|
حينما يتحول الشاعر برقا
كامل حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 12:17
المحور:
الادب والفن
حينما يتحول الشاعر برقا قراءة في ( ايها البرق انت انا ) للشاعر ناهض الخياط كامل حسن الدليمي عن المركز الثقافي للطباعة والنشر صدرت مجموعة شعرية للشاعر ناهض الخياط تحت عنوان(أيها البرق انت انا) وهي المجموعة المغايرة عن كل ما صدر للشاعر ذلك أنها تضمنت ومضات شعرية موجزة اللفظ متعددة المعان ، ويبدو من العنونة ان ثمة توظيف سيميائي للعنوان تم انتقاءه بصورة دقيقة باعتبار إن العنونة تشكل البعد الاشاري لما تضمنه المتن وهي المحفز إلاول للمتلقي ليواصل متابعته لهذا العنوان أو ذاك ومهما يكن فإن الاختيار الدقيق للعنونة دليل نضج شعري وقدرة على استقطاب المزيد من القراء ، ولابد للشاعر من إدراك حقيقة أن المفردة تحمل البعد اللساني والمعنوي بذات الوقت ولو وضفت العلاقة القائمة بينهما توظيفا موفقا لكان وقع المتون ابلغ وأكثر استحسانا. ان البنية اللغوية (اللسانيه والعلاقة السيميائية) المشكلان للنص الشعري يقومان بنيان القصيدة بصرف النظر عن كم المفردات المستعملة اذا ما عرفنا إن الومضة تستهدف المعنى أولا من خلال تحقيق عنصر الدهشة والمفاجئة وان العناصر المكونة للنص ترتبط بمجموعة من الاواصر تظل الجمالية فيها تدور بين (اللفظ ومعناه) وإن الشاعر الحاذق لا بد ان يوجد هذه الوشائج بين المتن الشعري وبين العنوان أي علاقة الدال بالمدلول مثلما ذهب إلى ذلك دو سوسير في تعريفه لبنية النص ونظرته إلى هذه العلاقة من زاوية الاهتمام بالدال قبل الاهتمام بالمدلول فالدال يعد عند معظم البنيويين هو الأصل وبهذا الاعتبار وجدنا ان الخياط قد اهتم كثيرا بانتقاء الدال من خلال ما وضع من عنونة مغايرة فقال (أيها البرق أنت أنا) واصفا نفسه بالبرق ولا بد من دلالة ضمنية على هذا العنوان في المتن الشعري . اتسمت مجموعة الخياط بما يمكن الاصطلاح عليه بالنص الذاتي المنطلق من ذات الشاعر واجمل الشعر إن يكون منطلقه ذاتية الشاعر ولو إن الموضوعي من الشعر كثير لكن وقعه على القاريء اقل تأثيرا وما دام الشاعر راصدا لمعانات الاخرين فان تجربته لا تختلف عن تجاربهم لكنه يستطيع توظيف المشترك من المعانات بينه وبين الاخرين الى نص معبر عن حقيقة تلك المعانات يقول الخياط في مستهل هذه المجموعة: (في الليل/ أراهم يرنون بضوء في نهاية النفق الطويل/ وأنا لجمرة سيجارتي) ص5 ورغم محدودية مفردات هذه الومضة إلا أنها تشغل أفقا واسعا في ذهنية المتلقي وتصور أن هناك فريقين احدهم استعاض عنه بالضمير "هم" باطلاق وتعميم ، فقد يكونون أشخاص متعددين وقد يكون الكل من الخلق هم الذين يرنون في نظر الشاعر أما ذات الشاعر بقيت تحدق في جمرة السيجار وتلك مفارقة جميلة ففي الوقت الذي يبحث فيه الآخرون عن خلاصهم من خلال ثمة ضوء داخل النفق لا خوف عليه فقد وجد ضالته في جمرة سيجارته . والتحول من العموم إلى الخصوص يعبر عن الذاتية فلا تنحصر الذاتية في أن يدون الشاعر ما في خلده والحديث عن نفسه ، وحين يتحدث عن الآخرين فهو ينطلق من نفسه وان مصداقية الشاعر ان يعكس تلك المعانات الإنسانية بصدق وان كانت المعاناة ذا عموم وشمولية ، وفي الوقت ذاته يعطي لنا صورة الآخر جمعا أو مفردا ويكفي انه قد وجدها الامل بين يديه في جمرة سيجارته وقد تحققت الدهشة المعنوية وليس اللفظية الا ان المعنى يحمل أبعاد وصور جميلة . وفي ومضة أخرى جد مختصرة إلا أنها تعبر عن حالة إنسانية في منتهى الرقي حيث يقول (العصفور وعصفورته لا يفترقان)ص16 : وذاك تعبير صادق عن ان العلاقة الانسانية بين الذكر والانثى علاقة تكاملية ليس بمقدور احد عصفورا أو عصفورة ان يعيش في هذا العالم بمفرده وقد كرس الخياط عددا من ومضاته للعصفور الذي جعله دلالة تحاكي الواقع الإنساني فاستعاض عن الإنسان بالعصفور ورصد حركته من خلال مجمل الحالات التي يمر بها حيث يقول : (في أي مكان نرى العصافير فيه /نتذكر أطفالنا) وكذلك قوله: (ارتطم العصفور بسيارة مسرعة /تاركا لطخة حمراء على الزجاجة/ فما اكترث السائق) . ص17 اعطى الشاعر دليل قدرة لغوية ومعنوية في العديد من الومضات وان تعددت اغراضها مما اضفى على النص جمالية بل كان تعبير عن القدرة على توظيف المفردة الشعرية لخدمة الموقف الانساني من خلال رصد معاناته وقد تضمنت الومضات التي جعلت من العصفور دلالة ثنائية بينما هو كائن وبينما يجب ان يكون او رفض للسائد واحلال ما يتخيله الشاعر من انه يجب ان يسود . وان عملية ترحيل اللفظ الى اتصال غير لفظي من خلال لعبة المعنى هو ما يستحضر الدهشة في المعنى . ابتعدت نصوص هذه المجموعة عن السرد الذي هو كما يقول رورن بارث (هو جمعا للأحداث التي لا يمكن الحديث عنها) مستخدما بذلك الشاعر مهارته اللغوية في الإتيان ببنية لفظية سهلة وظفها بشكل دقيق أصاب من خلالها الهدف المراد الذي وضع اللفظة لأجله دون زيادة. ومن ناحية اخرى فان تداخل وانسجام الومضات مع بعضها ترك الباب مفتوحا لاكثر من تأويل ينتقي القارئ ما يشاء منها وحمل المتلقي واجب الاستقصاء في النص بذكاء وهذا هو" الاستنتاج المفتوح" للومضة الشعرية متعددة المعاني حيث تحول المتلقي الى عنصر من عناصر تكامل النص و فك شفراته بناءا على ثقافة ووعي المتلقي ذاته يقول الخياط : (الطبيبة الشاعرة وهي تجس لي نبضي أحسست بنبض قلبها في عروق دمي وشفيت ) ص48). ورغم وضوح هذه الومضة إلا أنها مفتوحة النهايات من حيث الدلالة المعنوية فالطبيبة الشاعرة قد تختلف في جس النبض عن الطبيبة غير الشاعرة هذا ما وجده الشاعر مختلف فاستطاع اضافة صورة داخلية على النص من خلال تجزئة الحدث وخصخصته ، فالطب مهنة عامة إلا أنها إذا ما اضيف لها الشعر ستصبح لها خصوصية . وبين التنقل من العام الى الخاص لا محدودية للمعنى وبالامكان ان يشترك المتلقي في ايجاد التأويلي بعيدا عن الرمزية. ان الاشكال التعبيرية السائدة في ومضات الخياط لا تتطلب جهدا كبيرا من القارئ لانها توخت كشف اللفظ وإبانته مع تعدد المقاصد وبقي على المتلقي ان يجد يترك لخياله الانتقاء وفقا لما يراه هو وليس بالضرورة ان ينطبق ذلك على ما يراه الشاعر . ولم تبتعد ومضات الخياط عن الطرح السياسي الظاهر أو المضمر حيث يقول الغربيون البسطاء لا يعرفون ان حكوماتهم تمنعنا من الجلوس معهم لئلا يعرف باننا مثلهم بسطاء)ص77. و(ايها الغربيون دعونا نجلس معكم لتسمعوا كيف تتكلم القلوب) و (بلادنا ارض وماء وشمس واغان قادمة من تراثنا البعيد ولما نزل نترنم تحت سمائنا) ص78-79. وقد جاء التوظيف السياسي لهذه الومضات توظيفا حسيا معبرا عن خطاب سلمي باسلوب ينفتح على الاخر معاتبا او موبخا او طالبا من الغربيين ان يدركوا حقيقة ان الشعوب لا عداء بينها وان المشكلة في السلطة دائما . وعلى اية حال فان هذه المجموعة قد حملت معان كثيرة نقلنا من خلالها الشاعر الى اجواء مختلفة من خلال تعدد الصور بين خطاب المرأة باسلوب جمالي متوخيا الاختصار مخاطبة الوطن وما يحمل من تراث جميل مخاطبة روح الانسان الغربي باسلوب ينفتح على ضرورة الفهم المشترك متمنيا للخياط مزيدا من العطاء والتواصل والإبداع .
#كامل_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة حمار
-
طواشه
-
مرشمة من قريتنا
-
قراءة في سيمياء الصورة
المزيد.....
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|