة إلا إلى الانحلال والفوضى وشريعة الغاب. قد يتوجب أن نبادر إلى تغيير عاداتنا العقلية المكتسبة خلال العقدين الأخيرين ونعيد الاعتبار إلى الطوبى والتفكير الطوباوي كما يدعو مؤلفا "الامبراطورية". فالمشكلة ليست في خروج الولايات المتحدة على نظام السياسة والعلاقات الدولية، المشكلة هي هذا النظام ذاته.

__________

* كاتب سوري - دمشق

 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على ضوء التطورات-: التجمع الوطني الديمقراطي يقرر انتخاب نفسه ...
- تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط-
- التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟
- من منع الهجوم على العراق إلى تجديد الحياة السياسية العربية
- نقاش أمريكي في الشأن عراقي
- سورية في إطار الحملة على العراق
- تأملات على أعتاب شرق أوسط جديد
- نظرية الرؤوس الحامية وفلكلور الخطاب
- موقع الدول العربية على مقياس التنمية الإنسانية
- بعض جوانب إشكالية المجتمع المدني في سورية
- ازمة المعارضة السورية: لا معارض بل عدو
- خطاب الغضب العربي
- وعـي اللحظة الراهنة


المزيد.....




- هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش ...
- القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح ...
- للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق ...
- لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ...
- مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا ...
- رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
- الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد ...
- بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق ...
- فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
- العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - أمريكا والعالم: أمن بلا أمن