|
قراءة سايكولوجية لقصيدة الشاعرة هالة حجازي ( بكاء بلون الفرح)
سلطان المرعشي
الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 19:48
المحور:
الادب والفن
هذه قراءة سايكولوجية لقصيدة الشاعرة اللبنانية هالة حجازي ( بكاء بلون الفرح ) و هو نص يستحق المزيد من التأمل و التحليل لما يخفي في ظلال معانيه على المزيد من بؤر نصية وتناصية.
يستحضر النص من الوهلة الأولى ثيمات التوتر النفسي و الصراع الذات حول البحث عن صورة "الأنا" في أمكنة تائهة و غير مستقرة وعبر زمان غير محدد ولا مضبوط. ومن هنا تأتي الصور الجمالية متراسلة بطريقة أسلوبية تخدم غرض النص و فكرته عندما يركز الخطاب الشاعري و النفسي على طقوس "الأنا" التي تتحول من غائية المفرد إلى تلك المتعلقة بالجمعي منها، خاصةً عندما يتحول الخطاب من السردي التأملي و التوسلي إلى خطاب متقن وبنفس الأسلوبية مع الآخر الذي تحاول الذات الشاعرة البحث عنه و التوحد به بغرض استدعاء حالةٍ من التماهي وكسر الجمود / الموت / الانكسار /التبعثر، بما ينطوي ذلك على إرسال برقية باطنية تخرج من اللاوعي لتبلغ الآخر بتجنب الفراق و الانقطاع والانفصال بين الأنا و حبيبها "الهو."
إلى ذلك يبدأ النص بكلمة "ايقظتني " وذلك للدلالة على مفاجأة اللحظة النفسية التي غمرت كينونة الأنا بالمقل الماطرة دمعاً عندما استفاقت على الشفق، وأصبحت الأنا الصادحة الصارخة ترسم لنا يمامة تحمل بين جناحيها شؤم الموت، وهنا تقع الغرائبية في استحضار صورة اليمامة – ذات البعد الدلالي الإيجابي بما يحمل من رمزية للحرية والتفاؤل و التحرر أو الإنعتاق من إرهاصات تجربة جدِّ خطيرة ومفصلية في حياة الأنا الشاعرة – و صورة الموت بما تحمله من أحزان و أسى و تشظي و غم وهم عبر متاهات الزمن التي تخبرها الأنا لوحدها وكأنها في عزلة مستدامة:
حياة لا ترى إلا حينونة الموت
زهنا تأتي الصورة الفنية و الجمالية في تكديس التجربة المأساوية والمتعبة إلى حد الموت مشبهةً في حقائب عدة – وليس في حقيبة واحدة فقط – مما يعنى بالدلالة القاطعة حجم المعاناة و الشقاء و البؤس التي تعتمل في باطن الأنا وتبين على شكلها و ظاهرها وذلك من جرّاء تجربة الغربة التي تتحول إلى أقسى حالات الاغتراب و التشظي النفسي: تمايلتُ بذكراهم كسنبلةِ قمحٍ يُداعبها الريح كفراشةٍ تنتقلُ من ذِكرى إلى أخرى تنفستُ شذاهم يَمشي صَوتُهم في عروقي يخضرُ القلب فتورقُ أطواقاً من ياسمين وهكذا تظل الذات المتسيدة في حزنها و غمها تتحدث عن المزيد من تفاصيل منغصات التجربة الحياتية المليئة بمزيد من الحزن و الانكسار و الانشطار إلى حد الانهيار الشامل و الكامل والمأساوي: أتعطشُ لصوتِكِ ... أُمي تلكَ البحةُ .. صباحات القهوة وتشرين أتنفسك .. كلما هَززتُ الحبق الذي كنتِ تعشقين كلما عانقتِ السماءُ وقتَ الأصيل زوريني أُمي في كلِ حين ولا تقطعي عني هذا الوتين وحتى عندما تخلد الذات نفسها إلى أحلامها الليلية تغمرها تلك اللحظات المسكونة بالصمت القاتل و المكان المخيف والمروّع بما لا تحتمله الأنا الشاعرة لمرةٍ أخرى وكفى: أتوقُ إلى إبتسامةِ جدتي ولِسانِها العابِقُِ بالدعاء ورائحةُ العودِ والرياحين مُري عليّ جدتي في كل حين ولا تقطعي عني هذا الوتين
يئنّ المكان ثم تنتقل الأنا على حالها ذاك لتتجه في خطابها المباشر إلى الآخر لمعانقته في حديث منعزل المكان وتوسلاً في التماهي معها و تغلباً أو تخلصاً شافياً من العزلة و الاغتراب المتواصل في المنفى المترع بالأحزان والشقاء و المشاعر التي تسيدتها حالة التشظي بأقصى درجاتها: حُرقةٌ تَشي بعيوني تتدحرجُ كماءٍ مَهين يسقطُ من شقوقِ البوح شوقاً هودجاً خشوعاً ك ابتهالاتِ المؤمنين ثم يتحول السؤال في تساؤل الذات للذات على استغرابه و تعبيراً على مزيد من الحاجة لفك أو كسر العزلة النفسية أولاً و المكانية ثانياً، ويدل حضور صور القمر والورد والكلام على لحظة تأمل متفائلة إلى حدٍ ما وبهدف مواساة الأنا على ما فيها وما اعتراها , أيضاً، وفي آخر محطات الخطاب النصي الشعري و الشعوري يأتي النداء متأخراً ويائساً وعلى حالة التشظي ذاتها، حيث الظل وليس الحقيقة أو شخصها، ذلك الظل الذي يأتي في وقت تحوّل لثعبان خطير و سام يلدغ بأنيابه "الأنا" التواقة و"الآخر" الذي يبدو بلا مبالاة ولا تبادلية شعورية، كليهما على حدٍ سواء, بهذا، يختتم النص خطاب الأنا على لدغتين قاسيتين – وبتقنية الانزياح والتبديل - و لا حل في الأفق لهما ولا علاج: لدغة عندما يغيب "الآخر" في مداه الخاص به وعالمه الغارق بظلال الفراق و العربة والاغتراب، و لدغة عندما تفنى "الأنا" على حالها من التشظي والتوتر والقلق والتوق للمأمول دون حصوله. وهكذا يعرض النص لحالة نفسية إنسانية قد تحدث مع الكُثُر من أصحاب القلوب المحبة في أي مكان وفي أي مجتمع إنساني. عَبروا روحي ك طيفٍ جميل فهدهدني التعب وتوسدني الحنين نامَ وفي أشواقهِ تاريخٌ من أسوارِ الياسمين
استاذ النقد الادبي / برلين
#سلطان_المرعشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة سايكولوجية لقصيدة الشاعرة هالة حجازي ( بكاء بلون الفرح
...
المزيد.....
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|