محمود ابوحديد
الحوار المتمدن-العدد: 4505 - 2014 / 7 / 7 - 17:21
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
كتب الرفيق شريف عزالدين " لو كان مبارك استمر او جمال حكم ولو كان مرسى استمر او شفيق حكم..كنا هنوصل لنفس المرحلة اللى احنا فيها ..ليه بقى ؟ لان كلهم حكومات رجأل اعمال وافكارهم راس مالية والنظأم الراس مالى بينهار فى العالم كله وعشان تستمر الحكومات الراس مالية وتنقذ نظأمها ومصالحها فبتلجأ لاجراءت تقشفية زى رفع الدعم والاسعار وبالتالى فشخ الشعب ..ليه بقى ؟؟ عشان تهيا ارضية خصبة لرجأل الاعمال والمستثمرين فيضخوا ملياراتهم ويستثمروا عندهم ويطمنوا ان الحكومة بتفشخ شعبها فهيسددوا اقساط القروض وهيدوهم امتيازأت وتسهيلات فيقدروا يفشخوا الشعب اكتر من الحكومة ويحققوا ارباح اكتر...حد فاهم حاجه"
في الثلاث ايام الاخيرة, وبسبب قرارات (الغاء تموزيع السلع التموينية واستبدالها بالدعم المالي - رفع اسعار السجاير - رفع اسعار البنزين والجاز ) تولدت في شوارع ومواصلات اغلب محافظات مصر ملايين النقاشات التي تنتقد الحكومة وقراراتها.. قد يكون"الكلام في السياسة" الشجاعة والجرأة في انتقاد ورقابة الحكومة وقراراتها هي النجاح الوحيد الذي حققته الثورة. لكن النقاشات الشعبية تحتاج الى الصوت والرأي الثوري وتجاه هذا بالضبط يجب ان يضبط الثوريين بوصلتهم .. نحو رفع وعي الجماهير.
كان الثوري الروسي فلاديمير لينين مولعا بشعار "اشرح بصبر" الذي يعني ان واجب الثوريين هو الانخراط في النقاشات والنضالات الشعبية التي تندلع في مناطق نفوذهم ليشرحوا آفاق ومهام نجاح الثورة. هكذا فقط يمكن ان تنجح وتنتصر الثورة.. بان تكون الجماهير مقاومة وثائرة دائما.
التالي هو ملخص نقاش دار ليلة رفع اسعار البنزين والجاز في احد ميكروباصات الاسكندرية :
احد الرفاق مخاطبا السائق : زادت اجرة المواصلات من والى محل عملي من 1.5 الى 2.00 ثم 2.50 ثم 3.00 جنيهات .. يرفض اغلب الركاب ما يسمونه "استغلال السائق" لكني اشرح وأؤكد لهم ان زيادة نصف جنيه لن تضر الراكب بقدر ما ستضر السائق في حال عدم دفعها ! لكن هناك مواطنين تقل أجورهم عن 600 جنيه.. هؤلاء لن يستطيعوا مواجهة الزيادة المضطربة في الاسعار.
السائق : الاضراب وليس زيادة الأجرة هو الرد الأمثل على زيادة سعر الجاز. لابد من وقفة حقيقية لاجبار الحكومة على التراجع عن هذا القرار. المشكلة ان بعض السائقين سيفكر هكذا : انسب وقت للعمل هو وقت الاضراب .. في اضراب العام الماضي ضد تضاعف أسعار الغرامات كنا نمنع السائقين الكاسرين للاضراب بالقوة.
الرفيق : لابد من وجود رابطة او لجنة لسائقين المحطات والمناطق لشن مثل هذه الإضرابات بنجاح.
السائق : زيادة الأجرة بدلا من الاضراب يعني وضع الحمل والمشكلة على المواطن. أسعار السلع كل السلع هتغلى, جميع الاسعار سترتفع على الاقل كنتيجة لارتفاع تكلفة النقل فهل ستتحرك الأغلبية لمنع هذه المهزلة. ان الحكومة تنهب المواطنين علنا وبالمقابل لا نتضامن نحن الأكثرية بل نتناحر وشعار كل فرد : نفسي نفسي.
ان وجود لجنة او نقابة او رابطة لسائقين الميكروباصات لا يعد ضرورة لضمان نجاح تحركاتهم فقط, لكن للوصول الى اتفاق موحد ومعمم بين السائقين حول : زيادة تعريفة واجرة المواصلات او التنسيق والتحضير لاضراب يجبر الحكومة على التراجع وإعادة دعم المحروقات. هذا يعني عمليا : تجميع كل المجموعات المشتركة المصالح للنضال من اجل تحقيقها.
قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة (السيسي-حمدين) اعلن الديكتاتور السيسي مجموعة من القرارات التي سيتخذها في حال تم تنصيبه رئيسا للجمهورية المصرية. من ضمنها رفع والغاء الدعم عن العديد من السلع والمنتجات.
وفي الأيام الثلاثة لانتخابات الرئاسة, اقرت الحكومة الموازنة المالية لعام 2014-2015 - قبل ان يتولى السيسي منصب الرئاسة - تلك الموازنة التي تنفذ توجيهات واقتراحات المواطن عبدالفتاح السيسي !
بدأ تفعيل الموازنة منذ ايام قليلة عندما اعلنت الحكومة العسكرية بقيادة السيسي انه وابتداءا من أغسطس 2014 سيحدد نصيب الفرد من دعم المواد الغذائية ب15 جنيه - ما يعادل دولارين شهريا - كما سيتم رفع الدعم عن السلع التموينية - مثل السكر والزيت والارز.
كما اختارت الحكومة العسكرية يوم 5 يوليو 2014 – أي بعد عام واحد من انتفاضة 30 يونيو - لتطبق احد اهم بنود موازنة العام الأول من فترة رئاسة السيسي : رفع والغاء الدعم عن المحروقات والمنتجات النفطية. سيؤدي رفع اسعار الوقود الى ارتفاع اسعار العديد من السلع نتيجة لارتفاع تكلفة نقلها. في الذكرى الاولى لانتفاضة 30 يونيو, تستغل الحكومة العسكرية حالة التأهب الشرطي والعسكري في مصر لتمرير قرار رفع الدعم عن مجموعة من السلع الهامة. لهذا بالضبط اجمعت جميع فصائل الثورة المضادة ورجال الاعمال (الليبراليين والديمقراطيين) على عبدالفتاح السيسي قائدا لمصر. لانه سيستطيع قمع الاحتجاجات التي ستسببها جركة الافلاسات والازمة الاقتصادية الحالية.
أكثر من 40% من سكان مصر يعيشون باقل من دولارين يوميا كما وصلت نسب البطالة الى معدلات مرعبة - 17% وفقا للنسب الحكومة والواقع يشير الى ارقام اعلى من ذلك بكثير, وبينما تمتلأ شوارع العاصمة والمحافظات الكبرى بالمشردين والمعدومين, فان مسؤوين ووزراءالحكومة المصرية يحتلون مكانة متقدمة دائما في اغلب مؤشرات الفساد لمنظمة "الشفافية الدولية". ان اغلب مواطنين مصر يشعرون بفساد وعمالة الحكومة حتى ولو لم يصرحوا بذلك. هناك شعور دائم وقوي لدى اغلب المواطنين بالذل والفقر والحرمان. لهذا بالضبط اندلعت ثورة يناير 2011
كان نظام مبارك يواجه مطالب واحلام المصريين في عيشة كريمة وعادلة بقانون الطوارئ؛ بحيث لم يكن مسموحا ابدا بتنظيم اضراب او احتجاج او حتى انتقاد النظام في الصحف. لذا لم يكن غربا باي حال ان ترفع ثورة يناير 2011 شعارين رئيسيين (الشعب يريد اسقاط النظام - عيش حرية عدالة اجتماعية)
حتى الان, وبعد اربع سنين ثورية, لم يتغير أي شيء سوى للاسوأ؛ بحيث تضاعفت أسعار السلع مرتين على الأقل. وفي نفس وقت زيادة الاسعار فان افلاس الراسماليين واغلاقهم لمصانع دفع العمال للبحث على مهن باجور اقل من عهد مبارك. ولذلك وبمجرد اندلاع الثورة, وطوال الاربع سنوات الماضية, رفع المصريون مطالبهم مستخدمين الاشكال التي اتاحتها الثورة : الهتافات والاضرابات والمظاهرات وانتزاع المطالب بالقوة العددية - يمكن مراجعة تصاعد نسب ووتيرة الإضرابات والاحتجاجات في السنوات الاربع الماضية بحيث استطاعت الاضرابات دائما ان تجبر الحكومة على الاستقالة وهكذا بالضبط سقطت 6 حكومات متتالية.
لاشك ان مطالب الثورة المصرية تتجاوز الحدود الديمقراطية (انتخابات نيابية ورئاسية- تغيير الدستور ..الخ) وتحمل مطالب ذات طابع اقتصادي واجتماعي صرف (ربط الأجور بالأسعار - زيادة الرواتب ونسب الأرباح ..الخ) - بالنظرالى الطابع الاقتصادي والاجتماعي لمطالب المصريين يمكن التأكيد ان اي حكومة داعمة للنظام الراسمالي ومشكلة من رجال الاعمال لن تتكمن ابدا من تطبيق مطالب الشعب التي يتطلب تطبيقها بالكامل اتخاذ قرارات ستؤدي الى اسقاط وهدم النظام الراسمالي وقوانينه بالكامل - ولان مطالب المصريين لم تتحقق بعد فإن الجماهير - التي توقفت حاليا عن الاحتجاج - ستبدأ في الاحتجاج من جديد خاصة مع القرارات الأخيرة لحكومة السيسي والتي ستجعل حياة ومعاناة المصريين اصعب اكثر فأكثر. ان الملايين التي هتفت "ثورة حتى النصر" ستظل تدافع عن مطالبها لحين تحقيقها. قد تمر فترات صمت وهدوء وسلام اجتماعي بين حكومة الفساد واغلب المصريين, لكن بالنهاية سيُكسر الصمت وسيتصاعد المد الجماهيري لاسقاط الحكومة.
يوصف الثوريون حكومة السيسي بالحكومة الديكتاتورية العسكرية. وستحاول أجهزة وكتائب قمع السيسي هزيمة وقتل أي حركة احتجاجية تهدف الى الغاء سياسات التقشف التي اقرتها وفرضتها - وستفرضها - حكومة السيسي. لكن الاعتقاد بان السيسي وحكومته العسكرية سيستطيعوا اجبار ملايين المصريين على السكوت والخضوع, هو اعتقاد يمكن البرهنة على خطأه باستدعاء واقع وسيرورة الجماهير في عهد الثورة.
" ان الجماهير صبورة، ولكنها لا تشكل عجينة يسهل للمرء تكييفها على هواه. وهي تتعلم في الفترات الثورية بسرعة بالغة. وهنا تكمن أكبر قوة تتمتع بها الثورة." ليون تروتسكي: تاريخ الثورة الروسية
بالرغم من دموية السيسي الذي قتل اكثر من 4000 مواطن في الستة شهور الاولى من انتفاضة 30 يونيو 2013 فإن العديد من المؤسسات والمصانع اضربت في عهد الديكتاتور السيسي, لاشك ان الجماهير ستظل تناضل وتقاوم لاجل مطالبها بالطرق التي تناسبها.
السيسي لم يستطع قتل وتصفية الاضرابات التي اندلعت في شهور (يناير وفبراير 2014) سوى بطريقة واحدة : اقالة حكومة "الببلاوي وطلب فرصة ومهلة من الحكومة الجديدة.
انطلاقا من هذه النقطة بالذات, وصف احد الرفاق الاضرابات العمالية في مصر بانها "المدفعية الثقيلة" للثورة المصرية التي ستستطيع موجاتها دائما اقالة واسقاط الحكومة.
هذا صحيح مائة بالمائة لكن طالما لم يكن هناك خطة او أفق ثوري واضح ومعلن لأغلب المواطنين والمحتجين في مصر فان الحكومات الراسمالية ستتعاقب الواحدة تلو الاخرى نتيجة اسقاط المواطنين للحكومات الراسمالية الفاسدة. هكذا فان قمع السيسي وحربه على الارهاب لم ولن يستطع ابدا هزيمة شعبنا الذي تعلم الثورة.
لاشك سيفضح السيسي نفسه بنفسه, وسيدفع المواطنين للاحتجاج ضده لعدم تطبيق اي من مطالبهم. ستندلع موجات جديدة من الاضرابات تجبر الحكومة على الاستقالة. لكن هل يعني هذا ان مطالب الفئات المحتجة ستتحقق؟
الجماهير تتحرك وفق وعيها - الذي تشكله العديد من العوامل- وقد تكون الجماهير تأخرت عن الاطاحة بالسيسي, وقد تكون وزارة الداخلية - عبر الاعتقالات والاغتيالات العشوائية والعلنية - قد استعادت عافيتها وقبضتها الحديدية على المجتمع بحيث ستتمكن من قمع اي حركة احتجاج في المستقبل القريب. قد يتمكن السيسي قائد الثورة المضادة والذي تراهن عليه جميع الطبقات والفئات ذات النفوذ والقوة والمال في المجتمع من البقاء رئيسا لمصر لفترة طويلة من الان , لكن لاشك سيضطر تحت ضغط الاضرابات والاحتجاجات الى اقالة واستبدال وتغيير العديد من الحكومات الواحدة تلو الاخرى.
لخداع الجماهير سيلجأ السيسي دوما لتشكيل حكومة جديدةو بالطبع الى جانب القمع المباشر.
هذا يعني انه وطالما لم يوجد افق وبرنامج وخطة ثورية يفهمها ويوافق عليها اغلب الجماهير والقوى الفعالة في المجتمع, فان اقصى ما يمكن ان تحققه الحركة الجماهيرية هو اسقاط حكومة السيسي وليس نظامه. وفقط حزب ثوري - يجمع طليعة وقادة النضالات الشعبية - يمكنه ان يبني ويطور وينشر مثل هذه الخطة.
إن الاشتراكيون الثوريون يفهمون ويشرحون منذ بدات الثورة الا سبيل لنجاح وتحقيق مطالب الثورة المصرية الا بالحكومة الثورية العمالية الخالية من رجال الاعمال.
هذه ليست دعوة لاستنتاج عدم جدوى وضرورة النضال في المعارك الشعبية والنضالية التي ستندلع في الفترة القادمة منتظرين تشكل "الحكومة العمالية".
معدل الاضرابات والنضالات اليومية للطبقة العاملة سيتزايد حتى ولو في المدى الطويل, وعلى الثوريين ان ينخرطوا في هذه النضالات على الاقل لتشويه وزعزعة المنطق التجريبي الذي ستتبعه الجماهير دوما مع الحكومات المتتالية.
على الثوريين يبذلوا كل مساعادتهم وطاقاتهم لتحقيق اكبر كم من الانتصارات الجزئية التي ستحقق هيمنة دائمة ومستمرة على حكومات ومسؤولين النظام الراسمالي. كما ستحافظ على مكتسبات ضرورية هامة لان تطور الحركة الاحتجاجية والعمالية نفسها ك: (الحق االتجمع واصدار وتوزيع النشرات والبيانات)
خلال النشاطات والنضالات اليومية, تتعلم الجماهير ان تصبح شجاعة والا تثق الا بنفسها وقدراتها, وتستدعي الفئات المضطهدة روح المقاومة والتمرد وعلى الثوريين ان يؤكدوا ويحافظوا على روح التمرد هذه. ان يتلمسوا ويكشفوا الوجه المقاوم والثوري للمواطنين والجماهير.. هنا بالضبط تكمن مهام الثوريين : رفع وابراز الوعي السياسي والطبقي والثوري للجماهير والفئات المحرومة.
حتما ستتصاعد الاضرابات من جديد لتشكل انتفاضة تلقي بالسيسي الى مزبلة التاريخ, حتى لو حكمنا طيلة عقد من الزمان. فالثورة بالنهاية حتمية بمرور الزمن.
"حتما ستأتى الشمس تطرد ما تعلق من ذباب فوق النوافذ والحوائط والسقوف .. فوق الرفوف" الشاعر نجيب سرور
#محمود_ابوحديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟