|
حقيقة -التباطؤ في الزَّمَن-
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4498 - 2014 / 6 / 30 - 14:44
المحور:
الطب , والعلوم
جواد البشيتي مرَّة أخرى في "تباطؤ (أو تمدُّد) الزمن". في هذا الأمر، يُقال "السَّاعات المتَحَرِّكة أبطأ (أي أنَّ سَيْر عقاربها أبطأ من سَيْرها في السَّاعات السَّاكِنة)". لِنَنْظُر إلى أَمْر "التباطؤ" في "مُخْتَبَر مثالي"؛ فما هو هذا "المُخْتَبَر"؟ دَعُونا نتصوَّره على هيئة "حُجْرَة صغيرة" في داخلها "مُراقِب". أين ينبغي لهذه الحُجْرَة أنْ تكون؟ في "الفضاء"؛ لكن ليس في أيِّ فضاء. ينبغي لها أنْ تكون في فضاءٍ، بعيدةٌ جِدَّا نجومه وكواكبه.. عن مَوْضِع وجود الحُجْرَة؛ وهذا يعني أنْ تكون هذه الحُجْرَة بعيدة جِدَّاً عن مصادِر ومنابِع وحقول الجاذبية؛ فالمراقِب الموجود فيها يجب أنْ يكون عديم الوزن. والحُجْرَة يجب أنْ يخلو داخلها من "الجاذبية المتأتية من التَّسارع"؛ فكلُّ زيادة في سرعة الحُجْرَة، أو كلُّ خروج لها عن الاستقامة في خَطِّ سَيْرها، يُولِّد، في داخلها، جاذبية، مِنْ علامات وجودها اكتساب المراقِب وزناً. هذا المراقِب يجب أنْ يكون مُزَوَّداً "ساعة دقيقة"، و"قضيب (معدني مثلاً) طوله 100 سم"، وأجهزة ومعدَّات قياس واختبار أخرى. قَلْنا إنَّ هذه الحُجْرَة يجب أنْ تكون "غير متسارِعة (بأيِّ معنى من معاني "التَّسارُع")"؛ وهذا إنَّما يعني أنْ تكون الحُجْرَة ثابتة في مكانها، لا تتحرَّك، أو متحرِّكة؛ لكن "حركة مُنْتَظَمَة"، أيْ أنْ تسير (في هذا الفضاء) بسرعةٍ ثابتةٍ، وفي مسارٍ (خَطٍّ) مستقيم. هذا المراقِب لن يرى مِنْ فَرْقٍ بين أنْ تكون حُجْرَته ثابتة في مكانها، لا تتحرَّك، وبين أنْ تكون في "حركة مُنْتَظَمة"؛ فـ "الحركة المُنْتَظَمة" هي، أيضاً، "حالة سكون". وهذا إنَّما يعني أنَّ الحُجْرَة تكون في حالة سكون (أيضاً) إذا ما كانت سرعتها الثابتة 100 متر في الثانية، أو 250 ألف كيلومتر في الثانية، على أنْ تُحافِظ على الاستقامة في خَطِّ سَيْرها (في هذا الفضاء الخالي من الجاذبية). في الحُجْرَة الثابتة في مكانها، في "هذا" الفضاء، هل يبطؤ الزمن؟ كلاَّ، لا يبطؤ؛ فـ "السَّاعة في هذه الحُجْرَة ساكنة، غير متحرِّكة". وفي الحُجْرَة التي تسير في "هذا" الفضاء في مسارٍ مستقيم، وبسرعة ثابتة تُقارِب سرعة الضوء، هل يبطؤ الزمن؟ كلاَّ، لا يبطؤ؛ فـ "السَّاعة في هذه الحُجْرَة ساكنة، غير متحرِّكة"؛ إنَّ "الحركة المُنْتَظَمَة" هي تَوْأم "السُّكون". كم سرعة الضوء (أو جسيم الفوتون) الذي يسير في "هذا" الفضاء؟ لقد قاسها المراقِب الموجود في هذه الحُجْرَة (الثابتة في مكانها) فوَجَدَها 299.792.458 كم/ث، أيْ 300 ألف كم/ث تقريباً. ولَمَّا سارت حُجْرته في "هذا" الفضاء بسرعة ثابتة تُقارِب سرعة الضوء (مُحْتَفِظَةً في الاستقامة في خَطِّ سَيْرها) قاس سرعة الضوء، السائر في الفضاء نفسه، فَوَجَدَها 299.792.458 كم/ث. هذا المراقِب، هل يُمْكِنه أنْ يقيس سرعة الضوء، السائر في "هذا" الفضاء، فَيَجِدَها (مثلاً) مليون كم/ث؟ نَعَم، يُمْكِنه ذلك. كيف؟ بِجَعْل الزمن يبطؤ في حُجْرَته، أيْ بِجَعْل عقارب ساعته تسير أبطأ. كيف؟ بطريقة مِنْ طريقتين اثنتين؛ بـ "التَّسارُع"، أو بـ "الجاذبية". إنَّ كل زيادة في سرعة الحُجْرَة (التي تسير في مسارٍ مستقيم) تُنْتِج، حتماً، بُطْئاً في الزمن لديه؛ وهذا البطء يُتَرْجَم بزيادة في سرعة هذا الضوء عند قياسه لها. وهذا المراقِب سيَتَوَصَل إلى النتيجة نفسها لو نُقِلَ مع حُجْرَته، فجأةً، إلى سطح كوكبٍ، جاذبيته السطحية هائلة. وكلَّما زادت سرعة حُجْرَته (أو كلَّما اشتدت الجاذبية عند سطح ذاك الكوكب) عَظُمَ تباطؤ الزمن لديه، وزادت سرعة ذاك الضوء عند قياسه لها. دَعُونا الآن نَضَع حُجْرَة ثانية (هي الحُجْرَة B) في جوار الحُجْرَة الأولى (الحُجْرَة A). كلتاهما ثابتة الآن في مكانها، لا تتحرَّك، في "هذا" الفضاء. وكلا المُرَاقِبَيْن تَوْأم الآخر. الحُجْرَة B سُيِّرَت الآن بعيداً عن الحُجْرَة A. ظلَّت الحُجْرَة B تسير في مسارٍ مستقيم، مُبْتَعِدة عن الحُجْرَة A؛ لكنَّ سرعتها تزداد كل ثانية ازدياداً ثابتاً (تسارُع ثابت).ومع مرور الوقت، قاربت سرعتها سرعة الضوء. المراقِب A ظلَّ عديم الوزن؛ ولو سُئِل عَمَّا يشاهده لأجاب قائلاً: إنَّ الحُجْرَة B تسير مبتعدةً عنِّي، بسرعة متزايدة تزايداً ثابتاً، وإنَّ "السَّاعة" فيها تسير أبطأ من "ساعتي"، وإنَّ طولها ينكمش في اتِّجاه حركتها، وإنَّ توأمي يشيخ أبطأ مِنِّي. المراقِب B اكتسب وزناً؛ ولو سُئِل عَمَّا يشاهده لأجاب قائلاً: إنَّني في حُجْرَة تَوَلَّدت فيها جاذبية، وإنَّ حُجْرتي ثابتة، لا تتحرَّك، وإنَّ حُجْرَة توأمي A تسير مبتعدةً عنِّي، بسرعة متزايدة تزايداً ثابتاً، وإنَّ "السَّاعة" فيها تسير أبطأ من "ساعتي"، وإنَّ طولها ينكمش في اتِّجاه حركتها، وإنَّ توأمي يشيخ أبطأ مِنِّي. ولَمَّا بلغت سرعة الحُجْرَة B سرعة قريبة من سرعة الضوء (280 ألف كم/ث مثلاً) تَوَقَّفَت القوَّة المُسَيِّرة لها عن العمل، فظلَّت هذه الحجرة تسير في مسارٍ مستقيم، بسرعة ثابتة مقدارها 280 ألف كم/ث. المراقِب A ظلَّ عديم الوزن؛ ولو سُئِل عَمَّا يشاهده الآن لأجاب قائلاً: إنَّ الحُجْرَة B ما زالت تسير مبتعدةً عنِّي، وإنَّها تبتعد عنِّي بسرعة ثابتة، وإنَّ "السَّاعة" فيها تسير أبطأ من "ساعتي"؛ لأنَّها "ساعة متحرِّكة"، وإنَّ طولها مُنْكَمش في اتِّجاه حركتها، وإنَّ توأمي يشيخ أبطأ مِنِّي. من وجهة نظره، ما زالت الحُجْرَة B متحرِّكة؛ لأنَّها ما زالت تسير مُبْتَعِدةً عنه (مع أنَّها الآن في حالة "حركة مُنْتَظَمة"، أيْ في "حالة سكون"). المراقِب B عاد الآن عديم الوزن؛ ولو سُئِل عَمَّا يشاهده لأجاب قائلاً: إنَّني في حُجْرَة تنعدم فيها الجاذبية، وإنَّ حُجْرتي ثابتة، لا تتحرَّك، وإنَّ حُجْرَة توأمي A تسير مبتعدةً عنِّي بسرعة ثابتة، وإنَّ "السَّاعة" فيها تسير أبطأ من "ساعتي"، وإنَّ طولها مُنْكَمِش في اتِّجاه حركتها، وإنَّ توأمي يشيخ أبطأ مِنِّي. افْتَرِضوا الآن أنَّ المراقِب B قرَّر إنهاء رحلته، والعودة إلى حيث كان، أيْ إلى جوار تَوْأمه، المراقِب A؛ فماذا تكون "النتيجة الفعلية النهائية"؟ المراقِب B سيَجِد أنَّ تَوْأمه، المراقِب A، هو الذي شاخ، وأصبح أكبر منه سِنَّاً؛ فالتباطؤ الفعلي في الزمن لم يكن في الحُجْرَة A؛ وإنَّما في الحُجْرَة B. إنَّ "التَّسارُع (لا السرعة في حدِّ ذاتها)" هو (وكذلك "الجاذبية") ما يتَسبَّب في تباطؤ الزمن، أو هو ما يَكْمُن فيه سبب (أو سر) تباطؤ الزمن؛ فكلُّ تَغَيُّر في سرعة جسمٍ (يسير في مسارٍ مستقيم) يُبْطِئ الزمن في هذا الجسم؛ وكلَّما كان هذا التَّغَيُّر أكبر، ازداد البطء في الزمن؛ ومع زوال "السبب" تزول "النتيجة"؛ فإذا زال "التَّسارُع" زال "التباطؤ في الزمن"؛ لكنَّ الفروق الزمنية المتراكمة تبقى في الحفظ والصَّوْن.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-النسبية العامة- في مثال بسيط!
-
سفينة نوح كونية!
-
الإشكالية في تقدير -عُمْر الكون-!
-
مقال قديم نشرتُه قبل غزو الولايات المتحدة العراق
-
الإجابة النهائية عن سؤال قديم!
-
-أسلحتها- و-الأيدي الموثوقة-!
-
العبودية في بلاد العرب!
-
أُمَّة منكوبة بالطائفية!
-
هل تَضْرب إسرائيل ضربتها التاريخية؟!
-
في عُمْق -الثقب الأسود-!
-
زلزال -داعش-!
-
ومضات 5
-
التفسير الأسوأ لسياسة واشنطن!
-
معركة السيسي المقبلة!
-
-الحقيقة النَّفْطِيَّة- للولايات المتحدة!
-
رحلة خيالية إلى المستقبل!
-
انتخابات تَفْتَقِر إلى -الخَجَل-!
-
صباحي إذْ سَقَطَ انتخابياً وقيادياً!
-
-الدَّاخِل- و-الخارِج- من كَوْنِنا
-
هل نعرف معنى -الانتخاب-؟!
المزيد.....
-
” سجل الآن من هنا “.. التسجيل في مسابقة الشبه الطبي في الجزا
...
-
مخدر الاغتصاب GHB .. مراحل تأثيره السلبى على الجسم وكيف يحدث
...
-
وكالة الفضاء الأوروبية تمول شركات صناعات الفضاء الخاصة بملاي
...
-
نوع من الفطر قد يبطئ نمو الورم السرطاني ويطيل العمر
-
للمرة الأولى.. اصطفاف مجرتين بشكل مثالي يساعد على رؤية الكون
...
-
أوبئة عادت لتهدد العالم فى 2024.. فيديوجراف
-
عوائق جديدة أمام رحلات الفضاء المأهولة إلى المريخ
-
احذر.. هذه المادة تقلل خصوبة الرجال وتسبب السرطان
-
تفكيك -غوغل-: محاولة غير مسبوقة لكبح الاحتكار وتقويض عمالقة
...
-
10نصائح لخفض مستويات الكوليسترول المرتفعة وتحسين صحة القلب
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|