|
النص والنص الموازي
محمد السباهي
(Mohamed Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4500 - 2014 / 7 / 2 - 00:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( إن الكلام ليسير قدماً باتجاه واحد) (1)
في البدء ... (ويجب على القارئ أن يقتنع بأن هدفنا ليس المسّ بالمقدسات الإسلامية ولا بالذات النبوية وليس إقامة أحكام تقريضية ولا سلبية بالمثل. فالعلم يحاول ان يفسّر الأمور لا أن يحكم عليها).(2)
تعريف: هو نص مضمر يفترض وجود نص آخر يسير بموازاته عبر محاكاة غير منظورة في بنيته السطحية وتظهر أهمية النص الموازي من خلال إلتقاط الإشارات التي يُطلقها في بناه العميقة. يعتبر النص الموازي من أخطر النصوص التي تشكل ثقافة الخلاف والاختلاف مع الآخر. وتظهر خطورته من خلال عدم كشفته عن ذاته في مرحلة التأسيس. كذا يُعتبر النص الموازي نصاً دخيلاً على الثقافة الأم/ الأصل لأنه ليس من بنيان بيئتها ولا ثقافتها، نص هجين، تولّد وتشكّل على انقاض نص آخرمن بيئة أخرى وثقافة أخرى ومشى بموازاته وعمل بالضد منه ومن ثقافة الآخر. وهنا تكمن الخطورة . (لا يبقى شيء. فالنص الجديد يلتهم القديم، ويتحول به إلى إمكان لغوي آخر ينذر بقراءة تلتهم هي الأخرى جديد النص المتحوّل لتتحول به بدورها، وهكذا دواليك). (3).
هذا التعريف يحتاج إلى البيان ويطرح عدّة إشكالات، منها : كيف (تولّد وتشكّل النص الموازي على انقاض نص آخر من بيئة غير بيئته، ومشى بموازاته)؟ نقول: إن هكذا فرض، يفترض وجود تداخل في البيئة، وكذا يفترض معرفة النص الموازي= اللاحق لماسبقه من نصوص في تلك البيئة من أجل المسايرة والموازة. وهذا الفرض صحيح تماماً. فلا نص يسير بموازة نصوص دون أن يكون على علم وإحاطة بتلك النصوص.إما تداخل البيئة فلا يشترط في مسايرة النصوص. فقط المعرفة بتلك النصوص يُشترط في المسايرة، رغم ان التداخل البيئي موجود وسيتبين أن هناك تداخلاً قوياً بين النصين، ولا نبعد بعيداً حينما نقول: إن النصين من بيئة واحدة ومن فكر ورؤية واحدة.
بيان: إن هكذا نص ليس موجوداً في الأصل (في البيئة الأم) إنما نشأ وقام في الثقافة الجديدة على أنقاض نص قديم في ثقافة أخرى مجاورة ومشى بموازاته. إن النص الأصل مستمر في حركته و مسيرته منذ البدء دون الالتفات لوجود نصوص أخرى مشابهه له بغض النظر عن كونها متولدة منه او ناشئة من ذاتها، أو ولدت وتولّدت لإعاقة حركته وإيقاف مسيرته. وذلك بسبب زمنية النص الأول، ولأنه تام ومؤسس بنيانه بذاته.
سؤال/ كيف عمل بالضد من النص الآخر؟ نقول، إن هذا النص أسس في البنية المضمرة/ البنية العميقة لإزاحة النص الآخر. وعمل بالضد من خلال التأسيس لنفسه وفق منظومة فكرية مقدسة مشابهة للنص الأصل، وخلق نفس الأطر الأيديولوجية التي تشكل منها النص الأصل، محل الموازاة. وكذلك عملت هذه المنظومة بالضد من خلال تقويض أسس النص الأصل بطرح نفس المفهومات ومن خلال نفس المقدس لكن بدرجة أعلى.
يحاول النص الموازي ان يؤسس حضوراً فاعلاً على الساحة (محل الصراع) من خلال انتاج بضاعة مماثلة مع إضفاء هالة من الطقوسية والصدقية . و الملاحظ على النص الموازي، انه ليس نصاً هامشياً أو أحد النصوص الحافة التي تعمل على النص المؤسس. إنه نص أقل فاعلية وصدقية من النص الأصل المؤسس للحركة (القرآن الكريم). إنها نصوص تؤسس لحظتها عبر انبثاقها بموازة النص المؤسس عند الآخر. فتولد لكن ولادتها لن تكون ولادة عسيرة أو طبيعية، بل ولادة حاملة مضامنين ومتبنيات أعلى من النص الذي تأسست بإزاءه. (فلم تكن هذه الأشكال صامته تحمل ولا تقول، بل إنها في الوقت الذي تصوغ فيه حكايتها، وتضيئ محمولاتها، ما قَرُب منها وما بَعُد، تصوغ ذواتها، بوصفها حوامل ناطقة تعمل على أن تقال في الوقت الذي كلمتها فيه).(4)
آليات اشتغال النص الموازي:
يستخدم النص الموازي آلية الترميز للتعبير عن مراده. والترميز، هو (الإشارة إلى قريب على سبيل الخفية). أو يلعب على تقنية (الحضور والغياب). يشير ابن ابي الأصبع المصري في بيان دلالة بعض ألفاظ القرآن الكريم، فقال في باب الرمز والايماء: (هذا الباب فحواه ان يريد المتكلم أمراً في كلامه ، مع أرادته أفهام المخاطب ما اخفاه ، فيرمز في ضمنه رمزاً يهتدى به الى طريق استخراج ما أخفاه من كلامه، والفرق بينه وبين الوحي والإشارة، ان المتكلم في باب الوحي والإشارة لايودع كلامه شيئاً يستدل منه على ما اخفاه لا بطريق الرمز ولا غيره، بل يوحي مراده وحياً خفياً لايكاد يعرفه الا أحذق الناس، فخفاء الوحي والإشارة أخفى من خفاء الرمز والإيماء، والفرق بينه وبين الألغاز ان الالغاز لابد فيه ما يدل على المعمّى فيه، بذكر بعض اوصافه المشتركة ، بينه وبين غيره واسمائه ، فهو اظهر من باب الرمز) (5). فجذور الترميز لاهوتية أكثر منها أدبية، بل ربما كانت دينية أكثر من أي شيء آخر، كما إشار إلى ذلك الدكتور حسن الخاقاني، وتبدو بوضوح في حديث النبي زكريا مع قومه، (رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) آل عمران 41. اذ كان (الاهتمام الغامر بحركة التاريخ الالهية ، اكثر من أي شيء اخر ، هو الذي يميز الترميز في الكتاب المقدس عنه في التراث الكلاسي ، فجعله اداة شديدة الفاعلية في الاداب الاوربية اللاحقة) حتى بلوغها العصر الحديث اذ ظل للسياق الديني أثره).(6) يرى بعض الكتّاب أن هناك أوجه تقارب وتماثل– من حيث التعريف- مع (الأليغورية) أو هو التناص.
و(الأليغورية Allegory ): استعارة أو قصة رمزية، وهي تتوافق مع قاموس المعاني، (مجاز، استعارة قصة رمزية). ويُجملها الدكتور عبد الواحد لؤلؤة بقوله: إلى أن الأليغوريا، هي: (قول الشيء الآخر). وهذا التعريف صحيح تماماً وينطبق على الاستعارة التماثلية، أي قول نفس القصة. والنص الموازي (محل البحث) لا يُريد أن يقول نفس القصة، بل يُريد أن يؤسس لقصته بمعزل عن قصة الآخر.
وكذلك نقول: هو لا يُريد (قول الشيء الآخر). كما عند الدكتور اللؤلؤة. وهذا واضح من قول قصة زكريا وموسى بن عمران التي وردت في التوراة والقرآن الكريم. فهنا يصح ان نقول، هو (قول الشيء الآخر)، لكن في النص الموزاي – كما سنرى- لا يُريد قول الشيء الآخر، بل يُريد التأسيس لنفسه بمعزل عن النص الآخر، ولسوف نرى عدم وجود أي أثر لنصوص أخرى بادية على النص الموازي.
إن ما نسميه ب(النص الموازي) هو ليس تناصاً بمعنى التناص كما هو عند (جوليا كرستيفا) ولا هو المناص أو الميتانص كما عند جيرار جينت في (أطراس)، (( ويرتبط النص بهذا المعنى بما أسميه نصه الموازي ويمثله العنوان، العنوان الفرعي، العنوان الداخلي، الديباجات، التذييلات، التنبيهات، التصدير، الحواشي الجانبية، الحواشي السفلية، الهوامش المذيلة للعمل، العبارة التوجيهية، الزخرفة، الأشرطة "تزيين يتخذ شكل حزام" الرسوم، نوع الغلاف، وأنواع أخرى من إشارات الملاحق، والمخطوطات الذاتية والغيرية التي تزود النص بحواش مختلفة، وأحياناً بشرح رسمي وغير رسمي).(7) ولا يمكن عدّه نوع من المتعاليات النصية التي تحدث عنها جيرار جينت في (أطراس): (حيث يهرب النص من ذاته ويتعالى باحثا عن شيء آخر، قد يكون نصا أدبيا، ليحيا حياة أخرى بمحاورته أو الاستقرار في أعماقه، أو مسايرته، أو بممارسة سلطته عليه).(8)
النص الموزاي نص قائم على المحاكاة والتماثل في دائرة خاصة، هي (دائرة المقدس) وهذا يُعطيه درجة خصوصية عالية، هذا أولاً، وهو يحمل صفات (المرموزة) حسب قول سعيد علوش، وكما قلنا هو في أحد أشكاله يمثل (تناص محاكاة) وليس تناص اقتباس أو سرقات أو التهام كباش، وكذا يفترق عنه ببناء ذاته بعيداً عن النص الأصلي. ( على ان التناص ليس أو ليس بالضرورة، مجرد حلية إضافية للنص، بل احياناً يكون عاملاً حاسماً في وضعه وتكوينه). (9)
فالنص الموازي يؤسس لذاته بعيداً عن النص الأصلي واستجابة للتحولات الأيديولوجية. وهذا ما اكسبه الجدة في التراث العربي الخالي من هكذا نصوص في مرحلة التأسيس. و لا ننسى أن الخفاء، جعله بعيداً عن التناص بالمعنى الفني للتناص عند كرستيفا. وكذا أبتعد (بلاغياً) من خلال هذا التأسيس بعيداً عن الكناية والتلويح والتعريض. فكان نصاً مؤسساً لعلاقات وعلامات ثقافية واشتراطات جديدة في حياة الجزيرة العربية. وتسميته بنص الموازاة لامتلاكه سمات النص الأصل، فهو هنا نص قائم بذاته، وكما قلنا، يعمل بنفس آليات النص الأصل وفي نفس منطقة عمله، ويسير بموازته دون أن يفصح عن هذه الموازاة ولا يكشف عن مساره. وهو بالتالي يبلغ نفس الهدف الذي وصل إليه النص الأصل، لكنه عن طريق أكثر قدسية وعلوية من النص الأصل. يقترب مفهوم النص الموازي الذي أريد توصيل مفهومه ومعناه من تعبيرات الدكتور ماجد عبد الحميد الكعبي في بعض توصيفاته واشتغاله على النصوص: (قد يتحول نص ما من نص يحاكي أصلاً الى أصل يجبُ بقدرته وابداعه اي شبه أو مشاكلة يلتقي بها مع الأصل فينسل بيسر وسهولة خارجاً من جلباب المحاكاة ليؤسس كياناً قائماً بذاته منتظراً نصاً أخر يحاكيه بوصفه أصلاً) . (10)
يدخل النص الموازي من بوابة المقدس الأعلى مؤسساً لنفسه عبر أسلوب بلاغي صموت، بتعبير المحاسبي، لكنه دال وبقوة عبر مصاحبة المقدس، صعوداً- نزولاً – من وإلى- مكان التقديس. فهو في كل أدواره وأطواره مقدس، الحرم المكي/ بيت المقدس/ النبي/ حضيرة القدس/ الحضرة الإلهية. وعليه يكون النص الموازي قد أمتلك حضوره وفاعليته عبر انتماءه واحتماءه بالمقدس، ومن خلال التدخل والتداخل مع المقدس الذي ثبتت قدسيته ولا مجال للشك والترديد في هذه القدسية. (المهم في انتاج الرمز وغايته التي تسعى الى الاتحاد بالمتعالي).(11) وعليه تثبت مقولة: كل ماجاء من المقدس مقدس، دون النظر في حيثيات ما قال، لا من قال، وأن كان ماقال ومن قال ينبغي ان تدخل ضمن ضوابط البحث العلمي.
على أي حال، نحن اليوم نحاول جاهدين بقدر مافي القوس من منزع ان نقرأ هذا النص الموازي الذي أسس ويؤسس لثقافة الخلاف والاختلاف، وتناولنا من خلاله رحلة (الإسراء والمعراج) بالقراءة المنهجية المعززة بمقابلة نصية، ويبقى الباب موارباً لمن له وقت وجهد أكبر لفتق جيب هذه القراءة.
تدخل رحلة الإسراء والمعراج في باب السلوان للرسول محمد (ص) بعد رحيل عمه وزوجته فيما سُمّي ب(عام الحزن). و(السلون) بتعبير الدكتور لؤي حمزة عباس (خرزة النسيان)*. فجاءت رحلة الإسراء والمعراج من أجل التسلية ونسيان الأحزان، ومن أجل فتح أفاق أرحب واستحضار رؤى معرفية أوسع ، وطرح الثقة بنفسه وبما جاء به من خلال استقراء رأي المجتمع المكي في سرد الوقائع. وهي لحظة مفصلية أسست للدين الجديد كيانه وشرعيته الحقيقية عبر اتصاله بالسماء التي لم تقلُ محمداً. هي ليست رحلة بقدر ماهي دعوة (ميقات) من (حضيرة القدس) للتسلية والتعزية والإكرام والتكريم ولإثبات حقيقة لازمت النبي محمد، حقيقة: (إن الله معنا).
هذه الرحلة، هي رحلة مضامين، تُريد أن تُرسل رسائل معينة، لكن بصورة مضمرة. هذه الحكاية العجائبية التي تُحاكي الواقع والتي انتجت فيما بعد رحلات مشابهة لكنها تختلف من حيث النوع، مثل (رسالة الغفران للمعري، والتوابع والزوابع لابن شهيد،التوهم للمحاسبي، والكوميديا الإلهية لدانتي، ورحلات كلفر لسويفت، وقصة وردة لهيوم دي لوريس). هذه الحكاية التي أفرغت الزمن من محتواه عبر سلسلة انتقالات . فالإسراء كان رحلة عبر الزمن لكن المعراج كان انتقال عبر اللازمن. فكما أسس للكتاب العزيز(لازمنيته)**، كذلك وثقت رحلة (المعراج) عبر اختراق الزمن. لأننا نقيس الزمن عبر تعاقب الليل والنهار، نقيس الزمن المادي، يقول أنشتاين: ( إنه ليس للزمن حقيقة قائمة بذاتها وانهُ من خواص المادة، وإن المستقبل قد يتصل بالحاضر وقد يلحق بالماضي، ففي كل لحظة نحن نقتطع من المستقبل جزءا نضمه إلى الماضي فلا ينقص هذا ولا يزيد ذاك لأن كلا منهما لا نهائي وغن المستقبل يلتف على شكل دائرة وبذا يدخل في الماضي إذ الدائرة علامة أبدية).(12) والمعراج كان خرقاً لقوانين الطبيعة لأنها كانت رحلة عبر السموات السبع ولا ندري بأي مقياس يمكن قياس هذه الرحلة من حيث المسافة والزمن؟.
سمات النص الموازي:
1- الهدم. 2- الإحلال. 3- المنع 4- الهيمنة . 5- الاستعلاء. تُعتبر هذه من أهم سمات النص الموازي المضمر. وهي هدم الإيديولوجيات السابقة عليه وتأسيس فهم جديد قائم على انقاض تلك المفهومات والمقولات. ومنع الأيديولوجيات من التطاول لبلوغ هذه المرتبة،والهيمنة على ساحة المقدس وتأسيس لنظرية الاستعلاء بكافة أشكالها. (إنّ هدف النصوص البيانية التي أصدرتها الرومانسية الفرنسيّة هو هدم استعلاء الذوق الأرستقراطي). (13) كما ان سمة (المنع) تُعتبر من أهم واخطر السمات التي أسس لها هذا الخطاب الموازي، وهي (ثنائية القمع والإرهاب) بتعبير منذر العياشي. هذه السمات تتدخال فيما بينها، وهذا لا يعني أن هذا الخطاب لا يؤسس لنفسه في (منطقة الفراغ) التي شهدت تحركاً واسعاً في مجتمع المدينة المشغول بخليط متداخل من التشريعات الدينية والاساطير والأحكام والتقاليد الجاهلية، والأفكار والرؤى المتباينة. لكنه خالٍ من التشريعات الجديدة التي سيقوم عليها هذا الدين الجديد والتي تتزاحم مع التشريعات القائمة في المدينة. فاحتاج أن يؤسس لنفسه مفهومات وتشريعات متمايزة عما عند الآخر اعتماداً على فكرة أن الاختلاف يكسب المختلف تميزاً وحضوراً فاعلاً، ويطرحه كشخصية في قبال الشخصيات الأخرى. فعمل على طرح مفهومات من قبيل نبذ مفهوم الجاهلية ، والجاهلية كما يصف خليل عبد الكريم تصوير الداعاة لها: (أوصاف كريهة ترسخ في الأذهان أن تلك الحقبة لم تكن سوى مجموعة من الظلاميات والجهالات والأضاليل) (14)، وطرح مفهوم تحريف كتاب اليهود والتأسيس والعمل بمفهوم قال الله، و(كلمة الله هي العليا). كل هذا الاشتغال إنما كان في مرحلة التأسيس. من خلال هذا التأسيس تم تثبيت مفهوم النبوة وترسيخه في الذهنية أنذاك. (فكل متلفظ مدفوع تلقائياً إلى أن يعقد صلة بينه وبين مُخاطبه يستمدّ منها وجوده بصفته كائناً لغوياً محبولاً على التواصل مع الآخر أي مع النفس. وقد يعزى إلى عامل ثقافي – ديني أسهم في تكريس لفعل القول ناهض على تدعيم مكانة الآخر لدى الذات. فيُصبح المتكلم العربي لا يقول إلا مايريد الآخر منهُ أن يقول. فهو صوت غيره مقطوع عن نفسه). (15)
تنبيه وتنويه:
تنبيه (1): إن نصوص الموازاة لا تبغي التأسيس لسلطة ظاهرية كالتي يمتلكها النص المؤسس (القرآن الكريم/ السُنة النبوية)، لكن السلطة تتأسس على هامش هذه النصوص وبنفس القوة . وهذه السلطة ستتضح في ثنايا البحث. (إذ تشرّع المعرفة الجديدة، التي يمتلكها البيان أو يدعيها ،لاعتراضه على القائم ودعوته إلى ما يجب أن يكون، فتمنحه، بذلك السلطة التي يقتضيها إعلان الانشقاق عن المكرس والقطع معه. وعلاقة البيان بالأقانيم الثلاثة: المعرفة والسلطة والرغبة، هي التي تشده، بالضرورة، إلى مجال مخصوص، وإلى سياقات أيديولوجية وتاريخية محددة. وهذا يعني أن البيان لا يظهر في، أغلب الأحيان، إلا في سياقات تاريخية موسومة بالبحث عن الإبدالات السياسية أو الاجتماعية أو الفنية أو الجمالية. فلحظة حضور البيان هي لحظة تأزم في مجاله الخاص، لحظة طفرة كمية، تتوج بتحول نوعي بالضرورة). (16)
تنبيه (2): لا يمكننا بحال أن نطلق تسمية (النص الموازي) على كل نص. فنحن حددنا منطقة وآليات اشتغاله. وقلنا إنه يشتغل في دائرة المقدس. والمقدس – كما هو واضح- يكون مشبعاً بمفاهيم ورؤى ومتبنيات وأفكار وطقوس لا يمكن ان يحيد عنها. وعند الاصطدام بمقدس آخر، يحتدم الصراع في دائرة المقدس، لا غير. وهذا يعني، إن النص الموازي نص أديولوجي بإمتياز، لأن محور عمله يدور حول الأيديولوجية فحسب.
تنبيه (3): تعدد نص (الإسراء والمعراج) وكثُر رواته. وبتعدد الرواة تتعدد القراءات والنصوص، وتختلف وتتباين فيما بينها. في بعض النصوص يكون هناك إسهاب وتطويل وزيادات وشروحات من قبل الراوي. وفي بعضها الآخر نقص واقتضاب. ولا يمكننا اعتماد نص معين والقول إن هذا هو النص الأصل، لسببين هما: 1- إن لا تاريخية للنصوص. فجميع النصوص رويت عن طريق الصحابة الذين عاشوا في عصر النبوة. 2- عدم إيماننا الجازم أن هذه التفصيلات الواردة في النص قد وردت عن النبي محمد. 3- ورود الشاهد القرآني من الأيات والسور المدنية وهذا ينافي كون الإسراء والمعراج قد حدث في المرحلة المكية. أو نزعم، إن الإسراء والمعراج قد كُتب بعد وفاة الرسول (ص) بفترة طويلة عندما احتاج المسلمون للاحتجاج بمعجزة أخرى، وأن هذه الشواهد هي من زيادات وإضافات الرواة.
تنبيه (4): الملاحظ على جميع نصوص الإسراء والمعراج عدم الاتساق بين فقراتها، فهناك تنافرواضح وعدم وجود وحدة موضوعية بين فقراته. وهذا ظاهر من غياب مجموعة الروابط المنطقية بتعبير(فان ديك)، وغياب الترابط النصي ونقصد به النظام الكلي الحاكم للنص الذي يخلق بنية النص، التي تملك تنظيماً داخلياً خاصاً. بينما نجد في القرآن الكريم اتساق وتماسك فقراته كأنه سبيكة واحدة تأخذ آياته و سوره بعضها برقاب بعض ، بحيث لا يوجد بين أجزائه تفكك ولا ضعف. قبل الولوج في ثنايا هذه القراءة ينبغي الإسراع بالقول، إن رحلة الإسراء قد وردت في القرآن الكريم ولا مجال لإنكارها ولا مكان للنقاش في صدقيتها، لأن القرآن الكريم محل اتفاق على ثبوته بالتواتر. لذا سيكون حديثنا ليس على آية الإسراء والمعراج، ولا على رواياته المتنازع على صدقيتها واتفاقها بين العلماء. لذا نقول: نحن لا نُريد أن ندخل في مجال الصواب والخطأ، والإيمان والكفر، بل سندخل للنص بما هو نص قابل للقراءة والتحليل ضمن شروط القراءة الموضوعية. فمثلاً، هل يُمكنم القول: إن الإسراء والمعراج معجزة للنبي محمد (ص) وحده؟ * المعراج ليس معجزة للنبي وحده. فإدريس عرج به حتى السماء الرابعة ودخل الجنة والنار. وفي قصة النبي عيسى، إني متوفيك ورافعك إلي، وتم رفعه للسماء. * دليل آخر. ورد في الإسراء ان هناك حلقة في بيت المقدس يربط فيها الأنبياء. ماذا يربطون؟ يربطون البراق التي يعرجون بها من بيت المقدس إلى قبة السماء؟ (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ-;- إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ-;- يَوْمِ الْقِيَامَةِۖ-;- ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) آل عمران (55). فهنا نلحظ أن الله تعالى قد رفع عيسى بن مريم إليه، بل وطهره. ولو انتقلنا إلى رحلة نبي آخر، نجد أن نبي الله إدريس كان قد عرج للسماء، قال تعالى:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَۚ-;- إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) مريم. ويذكر أرباب التفسير أن الله قد رفعه للسماء الرابعة. (واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت؟ فقال قوم : هو ميت . وقال قوم : هو حي وقالوا : أربعة من الأنبياء في الأحياء اثنان في الأرض : الخضر وإلياس واثنان في السماء : إدريس وعيسى . وقال وهب : كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت ، فاستأذن ربه عز وجل في زيارته ، فأذن له فأتاه في صورة بني آدم وكان إدريس يصوم الدهر فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ، ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس ، فقال له الليلة الثالثة : إني أريد أن أعلم من أنت؟ فقال : أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك ، قال : فلي إليك حاجة ، قال : وما هي؟ قال : تقبض روحي ، فأوحى الله إليه أن اقبض روحه فقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة ، قال له ملك الموت : ما في سؤالك من قبض الروح؟ قال لأذوق كرب الموت وغمه لأكون أشد استعدادا له ، ثم قال إدريس له : إن لي إليك حاجة أخرى ، قال : وما هي؟ قال : ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار ، فأذن الله في رفعه ، فلما قرب من النار قال لي حاجة أخرى ، قال : وما تريد؟ قال : تسأل مالكا حتى يفتح لي أبوابها فأردها ففعل ، ثم قال : فما أريتني النار فأرني الجنة . فذهب به إلى الجنة فاستفتح فأوحى الله إليه أن اقبض روحه ، فقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة ، قال له ملك الموت : ما في ، ففتحت أبوابها فأدخله الجنة ، ثم قال ملك الموت : اخرج لتعود إلى مقرك ، فتعلق بشجرة وقال : لا أخرج منها ، فبعث الله ملكا حكيما بينهما فقال له الملك : ما لك لا تخرج؟ قال : لأن الله تعالى قال : " كل نفس ذائقة الموت " ( آل عمران : 185 ) وقد ذقته ، وقال : " وإن منكم إلا واردها " ( مريم : 71 ) ، وقد وردتها ، وقال : " وما هم منها بمخرجين " ( الحجر : 48 ) فلست أخرج ، فأوحى الله إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج فهو حي هناك ، ذلك قوله تعالى : ( ورفعناه مكانا عليا ). (17) وعلى ماتقدم عند البغوي في تفسيره، يكون النبي إدريس قد عرج للسماء على ظهر أحد الملائكة وليس على ظهر دابة، وورد النار والجنة كما وردها النبي محمد (ص).
تسأؤل: ورد في حديث الإسراء والمعراج هذا الحديث: (وقد روى مسلم عن أنس بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أُتِيتُ بالبُراقِ وهوَ دَابّةٌ أَبيَضُ طَويلٌ فَوقَ الحمَارِ ودُونَ البَغلِ، يضَعُ حَافرُه عندَ مُنتَهَى طَرْفِه، قالَ فَركِبتُه حتى أَتيتُ بَيتَ المقدِس فَربَطْتُه بالحَلقةِ التي يَربِطُ بها الأنبياء، قال ثم دخَلتُ المسجدَ فصَلّيتُ فيه ركعَتين، ثمّ خَرجتُ فجَاءني جبريلُ عليهِ السّلامُ بإناءٍ مِن خمرٍ (وهو مِن خمرِ الجنّةِ اللذيذِ الذي لا يُسكِرُ ولا يُصدِعُ الرأس) وإناءٍ مِن لَبن، فاختَرتُ اللّبنَ، فقال جبريلُ عليه السلامُ:اختَرتَ الفِطرةَ، قال ثمّ عَرَجَ بنا إلى السّماء ...). المعلوم أن البراق دابة تحمل الأنبياء فقط، وهي مأمورة، ويقودها جبرائيل في طرق السماء. والذي يبدو لي أن طعامها لابد وأن يكون مثل طعام الملائكة التهليل والتسبيح. فلماذا تُربط بالحلقة كما تُربط دواب الأعراب؟ هل يخاف عليها من أن تسرح كما تسرح الدواب للبحث عن الطعام، أم يخافون سرقتها؟. والذي يبدو لي، إن الذي أورد الرواية قاس الدابة التي يعرج عليها الأنبياء على الدواب التي كانت في عصره حيث كانت تُربط في باب المسجد. روى الترمذي في سننه من طريق أنس رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : اعقلها وتوكل. وهنا يرد تساؤل أظنه مشروع: ما الداعي لوجود الحلقة التي يربط بها الأنبياء أمام المسجد الأقصى؟!.
(( ذهب محمد القاضي إلى أن الإسلام أسهم بقدر كبير بتشكيل ملامح المُتخيل العربي من خلال قصص الأنبياء وصور الآخرة والجنة وجهنم والملائكة والشياطين)). (18) قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء: 1. (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾-;- النجم: 17، 18.
تعتبر رحلة الإسراء والمعراج، حادثة (دنى فتدلى)، رحلة المطلوب إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، كما يقول عبد الحميد جودة السحار. وتعتبر رحلة الإسراء والمعراج الحلقة الثانية في الميتافيزيقيا العربية بعد نزول الوحي وهو الحلقة الأولى التي أسست لمفهوم الاتصال الغيبي الحقيقي بالسماء. ويعتبر الإسراع والمعراج حلقة مكملة لحلقات الصراع مع الآخر الديني/ العرقي. بداية للصراع مع المختلف، صنفاً، نوعاً، كماً وكيفاً. وتعتبر هذه الرحلة بداية الهيمنة المبكرة للإسلام على ماحوله من ديانات وأنبياء وشرائع وكتب، قال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) المائدة/ 48. لاحظ هنا، تأسيس للاختلاف (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ويؤسس للهيمنة، (ومهيمنا عليه). وسنلاحظ تأسيسات كثر من قبيل قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)آل عمران/ 19، وقوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ال عمران/85.
يورد الشيخ الصدوق في (الإعتقادات): " إعتقادنا في الجنة والنار أنهما مخلوقتان، وأن النبي (ص) قد دخل الجنة، ورأى حين خرج". نلحظ هنا أن هذا نوع من التأسيس على وجود جنة ونار، ووجود مؤمن وكافر، وبالتالي وجود ثواب وعقاب، وما يستتبع وجود الجنة من ملذات من جوارٍ وخمر وعسل وولدان مخلدون، وما يستلزم دخول النار من إحراق وتعذيب.... من خلال طرح مفهوم وثقافة الاختلاف تتم الهيمنة. وهذه الهيمنة إنما تتم من خلال الاحتماء بالمقدس ولا أدل على ذلك من صلاة النبي محمد بالأنبياء جميعاً وبأمر الحضرة الإلهية. لأن دعوة جبريل للنبي بالصلاة هي دعوة السماء، لأن جبريل عبد مأمور (لا ينطق عن الهوى/ علمه شديد القوى). وبهذا التأسيس يكون النبي محمد (ص) إمام الأنبياء بلا منازع. ((فتوهم أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم ، منفرد كل واحد منهم بنفس. ( نفسي نفسي ): فلا تسمع إلا قول ، (نفسي نفسي ): ينادي فيا هول ذلك وأنت تنادي معهم بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه ، فما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم ، والخليل إبراهيم ، والكليم موسى ، والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله عز وجل وعظم شفقاً من شدة غضب ، (نفسي نفسي (: قدر منازلهم عند الله عز وجل ، كل ينادي ربه ، فأين أنت منهم في إشفاقك في ذلك اليوم واشتغالك بحزنك وبخوفك ؟ حتى إذا أيس الخلائق من شفاعتهم لما رأوا من اشتغالهم بأنفسهم ، أتوا النبي فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم إليها ، ثم قام إلى ربه عز وجل محمداً واستأذن عليه ، فأذن له ثم خر لربه عز وجل ساجداً ، ثم فتح عليه من محامده والثناء عليه لما هو أهله ، وذلك كله بسمعك وأسماع الخلائق ، حتى أجابه ربه عزوجل إلى تعجيل عرضهم، والنظر في أمورهم)). (19)المحاسبي/ التوهم/ ص29. خطاب يلغي جميع المتبنيات السابقة المؤسسة على حرية الاختيار وان هذه الديانات واحدة من عند واحد وخطاب (ولكم دينكم ولي دين/ وإنّا هديناه النجدين). هذا الخطاب بداية لتأسيس التفوق والهيمنة على الآخر الديني، وهنا خطاب آخر عرقي يرد بقوة على الخطاب العرقي عند الآخر، خطاب، أقصد، تفضيل بني إسرائيل على العالمين، (يابني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين). البقرة /121، خطاب (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). خطاب يوازي التفضيل ويؤسس لمعيار قيمي آخر، معيار (الإيمان بالله) وهو تعريض بالآخر الذي تشرب من نفس النبع لكنه لم يؤمن. (ورد في رواية أبي سعيد عند البيهقي: دعاني داعٍ عن يميني، أنظرني أسألك، فلم أجبه ثم دعاني آخر عن يساري فلم أجبه. وفيه أن جبريل قال له:أما الداعي الأول: فهو داعي اليهود، ولو أجبته لتهودت أمتك وأما الثاني: فداعي النصارى، ولو أجبته لتنصرت أمتك). هنا تعريض بالديانتين اليهودية والنصرانية وطلب عدم الالتفات إليهما دلالة على التوهين والترك حتى من دلالة واضحة على الاختلاف الصريح عن الديانتين وتأسيس قيام ديانة سماوية يقود جبريل ركبها إلى السماء. لاشك أن هناك أكثر من خطاب تأسيسي في الإسلام، فهناك خطاب الفقهاء والرواة وأرباب التفسير، فضلاً عن الخطاب القرآني وخطاب الحديث النبوي الشريف. ويعتبر خطاب الرواة من أكثر الخطابات على مستوى الحكاية أو على مستوى الحديث الشريف. ونحن سنتناول خطاب الحكاية أو خطاب السيرة النبوية. إن خطاب الحكاية الذي يتلاقى مع خطابات أخرى عند شعوب وديانات المنطقة التي وجد فيها الإسلام. وتعتبر رحلة (الإسراء والمعراج) حالة نموذجية لذلك الخطاب التأسيسي والنقدي التقييمي/ خطاب الموازة والهيمنة . ونحن في قراءتنا هذه سنتغاضى عن تناول حادثة الإسراء كحادثة دينية، وسيقتصر بحثنا على تناول الخطابين التأسيسي والنقدي= خطاب الموازة والهيمنة الوارد في الإسراء والمعراج. وكما قدمنا فإن هذا الخطاب يؤسس لنفسه من خلال ماعند الآخر في الصراع معه وتقويضه. من خلال تتبع ما ورد في كتب المسلمين ننلحظ التأسيس يأتي في بعض الأحيان على لسان بعض (المهتدين) ممن تركوا ديانتهم المسيحية أو اليهودية ودخلوا في الإسلام مثل(كعب الأحبار) و(الجارود العبدي) وغيرهم كثير. يروي سلمان الفارسي حديثاً عن الجارود العبدي وهو ممن ألتقى النبي (ص) على ماذكره السيد الخوئي في معجم رجاله ج3: (فأنشأت أحدثهم ورسول الله يسمع والقوم سامعون وواعون. قلت يا رسول الله لقد شهدت قساً وقد خرج من نادٍ من أندية إياد، إلى صحصحٍ ذات قتاد... رافعاً إلى السماء وجهه وإصبعه فدنوت منه وسمعتهُ يقول: اللهم رب هذه االسبعة الأرقعة، والأرضين الممرعة، وبمحمد والثلاثة المحامدة معه، والعليين الأربعة، وسبطيه المنيعة الأرفعة).(20) في هذا الحديث لا يُثبت حقيقة واحقية محمد النبي فقط، وإنما يورد أئمة المذهب الشيعي. لكن الملاحظ على هذا الحديث أنه لا يورد أئمة أياً من مذاهب الشيعة المعروفة، فلا هو يورد الأئمة الاثني عشر عند الاثني عشرية ولا هو يورد المذهب الفاطمي (السبعية) فهذا الحديث يورد تسعة رجال مع النبي محمد!.
كذا ينبغي الالتفات إلى أن الإسراء ينفصل عن المعراج. فالإسراء رحلة جوية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (من السعودية إلى فلسطين)، ثم بعد ذلك تأتي رحلة المعراج من المسجد الأقصى إلى السماء في رحلة فضائية بامتياز على دابة البراق يكون الدليل فيها جبرائيل أمين الوحي.
والملاحظ ان رحلة الإسراء- كما قدمنا- متفق عليها عند الجميع لورودها في القرآن الكريم، لكن محل الخلاف كان في أمرين اثنين: 1- في المعراج. فالقرآن الكريم لم يذكر المعراج، وإنما فقط ذكر الإسراء. 2- هل إُسري بالنبي بروحه أم بجسده. ولسوف نبتعد عن مناقشة هذين الأمرين لأنهما لايدخلان قي قراءة النص الموزاي. إن رحلة المعراج هي رد فعل طبيعي على حادثة ذهاب موسى إلى ميقات ربه من أجل تساوى الكفتين في لقاء الحضرة الإلهية والحديث معها. وبديهي عند من قرأ القرآن الكريم أن حادثة ذهاب موسى لميقات ربه حادثة مقتضبة ﴿-;- وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾-;-، الأعراف/ 142. حادثة ليس فيها من التفصيلات المبينة لهذا اللقاء حتى في التوراة. خلاصة الحكاية أن موسى ذهب لميقات ربه، رجع وبيده الألواح، ألواح الشريعة، والتي حسبما ذكرت بعض المصادرقد كُتبت بيد القدرة. هذه الألواح التي لم يحترمها موسى، والتي ألقاها في لحظة غضب، وما أكثرها عند موسى الكليم، بعد رؤيته لقومه يعبدون العجل. فكسر الألواح، (وَلَمّا رَجَعَ مُوسَىَ إِلَىَ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرّهُ إِلَيْهِ) الأعراف/ 150 واحتاج إلى العودة مرة اخرى لكتابة ألواح الشريعة، قال تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ الأعراف(154).
تأسيس قاعدة العلو.
في حديث أورده البخاري في كتاب (التوحيد) من صحيحه في بيان العروج والانتقال من سماءٍ لأخرى قال: (7079...وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله فقال موسى رب لم أظن أن يرفع علي أحد ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا للجبار رب العزة فتدلى). نلحض في هذا الوارد في حديث الإسراء والمعراج، تاسيس لثقافة العلو وطرح نظرية المفضول والفاضل. فموسى ملتفت لهذه الثقافة بدلالة قوله تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة/ 47. فلابد إذن من ضرب هذه الثقافة وخرق هذه القاعدة بشهادة رأس هذه الثقافة والملتفت لها، عنيت شهادة موسى الكليم، وطرح مفهوم وتأسيس ثقافة (الإســـلام يعلو ولا يُعلى عليه). كذا نلحظ هنا تأسيساً آخر لقاعدة فقهية. قاعدة (نفي السبيل): (وهي قاعدة دلّ عليها الكتاب بقوله سبحانه: (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).والسُنَّة: حيث رأينا أن الكافر لا يرث المسلم ولا يحجبه إلى غير ذلك. فقد روى الصدوق في (من لا يحضره الفقـــيه) عن النبي (ص): (الإســـلام يعلو ولا يُعلى عليه والكفّار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يورثون). وقالت الصدّيقة الطاهرة عليها السلام: (أهل ملّتين لا يتوارثان). وهذه الآية الشريفة والتي أسست لهذه القاعدة استلزمت الكثير من الأحكام الشرعية، منها: عدم عدم جواز نكاح الكافر (الغير مسلم) للمسلمة، لأنه نوع من الاستعلاء، ويجوز للمسلم (والمراد بالمسلم الأعم حتّى من المنافق ) نكاح غير المسلمة، كما أنه لا حقّ في القصاص له على المسلم، وعدم ثبوت حقّ الشفعة إذا كان المشتري مسلماً ولو كان البائع كافراً، وغيرها من الأحكام التي تندرج في نفس الباب. نعود للخطاب الأهم في هذه الرحلة السماوية. فرحلة من دون لقاء ورؤية النور واستماع لكلام الحضرة الإلهية تعتبر رحلة عادية، ليست بذات أهمية، وهي رحلة مساوية لرحلة جميع الأنبياء الذين كان متن البراق يحملهم في رحلة المعراج بعد وقوفهم عند باب المسجد الأقصى.
فلابد من وجود لقاء مع الحضرة الإلهية في وضعية أفضل من وضعية نبي الله إدريس، قال تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا *وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) مريم/ 56/57، فغاية ما وصل إليه إدريس هو السماء الرابعة. فالارتقاء والصعود والمرور بالسموات ليس غاية في حدّ ذاته، إنما هو وسيلة لغاية أسمى وأرفع. فلابد من التأسيس لخطاب مع الحضرة الإلهية يكون أسمى من خطاب تكليف موسى بالذهاب إلى فرعون. خطاب الحضرة الإلهية من خلف العليقة المشتعلة أو النار التي رأها موسى وفي مكان أكثر قدسية من جانب الطور الأيمن أو الجبل. فموسى الكليم أسس لخطاب المكان وقدسيته، خطاب أخلع نعليك إنك بالوادي المقدس، قال تعالى:( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) طه/ 12. فمكان لقاء موسى بالحضرة الإلهية هو الأرض، ومان عروج النبي محمد ولقاء الحضرة الألهية مقام، دنا فتدلى عند سدرة المنتهى. فهناك شجرة وهنا شجرة، إذ يغشى السدرة ما يغشى هو عين خطاب، (أنستُ نارا) وحديث الحضرة من وراء العليقة/ الشجرة الملتهبة، لكن الافتراق في المكان. فاللقاء كان في السماء مكان العرش والرب والملائكة الحافة. لاحظ أن رحلة موسى للقاء ربه تأجلت عشرة أيام، قال تعالى: ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة )الأعراف/142. إن لقاء موسى للحضرة الإلهية كان عند سابق موعد ثم تأجل الميعاد عشرة أيام، لكن النبي محمد كانت دعوته مستعجلة وسرية، في ليلة واحدة رأى ملكوت السموات والأرض، وهذا هو الذي حصل للنبي إبراهيم، (وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض). ورد في التوراة أو كما يحلو للبعض تسميتها بأسفار موسى ، سفر التكوين، اصحاح18: (1 وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار 2 فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى 4 ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة )، لاحظ هنا، إن إبراهيم يغسل أرجل الرجال، لكن مع النبي محمد، إن جبريل هو من يغسل قلبه وبماء زمزم الطاهر الطهور المطهر: (7079 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن شريك بن عبد الله أنه قال سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم أيهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم فقال آخرهم خذوا خيرهم فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده يعني عروق حلقه ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا) البخاري/ كتاب التوحيد.
إذا، بناءً على هذا الخطاب، يتساوى النبي محمد مع الأنبياء ويتفوق عليهم. ثم لاحظ معي ان النبي محمد رأى النور الإلهي، وهو لم يطلب رؤية الحضرة بل أن الحضرة الإلهية هي من تدلت لرؤيته- على ما قالوا-، بينما النبي موسى طلب رؤية الحضرة الإلهية (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك ). هذا الطلب إنزل بموسى عقوبة أبدية وهي، (لن تراني) وهذا النفي كما هو واضح يفيد التأبيد ولو تدبرنا رؤية موسى وكلامه مع (يهوه) من خلال الشجرة/ العليقة المحترقة، نرى ان موسى ذهب وهو غير عالم بما في النار وبما حولها، ( إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى (10) فلما أتاها نودي يا موسى ) طه/ 10. بينما نجد في خطاب المعراج ان الحضرة الإلهية هي التي تتدلى للكلام لمقام النبي محمد : ( ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما أوحى إليه). أي ان الدنو كان من الجبار وليس من النبي محمد. لقد قلت: إن محمداً (ص)، وصل إلى أفق لم يعد فيه مكان لجبريل، وارتقى إلى مستوى من النور لم يكن لجبريل عليه السلام فيه مجال، فكان محمد ص في الحضرة الإلهية، دون واسطة . ... واستندت إلى ماجاء في حديث البخاري. ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى. وقلت: إن محمداً ص، في هذا الأفق كان وحده وكان جبريل عليه السلام في أفق أقل، وكانت المناجاة مع الله. وكان الوحي من الله. وكانت الرؤية لله تعالى).(21) وأخرج البزاز من طريق قتادة عن أنس. (أن محمداً ص رأى ربه عز وجل).(22) عن ابن عباس: (نظر محمد إلى ربه، قال عكرمة له: نظر محمد إلى ربه؟ قال: نعم، جعل الكلام لموسى، والخلة لإبراهيم، والنظر لمحمد ص). (23) كانت بداية الرحلة من الكعبة المشرَّفة إلى بيت المقدس، (بحسب المشهور)، من المسجِد الحرام إلى المسجد الأقصى. يعني من بلاد العرب إلى بلاد العبرانيين (بحسب المشهور)، من بلاد الإسلام إلى بلاد اليهودية وبلاد النصرانية، والمسجد الأقصى هو مهْد الأنبياء والمرسلين، في هذه الرحلة يُقوم جبرائيل باختبارالنبي محمد في حادثة اختيار أحد الإناءين: (أن جبريل ـ عليه السلام - عرض الإناءين على النبي - صلى الله عليه وسلم - فاختار الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللبن وأعرض عن الخمر، فقال له جبريل - عليه السلام: اخترت الفطرة التي فطر الله الناس عليها). لاحظ ان الخمرة لم تحرم بعد في الإسلام، لأن الإسراء كان بحسب موسى بن عقبة الزهري (قبل الهجرة بسنة) وعن عروة عن السدي، (بستة عشر شهرا).
لكن النبي اختار (اللبن) ولم يختر (الخمر) وهو خطاب تأسيسي لما سيأتي، لكن ماذا يفضل رجل قضى حياته في بيئة صحراوية، وقيل، كان راعياً، هل يفضل الخمر على اللبن؟!. لاحظ رواية ابن مسعود: (فكان عبد الله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها - فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم . ثم أتي بثلاثة آنية إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء. (قال) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت قائلا يقول حين عرضت علي إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمته . قال فأخذت إناء اللبن فشربت منه فقال لي جبريل عليه السلام : هديت وهديت أمتك يا محمد ). لاحظ أن النبي يرفض الماء! كيف لرجل يعيش في بيئة صحراوية يترك الماء لولا معرفته التامة بفوائد اللبن وانه يعادل الماء في الأرواء ويفوقه قيمة غذائية. كما قلنا ان هذا الخطاب تأسيسي لما سيأتي تتابعاً، لكن هذا الخطاب يحمل في طياته ذم وتقريع للآخر الذي يتعاطى الخمر ويعتبره عقيدة ودين. فقوله: (هديت) يقتضي (ضلال) الآخر المساوي في النوع، وقوله (هديت أمتك) يوازي خطاب (ضلالة الأمم الأخرى).
خطاب المُلك التأسيسي.
يعتبر خطاب المُلك التأسيسي من أهم خطابات الإسلام السياسي، أبو علي المودودي/ الشاطبي، فهذا الخطاب، فصّل الخطاب الإسلامي وبيّن من يحكم ومن لا يحكم، نظرية (الاستعلاء)/ قاعدة نفي السبيل، ترفض مبدأ الديمقراطية بصورة تامة، وهذا ما صرح به جميع الذين نظروا للإسلام السياسي. الديمقراطية تتيح تساوي الفرص، ونظرية (الاستعلاء/ نفي السبيل) ترفض تسلط الكافر على المسلم، فكيف يتم أو تم التعامل مع هذه المشكلة؟. النبي محمد (ص) رفض الملك مع النبوة، فهو نبيٌ عابد وليس نبياً ملكاً. هذا بالنسبة للنبي محمد (ص) لكنه لم يحضر أو يحجر على أمته العمل بالسياسة أو تعاطي نظرية المـُلك. ولا تعارض بين ان تتزامن (الخلافة- الحكم) مع التدين. ومن هنا شاعت فكرة الخلافة الإسلامية/ دولة الفقيه/ الدولة الإسلامية، وهلم جرا. والقاعدة العامة التي تمسك بها المسلممون، إن النبي محمد (ص) دائما يختار الأقرب واصلح له ولأمته، والأدلة على ذلك فوق الحصر، في قضية الإسلام السياسي ترك الباب مفتوحاً فكثرت التأويلات والاجتهادات في هذا الباب. نلاحظ إنه لما خيره الله جلَّ جلاله أن يكون نبياً ملكاً، أو نبياً عبداً، اختار أن يكون نبياً عبداً، اختار ان يكون نبياً عبداً. هذا الحديث يؤسس لأمور منها: 1- إن النبي محمد نبي مبعوث من السماء، بدلالة التخيير، فهو في الحالتين نبي. 2- يؤسس لقاعدة الزهد في الإسلام من خلال تبني مفهوم العبودية. 3- يؤسس لخطاب ان الدين/ النبوة لا تتعارض مع الحكم والملك. 4- يؤسس لفصل الدين عن الحكم في الإسلام من خلال رفض تزامن النبوة مع الملك وقبول النبوة مع العبودية الذي فيه تأسيس لروحانية الإسلام 5- فيه طعن بالمساوي نوعاً الذي طلب الملك مع انه بلغ درجة التكامل من خلال الحصول على مقام النبوة الرفيع، لكن يبدو من خلال هذا التأسيس أن مقام النبوة ليس تام الكمال بدلالة وجود مقام أرفع منه إلا وهو مقام الرسول 6- إن هذا الطلب (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي) ص : 35 . من هذا الخطاب، خطاب هب لي/ أعطني، بينما مقام النبي محمد (اختار)، والفارق كبير بين مقام (هبّ/ أعطني) = مقام عبودية، بينما مقام (اختار) مقام حرية وإرادة واعية. وفي خطاب أغفرلي دلالة على وجود ذنب. 7- إن هذا الطلب سوف يلهى الإنسان عن السبب الحقيقي لعلة الخلق، (ما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون). ) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ( 32 ) ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( 33ص 8- حب الملك هو الذي شغل النبي سليمان عن الصلاة كما يقول المفسرون، لكن النبي محمد ينتظر الصلاة ويقول: (أرحنا بها يا بلال)، لآنه نبي وليس ملك مشغول بالدنيا وحب الدنيا. وهو الذي رد عرض عتبة بن الوليد حينما قال له: (وأن كنت تُريد ملكاً ملكناك علينا)، وقال لعمه أبي طالب: (يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه). 9- في هذا الخطاب تأسيس لحب الدنيا مقابل الزهد، حب الملك مقابل التواضع ، طغيان الأنا مقابل نكران الذات . (ملك لا ينبغي لأحد من بعدي). تعتبر هذه قراءة أولى وسنحاول تكملة هذه القراءة من خلال محاور أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- رولان بارت، لذة النص، ص16. 2- هشام جعيط السيرة النبوية، ج2، تاريخية الدعوة في مكة، ص6. 3- منذر العياشي، لذة النص، ص9. 4- لؤي حمزة عباس، بلاغة التزوير، فاعلية الإخبار في السرد العربي، ص150. 5- الدكتور حسن الخاقاني، الترميز: المفهوم و الوظيفة. على موقع كلية الآداب- جامعة الكوفة . http://www.arts.uokufa.edu.iq/teaching/a/drhassan/researches_html/termeez.htm 6- نفس المصدر. 7- جيرار جينيت، أطراس، 8- نفس المصدر. 9- الفن الروائي، ديفيد لوج، ت ماهر البطوطي، ص117. 10 - الدكتور ماجد عبد الحميد الكعبي، https://www.facebook.com/profile.php?id=100008182781133&fref=ts 11- حسن الخاقاني، مصدر سابق. * بلاغة التزوير، مصدرسابق، ص117 ** هشام جعيط، الفتنة، جدلية الدين والسياسة ف ي الإسلام المبكر، ص7. 12- عبد الحميد جودة السحار، الإسراء والمعراج، ص20. 13- عماد حفيظ، في معنى الخطاب البياني. http://www.turess.com/echaab/11052 14- خليل عبد الكريم، الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية، ص7. 15- علي عبيد، مقاربات سردية، ص170/171. 16- عماد حفيظ، مصدر سابق. 17- تفسير البغوي، سورة مريم، الآية (56). 18- مقاربات سردية، م/ س، ص 138، هامش (2). 19- الحارث المحاسبي، أبي عبد الله الحارث بن أسد، توهم حال أهل النار ، وتوهم حال أهل الجنة، ص30، ت: المستعصم بالله أبي هريرة، مصطفى بن علي بن جعفر الطيار. 20- الإسراء والمعراج، من تراث الشيخ المجلسي، ت محسن عقيل، ص 40. 21- الإسراء والمعراج/ الإمام الدكتورعبد الحليم محمود/ ص.5 22- ن/م ، ص 48. 22- ن/م ، ص49..
#محمد_السباهي (هاشتاغ)
Mohamed_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموصل ... ما أشبه الليلة بالبارحة!
-
الخطاب الموازي، الإسراء والمعراج إنموذجاً.
-
شيزوفرينيا..
-
الاحتضار السياسي/ معاً للهاوية ...
-
البؤساء
-
الإنسان أولاً ...
-
أول بيت وضع للناس للذي ببكة
-
براءة زنديق
-
مرة اخرى.. قراءة خشنة، كتابة ناعمة.
-
كتابة ناعمة / قراءة خشنة... قراءة في كتاب الأخضر العفيف.
-
قراءة ناعمة/ كتابة خشنة، قراءة أولية في كتاب الأخضر العفيف
-
الإرهاب المقدس
-
جندي الكتابة، لؤي حمزة عباس.
-
البئر المعطلة / العقل عند العرب والمسلمين. (2)
-
البئر المعطلة / العقل عند العرب والمسلمين.
-
الحرية ... وسيلة السعادة.
-
الدين المعاملة ...
-
الليبرالية بين التنابلة والحنابلة ..
-
حتى أنت يا بروتس !!
-
احتياجات خاصة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|