|
الى أين وصل مسعى التحول في كل من تونس ومصر؟
أحمد محمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4505 - 2014 / 7 / 7 - 10:50
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تعددت الاطروحات النظرية التي تفسر طبيعة التحول الديمقراطي، نظرا لتعدد المدخلات والانماط والمخرجات التي تصاحب كل حالة تحول أو انتقال، مما يولد صعوبة في الاقتصار على نظرية واحدة تفسر طبيعة الانتقال للديمقراطية،فضلا عن عدم وجود قالب للديمقراطية يمكن تطبيقه، لكن هناك اتفاق بين هذه الاطروحات النظرية على عدد من الشروط والمقومات التي تشير الى الانتقالات الناجحة على الصعيد العالمي ، ويمكن التنبوء من خلال المسعى باتجاه تحقيق هذه المؤشرات على أن مرحلة التحول تسير في اتجاه إيجابي من أجل الوصول الى الديمقراطية، لكننا لا نرى أن المشكلة تكمن في هذه المؤشرات بقدر ما تكمن في تحديد وكيفية طرق الوصول إليها دون التعرض لانتكاسة، حيث تبرز هنا الصراعات والمقايضات والمساومات والاختلافات، بل وأحيانا المتناقضة مع الديمقراطية سواء كانت داخلية أو خارجية. لذلك، فإن الحديث حول نظريات التحول الديمقراطي ومحاولة قياس تقارب حالة معينة مع هذه النظريات من أجل الوصول للديمقراطية هو حديث غير متيقن الى حد ما، فالنظريات نشأت من حالات وفق تفاعلات بشرية، ولعبت عدة عوامل في كل حالة بالاختلاف عن الحالة الاخرى وربما عن الحالات جميعها، وهذا لا يعنى أن عدم سير حالة معينة وفق الحالات التي نشأت منها النظريات عدم الوصول للديمقراطية، بل قد تسلك حالة معينة مسلكا مغايرا لما سلكته الحالات التي بنيت منها النظريات من أجل الوصول لغايتها، وقد تلعب عوامل متعددة في حالة معينة، وتخفى في حالة أخرى، وهذا لا ينفي أهمية النظريات، بل أن هذه النظريات لها من الأهمية في تفسير ما يمكن أن نستشفه من سلوك الفاعليين السياسيين واتجاهاتهم نحو الديمقراطية، أين فشلوا؟ وأي الظروف سهلت عملية الانتقال، وأيهما أعاقها؟. لذا، فإن هناك العديد من الأسئلة التي يجب أن نسألها حول التحول الى الديمقراطية في كل حالة أو في حالة معينة، وهي: ما هي الديمقراطية التي تسعى اليها؟ وما هي العناصر التي يجب أن تتوفر حتى نحكم عليها إن كان مسعاها في اتجاه الديمقراطية أم لا؟، وما هي العوامل التي يمكن أن تلعب دورا في توجيه الفاعلين للديمقراطية؟ وكيف يمكن السيطرة على مسار التحول نحو الديمقراطية دون التعرض لانتكاسة؟ وهل هناك مقياس لتقرير ما إذا توصلت الدولة للديمقراطية أم لا؟ والى أي مدى اصبحت هي ديمقراطية؟ فضلا عن محاولة معرفة العوامل الخاصة بهذه الحالة، فهذه الأسئلة تختلف إجاباتها تبعا لكل حالة معينة تريد التحول الى الديمقراطية، والتحدي الذي يواجهها هو كيفية التعامل والإجابة على هذه الأسئلة والسيطرة على المراحل التي تسبق الوصول للديمقراطية،وبسبب الأهمية الفائقة لهذه المرحلة، فقد شبهت بمرحلة(المخاض العسير)، نظرا لما تتداخل فيها من عوامل تلعب أدوارا على مستويات مؤثرة. ليست جميع عناصر الديمقراطية يجب تطبيقها في مرحلة الانتقال الى الحكم الديمقراطي، لأن عناصر الديمقراطية والوصول للديمقراطية تحتاج الى فترة زمنية ليست بالقريبة، وهذا يقودنا للتفريق بين دولة ديمقراطية، وتسعى لتطوير أفضل لعناصر الديمقراطية، وأخرى تمر في حالة انتقال للديمقراطية، ومرحلة الانتقال باتجاه الديمقراطية يمكن تسميتها " بقاعدة البناء" التي يمكن البناء عليها دون التعرض مع مرور الزمن لانتكاسة تدمر هذا البناء، فضلا عن التوجهات التي يجب أن تكون موجهة باتجاه المساهمة في هذه القاعدة، والحديث عن مرحلة انتقال هو الحديث عن انجاز قاعدة بناء صلبة وليس الديمقراطية ككل، فالديمقراطية لا تقف عند حد معين. ما يهمنا هنا، هو الحديث عن الانتقال الناجح من الحكم السلطوي الى حكم ديمقراطي، وهذا الانتقال لا بدّ أن يمر بمراحل حتى نستطيع التعلق بطرف خيط الديمقراطية، ثم نسير عليه باتجاه تطوير الديمقراطية وضمان نجاحها على المستوى البعيد، ومن أهم المعايير التي بنيت عليها نظريات الانتقال الديمقراطي والتي تشير الى تحول باتجاه الديمقراطية الناجحة، فقد تمثلت أسباب وطرق التحول في المرحلة الأولى حول : 1. اندلاع أزمة وتفاقمها وعجز النظام غير الديمقرطي عن مواجهتها. 2. تعرض النظام غير الديمقراطي لطريقة من طرق الانتقال والحاق الهزيمة به، وهي: الانتقال من أعلى، أمن أسفل، أو من خلال التفاوض، أو من خلال التدخل العسكري الخارجي. وهذا لا يعني الوصول للديمقراطية. أما المرحلة الثانية والمراحل التي تليها، فهي مراحل تقرر مصير الانتقال،نظرا لاتسامها بالصراعات والمقايضات وبروز عوامل مؤثرة تلعب ادوارا مختلفة سواء على المستوى الداخلي والخارجي للدولة، وقد أشارت النظريات الديمقراطية الى ضرورة الانتقال التدريجي من خلال التفاوض وبناء الثقة بين الفاعلين السياسيين الى ما يلي: 3. لا بدّ من وجود بنى سياسية واقتصادية واجتماعية في الدولة، حيث تمثلت أهم مقومات نجاح الانتقال الى الديمقراطية في هذه البنى، والأهم من ذلك، الحفاظ على الوحدة الوطنية بين هذه البنى، دون حدوث انقسامات وصراعات داخلية خلال مرحلة الانتقال. 4. حسن تصميم المرحلة الانتقالية وإدارتها من خلال التوافق بين الفاعلين السياسيين على خارطة طريق واضحه لتأسيس نظام ديمقراطي أو على صيغة النظام السياسي المستهدف، ومراحل الانتقال، والترتيبات المؤسسية، والاجراءات الاكثر ملائمة لخصوصيات الدولة والمجتمع. 5. البدئ باصلاح اجهزة الدولة ومؤسساتها على النحو الذي يعزز من قدرتها من أجل تنمية قدرتها على القيام بوظائفها، وتقديم الخدمات للمواطنين، وتحقيق العدالة الانتقالية، وتدعيم المجتمع المدني، وتعزيز الطلب المجتمعي على الديمقراطية، ونشر ثقافتها في المجتمع، وإعادة صياغة العلاقات المدنية والعسكرية بما يتفق مع الاسس الديمقراطية، وكل هذه الاجراءات يجب ان تتم بشكل تدريجي ومن خلال التفاوض وبناء الثقة بين المدنيين والعسكريين. ولا يمكن هنا أن نغفل دور العامل الخارجي في تحديد مصير التحول الديمقراطي، حيث برز دوره في عمليات التحول الديمقراطي في تجارب دول مختلفة، وتراوح دوره على مستويين تمثل في إعاقة مرحلة الانتقال، وعلى المستوى الثاني تمثل في دفع عجلة التحول باتجاه الديمقراطية. فضلا عما سبق، فقد اشارت نظريات الانتقال الى الديمقراطية، بأنه يمكن اعتبار عملية الانتقال الديمقراطي الناجح اكتملت متى توفرت عدة مؤشرات: 1. وضع ترتيبات دستورية ومؤسسية بالتوافق بين الفاعلين السياسيين بشأن النظام الجديد، وخصوصا الدستور. 2. تشكيل حكومة من خلال انتخابات عامة وتكون حرة ونزيهة، على ان تمتلك هذه الحكومة القدرة والصلاحيات على ممارسة اعمالها واقرر السياسات الجديدة وتطبيق الدستور على ارض الواقع. 3. عدم وجود قوى اخرى تنازع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مهامها وصلاحياتها. بناء على هذا الإطار النظري الختصر، فإن السؤال الذي لا بدّ أن نسأله، إلى أي مدى تتقارب كل من تونس ومصر مع هذا الإطار بوصفهما حالتين تمرين في مرحلة انتقال والى أي مدى لا تتقارب، وما هي اسباب ذلك؟ وكيف يمكن استشراف مستقبل مرحلة الانتقال في كل منهما؟ لقد تعددت الأسباب التي أدت الى اندلاع الثورات في بعض الدول العربية، وخصوصا في مصر وتونس بوصفهما حالتين تتمحوران في معرض حديثنا، وحسب نظريات التحول الديمقراطي تصنف الثورة على انها مسعى للتغير، وطريقة من طرق الانتقال من نظام سياسي الى أخر، هذا المسعى الذي اتخذه الشعب في كل من مصر وتونس كان نتيجة أسباب متعددة عجز النظام الاستبدادي في التعامل معها بفاعلية، وتمحورت هذه الاسباب حسب الكثير من الباحثين في الظلم والتهميش، واقتصار الحكم على أقلية معينة، أو على فرد، وانسداد الافق السياسي، ففي تونس أقتصر الحكم على شخصية بن علي، أما في مصر فقد بدأ يظهر للشعب أن الحكم سيصبح وراثيا،ونتيجة هذه الاسباب وأسباب متعددة لا يسعنى ذكرها وتوضيحها في هذا الموضع، انطلقت الشعوب لتطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية في الميادين العامة بأعداد فاجأة النظام نفسه وشعوب العالم، وتيقنوا أن الشعوب العربية تريد ما يريده الاخرون، يريدون الحرية والعدالة، والتحرر من هذه النظم الاستبدادية، بعد أن اقتصر الحديث في العالم عن الاستثناء العربي فيما يتعلق بالديمقراطية. ونتيجة هذه الثورات، فقد هرب الرئيس في تونس(رأس النظام)، وما أن لبث هروب وسقوط رأس النظام في تونس حتى نقلت هذه التجربة العدوى الى مصر، فنتيجة ما شهدته الميادين من مظاهرات مشابهة لما جرى في تونس تطالب بسقوط النظام فقد تنحى مبارك، ولم يستطع الصمود أمام هذه الجماهير، وهذه أحداث مشابهة لأحد طرق لتجارب الدول التي مرت بالانتقال، فقد اشارت تجارب التحول أو الانتقال، أن الاطاحة بالنظام الاستبدادي لا يعني الوصول للديمقراطية، ومن هذا المنطلق، فإن سقوط رأس النظام في كل من تونس ومصر، ما هي الا مرحلة أولى من مراحل الانتقال، فالانتقال يمر بمراحل، ولا يقتصر على مرحلة معينة. تشير تجارب الانتقال الى أن الانتقال بواسطة ثورة أو انتفاضة شعبية يحدث خلل كبير في ميزان القوى، بين الحكم وقوى المعارضة، لصالح قوى المعارضة، لأن انهيار شرعية النظام بفعل الثورة يؤدي الى تصدع النخبة الحاكمة، وتخلي الجيش عن مساندة النظام السلطوي، وهذا ما حصل بالفعل في تونس ومصر، فقد لعب الجيش بحسب كثير من الباحثين دورا هاما في نجاح المسار الثوري، إذ بقي الجيش في تونس محايدا، وفي مصر بقي محايدا حتى نجاح سقوط رأس النظام، لكن الجيش في مصر هو من تولى إدارة البلاد بتفويض من مبارك ليلة تنحيه. أما بالنسبة للمعارضة، فكما أشرنا الى الخلل الكبير الذي سيحدث في ميزان القوى، فإن تجارب الانتقال الناجحة تشير الى ضرورة توافق المعارضة في هذه المرحلة على خطواط وإجراءات لتأسيس نظام ديمقراطي على انتقاض النظام التسلطي، ففي تونس لا يمكن الجزم في هذه المرحلة على أن المعارضة كانت متوافقة، فقد اشارت مارينا أوتادي في معرض زيارتها لتونس بعد نجاح المسار الثوري الى أن المعارضة كانت تشوبها انقسامات وتوترات واضحة، وقد أبدت تخوفها نتيجة ذلك من انتكاسة مسار التحول ،لكن استطاعت الاحزاب وقوى المعارضة ان تنتج عملية التوافق بعد ذلك، فبعد هروب بن علي استلم الحكم رئيس المجلس النيابي، وتصنف هذه الخطوة بأنها تداركت ما يمكن أن يؤثر على المسار الثوري لو لجأ التونسيون لانتخاب الرئيس انتخابا بعد الثورة مباشرة وقبل وضع الدستور، ومن ثم تم وضع إجراءات توافقية لمرحلة التحول شاركت فيها النخب والقوى المدنية والسياسية، حيث تم التوافق على انشاء مجلس تأسيسي لادارة مرحلة الانتقال ووضع دستور جديد للبلاد، فضلا عن التوافق الذي تم على قانون الانتخابات لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي. لقد أفرزت الانتخابات التونسية التي أجريت بعد سقوط نظام بن علي فوز الاسلاميين بقيادة حزب النهضة بأكبر مقاعد في المجلس التأسيسي، نتج عنه قيام حزب النهضة بتشكيل حكومة عرفت باسم" الترويكا" لادارة العملية الانتقالية وصوغ الدستور، لكن لم يلبث الامر طويلا، فسرعان ما نشب الصراع بين هذه الترويكا واليساريين واليمينيين نتيجة لعدة اسباب، من ضمنها عمليات الاغتيال التي تمت من قبل السلفية الجهادية لابرز رموز اليساريين شكري بلعيد، حيث كادت الأمور بحسب العديد من الباحثين أن تعود الى الصفر، وفي هذا الحدث برز عنصر مهم، ولعب دورا مهما لاستكمال مسار الانتقال الى الديمقراطية، الا وهو الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث ساهم في دفع عجلة السير على مسار التحول، وذلك من خلال الضغط على الاحزاب لتقديم تنازلات من أجل الحفاظ على عملية التوافق، حيث يصنف هذا الاتحاد بأنه اتحاد يضم كافة اطياف المجتمع التونسي، وله باع طويل في لعب دور مؤثر خصوصا في فترة حكم بن علي، وقد قدم الاتحاد مبادرة وفاق وطني لحل الازمة، كما وقام حزب النهضة ايضا بتقديم تنازلات من اجل تلافي الصراع الذي نشب بين الترويكا والاحزاب اليسارية واليمينية، ونتج عن التنازلات التي قدمها حزب النهضة تخليه عن الحكومة،وتشكيل حكومة تسيير أعمال من التكنوقراط من أجل استكمال عملية بناء الدستور الذي تم في عام 2014 بتوافق وطني. لعل أبرز الاسباب التي أدت الى هذا النجاح في التوافق الوطني بين الأحزاب السياسية التونسية، هو النظر الى المستقبل، وعدم الاستغراق في تحقيق مكاسب اللحظة، فضلا عن المستوى الواعي لمخاطر مرحلة الانتقال الذي تتمتع به معظم هذه الأحزاب والمجتمع المدني، هذا المستوى الذي يريد تحول ديمقراطي فعلي خوفا من الرجوع الى الاستبداد الذي عانوا منه على مر فترات متتالية وخصوصا فترة بورقيبة وبن علي. ومن ضمن الاسباب أيضا، قدرة الاتحاد العام التونسي للشغل على لعب دور مؤثر من أجل الوصول الى هذه المرحلة، وقد اشارت تجارب الانتقال الى أن المجتمع المدني قد يلعب دور في مرحلة الانتقال، لكن بالطريقة التي لعب فيها الاتحاد العام التونسي للشغل لم تسجل تجارب الانتقال الى الديمقراطية، ويعتبر دور الاتحاد العام للشغل خصوصية تسجل لتونس في لعب دور توافقي من أجل سير عجلة الانتقال الى الديمقراطية، وذلك عن طريق المبادرة التي قدمها لحسم الصراع كما بيناه سابقا. ومن ضمن الاسباب أيضا، عدم تدخل الجيش في لعب دور مؤثر في هذه المرحلة، لأن الجيس التونسي جيش غير مسيس، وهو مؤسسة وقائية محايدة، لا يتدخل في اللعبة السياسية، لأنه ليس لديه مصالح للحفاظ عليها، راسخ في تاريخ تونس الاجتماعي. ويمكن أيضا القول أن وجود شخصية الغنوشي كرئيس لحزب النهضة لعب دور مؤثر في عملية التوافق الوطني، فالغنوشي شخصية اسلامية منفتحة على الديمقراطية، ويمكن أن تكون الفترة التي عاشها في الغربة هربا من نظام بن علي قد أثرت بشكل رئيسي فيه. إن وصول تونس الى مرحلة التوافق على القانون الانتخابي والحكومة التي تدير الانتقال وانتاج الدستور التوافقي، لا يعني انتهاء مرحلة الانتقال والوصول الى الديمقراطية، فما زالت تونس تمر في طريق مرحلة المخاض التي تعترضها كثير من الأمور، ومن ضمنها: اصلاح أجهزة الدولة ومؤسساتها، وإقرار سياسات تعالج المشاكل الاجتماعية، وتطبيق النظام الدستوري، ووضح حد للجماعات الجهادية التي تقوم بعمليات الاغتيال، والقدرة على السيطرة على كبح جماح الثورة المضادة سواء على المستوى الداخلي والخارجي وخصوصا من قبل الدول العربية التي تسعى جاهدة لذلك خوفا من انتقال عدوى الديمقراطية اليها، والسيطرة على الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتونس، ونشر ثقافة الديمقراطية وتكريسها، وضمان التداول السلمي على السلطة...، ولا تعني إبراز كل هذه المشاكل التي مازالت تعترض مسار التحول محاولة لاحباط مسار التحول الديمقرطي التونسي، بل إن عدم معالجة هذه المشاكل بقدر من الحكمة واليقظة والتوافق الوطني قد يؤدي الى الوقوع في الهاوية، والعودة الى نقطة الصفر، لأن الثورة (مسعى للتغيير) قامت على مطالب، وعدم تحقيق والاسراع في تحقيق هذه المطالب يؤدي الى عدم الاستقرار والشعور بالاضطراب، الأمر الذي من شأنه أن يولد الحنين الى الماضي بحسب تجارب الانتقال. لعل أبرز ما توصلت اليه تجربة التحول التوافقي في تونس، هذه التجربة التي لم تستكمل مراحلها بعد، ومن خلال الإرادة التي ظهرت عند معظم النخب السياسية للسعي باتجاه الوصول للديمقراطية، والتي تمثلت في قدرة الأحزاب لتقديم تنازلات من أجل المصلحة العامة، وقدرة الاتحاد العام التونسي للشغل واصراره على احتواء الازمات، وعدم تدخل الجيش في المسار الانتقالي، ينبئ مستقبلا أن تونس قادرة على السعي في هذا المسار، واستكماله بالمسؤولية والارادة، من خلال التوافق الوطني القادر على الانسجام والعمل بروح الفريق بحسب ما اشارت نظريات الانتقال الى الديمقراطية، لأن نجاح المرحلة الانتقالية هو ضمان نجاح الديمقراطية على المستوى البعيد، والتوافق الحاصل في تونس يؤدي الى الاستقرار، الأمر الذي من شأنه ان يؤدي الى الحد من الأزمة الاقتصادية. بالعودة الى مسار الانتقال في مصر، فقد سلكت مسلكا مغايرا لما تم في تونس على الرغم من التشابه التام الذي وقع في حراك المسار الثوري ومطالبه، ومن هنا نستطيع القول أن الانتقال الناجح ليس قالبا يمكن تطبيقه على الدول، نظرا لظروف وخصوصية كل دولة. بعد تنحي مبارك، واستلام المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد، حيث بدت عوامل عدة ظاهرة تؤثر بشكل سلبي على مسار الانتقال الديمقراطي، ومن أبرز هذه العوامل تحكم المجلس العسكري بإدارة المرحلة الانتقالية، واللجوء الى الانتخابات من البداية وقد حضر من هذه الخطوة كثير من الباحثين، وخصوصا انها جاءت قبل وضع أجراءات دستورية، وفي هذا يجادل د. جورج جقمان في مقالتة "خطر الانتخابات في البداية" بأن المشكلة الاساسية في مصر تمحورت حول اللجوء الى الانتخابات قبل وضع الاجراءات الدستورية، فالانتخابات بطبيعتها تفتيت للمطالب التي قامت عليها الثورة، لانها هي في الاساس عملية تنافس بين برامج سياسية متعددة، لكن لا أعتقد أن هذا السبب كافي لإعاقة مسار التحول الديمقراطي في مصر، ففي تونس تمت الانتخابات في البداية ونتج عنها تفتت فيما بعد ذلك، لكن تدارك الاحزاب السياسية هذا الموقف عن طريق تقديم تنازلات من أجل استكمال مسار التحول نحو الديمقراطية، يمكن أعتبار الانتخابات في البداية خصوصية أعاقت مسار الانتقال في مصر، لكن ليست سببا كافيا، بل هناك عوامل أخرى أثرت في إعاقة مسار الانتقال ومن هذه العوامل الجيش المصري(المؤسسة العسكرية) ، حيث يشكل هذا الجيش العمود الفقري لاقتصاد مصر، فضلا عن دوره التاريخي في السياسة المصرية. تجادل د. هلغى باومغرتن بأن المشكلة الرئيسية في مصر كانت تتعلق بدور الجيش في مسار الانتقال، وحسب نظريات الانتقال فإن الجيش في العديد من الحالات كان له دور مؤثربشكل إيجابي أو سلبي في مرحلة الانتقال، والجيش المصري لعب دورا مهما في إعاقة مسار الانتقال في مصر كي يحافظ على مصالحه، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في كيفية التعامل معه خلال مرحلة الانتقال وإخضاعه للحكم المدني. لقد أفرزت الانتخابات التي تمت في مصر بعد الثورة فوز ساحق لحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الأخوان المسلمين، وقد نتج عن الحصول على مقاعد الاغلبية في المجلس النيابي، وقد تم انتخاب أعضاء لجنة صياغة الدستور من قبل المجلس النيابي، وبذلك حصلت جماعة الأخوان المسلمين على أغلبية المقاعد في لجنة صياغة الدستور، وبعد ذلك أيضا تم أجراء الانتخابات الرئاسية في مصر، وقد فاز أيضا فيها جماعة الأخوان المسلمين، واستلم الرئيس مرسي الرئاسة، وبدأت الصراعات تظهر على الواقع بين الاسلاميين وباقي الأحزاب، وبدأت المعارضة تصعد ضد جماعة الأخوان المسلمين، وفي الجهة المقابلة أيضا تشدد الأخوان المسلمين في مرواقفهم، وأنهوا صياغة الدستور، وعرضوه على الاستفتاء، وفي الجهة المقابلة أيضا بدأ الرئيس مرسي يستخدم صلاحياته التي انتقلت اليه من المجلس العكسري بعد تسلمه للسلطة نتيجة حل المجلس العسكري مجلش البرلمان، وبدأ الرئيس مرسي يعمل منفردا مع حزب الحرية والعدالة لتحقيق مطالب الثورة، الأمر الذي أدى الى عدم الاستقرار، واصطفاف المعارضة مع قوى الثورة المضادة لمعارضة الأخوان المسلمين، هذا الأمر نتج عنه الوصول الى ما تشهده مصر، لكن المفارقة هنا أن مرحلة الانتقال لم يظهر فيها ملامح المجتمع المدني من أجل استكمال دوره في عملية التوافق الوطني لاستكمال مسار الانتقال، فقد لعب المجلس العسكري دورا مؤثرا في الأحداث، ولم يتنازل الاسلاميون بل استغرقوا في الحصول على مكاسب لحظية يمكن تسميتها، ومن هنا يجادل أولفر روي في مقالته" التحول في العالم العربي" أن الاسلاميين في تونس أكثر انفتاحا من مصر، وذلك لاسباب تم ذكرها سابقا. لقد أشارت نظريات الانتقال الى الديمقراطية من خلال التجارب العالمية الى خطر العمل منفردا في خصم مرحلة الانتقال، لانه لا يمكن تفكيك الدولة الاستبدادية خلال مرحلة قصيرة، ويحتاج ذلك الى توافق وطني من أجل انجاز هذه المهمة الصعبة. فضلا عما سبق، فقد لعبت عدة عوامل خارجية في إعاقة المسار الانتقالي في مصر، ومنها السعودية واسرائيل حفاظا على مصالحها واستقرارها، وهذا العامل أيضا أشارت نظريات الانتقال اليه. من الملاحظ أن كل هذه الاسباب أعادت مصر الى ما تشهده اليوم من حكم عسكري، إذ كان بمقدور الرئيس مرسي قطع الطريق على الثورة المضادة التي شهدتها مصر، وذلك من خلال الاستماع الى المعارضة، وإعادة صياغة العلاقات المدنية وضمهم من خلال لجنة صياغة الدستور، واستكمال مراحل الانتقال الى الديمقراطية. بناء على ما سبق، فإن مصر مازالت الى يومنا هذا في مسار الانتقال تتخذ شكل الاقصاء والتهميش لقوى وأحزاب مدنية، هذا الأمر لن يولد الاستقرار، لأن الاستقرار يحتاج الى تحقيق مطالب الثورة التي قامت عليها، وفي ظل هذا الوضع الذي تشهده مصر يؤدي الى تراجع حاد في الاقتصاد، وهذا يجعلنا نستشف أن مصر لن تستطيع أن تحقق الاستقرار إلا من خلال احتواء المعارضة، واتاحة مزيد من الحريات، وغيرها. لقد شهدت مصر بداية مرحلة انتقال، حيث لم يتم الحذر أثناء التعامل معها الأمر الذي ولد الوقوع في حضن الحطم العسكري، وهذا يشير حسب نظريات الانتقال الى أن الانتقال لايؤدي بالضرورة الى تحقيق الديمقراطية، فقد يؤدي الى نظام سياسي أشد استبدادا مما كان قبل الانتقال. بناء على ماسبق، يتبين أن تونس قطعت شوطا في مراحل الانتقال الى الديمقراطية من خلال احتواء الازمات، وهي تسير وفق نظريات الانتقال، لكنها لم تستكملها بعد، أما مصر فما زالت تخضوض الصراعات، ولم تصل بعد الى لمس خيط الانتقال، وهذا ما جعل كثير من الباحثين يعلقون:" أن تونس من انجح تجارب التحول، إما مصر فما زالت تصارع الوصول الى مرحلة الانتقال، وهي أيضا انحرفت عن مسار نظريات الانتقال، فوقعت وفق ما حذرت منه النظريات، ويمكن تأكيد ذلك أن الثورة لم تحقق الى يومنا أي شيئ، غير الوعي السياسي بالحقوق".
#أحمد_محمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|