|
طيف الديمقراطة ونكوص تجربة التحول في العالم العربي
ابراهيم أزوغ
الحوار المتمدن-العدد: 4494 - 2014 / 6 / 26 - 14:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طيف الديمقراطية ونكوص تجربة التحول في العالم العربي
إبراهيم أزوغ في البدء: وصف لابد منه بعدما كانت آمال وأحلام المجتمع العربي مختزنة بإحكام في الذاكرة الجمعية والفردية منذ زمن محمد علي في مصر(1805-1848)، ثم في كتابات الإصلاحية العربية مرورا بحركات التحرر الوطني، وطيف فكر الحركات التقدمية التي أخمدت الأنظمة الدكتاتورية حماستها وجعلت تضحياتها في مخيال الشعوب جنونا ماديا ملموسا، أو فلسفة تَعتبر كل من يتحدى ويرفض الولاء للأنظمة المستبدة الطاغية مجنونا، فعم الظلام وادلهم الأفق. فجأة وكأنه حدث من أحداث رواية من روايات الخيال العلمي، وبفضل التواصل الافتراضي نزلت الشعوب العربية تباعا للشوارع، صارخة بآمالها وأحلامها التي اتسعت وتناسلت في ساحات وميادين التحرير والاحتجاج. فابيضت الأسارير رغم سيول الدماء وتوالي الأحزان، بربيع عربي سيزهر بتحقيق التحول الديمقراطي المنشود، وإلحاق المجتمعات العربية الهرمة بركب التقدم الإنساني في تقنين نظم الحكم وإقرار العدالة الاجتماعية، والمساواة، والحرية، وسيادة الرقابة على عمل مسيري شؤون البلاد والعباد ومتابعة أدائهم، والمحاسبة لهم بحكم القانون عن كبائرهم وصغائرهم من الأخطاء، وما يستتبع ذلك من المعاقبة.
خيبة فإحـبـاط غير أن الحاصل وكأننا نقرأ عالما روائيا فانتاستيكيا أتقن مبدعه إعمال تقنية المسخ في بناء أحداثه وتصويرها فبعد أن كانت مقدمات الثورات ولافتاتها وشعاراتها تحررية تقدمية خرجت الحركات "الإسلاموسياسية" بجحافلها وأفكارها العازفة على عواطف الشعوب بشعارات كونها المنقذ من الظلال، والهادي المنتظر. لتعود بالعالم العربي عبر الزمن عقودا إلى الوراء ليسود اليأس بعودة السكون تدريجيا إلى الشارع العربي ويمهد لحالة السبات بخمود حرارة الشباب وفتور حماستهم بعد يقظة لحظية، ثم ليعم الظلام من جديد وينسد الأفق في الشارع والبيت والمدرسة والمقهى والملهى. وفي كل مكان لتظهر الشروخ والإحباطات بارزة في الوعي والجسد الفردي والجمعي العربي ويزداد ألم الجراح القديمة والحديثة بعودة الدكتاتوريات بوجه آخر بعدما استعانت بمساحيق ترميم الوجوه الهرمة، وإخفاء تجاعيدها المنفرة مستعينة بِخِدمة سدنتها، وقصائد وأهازيج وزغاريد حاشيتها، وغلظة وشدة زبانيتها على المناضلين، ولتبقى إلى إشعار آخر على عروشها وتحفظ مصالحها واستمرارها ضدا على رغبة الشعوب ومستقبل الأوطان. انعكاس وأثــر انعكست خيبة الأمل من عدم تحقق النتائج المنشودة من حراك الربيع العربي وفي مقدمتها التحول من نظام الاستبداد الجاثم على النفوس إلى النظام الديمقراطي. بأن صار هذا الأخير في حسبان المستحيل، أو حلما بإجتراح المستحيل، رغم ما عبر عنه المواطن العربي من رغبته الجامحة في التحول إلى مجتمع ديمقراطي تحكمه العدالة الاجتماعية، وما أثبته للمستبد من كونه لا تنقصه الإرادة والجرأة والشجاعة والحماسة للتغيير بتقديمه للغالي والنفيس وبالحضور المستمر في الشارع لشهور امتدت لتصبح سنوات. وفي غياب شبه تام لإطارات ومنظمات النضال الاجتماعي التي استحالت بدورها أنظمة دكتاتورية مصغرة، وغياب والحركات المناصرة للتحرر التي يمكن أن تؤطر الشعوب وتقوم بدورها القيادي فتكون في مقدمة الجماهير الشعبية في معاركها ضد الفساد والاستبداد المستشري في البلدان العربية، والممتد كالنار في الهشيم، انشغلت بتهافتها على الطعم الذي أعدته لها سياسة المستبد الماكرة وتركت الشعوب تواجه مصيرها المحتوم، فانفتحت أبواب السراديب والسجون السرية من جديد لتخفي في غياهبها الغيورين والأحرار، ولتزرع في نفوس الشعوب يأسا ولتحفر فيها عميقا بفقدان الثقة في أثر الشارع ودوره في التغيير، كما فقد الثقة قبل ذلك في الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني والعملية الانتخابية. إن التحول الديمقراطي في العالم العربي اليوم رهين بضرورة التأسيس لثقافة جديدة تشارك في صياغتها جميع مكونات المجتمع وأطرافه وفي مقدمتها الحركات النقابية والاجتماعية، والثقافية، وحركات التحرر. ثقافة قادرة على الابتعاد بشعوبها من دخول مرحلة انحطاط يسود فيها اليأس والتذمر من كل شيء، ثقافة تجمع بين السياسي والاجتماعي بربط إشكالية الديمقراطية أولا وقبل كل شيء بالحقوق العمالية، والقدرة الشرائية للمواطن العربي، وسيادة المراقبة والمحاسبة والمعاقبة لمسيري شؤون البلدان وثرواتها.
#ابراهيم_أزوغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طيف الديمقراطة ونكوص تجربة التحول في العالم العربي
المزيد.....
-
-اختيار محتمل للغاية-.. محلل يشرح السبب الذي قد يدفع إيلون م
...
-
المبادرة المصرية تطالب بسرعة تنفيذ القرار القضائي النهائي بإ
...
-
-نتنياهو ضحى بالرهائن الإسرائيليين من أجل مصلحته الشخصية- -
...
-
أمريكا أوّلا وآخرا.. وزير خارجية ترامب المرتقب يتعهد بتغيير
...
-
فيرتز نجم ليفركوزن يدخل دائرة اهتمام بايرن
-
الانضباط أولا..مدرسة ألمانية تفرض غرامة مالية على المتأخرين!
...
-
سلطات مولدوفا تعرض الاستقالة على رئيسة إقليم غاغاوزيا مقابل
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مصادرة 3300 قطعة سلاح ودبابات للجيش ال
...
-
ساعر يرد على بلينكن: إقامة دولة فلسطينية ستؤدي إلى إنشاء -دو
...
-
نوع من الجبن -يحارب- ألزهايمر!
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|