|
بوكو حرام في نيجيريا ....داروين حرام في فلسطين
عبد المجيد حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 08:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بوكو حرام في نيجيريا ..............داروين حرام في فلسطين بوكو حرام تعبير ، أو اسم ، فرض نفسه على سمعنا ، وعلى مدار السنوات الماضية . ورغم معرفتنا أنه اسم لتنظيم إسلامي ، يتخذ العنف طريقا لتحويل نظام أكبر بلد إفريقي – نيجيريا 154مليونا و923 ألف كيلومتر مربع – إلى نظام ديني إسلامي ، رغم ذلك فإن الاسم ذاته ، لم يحفز فضولنا للوقوف على محتواه ، أو حتى على معناه . وفي ظني أن ذلك يعود لسببين . الأول : أن تيارات ، ومنظمات الإسلام السياسي التي تتخذ العنف طريقا لبلوغ هدفها – إقامة الدولة الدينية – كثيرة ، وناشطة ، ومنتشرة على مساحات واسعة من كرتنا الأرضية . والثاني ، وربما هو الأهم ، أن لفظة بوكو غير مفهومة لنا ، ربما لكونها غير موجودة في قواميس اللغات الحية . مؤخرا قامت هذه المنظمة باختطاف 276 طفلة ، تحت سن الثانية عشرة ، من مدرسة مسيحية داخلية . ووفر هذا الاختطاف ، وتبجح أحد قادتها بنية اتخاذ بعضهن ملك يمين ، وبيع البعض الآخر ، وعلى الطريقة الإسلامية ، سبايا قي سوق النخاسة ، ثم فشل الدولة النيجيرية ، والقوى المساندة ، في العثور على أي أثر لهن ، كل ذلك وفر حافزا للحفر في اللغات ، فمعرفة المعنى لهذا الاسم ؛ بوكو حرام . واتضح أن كلمة بوكو مأخوذة من لغة محلية ، محكية ، ومعناها التعليم . العلم الكافر : "التعليم حرام "، هو إذن اسم هذا التنظيم الإسلامي ، الساعي لتحويل أكبر دولة إفريقية ، يشكل المسلمون 50 % من سكانها ، إلى دولة دينية إسلامية ، وفرضها على النصف الآخر من السكان ، مسيحيين ووثنيين . ولأن تنظيم " التعليم حرام " ينتمي عقائديا لأمة اقرأ ، فمن غير المنطقي والمعقول ، سحب حرمة التعليم ، على كل تعليم . ومع أن هذه المنظمة ، ومثيلاتها ، تعلن بعلو الصوت أن كل التعليم حرام على الإناث ، فهي في ذات الوقت تؤكد أن بعضه فقط حرام على الذكور . وهذا "البعض !" محدد بدقة ، وهو ما يوصف ، في أدبيات كل تيارات الإسلام السياسي بالعلم الغربي الكافر . والأخير يشمل كل العلوم التي يجري تعليمها في مختلف الكليات الجامعية ، والمعاهد العليا ، والكليات التطبيقية ، والمؤسسات البحثية ، باستثناء العلوم المتعلقة بالدين وباللغة العربية . يعني ذلك أن تعبير "العلم الغربي الكافر " ينطبق على عشرات إن لم يكن مئات من فروع العلم المختلفة . وهو كل ما تدرسه كليات العلوم والآداب والهندسة والطب والصيدلة ، والتجارة والاقتصاد ، والحقوق ، والفنون ... الخ ... الخ ، عدا كلية الشريعة وأصول الدين ، والمعاهد الدينية المتعددة ، وقسم اللغة العربية وآدابها ، في كلية الآداب . أما لماذا كل هذه العلوم ،هي علوم كافرة ، فذلك ، ومن منظور تيارات الإسلام السياسي ، لسببين : الأول أن المسلمين لم يسهموا فيها بأي إسهام ذي قيمة فعلية . ومن أسهم منهم فقد جاء إسهامه بعد حصوله على جنسية أخرى ، وباسم هذه الجنسية الجديدة ، أحمد زويل كمثال . والثاني أن كل هذه العلوم تحوي فرضيات وأفكارا ونظريات وقوانين ، تناقض أو تعارض ، تنفي أو تدحض ، كثيرا من ثوابت الدين ، كما وردت في الكتب المقدسة ، وفي القرآن على وجه التحديد . وبالعودة لتنظيم " التعليم حرام " ، فإنه يلفت الانتباه فالدهشة ، أن هذا التنظيم ، رغم فجاجة اسمه ، وتتالي جرائمه ، وليست جريمة خطف الطفلات آخرها ، حظي ، وما زال يحظى ، بدعم محلي وخارجي متنوع ، فاعل وقوي . دعم معنوي ، سياسي ، إعلامي ، أدبي ، مالي وعسكري متعدد الوجوه والإمكانات . والدليل قوته المتنامية من جهة ، ونجاحه في إفشال جهود الدولة النيجيرية ، والقوى المساندة لها ، وأمريكا في المقدمة ، في تتبع ولو لخيط واحد يقود إلى الفتيات المخطوفات ، من جهة أخرى . معنى ذلك أن هناك قوى ، وأشخاص بكل تأكيد ، ما زالت تفضل عتمة الجهل على نور العلم ، وتضع الكثير من إمكانياتها ، وتوظف قدرا كبيرا من طاقاتها ، ليسود ذلك . وليست فجاجة الاسم – التعليم حرام – هو ما يتوجب أن يدعونا للتنبه إلى خطره ، والذي قد يراه بعض المتحذلقين من المثقفين ، تطيرا لا مبرر له . فمثيل هذا التنظيم – طالبان أفغانستان - ، حين حكم ، حول الاسم إلى واقع ، وأعاد التعليم هناك قرونا إلى وراء . والواقع على الأرض ، القائم منذ عقود ، يقول أن الحكومات العربية ،المتأثرة بفكر تيار من تيارات الإسلام السياسي ، نجحت في المواءمة بين صورة عصرية تحتاجها إقليميا ودوليا ، وبين الاستجابة لرؤية وموقف هذا التيار ، من العلم الغربي الكافر . ففي العالم العربي أبقت النظم الحاكمة على هذه العلوم في المناهج التعليمية ، المدرسية والجامعية . وحرصت في ذات الوقت على إيصالها لمتلقيها شكلا بلا مضمون . وبعبارة أخرى أبقت تعليمها عند حدود المعرفة النظرية فقط ، وبعيدة تماما عن تطبيقاتها العملية . وظلت النتيجة ، وعلى مدار العقود الماضية ، تظهر على صورة نجاح هذه النظم في تحصين متلقي هذه العلوم ، في المدرسة أو الجامعة ، ضد استيعاب فرضيات ، أفكار ، نظريات وقوانين هذه العلوم ، والقذف بها عند عتبة الفصل ، لحظة الخروج . ذلك يحدث رغم محاصرة تطبيقاتها للمتلقين ، في كل وأبسط تفاصيل حياتهم . هل يفسر ذلك حقيقة أن العقل العربي سطحي ، غيبي ، قدري ، لا علاقة له بالعلم وتفسيراته ، رغم محاصرة العلم ، تفسيراته وتطبيقاته ، لهذا العقل من كل جانب ؟ ربما . داروين في فلسطين : ومن التعميم تعالوا ننتقل إلى شيء من التخصيص . في فلسطين ، كمثال ، طبق قطاع غزة المنهاج المصري ، فيما سرى تطبيق المنهاج الأردني على القدس والضفة . والتزم الاحتلال بهذا النظام ، بعد شطبه لمنهجي الزراعة والقضية الفلسطينية ، وإجراء بعض التعديلات على منهجي اللغة العربية والدين . وفي صراع النظام الأردني مع منظمة التحرير الفلسطينية ، قبل وبعد أيلول الأسود ، استعان النظام بجماعة الإخوان المسلمين ، وسلمهم وزارة التربية والتعليم ، محط نظر منظمات الإسلام السياسي . ولم يكتف الإخوان بما تحقق من تفريغ علوم الطبيعة ؛ الفيزياء والكيمياء والأحياء والجيولوجيا ....من مضامينها ، أسوة بما هو حادث في بقية البلدان العربية . ففي وقت لاحق عمدوا إلى حذف مادتي الفلسفة وعلم الاجتماع من منهاج الصفوف الأدبية ، وحذف نظرية داروين من كتاب الأحياء ، للتوجيهي العلمي . وسارع الاحتلال ، بدعوى الالتزام بتطبيق المنهاج الأردني ، بحذف هذه المواد من مناهج التعليم في الأرض المحتلة . السلطة الفلسطينية ، وبعد تسلمها لإدارة التعليم ، تصرفت وكأنها قادمة من الهنولولو . أبقت على المناهج كما تسلمتها من الاحتلال ، وبما في ذلك هذا الحذف لمادتي الفلسفة وعلم الاجتماع ، ولنظرية داروين في مادة الأحياء . وأكثر ، أبقت على الحذف الآخر الذي أحدثه الاحتلال -، أي حذف منهاج الزراعة لمختلف الصفوف ، كما حذف مادة القضية الفلسطينية . وبعد بعض الوقت أجرت ما وصفته بتحديث للمناهج ، زادها سوءا على سوء . وحدث أن ثريا فلسطينيا ، وبمشاركة أثرياء آخرين ، وظف استثمارا في مجال التعليم . بنى صرحا أطلق عليه اسم مدارس المستقبل . اسم لافت للنظر ، وباعث على الأمل والتفاؤل . ولكسب التنافس داخل سوق المدارس الخاصة ، الممتد ،والمتمدد داخل الأرض المحتلة ، رأى هذا المستثمر وجوب تقديم جديد ومتميز ، في الخدمة التعليمية . ولأن وزارة التربية والتعليم ، تكتفي في علاقتها بالمدارس الخاصة ، إلزام الأخيرة بالتقيد بالعناوين العامة للمناهج المقررة ، فقد اختار المستثمر وشركاه ربط مدارسهم بمنهاج كامبريدج ، وبدءا من الصف التاسع . ويبدو أن الربح المادي المتحقق ، حفزهم هذا العام لتطوير الربط بمنهاج كامبريدج ، وليبدأ من الصف السادس فما فوق . إلى هنا كان هذا التطوير رائعا ويبعث على التفاؤل والأمل . وفي بداية العام وزعت الإدارة ، كما تقضي الأعراف ، المناهج والكتب المقررة ، على الطلاب والمعلمين . وكان أن منهج العلوم للصف الثامن ، ودون أن تنتبه الإدارة كما يبدو، وربما المستثمرون أيضا ، تضمن نظرية داروين . كما كان أن أحد أولياء الأمور ، توجه بسؤال للإدارة عما إذا كان تدريس نظرية داروين ، حدث في إطار النشاط العام ، الذي لا يريد لابنه حضوره ، أم وقع ضمن المنهاج ، ولا حول ولا . ولي الأمر هذا لم يكلف خاطره بالاطلاع على الكتاب المقرر الذي يحمله ابنه . كما أن الإدارة أفاقت على هول الحدث ، وليبدأ نائب المدير تحقيقا مع الطلاب ، الذين أفادوا بأن معلمة المادة علمتهم النظرية ، وان نقاشا ، كما هي العادة في مثل هذا الحال ، جرى بينهم ومعها . استدعت الإدارة المعلمة المختصة التي أفادت بأنها فعلا درست النظرية . وردا على سؤال الإدارة أوضحت بأنها مقررة في المنهاج الذي تسلمته في بداية العام ، والذي وزعته المدرسة على الطالبات والطلاب . وبدرجة من الغباء قل مثيلها ، بدا أن الإدارة فوجئت ، سألت المعلمة ما إذا أوضحت للطلاب أن النظرية خاطئة أم لا . ولما كان رد المعلمة بالنفي ، سألوها إن كانت تؤمن بالنظرية . ولما ردت بأن النظرية علم ، وليست دينا ، لتؤمن أو لا تؤمن بها ، انتقلوا إلى سؤالها عما إذا كانت تعتبرها صحيحة أم لا . وانتقلوا مباشرة إلى تكفيرها ، حين قالت بصحة النظرية . وهكذا انتقل الحوار الاستجواب ، إلى مجال آخر ، انتهى بقرار الإدارة فصل المعلمة ، وتعليل الفصل بجملة اتهامات ؛ منها التكفير ، فسب الدين ، وشتم الذات الإلهية – نعتت الإدارة بالجهل في كل من العلم والدين - ، وقبل هذا وذاك تدريس نظرية داروين الإلحادية .....الخ . وقفة قصيرة : وهكذا إذن نكون قد وصلنا متأخرين عن أوربا قرنا ونصف القرن ، وعن أمريكا أقل من قرن بقليل . فما أن نشر داروين ملخص أبحاثه التي استمرت خمس عشرة سنة ، أواسط القرن التاسع عشر ، في كتابه المعروف بأصل الأنواع ، حتى قامت قيامة رجال الدينين المسيحي واليهودي . وازدادت الحملة شراسة بعد نشره كتاب " أصل الإنسان " ، المكمل لكتابه الأول . وخلاصة الكتابين أن جميع أنواع الكائنات الموجودة على كرتنا الأرضية ، بما في ذلك الإنسان ، لم تكن لحظة النشوء ، على الصورة التي هي عليها الآن . وأنه في مسيرة التطور المعقدة ، وطويلة المدى ، انقرضت بعض هذه الكائنات ، فيما تدل على ذلك بقاياها الأحفورية ، وحلت أخرى محلها . ما أثار حفيظة رجال الدين ، أن نظرية داروين جاءت ، ليس فقط ، لتحيي الجدل حول كروية الأرض ، ودورانها حول نفسها وحول الشمس ، بما عنت من نقض لثوابت دينية . ذلك الجدل الذي أنهى حياة عديد من العلماء حرقا وشنقا . فالنظرية الجديدة – نظرية داروين - تنقض الرواية الدينية للخلق ، خصوصا خلق الإنسان ، على ذات الصورة التي هو عليها الآن ، من أب واحد ، وأم واحدة ، آدم وحواء ، وأسطورة الجنة ، والخطيئة الأولى ، وطردهما منها . وكما يحدث في هكذا معارك ، جندت الكنيسة المسيحية ، والكنس اليهودية ، بعض من وصفوا بالعلماء ، لدحض وتخطيء نظرية داروين . وطال الصراع مع النظرية ، في أوربا القرن التاسع عشر ، وأمريكا القرن العشرين ، ولكن لينتهي إلى عكس النهاية التي انتهى إليها صراع القرون الوسطى ، والذي أودى بحياة العديد من العلماء حرقا وشنقا ونفيا . انتهى هذه المرة بانتصار العلم وتثبيت النظرية ، وتدريسها في المدارس والجامعات . وبديهي أن علماء المسلمين لم يقفوا متفرجين على هذا الصراع . أدلوا بدلوهم هم الآخرون . لكنهم ركنوا إلى حالة التخلف والجهل التي تعيشها بلدانهم ، واكتفوا ليس فقط بإدانة النظرية وتخطيئها ، بل وبتكفير من يطلع عليها ومن يعلمها ، ومن يقبلها . وما لا يعرفه الكثيرون أن داروين ، مثل كوبرنيكس وغاليليو وآخرين ، بدأ حياته بدراسة اللاهوت ، والدفاع العنيد عن تفسير الدين للظواهر الطبيعية . لكن انخراطه في أبحاث امتدت عشرات السنين ، وما توصل إليه من حقائق لا تقبل الدحض ، هو ما حوله إلى الانحياز للعلم ، ولينال شرف اتهامه بالإلحاد ، ومسلسل الاتهامات اللاحقة . لماذا الآن ؟ أما اللافت للنظر فهو أن مدارس المستقبل – لاحظوا الاسم ودلالاته – الآن ، وفي فلسطين ، أعادت ، وبنسخة كربونية ، ما جرى في مدرسة أمريكية - ولاية تينيسي - العام 1925 . هناك أيضا اعترضت الكنيسة ، وليس إدارة المدرسة ، على قيام معلم شاب بتدريس نظرية داروين . وبلغ التحريض ، والمظاهرات ، حد تقديم المعلم لمحاكمة ، عرفت باسم محاكمة القرد ، سجلتها السينما الأميركية في فيلم رائع تحت اسم Inherit the wind . . وحيث انتصر العلم على التحريض والخرافة . وكما أشرت ، جندت الكنيسة علماء قالوا بخطأ نظرية داروين . واليوم يستند من يصفون أنفسهم بعلماء المسلمين ، ومنهم إدارة مدارس المستقبل ، إلى ما يصفونه بخطأ نظرية داروين ، ونقض مكتشفات علم الانثروبولوجي ، وعلم الجينات ....الخ ، لما جاء فيها . وما يثير الأسى أن هؤلاء العلماء دأبوا على تسول موقف لأي شخص غربي ، يخلع على نفسه صفة العالم ، ويقول بخطأ النظرية . وفي القرن الماضي شهدت الولايات المتحدة جدلا مشابها ، تعلق بصحة وخطأ نظرية داروين . هذا الجدل دفع مؤسسات بحثية ، وجمعيات علمية ، لتقديم إحصائية حول الأمر . وجاءت النتيجة على النحو التالي : في الولايات المتحدة 334 ألف عالم وأستاذ جامعي متخصص في علوم الطبيعة ، يقولون بصحة النظرية ، بينهم 46 ألف متخصص في علوم الأرض و44 ألفا في علم البيولوجي – الأحياء – مقابل 720 متخصصا في نفس العلوم يرفضونها . مأزق صغير : الآن يلجأ رافضو النظرية إلى كشف لعلم الانثربولوجي ، لتكرار القول بخطئها . علماء الانثروبولوجي عثروا مؤخرا ، في إثيوبيا ، على هيكل عظمي لامرأة ، قدروا أنه يعود لأربعة ملايين سنة . البعض ، ومن هذا البعض علماء ، زعموا أن هذا الكشف ينفي استنتاج داروين بانحدار الإنسان الأول ، من عائلة منقرضة من القرود ، أقرب للشمبانزي . وقد يكون هذا الاستنتاج صحيحا ، لكن معتمديه من رجال الدين ، يوقعون أنفسهم في مأزق صغير . فإذا كان الإنسان ، والأنثى بشكل خاص ، موجودا باستقامة عموده الفقري ، منذ ذلك الزمن السحيق ، فماذا عن حكاية خلق آدم ، وخلق حواء من ضلعه ، وطردهما من الجنة ، وإسكانهما الأرض لإعمارها ؟ فهذه الحكاية – الأسطورة ، كما وردت في الكتب المقدسة ، تعيد وجود آدم إلى ما يزيد قليلا عن ستة آلاف سنة . كيف ؟ في البحث عن الجواب ، دعونا لا نلتفت إلى ما تقوله التوراة ، لقناعة المسلمين بأنها محرفة ، وبالتالي لحساباتها ، التي تقدر عمر آدم بقرابة الستة آلاف سنة . ودعونا من جدل استنطاق القرآن في المسألة ، ونكتفي بالشاهد التالي ؛ وهو سلسال نسب النبي . وفي هذا السلسال الذي يتصدر كل كتب السيرة النبوية ، ويؤمن كل مسلم بصحته إيمانا قاطعا ، نقع على ما يلي : يعيد هذا السلسال نسب النبي إلى آدم ، مرورا بإبراهيم ، ونوح . وبحسبه يأتي إبراهيم في مركز الجد الثلاثين ، ونوح الجد الأربعون ، أما آدم فهو الجد الخمسون . وبحساب بسيط وبافتراض أن الفاصل الزمني بين الجد والحفيد هو خمسون سنة ، وحتى مائة سنة ، يكون آدم قد سبق النبي بخمسة آلاف سنة ، وب6400 سنة من الآن ، ولنقل سبعة آلاف سنة . هذا معناه أن عمر آدم ، أبو البشرية كلها ، وعمر أمنا حواء ، من عمر الحضارة المصرية ، كما هو من عمر الحضارة السومرية . وإذا كانت أنثى الإنسان موجودة قبل أربعة ملايين سنة ، فما معنى اضطرار الله لخلق حواء من ضلع آدم ؟ وكيف يكون آدم ، حسب الرواية القرآنية ، أبا للبشرية كلها ، وخليفة الله في الأرض ، وقد سبقت الحضارة الإنسانية نزوله من الجنة ؟ هل يعني هذا ، من منظور العلم ، غير أن كل قصة آدم ، وما ترتب عليها ، وفي المقدمة خلق حواء من ضلعه ، ما هي إلا مجرد أسطورة لا مكان لها في عالم الواقع والحقيقة ؟ وقياسا على ما يحدث مع نظرية داروين ، هل يتوجب على سدنة الدين النهوض وتخطيء علم الانثروبولوجي ، ومنع تعلمه ومزاولته وتعليمه ، أسوة بما يفعلونه مع نظرية داروين ؟ بديهي أن لو حكم هؤلاء ، فلا مكان لهذا العلم أو غيره في حياتنا . ومن جديد لماذا الآن ؟ لكن ما سبق يطرح علينا سؤالا وبإلحاح : لماذا الآن يجري هذا التغيير على نهج ، في تعليم العلوم ، أثبت نجاعة ، وحقق نجاحا متواصلا ؟ فالذين قاموا قومتهم في فصل معلمة درست نظرية داروين ، وداروا خيبتهم الإدارية بكيل تهم الكفر، وسب الدين ، وشتم الذات الإلهية لها ، ربما لا يعرفون أن تدريس هذه النظرية ، على مدى ثلاثة عقود ، من العام 1950 حتى العام 1980 ، لم ينجم عنه ما يبرر مخاوفهم . فهل كان الحوار في الصف هو ما أثار رعبهم ؟ وهل كان القرار قطعا لطريق الحوار في باقي العلوم ؟ هناك إقرار الآن بكروية الأرض . ومجسم الكرة الأرضية لا تخلو منه مدرسة ، أساسية أو ثانوية . وهناك إقرار بدوران الأرض حول الشمس ، وحول نفسها . وعندما خرج علينا مفتي العربية السعودية ، المرحوم بن باز ، قبل بضع سنوات ، بتكفير من يقول بكروية الأرض ، ووجه بالكثير من السخرية ، قبل الاستنكار . والحقائق السابقة هي ذاتها التي تسببت في الحكم على مكتشفيها من العلماء بالحرق وبالإعدام والنفي . فهل يتذكر أحد الآن شيئا عن تلك المحاكمات ، وعن تناقض هذه الحقائق مع ثوابت الأديان السماوية الثلاث ؟ لقد نجح نهج تدريس العلوم ، في بلادنا العربية ، بتجريدها من مضامينها . ولأنها غدت كذلك ، فلا يخطر ببال أي متلق لأي علم منها ، أن قوانينه تناقض ثوابت الدين . كيف ؟ لنأخذ مجسم الكرة الأرضية كمثال . هذا المجسم موجود في كل المدارس والمكتبات كما أشرنا. وقد يتصدر الكثير من مكاتب كبار الموظفين . ومع أن قصة حرق علماء قالوا بكروية الأرض معروفة ، فلا يحفز وجود هذا المجسم أمام ناظري أي شخص على التأمل فيه ، ومن ثمََّ على معرفة ما يحمله من أوجه التناقض مع ثوابت الدين . والسبب أن نهج التعليم تكفل بذلك . الطريف الآن أن بعض مرتزقة العلم بالدين ، يتحفوننا باكتشاف رهيب ، وهو ما يصفونه بسبق القرآن للقول بكروية الأرض . ففي سورة النازعات ، تقول الآية 30 : { والأرض بعد ذلك دحاها } . ومع أن كل التفاسير القديمة تقول بأن دحاها تعني بسطها ، إلا أن هؤلاء السادة العلماء ، يقولون أن دحاها تعني كورها ، أي جعلها على شكل كرة . وتبعا لذلك يكون القرآن قد سبق العلم بالكشف عن كروية الأرض بأكثر من ألف سنة . ونقول : نِعْمَ القول هذا ، ونِعْمَ التفسير هذا . لكنهما – القول والتفسير – يجبراننا على العودة للتدقيق في مضمون الخلاف ، والذي انتهى بحرق أولئك العلماء الذين قالوا بكروية الأرض . فهذا القول – بكروية الأرض - ناقض ما استقر عليه فهم ما ورد عنها في الكتب السماوية ، وهو أن الأرض منبسطة . وللقائلين بأن دحاها ، في الآية السابقة ، تعني جعلها على هيئة الكرة ، تعالوا نتمعن في الكثرة من الآيات التي تطرقت لخلق الأرض . 1- { الذي جعل لكم الأرض فراشا .....} 22 البقرة . 2- { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا .....} 3 الرعد . 3- { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها ......} 19 الحجر . 4- { أمَّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي .....} 61 النمل . 5 – { والأرض فرشناها فنعم الماهدون } 48 الذاريات . 6- { والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا فيها سبلا فجاجا } 19 نوح . 7- { ألم نجعل الأرض كِفاتا * أحياءا وأمواتا * وجعلنا فيها رواسي شامخات ....} 24 ، 25 ، 26 المرسلات 8- { ألم يجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا } 6 ، 7 النبأ . 9- { والأرض وما طحاها } 5 الشمس . 10 – { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم وجعلنا فيها سبلا ....} 31 الأنبياء . وكما نرى تجمع هذه الآيات بين الصورة التي خلقت الأرض عليها ، مسطحة منبسطة ، وبين الدور الموكل للجبال ، كرواسي ، كدعائم ، كأوتاد ، تحفظ هذه الأرض المنبسطة ، المسطحة ، من احتمالية خطر الميلان فالانقلاب . والآن ربما يقول قائل : ولكن كل الآيات السابقة لا تعني أن الأرض ، كل الأرض ، هي المنبسطة ، وإنما تعني تلك البقعة ، أو البقع ، من الأرض التي يعيش عليها الناس ، وهي منبسطة فعلا ، رغم حقيقة كروية الأرض . وهذا قول منطقي ومعقول تماما . إذن تعالوا نتجاوز السؤال عن دور الجبال كرواسي ودعامات تحول دون ميلان الأرض وانقلابها . ولنسأل : هل المقصود في الآيات السابقة ، بعبارة الأرض ، كوكب الأرض ، أم اليابسة من الأرض ، والتي تشكل ربع الكوكب تقريبا ؟ أم بقعة محددة يعيش عليها الناس ، ويرونها منبسطة ؟ للإجابة تعالوا نستطلع المزيد من آيات خلق الأرض . أي أرض ؟ : إضافة للآيات التي مر ذكرها ، تعالوا نستعرض بعض ما جاء منها في خلق السماوات والأرض ؛ 1- { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم } 29 البقرة ، و{ بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } 117 البقرة . 2-{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره .....} 54 الأعراف . 3- { إن ربكم الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر .....} 3 يونس . 4- { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ....} 7 هود .
5 -{ وهو الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ......} . 2 الرعد . 6- { أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتنا معرضون } 30 ,32 الأنبياء . 7- { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه .....} 65 الحج . 8 – { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين } 17 المؤمنون . 9- { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } من 9 – 12 فصلت . 10 – { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون } 47 ، 48 الذاريات . تقول هذه الآيات أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام . ودعونا نتجاوز الآن ما تقوله الآيات ، بند 9 ، من سورة فصلت ، بأن الخلق تم في ثمانية أيام لا ستة . المهم أن الآيات تقول وبوضوح أن خلق الأرض سبق خلق السماوات ، كما سبق خلق الشمس والقمر . وهذا أمر مناقض تماما لما استقرت عليه العلوم الطبيعية . فإذا كان عمر الشمس نصف عمر الكون تقريبا ، فقد سبقت خلق الأرض بمئات ملايين السنين . وأكثر من ذلك تقول النظريات العلمية بأن الأرض جزء من الشمس ، انفصلت عنها بعد انفجار هائل حدث في الشمس ، واحتاجت ملايين من السنين إلى أن بردت . وأما القمر فقد انفصل عن الأرض بعد ذلك بملايين السنين أيضا ، ونتيجة لاصطدام جسم كبير مع الأرض . ما يهمنا هنا أن العلوم وقوانينها مناقضة لثوابت الدين . وهو ما يضعه رجال الدين في صدارة اهتمامهم عند إقرار مناهج العلوم وتدريسها . وإذا ما عدنا لموضوع الأرض ، نرى أن الآيات السالفة تؤكد أن تعبير الأرض شامل وواسع ، من حيث كونه صنوا للسموات . يعني أن الحديث عن انبساط الأرض وتسطيحها ، لا يجري عن بقعة منها ، ولا حتى عن مجموع اليابسة – تشمل القارات الخمس وآلاف الجزر في المحيطات - . وذلك يعني أن القول بكروية الأرض ، ينسخ كل الآيات السابقة . والنظر لمجسم الأرض يرينا وبوضوح ، أن الجبال لا تؤدي مهمة الرواسي ، ولا تحافظ على توازن الأرض ، هذا التوازن الذي تتكفل به قوانين الجاذبية . وهي ، أي الجبال ، وحسب معروف الرصافي ، في كتابه العبقري ، " الشخصية المحمدية " ، لا تتعدى كونها بثورا ، تشوه جمال وجه الأرض . ونخلص إلى القول بأن معارضة سدنة الديانات السماوية للعلم ، والسعي لمنع تدريسه ، لم تنطلق به الكنيسة من فراغ . وظنت أنها باستصدار أحكام حرق العلماء ، أو إعدامهم ، إنما تخدم خلاص البشرية الروحي . السماوات : السماوات ، في الآيات السابقة ، سقوف بعضها فوق بعض . والنجوم والكواكب موجودة في السماء الدنيا ، بغرض الزينة ، وحماية السماء من استراق الشياطين السمع ، عند نزول الله وملائكته ، إلى السماء الدنيا . { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد *لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دَحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } .من 6 – 10 الصافات . و { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين } 16 ،17 ، 18 الحجر . ولقد أطنبت سيرة الإسراء والمعراج ، وعلى لسان النبي ، في وصف هذه السماوات . سقوف عملاقة ، لكل واحدة منها بوابة ، كما هو الحال على الأرض ، يقف عليها حراس من الملائكة . وكما في البيوت ، تنفتح هذه البوابات ، بعد الطرق عليها ، وبعد تدقيق الملاك الحارس ، في هوية الطارق ، يسمح أو لا يسمح له ، بعدها بالمرور . أما الشمس والقمر فلهما مهمة واحدة هي إنارة الأرض . ومرة أخرى ناقضت علوم الطبيعة كل ذلك جملة وتفصيلا . ومنذ وقت بات معلوما لدينا أن الأرض كوكب صغير ، وواحد من مليارات الكواكب المنتشرة في الكون على أبعاد هائلة . وما تعارف عليه الأقدمون بأنه السماء ، ما هو في حقيقة الأمر ، إلا غلاف غازي محيط بالأرض ، وبسمك يصل إلى بضع مئات من الكيلومترات . وبعد هذا الغلاف الغازي فضاء لانهائي . ومدار الأرض حول الشمس يقدم دليلا واضحا ، بأن لا وجود لسماوات ، مسقوفة ، أو غير مسقوفة ، وبالأوصاف التي تحدثت عنها الآيات السالفة وغيرها . دوران الأرض : وجاءت ردة فعل رجال الدين ، على كشف العلم لحقيقة دوران الأرض حول نفسها ، وحول الشمس ، أكثر حدة من سابقتها – المتعلقة بكروية الأرض - . ذلك لأن هذا الكشف حمل تناقضات جديدة مع ثوابت الدين ، أكثر وضوحا ، وأبلغ أثرا من سابقاتها . وللوقوف على ما استفز رجال الدين ، تعالوا نطالع الآيات التالية : 1. تنص سورة القدر على التالي : { إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر } 2. { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ٌّفي فلك يسبحون } 33 الأنبياء . 3. { وذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير } 61 الحج . 4. { تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا منيرا * وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذَّكِر أو أراد شكورا } 61 ،62 الفرقان . 5. { خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار } 5 ص 6. { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا } 15 ، 16 نوح 7. { وبنينا فوقكم سبعا شدادا * وجعلنا سراجا وهاجا } 12 ،13 النبأ الآن وإذا ما وقفنا عند دوران الأرض حول محورها ، وتستغرق الدورة أربعا وعشرين ساعة ، نقع على تفسير فيزيائي بسيط ، لكل من الليل والنهار . وأكثر تفسر لنا هذه الظاهرة الضوئية ، تفاوت حالات النهار ، من فجر ، وصبح ، وضحى وظهر ، وعصر ، ومساء . كما تفسر التفوت في درجات عتمة الليل . المسألة تخص كمية أشعة الشمس الواصلة للمكان ، أثناء دوران الأرض حول نفسها ، ومواجهة أجزاء منها للشمس ، واحتجاب أخرى عنها . وصار بإمكان أي طالب إجراء تجربة مثيلة في المختبر ، والتعرف على حقيقة الليل والنهار ، ودرجاتهما . بمعنى أن هذه الظاهرة الفيزيائية ، الضوئية ، تنفي صفة الإعجاز التي تتحدث عنها الآيات السابقة . وتبقي مسألة ليلة القدر . فقد بتنا الآن نعرف أن لا شيء اسمه ليل ، أو نهار ، على كامل الكرة الأرضية . هناك نهار على نصفها المواجه للشمس ، وليل على نصفها المعاكس للشمس . وكل واحد منا يستطيع الآن ، وبسهولة ، باستخدام الانترنيت ، معرفة التوقيت في أي بلد في العالم ، بما في ذلك إن كان نهارا أو ليلا . ولنأخذ الحالة التالية : حين ينتصف الليل على مكة مثلا ، اللحظة المقدرة لظهور ليلة القدر ، يكون الوقت الخامسة عصرا على الساحل الشرقي للولايات المتحدة ، والثالثة ظهرا على ساحلها الغربي . ويكون العاشرة صباحا في جزيرة من جزر شرق الصين ، والثامنة صباحا في كوالالمبور . وهكذا حتى يكون الحديث صحيحا عن ليلة القدر ، يتوجب ربطها بمكة . أما أن تكون ليلة للقدر في كل العالم ، فذلك هو المستحيل بعينه . ونخلص للقول أن الإقرار بحقيقة دوران الأرض ، حول محورها ، وحول الشمس ، يصطدم قولا وفعلا بثوابت الدين ، وهو ينقض ليس سورة القدر فقط ، بل وكل الآيات التي مر ذكرها ، وأخرى لم نتطرق لها . الأرض والكون : ونعود لنقول : تضع آيات خلق السماوات والأرض ، الكون كله كصنو للأرض ، كما سبق وأشرنا . لكن علوم الفضاء تضعنا أمام حقيقة لا تقبل الجدل ، تقول أن الكون يتشكل من مليارات النجوم ، كالشمس ، والكواكب كالأرض . وأن بينها مسافات تقاس بالسنين الضوئية ، والتي قد تزيد عن آلاف ، عشرات الآلاف ، وحتى الملايين منها . وإذا ما رغبنا في تقديم تجسيد ملموس لحجم الأرض ، قياسا بمكونات الكون ، نقول أنها قد تعادل حبة رمل مقابل رمال الصحراء الكبرى . إذن فكيف نفهم ، كما تنص الآيات السابقة ، استنفاذ خلق الأرض ليومين كاملين ، وباقي الكون – السموات السبع ، مليارات النجوم والكواكب – لنفس الوقت ، يومين آخرين ؟ وكيف نفهم الآية :{ أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } ؟ وكيف نفهم ، وعلى ضوء هذه المسافات الشاسعة ، بين الكواكب والنجوم – ألاف السنين الضوئية أحيانا ، وملايينها أحيانا أخرى _ مضمون الآية – أو الآيات - : {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دَحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } . خاتمة : حقائق العلم ، نظرياته وقوانينه ، تتعارض وتناقض ثوابت الدين . ولرجال الدين كامل الحق في رفض العلوم ، تعلمها وتعليمها . والفلسفة في المقدمة منها . وزادت علوم الآثار الطين بلة . فهذه العلوم كشفت عن ، نقلت وقدمت لنا ديانات وعقائد الأقدمين ، والتي نطلق عليها تسمية الديانات الوثنية . وقالت أن ثوابت الأديان السماوية تشترك ، وتتطابق أحيانا ، مع ثوابت أديان سبقتها . أديان ، بعقائدها ، بطقوسها وعباداتها ، وبشرائعها ، أوجدوا البشر أنفسهم . وكنت قد بدأت سلسلة تحت عنوان :" تقاطعات بين الأديان " ، أستعرض فيها هذه الثوابت . والسؤال الآن : هل الخوف من تفعيل تدريس العلوم ، ومن ثم الوقوف على تناقض نظرياتها وقوانينها ، مع ثوابت الدين ، كان هو محرك إدارة مدارس المستقبل ، في فلسطين ، لفصل معلمة التزمت بالمنهاج المدرسي ، وعلمت نظرية داروين ، بطريقة علمية سليمة ؟ وهل جاء هذا الفصل خطوة إستباقية لسد الطريق على التفكير بالانتقال لتعليم العلوم من النهج القديم إلى نهج جديد وصحيح ؟ وهل يبشرنا هؤلاء بأن هذا مصير العلوم إن دان الأمر لداعش أو النصرة ، أو بوكو حرام ، أو أي من هو على ذات الشاكلة ؟ فوقوا يرحمكم الله .
#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى ال 66 للنكبة ....ولكن آفة شعبنا قياداته
-
انحدار التعليم إلى أين ؟ وإلى متى ؟ .....التلقين وطريق الخرو
...
-
تلك نظم ولى زمانها
-
تقاطعات بين الديان 2 صفات الآلهة
-
تقاطعات بين الأديان 1 عبد المطلب ( جد الرسول ) هل كان نبيا
-
حوار أملاه الحاضر 19 عدالة الإسلام 3 فلسطين اللبن والعسل
-
حوار أملاه الحاضر 18 عدالة الإسلام 2 العبودية
-
حوار أملاه الحاضر 17 العدالة في الإسلام 1 الغنائم
-
من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
-
حوار أملاه الحاضر 16 خروج مؤقت آخر عن المسار
-
عبد المجيد حمدان- كاتب وباحث واحد قادة اليسار الفلسطيني- في
...
-
وبات لزاما عليتا التصرف كدولة
-
حوار أملاه الحاضر 15 الشريعة وتطبيق الحدود 5 خروج مؤقت عن ال
...
-
حوار أملاه الحاضر 14 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 4
...
-
حوار أملاه الحاضر 13 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 3
...
-
حوار أملاه الحاضر 12 الشريعة وتطبيق الحدود ....الجنايات 2 حد
...
-
قراءة في ثورة الشباب المصري 18 الإخوان ودولة الخلافة
-
حوار أملاه الحاضر 11 الشريعة وتطبيق الحدود حد الجنايات 1
-
حوار أملاه الحاضر 10 الشريعة وتطبيق الحدود ملك اليمين والمجت
...
-
حوار أملاه الحاضر 9 الشريعة وتطبيق الحدود ....زنا الإماء
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|