عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4501 - 2014 / 7 / 3 - 03:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هل يعني أن الفكر قائد وأن الواقع سيستجيب بالديناميكية الحضارية أن لا نتوقع مثلا أننا سنتجنب ما يثيره السؤال الثامن من أن أليس هناك من خشية أن تكون النتائج المتوقعة خارج قدرة الواقع على تحملها وبالتالي سيصار أما إلى أجبار العقل عن التوقف عن التبشير بما أنتجه أو إلجاء الواقع جبرا للتسليم بالمنتج العقلي المتحرر ؟.نعم من الممكن أن يكون الواقع الأقل تفاعليا مع الحضارة أو ما يسمى بالديناميكية الحضارية سيشهد نوعا من القهر نوع من عدم قدرة هذا الواقع أساسا للقبول بأي تحولات فكرية ,سيكون منصاعا فقط للظواهر ولم يشارك أو ينتفع بجوهر التحولات وهذا الأمر قد شهدنا بعض ملامحه في فترة التنقلات الممتدى من أواخر القرن السادس عشر الميلادي وما بعدها ,
في طل تحولات الثورة الصناعية الكبرى وظهور مفهوم العلمانية والحداثة وما بعد الحداثة والعولمة وما بعد العولمة بقيت بعض أجزاء من الواقع تتعامل بقهرية أو إحساس بالقهر والإلجاء مع المستجدات الجديدة لأنها لا تستطيع تقبل هذه المقولات والسبب يعود ليس للتحولات بل لذات الواقع الذي عجز أن يكيف مخزونه الحضاري والفكري بأتجاه هضم فكرة التحول أصلا والاستفادة منه بل أقبل خانعا ليمارس الخداع الذاتي وتعامل مع الظاهر دون أن يلبي حاجات جوهر الفكر وجوهر التغيير .
في المجتمعات المؤسسة للتحولات التأريخية والحضارية بما فيها من قوة ذاتية للقبول والاستجابة والتي تنساق طبيعيا مع تحولات الفكر لا نجد نفس الظاهرة التي تكلمنا عنها ولا عن أي خشية من تعارض , السبب جدا واضح وبسيط أن تلك المتغيرات هي صناعة ونتاج هذا الواقع وهذا المجتمع وبالتالي ليس من عادة المجتمعات الحية أن تتنكر لعوامل ديمومتها ورقيها وهي التي أوجدتها وقادتها ,سنجد هناك أواصر تفاعلية مشجعة ودافعة للمزيد من التحول وممهدة لصياغات جديدة من رؤى تحولية متقدمة أساسا على الواقع ذاته وأحيانا عبى الفكر المتحرر وهذا هو المشجع في طبيعة المجتمعات ذات الديناميكية الحضارية أنها لا تؤمن بالحدود ولا تؤمن بالتوقف في نقطة محددة .
هناك مسألة في غاية الخطورة وقد عانى منها الواقع كثيرا كما عانى منها العقل أيضا وهو ما يطرحه السؤال التاسع عن قيمة النتاج المتحرر من الفلسفة والعقل إذا تصادم مع القناعات الواقعية والتي في جزء منها تشكل شخصية العقل ذاته وشخصية الواقع ؟, هل نسلم بالنتائج أم نعيد أمتحان العقل والواقع معا ؟.ممكن تصور التصادم في صورتين افتراضيتين الأولى عندما يكون النتاج القادم معارضا لقناعات الإنسان الأساسية في لو كانت الفلسفة بجلتها الجديدة لا تؤمن بثبات أي شيء ومنها القناعات الذاتية , إن الطبيعة الإنسانية المجردة لها جانب أخلاقي وروحي يشكل جزء مهم من وجودها الحقيقي وجودها المجرد عن أثر الفكر والفلسفة وبالتالي أن التعرض لهذه القناعات لا بد أنه يمثل تحديا للإنسان ذاته وللفكر أيضا ولا بد من مراجعة منطقية لكليهما على قاعدة أن مراعاة الواقع الإنساني محكوم بعقلنة قناعاته وأن الفكر عليه أن يشرح أولا أسباب التعارض وعلاتها العقلية أيضا .
السؤال هنا أفتراضيا لو أن العقل أنتج من خلال مساحة الحرية وقائع نظرية تناقض مبادئ العقل ذاته أو حتى ذاتي العقل الأساسي هل من الممكن والمعقول أن يغادر ما كان عليه ويقبل بالمستجدات المنتجه ؟, وهل يعتبر هذا تنكر من العقل لأساسيات عمله ؟, كما لو أنه شهد انقلابا يخرجه من حيثيته الأساس , قد تبدو هذه الصورة شيء من الخيال العبثي ولكن من الناحية الواقعية التي تؤمن بها الفلسفة الأفتراضية أن كل شيء ممكن ومعقول ولا بد من طرحه , الإجابة تبدو محيرة وغير مقنعة بالتمام لو تصورنا نتيجة واحدة فقط وكذلك أفتراضا أن العقل المتحرر يوصلنا لنقطة واقعية تناقض قاعدة الانطلاق الأولى وهي , أن هذه المحاولة وما بنيت عليها وما أنتجته ليست أكثر من مجرد حلم يوتيبيا لا يمكنه أن يصمد أمام رسوخ الواقع وقوانينه المادية التي بنيت عبر هذا الزمن التأريخي وكأننا نشهد حالة من البهتان أو العبث الذي قادنا له الأفتراض المفتوح ولم نستخدم قواعد المنطق اليقيني فسايرنا الأوهام لنصل في النهاية إلى نتيجة مماثلة هي وهم مركب لا وجود له في الواقع .
هذه الحالة ليست مستبعدة ولا يمكن عزلها من مجمل الأفتراضات بل علينا أن نتوقع هذا وأشد منه وكذلك الأقل , لا بد لنا أن لا ندع أفتراض بدون أن نخضعه للامتحان العقلي أو المنطقي المتحرر حتى نضمن أننا لم نترك طريقا دون أن نملأ ما فيه نظرا وتدبرا , هنا تكمن قيمة الفلسفة الأفتراضية أنها لا تستبعد أي رؤية أي تصور أي خيال الكل يصلح أن يكون موضوعا لها لأن الواقع هو كذلك , الواقع لا يتشكل فقط من اليقينيات والمسلمات والممكنات , كما أن الإنسان يحلم ويتخيل ويتوهم كجزء من واقعه العام على الفلسفة أن تحلم وتتخيل وتتوهم إضافة لما عليه الآن .
عليه يجب أن نتصور إمكانية حدوث هذا التصادم وهذا التناقض بين العقل ومنتجه بين الواقع وما وصل إليه العقل من هو أولى بالتقديم والإتباع وهو ما يثيره السؤال الأخير لو تصادم العقل مع نتائجه من سيكون أحق بالإتباع الصانع أم المصنوع أو من يمكنه أن يكن معيارا للمقايسة والامتحان ؟,طبعا البديهي أن نتبع المعقول الجديد طالما أن خاض التجربة بأصولها وولد سليما من خلال نظام عملي سليم ومنطقي وأصولي ,لكن المشكلة تثار أن من يقرر ذلك هو العقل والعقل هنا في مواجهة حقيقية مع المعقول ,مشكلة حقيقية يقع فيها العقل ويتخبط فيها الواقع .
لا يتصور أننا يمكن أن نوفق بين العقل ومعقوله طالما أنه يجد نفسه في مواجهة مع الذات مواجهة لا بد أن تنتهي بأنتصار العقل مع البقاء على حالة الحرية وحالة التحرر لأن أنتصار المعقول هنا يعني أنتحار للعقل يعني خضوع العقل لأسر جديد أسر المعقول , لذا قلنا لابد للعقل أن ينتصر لا بد للعقل أن يكتشف أولا مكامن الخلل المؤدي لهذا التصادم ولا بد أن يكون واحد من أثنين أما العقل فقد جديته وحماسه وأصاب نظامه العملي خلل وظيفي ما نع من تقبل المعقول وإدراكه ’أو أن العقل غير قادر على أن يفهم أو يتدبر المعقول الجديد وعليه أن يرتقي بأساليبه الإدراكية والفهمية وبكل الحالين سيكون العقل منتصرا لو نجح في أكتشاف السبب .
نحن أثرنا مشكلة افتراضية وبحثنا في تصور للحل ولكننا لم نعلم كيف سيحصل هذا التصادم بين العقل ومنتجه المعقول أي ما هو المعيار الذي يمكن أن نستند له أو يستند له العقل في إثبات واقعة التناقض , هل يكفي مثلا أن العقل يجد نفسه في مأزق من عدم القدرة والتقبل على التسليم بالمعقول وحده كاف لجعل واقعة التصادم حقيقية أم لا بد من معيار قياسي يستند عليه العقل لتقرير الوقائع , هنا الأمر شائك خاصة في أكتشاف المعيار وقوانينه ومن أين مصدره وكيف يمكن التسليم به بل من يقرر أصلا صلاحيته أو يتمكن من فرضه لأننا في الأخير نسلم أمرنا للعقل .
هنا نعطي العقل كل الصلاحيات وكل الخيارات ليكون خصم وحكم ومقرر وبالتالي نعود إلى نفس الإشكالية الأولى , هل العقل مؤهلا أصلا لكل هذا ؟, وهل له أن يعمل بتجرد وحيادية تتناسب مع واقعة تجريدية مقابل ذات لا تتجرد من واقعها , أنا أشك أن العقل ممكن أن يكون صالحا لهذه المهمة وبالتالي تصبح مسألة تجاوزها من الضروريات ومن المنطق لأنها واقع عبثي لا طائل من وراءه .
إن أثارة هذه التساؤلات في هذا الوقت الذي يتهيأ فيه العقل للتحرر من أسر واقعه إنما نهيئ العقل ووفق أدوات ورؤى تتسع بأتساع التساؤل ذاته وما يستتبع من فك أقفال أفاق قد تخفي وراءها الكثير من العوامل المعرقلة والكثير من المطبات التي قد تجعل من التحرر إشكالية في حد ذاتها بالإضافة لإشكاليات ما بعد التحرر ونتائج التحرر والتوقعات التي نرسمها لواقع ما بعد التحرر , إن إثارة هذه التساؤلات أيضا لا تغنينا عن أثارة المزيد منها وتفرعات الأسئلة لتكوين ثراء عقلي يخرج موضوع التحرر وفق منطق عقلي سليم وبأقل ما يمكن من مفاجآت غير متوقعة قد تطيح بالتجربة في بدايتها دون ان نستثمر فرصة التحرر لنكتشف عالم ما وراء العقل الممكن والمعقول .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟