|
السائق المغرور والشيخ الحكيم
على المحلاوى
الحوار المتمدن-العدد: 4494 - 2014 / 6 / 26 - 20:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السائق المغرور والشيخ الحكيم منذ وقت ليس ببعيد كنت شاهدا على هذه الحكاية ففي أحد الايام ليست بالبعيدة عزمت الذهاب لقضاء بعض الأعمال في عاصمة الاقليم ، ولأنى أسكن في احدى القرى البعيدة فكان على الاستيقاظ باكرا وأن أستقل إحدى سيارات الأجرة لحملي إلى تلك المدينة ، وشاءت الصدفة أن أجلس في المقعد الأخير فكنت مراقب لم حدث بها من أحداث ، فبدأ توافد الركاب واحدا بعد أخر ، فهذا فلاح بسيط يرتدى الجلباب ، وهذا عامل يحمل بعض الأدوات ، وهذا رجل كبير السن ذو لحية بيضاء ، أما هذا فطالب ، وهناك رجل مع سيدة ترتدى النقاب ، وذاك موظف بجانبه رجل يرتدى بدلة أنيق الهندام ، وأخيرا فلاحة تحمل بعض الخضروات لتبيعها في سوق المدينة ، ولا أتذكر الباقين ، وكنا مع الساعات الاولى من الصباح ، ولا يزال أثار النوم بادية على وجوه الركاب ، وهناك ضباب كثيف في الأجواء ، أضطر سائق العربة أن يسير بنا ببطيء شديد مما أدى لزيادة الوقت الذى نمضيه في الطريق عن المعتاد وأخذ السائق يتجاذب الحديث مع الركاب للقضاء على ملل الطريق ، وليظل يقظا لأنه لم ينم جيدا كما ادعى وتجاوب معه باقي الركاب ، وتطرق الكلام الى شتى مناحي الحياة ، وكان الركاب شبه متفقين معه في الآراء
ثم إذا بالسائق يدخل بالحديث إلى عالم السياسة (قاتل الله السياسة والسياسيين) وكان من أشد المعجبين بالسيسي حاكم البلاد ، فأشاد به وأفاض في وصف محاسنه وصفاته ، وأنه لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه سواء في التصريحات أو الأفعال ، فصدق على كلامه (بعض) الركاب وتململ البعض الأخر ، ثم فجأة أنبرى أحد المؤيدين (صاحب البدلة الانيق) وصب جام غضبة على الإسلاميين ، وبخاصة الإخوان الملاعين ، وأدعى أنه العليم ببواطن الأمور ، ثم أكمل كلامه وهو ناظرا الى الرجل والسيدة المنقبة المرافقة له ، فقال إن الإخوان هؤلاء وكل من يتعاطف معهم سبب البلاء ، وعدد في أوصافهم وزاد في (المديح) فهم الملاعين ، المجرمين ، الإرهابيين ، تجار الدين ، الزناة ، والنبي منهم برئ (على اساس أنه ألتقى به وأخبره بهذا) وكان كلامه ما هو إلا ترديد لمجموعة الإعلاميين المعروفين في قنوات رجال المال في مصر ، غرف هذا الرجل من كلامهم في المساء ثم تقئ به علينا في الصباح ، و الرجل المرافق للسيدة صاحبة النقاب طوال حديثه صامت ، ولكن مع زيادة الشتائم انبرى في الدفاع عن ما رأى ان هذا الكلام موجة له بالخصوص ، وبدأ في الحديث وفند ادعاءات المؤيدين للسيسي ، وأبدى الاستياء لحظر ملصق (هل صليت على النبي اليوم) وسط محاولات مقاطعة كلامه من المؤيدين ، فهذا المجرم يطعن في قرار المشير ، فبادروه بالهجوم بالكلام ، ورد هو الهجوم ، وتضامن معه أحد الركاب(الطالب) والسائق كان في قمة الحماس ، وعلت الأصوات ، وزاد الانفعال ، وتحول الأمر من الكلام الى الصياح ، ثم تدخل بعض الركاب الصامتين في الكلام ، وحدث شجار بالكلام ، فتبادلت الاتهامات ، ووصلنا الى الشتائم ، ثم الاحتكاك بين الفريقين
ثم فجأة توقف السائق بالعربة في وسط الطريق ، وترجل منها وفتح الباب ، وأراد إنزال المعارضين من السيارة ، وأقسم أنهم لن يكملوا الرحلة معه ، لأنهم معارضين خونة عملاء مأجورين ، وهو لن ينجس سيارته بالعملاء أعداء الوطن والدين ورفض المعارضين للسيسي النزول وأيدهم بعض الصامتين ، فكيف لهم النزول في منتصف المسافة وسط الزراعات والحقول في هذا الوقت المبكر من الصباح وخاصة أن من بينهم نساء ، ولكن السائق كان في غاية الإصرار لابد من تطهير العربة من الأنجاس (حسبما قال) وهنا انقسمت العربة الى فريقين تقريبا ، وكل فريق تنمر للأخر وبدأ في الاستعداد للإجهاز كل فريق على الثاني
واذا بصوت (الشيخ العجوز ذو اللحية البيضاء) وكنا قد نسيناه في وسط الضجيج ، قرأ بعض آيات الذكر الحكيم تحض على التكاتف وعدم الفرقة والانقسام سمعناه ونحن صامتين ، ثم ذكرنا ببعض أحاديث الرسول لنبذ الفرقة والكراهية ، وأردف قائلا أننا نعطل مصالحنا ونضيع وقتنا وجهدنا بهذا الجدل العقيم ، ولا يزل يسترسل في الحديث حتى هدأت النفوس ، وخبت نار الغضب ، وأصر ان نسلم على بعضنا ، وأخذ قطعة من الجبن كانت مع الفلاحة ووزعها على الحاضرين ، وجلسنا في مقاعدنا وتحركت العربة وأكملت الطريق ونحن صامتين ، حتى وصلنا الى المدينة وسلم كلا منا على الأخر ، ومضى كلا الى غايته ، وذهب الفرقاء كلا في طريق
لولا تدخل هذا العجوز الحكيم وتواجده في هذا الظرف العصيب لكان من المحتمل 1 ـ حدوث مشاجرة بين الركاب حامية الوطيس يمكن ان تسفر عن تهشم العربة 2 ـ سقوط بعض الجرحى وربما القتلى من الفريقين 3 ـ توقف السيارات المارة على الطريق ونزول الركاب من السيارات الاخرى ، وانضمامهم للعراك على اساس الانتماء السياسي أو العائلي أو القبلي أو القروى 4 ـ حضور الشرطة واقتياد الجميع الى قسم الشرطة واحتجازهم للعرض على النيابة وتحويلهم للقضاء مما يزيد من أعباء القضاء وعدد القضايا في المحاكم 5 ـ تعطل المصالح والأشغال والإنتاج لهؤلاء الأفراد وذويهم هذا اليوم وربما لإيام عديدة أخرى للمصابين 6 ـ زيادة عدد المرضى والمصابين في المستشفيات نتيجة استقبالهم للمصابين من العراك 7 ـ قلق أهل وذوى المشتركين في العراك وقلق الأمهات والزوجات والأبناء الصغار ، سواء أهل المصابين أو من حبسوا وتحولوا للقضاء 8 ـ ينتج عن تهشم السيارة توقف دخل السائق بل وإنفاقه عليها حتى تمام التصليح ، وزيادة أزمة انتظار المسافرين نظرا لخروج تلك السيارة من الخدمة مؤقتا 9 ـ زيادة العداء والكراهية بين العائلات في القرية الواحدة ، وتوقع حدوث مصادمات جديدة بينهم 10 ـ باختصار شديد يصبح هؤلاء الافراد عالة على المجتمع ، بعد أن كانوا ترس في مكينة الانتاج ، مما يؤدى في النهاية الى تأخر البلاد
تقفز لذهني هذه القصة التي عايشتها عندما أستمع لحديث بعض المتعصبين (المتهورين ) من العلمانيين ، المتحالفين مع الجيش المسيطر على أمر البلاد حاليا ، وبعض التصريحات من قادة الجيش ، عن ضرورة أقصاء الإسلاميين وخاصة الاخوان المسلمين ، وأنه لا مكان لهم في أدارة شئون البلاد ، وجارى العمل للقضاء عليهم ككيان سياسي ، وأن لا مصالحة مع هؤلاء وأقول لهم لن تستطيع العربة أن تكمل الطريق بدون مصالحة بين الركاب ، بدون ذلك سينشب العراك ، وتقف العربة عن المسير ، ويسقط الجرحى وتسيل الدماء ، وتتوقف عجلة الإنتاج
أما اعتقاد السائق أنه قادر على إنزال المعارضين بالقوة من العربة والسير بالمؤيدين فقط ، أعتقد أن هذا السائق يعيش في وهم كبير ، وغروره هذا أن وصل الى شيء سيصل بنا لتهشم العربة على من فيها ، وستثبت الأيام مدى صدق هذا الادعاء أعتقد أن الوضع الراهن في مصر ينطبق تماما مع ما رويته لكم عن قصة العربة وسائقها ، ولكنى أعتقد أن هناك اختلاف واحد بين المشهدين ، في المشهد المصري نحن في انتظار رجلا كان في مشهد العربة ، وغائبا تماما عن الساحة المصرية الأن هذا الرجل هو ( الـــــشــــــيــخ الــــحــــكـــــيـــــم )
#على_المحلاوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشهدان وتعليق
-
يوم فاز الشعب وخسر المرشحان
-
عن أى انتخابات تتحدثون ؟!! ألا تستحون !!
-
وفاء البقر وغدر البشر
-
اللهم بلغت اللهم فاشهد
-
هذه بضاعتكم ردت إليكم
-
عندما تتحول الأحكام القضائية لرسائل سياسية
-
يوم أسود من أيام الإنقلاب
-
ماذا تغير بعد الانقلاب ؟
-
المتاجرة بالأمل
-
لا تتعجب فنحن فى زمن العسكر
-
من المضحكات المبكيات
-
الرد على مقال (كارثة العروبة على مصر )
-
لا تنزع هذا الثوب
-
هل حلال لكم حرام لهم ؟؟ (2)
-
هل حلال لكم حرام لهم (1)
-
آهات -بهية-
-
بكرة تشوفو مصر
-
هل فعلا بالدستور العجلة تدور
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|