|
طقوس عشقك الصامت
بيسان سيف
الحوار المتمدن-العدد: 1272 - 2005 / 7 / 31 - 02:48
المحور:
الادب والفن
" - هي حلوة .. ؟ - انتِ الأحلى .. - يعني حلوة .. ! - قلت انتِ الأحلى .. شو حبيبتي .. زعلنا .. "
اعتصرت يديها بقوة .. غارسة أظافرها في كفها .. بألم .. وهي تتذكر كلماته لها ، تمنت البكاء الآن .. أحست بثقل دموعها على جفنيها .. لاحظت من خلال مرآة سيارة الأجرة عيني السائق ترقبانها .. ربما أحس بالمها .. حاولت الالتفاف يمنة هرباً من تلصصه .. فعيناها لا تقويان على حبس دموعـها .. منذ ليلة البارحة ؛ ولم تنم .. ففكرها سافر معه .. وأعتنق دخان سجائره .. يداه .. لازالت تشعر بملمسهما حتى الآن .. آه .. أريد تصويب طعنة لقلبي الصغير .. علّه يستريح . رأتها معه .. تلك الفتاة ! .. لم أر ملامحها جيداً ؛ لكن فستانها .. ومشيتها .. حتى تسريحة شعرها ؛ تعلن جمالها .. كانت في طريق عودتها للبيت .. عندما رأتهما .. صدفة . وبمجرد دخلوها للبيت .. اتجهت مباشرة للهاتف .. وأدخلته غرفتها .. وعينا والدتها .. ترقبانها بحيرة . ضغطت بأنامل مرتجفة .. على أرقام حفظتها كاسمها .. انتظرت .. عام .. لا بل عامين وأكثر .. حتى سمعت صوته من البعد الآخر .. آه .. صوتك .. صوتك .. لو كنت قاتلي .. فبصوتك .. أعطيك البراءة . لم تذكر .. كم كلمة قالت .. أو حتى ماذا قالت له .. كل ما تذكره .. كلمات مجنونة .. مبتورة .. صدرت عنها .. متهمة إياه بخيانتها .. مع تلك الفتاة .. وهو .. بهدوئه الجميل القاتل في آن معاً .. كان يحادثها .. لم تحتمل .. فأغلقت الهاتف في وجهه .. وانتظرت .. انتظرت أن يتصل بها .. لكن عقارب ساعتها .. هزأت من انتظارها .. وكأنها تقول لها .. أتطلبين سماع صوته بعد جلدك له .. بكلمات أدمت روحه . - شو .. يا أنسه .. أشغل الراديو عادي .. ولا في إزعاج ؟ أفاقت من ذكرى ليلتها .. على صوت سائق سيارة الأجرة .. - عادي أخي .. براحتك .. ما في إزعاج . تنهدت بقوة .. بعد كلماتها للسائق .. وكأنها أرادت طرد ألمها عبر زفراتها .. ورنت بعينيها عبر زجاج نافذة السيارة .. وابتسمت لمرأى فتاة صغيرة ؛ تحمل سلة خبز بكلتي يديها .. متعثرةٌ خطــواتها .. بحذاء أكبر من قدميها .. ربما كان لأمها أو أختها الكبرى .. أظن السلة ثقيلة على أن تحملها يدان صغيرتان كيديها . سرحت في القريب .. البعيد .. شعرت بخطوات حبو ابنتهما .. التي ولدت في أحلامهما .. حتى على الاسم .. اتفقا .. حنان .. هكذا أعلنها .. أريدها حنان .. لتحمل دفء عينيك ؛ وتقاسيم وجهك ؛ ونغمة اسمي عبر شفتيها عندما تناديني .. وهي أرادتها .. حنان .. لترسم لها صورته عبر عينيها .. ولتأخذ منه بسمته الشقية الرزينة ؛ وحنان عطفه .. رجعت برأسها للوراء .. مسندة إياه على المقعد الخلفي .. وبقيت نظراتها معلقة على ما وراء زجاج السيارة من عالم متحرك . .. " قد الحروف .. اللي بأسامي العاشقين .. بحبك " .. لامس صوت – أصالة نصري – عبر أغنيتها .. مآذن روحها .. وتمنت لحظتها الارتماء على صدره والبكاء .. أحست بالدموع تغيّب كل الصور عنها .. لم تعد ترى المارة .. ولا الباعة المفترشين بعض الأرصفة .. ولا حتّى استطاعت أن تغمض جفنيها .. خوفَ أن تُطرَد دموعها من مقلتيها .. مالت بوجهها أكثر لليمين .. لاصقت زجاج نافذة السيارة .. أحست بالاختناق .. فتحت جزءاً من النافذة ؛ علّها تطرد ضعفها عبر هواء مدينتها . - عفواً .. في شي أنسه .. آسف لو اتدخلت .. بس حسيت إنك مزعوجة .. اقولك .. أطفي هالراديو أحسن .. أصلاً صوتو عالي .. وبيصدع الراس .. كلماته المتلاحقة .. المتسابقة .. كتسابق أطفال مدرسة ؛ على من يخرج قبل الآخر .. أعادت لها بعضاً من كلها . - شكراً إلك .. أصلاً قربت .. هون .. يمينك .. شكراً إلك مرة تانية .. نزلت من السيارة .. لم تعرف لمَ شكرته .. الأنه أحس بها ؟ .. أم .. ؟ لا تدري .. ارتبكت روحــها .. بمجرد فكرة أنها ستدخل الآن .. لمكان عمله .. منذ ليلة البارحة وهي تحاول رصف كلمات لتقولها له .. وتتأسف على ذنب لم تقترفه .. ربما اقترفت خطأً بحقه .. لكن غيرتها .. تكلمت نيابة عنها .. وأخذت دور المدعى العام .. ضده . بداخلها .. كانت تود رؤيتها – من قال عنها أنها مجرد زميلة له – من هي .. ؟ كيف تتحدث .. ؟ أهي أجمل منها .. ؟ زميلة ! .. ولمَ يمشيان معاً .. ؟ هل للصحافة مثل هذه الطقوس .. ؟ استوقفها من في الباب وسألها .. من تريد .. فأجابت ، وبترحاب ودود وبسمة .. قال لها : " تفضلي .. في الدور الثاني " ، ابتسمت له مجاملة .. فهي تعرف أين يوجد حبيبها ؛ فلقد جاءت إلى هنا مرات عدة . رأت ثلاثة شبان .. في إحدى المكاتب مجتمعين حول طاولة .. يتناقشون بحماسة .. دخلت واقتربت منهم .. وسألتهم .. أين تجده .. فأشاروا لها بأنه في آخر الممر مباشرة .. اتجهت بخطوات .. مرتبكة .. مترددة .. خائفة من ردة فعله .. رأت إحدى الصحفيات تخرج من مكتب وبيدها رزمة من الأوراق .. فوقفت مكانها تتفحصها .. " ربما هي ؟ " .. خرجت أخرى .. ورأت ثالثة مع زميل لها .. الكل مشغول .. حتى وجودها .. لم يشعر به أحد . أين هي .. تلك الفتاة .. حتى لو رأتها الآن لن تعرفها .. ولا تود حتى أن تعرفها .. فكل الوجوه تشابهت وتوحدت .. ووجهه وحده بات مبتغاها . تقدمت أكثر .. أكثر .. اقتربت من باب مكتبه .. طرقته .. هناك أصوات تصدر من الداخل .. لأشخاص يتحدثون بحماسة ، رجعت قليلاً للوراء .. أمسكت بحقيبة يدها بقوة .. التفتت للخلف فرأت رجلين يتحدثان .. فلاحظها أحدهما .. فأومأ لها بأن تفتح الباب وتدخل .. استغربت هذا العالم الذي دخلته .. الكل يتعامل بلطف .. والبسمة تعلو شفاههم رغم الأرق الواضح على وجوههم . تشجعت .. أمسكت بمقبض الباب .. فتحته .. تقدمت .. رأته .. ماسكاً طرف سيجارته بين إصبعيه .. سابحاً في دخانها .. وأمامه أوراق مبعثرة .. وتقف بجانبه فتاة .. ومعهما رجل آخر .. بينهم موضوع يتحدثون فيه بجدية .. حتى أنهم لم يلحظوا دخولها .. رأته .. آه حبيبي .. أشعر بالرأفـة عليك .. عيناك مرهقتان .. وملامح وجهك قد أتعبها السهر .. شعرت بحنان يجتاحها لمرآه .. كتلة أعصاب تحترق . رفع بصره .. فابتسم .. التفتت الفتاة والرجل لها .. نهض من كرسيه متوجها نحوها .. " أهلين .. حبيبتي " .. حبيبتي .. بعدما عاقبته بغيرتي البلهاء أمس .. ويقول حبيبتي . ابتسمت ببلاهة المذنب .. عندما يوجه له الاتهام ، وخرجت مسرعة .. فلم تستطع حبس دموعها .. ربما استطاعت حبس دموع غيرتها كعنوان لكبرياء امرأة .. لكن دموع عشقها له .. لم تحبسها .. ناداها .. توقفت .. ولم تشأ أن تدير وجهها له .. وقف أمامها .. وبسمة جميلة تعلو وجهه ؛ رغم الإرهاق الظاهر عليه .. أراد الحديث .. لكن إصبعها لامس شفتيه .. بأن اصمت .. " بعرف إنك بتكره كلمة الأسف .. لكن فعلاً .. أنا آسفة .. لأني تصورت صمتك غرورا .. وبسمتك إلي استهزاء .. وعدم ردك على كلامي الجارح لامبالاة .. لكن هلا بعد ما دخلت عالمك .. ولو دخول عالماشي .. عرفت إني غلطت بحقك .. وطعنتك بغيرتي .. بس والله كل اللي صار .. لأني أنانية بحبك .. حبيبي .. حاولت أهرب منك ، من طقوس عشقك الصامت .. فهربت إلك "
#بيسان_سيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|