أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - حوار مع الدكتور الناقد الليبرالي محمد عبد الرضا شياع في- القيم الفاعلة والإرتكاسية -، من -بؤرة ضوء-















المزيد.....


حوار مع الدكتور الناقد الليبرالي محمد عبد الرضا شياع في- القيم الفاعلة والإرتكاسية -، من -بؤرة ضوء-


فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4494 - 2014 / 6 / 26 - 12:19
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الدكتور الناقد محمد عبد الرضا شياع في" القيم الفاعلة والإرتكاسية "، من "بؤرة ضوء" الحلقة الأولى

1. من المستفيد من داعش اليوم -لملوم الوطن اللاعربي- ؟ أما ترى تحركاتها هي لصالح الحكومة لإنقاذها، وتثبيت خطوها كولاية ثالثة بحجة محاربة الإرهاب في وقتها الآيل على الإنتهاء ؟

الجواب:
قبل الإجابة على السؤال أحب أن أنوّه بالجملة الاعتراضية (لُمْلُوم الوطن اللاعربي) إذ أرى في هذه الصياغة احتجاجاً ونقداً ولوعة تتمظهر مقاربتها في أن بنية هذا التنظيم ليست عربية أصلاً، ومَن وضع منهجه وتبناه ليس عربياً وإن كان منتمياً للعرب، وهذه صياغة ذات اعتبار تقوّض البنى الادعائية التي تقوم عليها الأنظمة التي تزعم بأنّها ذات منابت واتجاهات عروبية أو عربية لا فرق، وأعتقد أن في هذه النقطة بالتحديد يجب أن يندلق الضوء ليشكّل بؤرة منها تنطلق القراءات منداحة في كلّ اتجاه، وإليها تعود لمعاينة ما قيل وما ينبغي له أن ينقال. لقد قوّضت مرة أخرى هذه الصياغة الانتماءات المزعومة للوطن العربي الذي لا يكفي العيش فيه لتسجيل هوية الانتماء صافية، على الرغم من أن هذا الوطن لا يكفّ عن ضخ ثرواته الطائلة والمخيفة على موائد هؤلاء لتكون ناراً.
من هنا أرى أن الجملة الاعتراضية قد مهّدت لابتناء أجوبة عن جوهر السؤال لا جواباً واحداً، فبدءاً المستفيد من داعش هو كلّ من لا يكتفي بأن يجعل الوطن العربي يعيش على فوّهة بركان فقط، وإنما ليسهم أيضاً في إزاحة بناه الإرتكازية عن قواعدها التي تعيش حالة من التخلخل المخيف، وبذلك يتضح أن المستفيد هو (السيد) الذي يسعى حثيثاً إلى أن يعيد إلى الزمن الماضي هذا الوطنَ الذي يتطلّع بعض أبنائه الحالمين إلى اللحاق بتخوم العالم المتمدن لا إلى بلوغ مستوياته القصوى في العيش والحياة، لأن بلوغ هذه المستويات لا يتحقق حتى في (أحلام الطفولة الشاردة)؛ وهكذا فهؤلاء يطفئون الضوء في العيون الحالمة في أهدافها القريبة، وداعش واحد من الأدوات الفاعلة في تحقيق هذا الانطفاء، وتشويه أحلام اليقظة وتمزيقها.
مَن المستفيد من داعش إذن؟ داعش هو تنظيم لم يشهد التاريخ العربي والإسلامي له نظيراً، على الرغم من أن هذا التاريخ قد كُتب بالدماء البريئة، فتخيّلي إذن وحشية هذا التنظيم! إذ إن (الغاية تبرر الوسيلة) فكلّ شيء يهون أمام الأهداف البعيدة التي يتطلّع إليها المسلمون في العراق سُنّة وشيعة، فالصراع على حق تاريخي محوره السلطة، فالشيعة يعتقدون أنّهم يعيشون زمن حق تاريخي مردود، والسُّنة يعتقدون أنّهم يعيشون زمن حق تاريخي مفقود، عنوانهما السلطة، والمرعب أن كلا الحقين أضحى حقّاً روحيّاً ووجوديّاً، وأمام هذا الحق تهون الدماء والأرواح، وإن بدت مرفوضة علناً، يا للشقاء! ويا لشقاء العقل!!!
لا أظن أن السيد نوري المالكي هو من افتعل قضية الموصل، وإن كان المنطق يقبل تصعيدَه لجبهة الأنبار لأغراض انتخابية، وقد حصد أصواتاً ذات أبعاد طائفية فاقت التوقع، وما يعزز استثمار السيد المالكي لأيّ موقف لصالحه من دون حياء أو تردد ما قام به من توزيع أراض زمن الانتخابات، حتى إن مَنْحَ هذا الحق بدا يتمظهر في سياق المكرمة التي يُعلن عنها من على شاشة الفضائية العراقية وشقيقاتها السائرة في فلك السلطة المالكيّة، وهذا لم يَجرِ في أيّ مجتمع يمتلك حسّاً ووعياً نقديّاً، لكنّها عين السلطة الوقحة. كلّ هذه المعطيات وسواها لا تبرر القول بأن السيد المالكي هو من افتعل قضية الموصل، ولكنّ الحقيقة أن الفقاعة أمست تسونامي، فقاعة الأنبار باتت طوفاناً جرف السلطة وأحلامها إلى مستقر لم تكن تتوقعه أبداً، لم تكن تتوقعه؛ لأنّها تعمل بذهنية الحاكم المطلق لا الحاكم الذي يرتهن إلى دستور وإن كان هذا الدستور معطوباً، وهذا هو ديدن الحكم بالعراق في أقل تقدير، فالسيد المالكي يعتقد أن امتلاكه للأموال وقدرته على شراء الذمم تضمن له ملكاً ولا أقول سلطة، طوّح من خلاله بأقرب الناس إليه من منظومته الحزبية، وهو يسير في اتجاه بناء حكم العائلة الذي نجح في ابتناء خطوات ذات اعتبار في اتجاه تحقيقه من خلال صعود أصهاره وأقاربه بالدم إلى البرلمان، ناهيك عمّا نعت به ولده من صفات البطولة، وهذا حقهم بوصفهم مواطنين عراقيين، ولكن ليس من حقهم أن يصلوا من خلال نافذة الحكم.
هذه الخطوات المهمة التي أنجزها السيد المالكي في اتجاه تأسيس حكم العائلة لن تسمح له بالوقوع في هذا الفخ الخطير وإن كانت بطانته فاسدة أو لا تمتلك الكفاءة العسكريّة. إذن ما أراه أن الذي أنجز معركة الموصل وبنجاح هم أصحاب الحق المفقود الذين يظنون أنّه حق تاريخي، ومن ثَمّ روحيٌّ قد سلبهم الطرف الآخر إياه، وقد عجّلت وفعّلت هذه الخطوةَ نتائجُ الانتخابات غير المحتسبة، والتي تسير ظاهرياً لصالح السيد المالكي المدعوم من قوى عالميّة (الولايات المتحدة مثلاً) وإقليمية (إيران مؤكّداً) وهي ذات مصالح مشتركة في العراق، وفي بقاء السيد المالكي، ولاسيما وهو ينادي بحكومة أغلبية سياسية لا يستبعد منها أيّ مكوّن، ولكنّه هو الذي يختار، وبذلك تشعر الأقطاب الأخرى بالتهميش سلفاً، كما أنّها (الانتخابات) في الآن ذاته أحبطت آمال قوى إقليمية (السعودية وقطر وتركيا)كانت تتطلع بقوة للإطاحة بالسيد المالكي عبر تسخيرها لوسائل إعلام محليّة وإقليميّة وربما عالميّة أيضاً، بالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي لقوى المعارضة، لكنّها لم تفلح في زحزحة المالكي عن السلطة، خاصة وأنّه قد نجح في اجتذاب فصائل مهمة من الطرف الآخر لصالحه، إذ لم يكتف بتأييدها العلني له، بل حملت السلاح معه، وهذا قد أثار حفيظة الدول الراعية للحق التاريخي المفقود الذي يستشعره سُنّة العراق والدول الداعمة لهم، من هنا كان داعش الأداة الأقوى بيد هؤلاء، وأن نجاحه مكفول لشراسة مقاتليه واحترافهم لجرائم الحرب، علاوة على وجود الحاضنة المحليّة التي لا تطمئن لوجود القوات الأمنية بين ظهرانيها وإن كانت تضم من الطائفة السُّنية في تشكيلاتها، فالمناطق السُّنية في أقرب تصوراتها إن لم تكن مع داعش فهي بالتأكيد ليست مع القوات الحكومية، وهي التي تشعر بالغرق حتى وإن كانت تنعم بالدفء والأمان، و (الغريق يتمسك بأفعى) إذ لو فرضنا جدلاً أن السُنّة يتمتعون بحقوقهم أسوة بالشيعة، فإنّهم من الجانب النفسي لم يجدوا الراحة مادام الحاكم من الجانب الآخر، وهنا يكون تفعيل سلطة اللاوعي، حيث الحاكم عند أهل السُّنة هو ولي الأمر، وعند الشيعة يكفي أنّه شيعي، ففيه انعتاق من سلطة الآخر وإن كان جائراً، كما كان السُّني من قبل-هكذا أرى من خلال معايشتي الطويلة للطرفين والعيش في بنية المجتمعين إلى حد الانصهار الثقافي سواء داخل العراق أو خارجه، لذلك أريد هنا أن لا أضع رأسي في التراب وأصمت، بل أرفعه وأقول- وهنا قد يقول قائل هذا ليس تفكير النخبة؟ والجواب هنا نعم قد لا يكون هذا تفكير النخبة المثقفة، ولكن للأسف مقولة بن غوريون (اليهودي يظلّ يهودياً وإن كان ملحداً) تصدق على كل أصحاب الديانات، إذ لاحظنا أن كثيراً من المثقفين قد انضمّوا إلى الركب الطائفي على الرغم من علمانية بعضهم، وإن أعلنوا غير ذلك، وما تخلّف عن هذا الركب إلا القليل من الحالمين ببناء دولة مدنية، هي دولة المواطن لا سواها، وما تخلفهم عن هذا الركب إلا سعياً لتحقيق ميتافيزيقيا التقدم ولو على سبيل الحلم، والعيش في طمأنينة الضمير.
لتوضيح ما تقدم ينبغي لي عدم إغفال العمق التاريخي لتوصيف الحكم بعد زلزال 2003 الذي لم يستوعبه العراقيون سُنةً وشيعة وطوائف أخرى، على الرغم من أن من بين هؤلاء مَن كان قريباً من القوافل القادمة للتغيير، والأغرب يبدو أن ليس العراقيون وحدهم هم الذين ارتبك عليهم المشهد واضطربت رؤاهم، بل حتى العرب الذين فتحوا بواباتهم للجيوش القادمة للتغيير، وأعني هنا دول الخليج بالتحديد؛ لأن لسوريا وإيران قراءات أخرى، ولعل لتركيا أيضاً نصيباً من الارتباك، إذ تصوّر المحيط السُّني أن التاريخ يحفل بجدليته التي لا تبرح سياق الأمس، لكنّهم أخطؤوا التقدير تماماً، فتغير خطابهم الإعلامي وسلوكهم الدبلوماسي، وهذا أمر يحتاج إلى مقاربات سايكولوجية وسوسيولوجية لا يتسع المقام لتفصيلها الآن، لذلك أعلنوا معارضتهم لطبيعة الحكم المتغيّر في العراق، فعلى الرغم من الخطوات التي اتخذها السيد المالكي للاقتراب من هذه الدول وبالذات السعودية ثم قطر لم يفلح في تحقيق الاقتراب وإنجاز القبول، فظلّت مناداته ببغداد بلد الرشيد ليست أكثر من أصوات بلا صدى، أو كأنّها (كلمات من دون أفواه) لأنّه مهما فعل، سيظل رافضيّاً وإن قتل وهمّش جلّ أبناء طائفته، وقد فعل ذلك في أكثر من منازلة وسياق ولكن من دون جدوى.
وتظلّ إيران اللاعب الكبير التي في رأيي لم تُقَدَّم قراءةٌ ضافيةٌ لدورها في العراق، ولا أزعم بأنني سأقوم بهذه القراءة، ولكنني سأبدي رأيي من دون تحفظ، إذ إن المعالجات العربية للتدخل الإيراني تنطلق من موقف سايكولوجي متشنج، يكون فيه العقل والقلب متقدين، بيد أن هذه الأمور تتطلب عقلاً بارداً، وإن كانت الروح تغلي، فجلّ القراءات العربية التي تابعتُها في أقل تقدير ترى أن إيران دولة صفويّة تنشر التشيّع في البلاد السُّنية، والأمر ليس كذلك، إذ إن الإيرانيين يحلمون ببناء دولتهم القوميّة، وحتى شعار تصدير الثورة الإيرانيّة الذي يطفو على سطح الأحداث مرة هنا وأخرى هناك أضحى باهتاً تماماً، فإيران تشتغل بالطائفة لا للطائفة، ولا تكترث بالشيعة من غير مواطنيها الإيرانيين، وما خلا ذلك ليس أكثر من أذرع طويلة لإنجاز مصالحها، والأنكى من ذلك أن العرب السُّنة شيطنوا عرب العراق الشيعة باتهاماتهم اللا أخلاقية وبالتعامل الطائفي الذي تُبديه دول الخليج رسميّاً وشعبويّاً تجاه جلّ شيعة العراق، أقول جلّ شيعة العراق لأن هناك استثناءات للبعثيين وأقطاب النظام السابق، وهذا ما دفع بشيعة العراق إلى أن يروا في إيران ملاذاً، على الرغم من أن منهم مَن يُدرك الغاية الإيرانيّة، ومنهم من لا يُدرك، فلإيران أدواتها الناعمة التي تكفل لها الحضور المضاف إلى حضور سلطة الحكم في بغداد وقواعدها التي لا يُستهان بها، حيث تشابك الأكف بين الطرفين المدوف بعناق طويل تعمّده حرارة السلطة.
مَن المستفيد من داعش إذن؟ هذا ما تجيب عليه تراجيديا الأحداث المتصاعدة، وإنّي لا أستبعد زيارة السيد روحاني واجتماعه بالسيد غول قبيل نكبة الموصل بأيام إن لم تكن بساعات عن سيناريو الأحداث، ولا أقول قد وضعا اللمسات الأخيرة لما حدث، لأن هذا يحتاج إلى وثائق، وأنا أقدم قراءة فقط، قد تصيب وقد تخطئ، لكنني أجد في مشهد الأحداث ما يعزز رؤيتي التي كتبتها بتاريخ يوم 12/06/ 2014 حيث هناك تفعيل آني للرؤية القديمة في تقسيم العراق، أو صياغة جديدة لتفعيل نظريّة الأقاليم الممهورة بتصور آخر، يحقق حلم أطراف عديدة؛ تركيا، إيران، السعودية، قطر، وسُنّة العراق، ولا أستبعد أبداً تأييداً غربيّاً لهذا المشروع الذي أُرجئَ البت فيه، وجاء الإرجاء بسبب معارضة السُّنة والشيعة له شعبويّاً، على الرغم من أن بعض قيادات الشيعة جاؤوا بهذا المشروع، لكن تصوره الآن مغاير تماماً، إذ يجد السُّنة فيه متنفّساً وجوديّاً لذواتهم حال يُضحي لهم إقليم على غرار إقليم كردستان الذي ينتفع بواردات الإقليم والمركز في آن، بل الأصح واردات المنطقة الجنوبية؛ وبذلك يكون الكرد المستفيد الأكبر في ما يجري الآن، ولا يستبعد المراقب تفعيل الكرد لهذه التراجيديا التي باتت سهماً نافذاً في قوسها به تحقق أحلامها القصوى والدنيا.
بعد أن أبديت رأيي في مَن المستفيد من وجود داعش عليّ أن أختم بإيجاز أبعاد الفائدة المرجوّة من كلّ ما حدث، ومعاينة ما يترتب على كلّ هذا:
تبيّنَ لسُّنة العراق أنّهم غير قادرين على استعادة حقهم التاريخي المفقود في ظلّ انتخابات أثبتت أن الشيعة هم الأكثريّة وإن تعددت فصائلهم، فهناك قاسم مشترك بينهم أو أن يداً أخرى توحدهم، وتمكّنهم من خلق الكتلة الأكبر داخل البرلمان لتشكيل الحكومة، وبعد أن تبيّنَ لهم أن موجة الإرهاب لن تثني الشيعة عن التخلي عن السلطة، كان لا بد من الدعوة إلى تشكيل إقليم يحفظ لهم استقلالهم ويحقق لهم تطلعاتهم، وقد حاولوا ذلك بشتى الطرائق لكنّهم لم يفلحوا، وقد كانت نتائج الانتخابات الأخيرة (القَشة التي قسمت ظهر البعير) خاصة وأن السيد المالكي قد توجه لولاية ثالثة عبرها يحقق أكثر من الذي كان مُخْتَلَفاً عليه من قبل، ولاسيما وأنّه قد أقصى صقور السُّنة من العملية السياسية لاتهامهم بالإرهاب، وأنا لست بصدد تبرئتهم هنا، أو تثبيت التهمة عليهم، فهذه مسألة قضائية، لكن المهم أن هؤلاء في نظر سُنة العراق هم الممثلون الأقوياء لهم، وإلا فمن ناحية التهميش يجد المتتبع أنّ المحافظات السُّنية تحظى بتمثيل في الحكومة أكثر من بعض المحافظات الجنوبية، وبخاصة البصرة،عليه لم يكن بد من تبنّي هذه الخطة التي كادت أو تكاد ترسم ملامح الإقليم السُّني الواضحة، وإن كانت معمّدة بالدم.
يعتمد السُّنة في إنجاح مشروعهم على سيطرتهم على مجريي دجلة والفرات، وقد جرّبوا هذا ونجحوا، إذ بإمكانهم تعطيش الجزء الجنوبي من العراق وإماتته، وهنا يأتي دور تبادل الثروات المائية والنفطية، وربما يمكن الحصول على حصة الأسد من نفط الجنوب.بالإضافة إلى سيطرتهم على المنافذ البرية للعراق من جهتهم في أقل تقدير ولاسيما في اتجاه سوريا حيث تتهم الحكومة (الصفوية) في العراق بتوفير الدعم اللوجستي لنظام الأسد، وبقطع طرق الإمداد عنه، يمكن حينئذ تفكيك الدولة (العلوية النصيرية) ومن ثَمّ يتحقق الحلم الذي كلما اقترب تحقيقه أصبح نائياً، وهذا واحد من الأهداف القصوى للسعودية وقطر اللتين تسعيان إلى إجهاض مشروع ديمقراطي ناهض على حدودهما الشمالية، ترأسه حكومة شيعية، تحتكم على ثروة نفطيّة هائلة، وهنا تكون المشكلة مركّبة؛ طائفية واقتصادية وسياسية، وأن تشكيل الإقليم السُّني يضمن لهما تعطيل هذا المشروع، والحصول ليس على موطئ قدم فحسب، بل على يد طويلة يمكن استخدامها في أي وقت.
من المعلوم أن تركيا تعارض قيام دولة كردية في أيّ من دول الجوار، وذلك للوضع الكردي في أراضيها حيث خمسة عشر مليون كردي ليس أمراً هيناً، ولكن المعطيات الجيوبوليتية قد تغيّرت تماماً، فحصول الكرد في العراق على إقليم مستقل وهو القائم الآن بالفعل، أو الحصول على دولة مستقلة ولو بالقوة لا يشكّل خطراً على الأمن القومي التركي، لأن إقليم كردستان العراق أو دولته المستقلة تظلّ تحت السيطرة، خاصة في ظلّ الاتفاقية الاقتصادية بينهما، والتي تمتد لنصف قرن على ما أظن تقوم تركيا بموجبها بتصدير نفط الإقليم، وما يجعل إقليم كردستان أو دولته المستقلة تحت السيطرة أيضاً، هو قيام إقليم سُني، يشكّل ورقة ضغط قاتلة حيث من اليسير بمكان غلق المنافذ على كرد العراق، إذ لإيران دورها أيضاً حيث الاتفاقات الإستراتيجية بينها وبين تركيا، وقد شهدت العقود الماضية كيف يلعب الإيرانيون بالورقة الكردية الرابحة.
لقد أظهر الإيرانيون منذ 2003 للآن براعة في إدارة الملف العراقي، حيث قدرتهم الفائقة على التحكم بالقيادات الشيعية وإن بدت هذه القيادات مختلفة أو متناحرة فيما بينها، فكانت ومازالت الحكومة الإيرانية تمثّل مرجعيّات للفصائل الشيعية، وسواء تدخّلوا أو لم يتدخّلوا في القضايا الكبرى والصغرى على حدّ سواء فإنّهم يعلنون عن وجودهم فيها، من دون خوف أو وجل، وأظنّها سياسة من نوع خاص لا يمكن معرفتها إلا بقراءة التاريخ السايكولوجي للشخصية الإيرانية أو الفارسية. فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدير الملفات العراقيّة عن قرب، فإن إيران ترتّبها في كثب، من دون أن تكترث بصيحات السُّنة العرب ولا أقول العرب السنة الذين أوصلتهم إلى حدّ الهستيريا، حتى بات أيّ شيعي في نظرهم صفويّاً، وبذلك خسر العرب عمقهم العربي في العراق، فيما ربحته إيران.
نجحت إيران بثبيت نظام الأسد في سوريا عبر سياسة هادئة وإن بدت صاخبة في بعض المظان، فقد تمكّنت من مصافحة الأتراك وعرقلة توجهاتهم المحمومة لإسقاط نظام الأسد؛ وذلك من خلال تفعيل ملفات اقتصاديّة ظلّت حكومة السيد أردوغان بحاجة ماسة إليها، ولعلّ عمليّة التبادل التجاري بين البلدين هي التي مكّنت حكومة أنقرة من الوقوف في وجه الصعاب التي واجهتها، وربما هذا ما جعل الحكومة التركيّة تصرح مؤخّراً بأنّها أجهضت دخول أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي إلى سوريا، بالإضافة إلى عدم إعاقة عملية التبادل التجاري بين بغداد وأنقرة، وأن مثل هذا التقارب يشي بتفاهمات إستراتيجيّة تخص المنطقة برمتها. من هنا أن مشروع الأقاليم في العراق سواء أكان فدراليّاً أم كونفدراليّاً يعود بالنفع على كلّ دول الجوار، بما فيها تلك التي تبدو أنّها تقف على الحياد، وما هي في الحياد، فكلُّ خضخضة في أرض العراق تفيد.
بقي أن نعي ما هو الأهم بالنسبة لإيران في حالة إنجاز الإقليم الشيعي الذي سيضحى فيه سكان الجنوب العراقي في حالة اختناق حيث يضرب شركاء الوطن ودول الجوار طوقاً عليهم، فتظلّ إيران هي المنفذ الوحيد، وبذلك إذا كانت تمسك إيران بخيوط اللعبة من بعيد، فإنّها الآن تكتفي بفتح ذراعيها، لأشقاء تجمعهم روابط روحيّة ولو في لذة الوهم، بعد أن دار شقيق الدم ظهره لهم، إقليم ينعم بثروات طبيعيّة وبشريّة بالإضافة إلى المراقد المقدسة لا يمكن إلا أن يكون هبة ربانيّة منحها أبناء الوطن للآخر، خاصة وأن مشكلة المياه يمكن معالجتها آناً أو مستقبلاً. ولكن أين القضيّة السوريّة بالنسبة لإيران بعد كلّ هذه المتغيّرات الجيوبوليتيّة؟ لا أظن الأمر مستعصياً على إيران ذات الأذرع الطويلة والقويّة حتى لو تطلّب الأمر صناعةَ جغرافيةٍ جديدة لسوريا يسهم بها كلّ (الأفرقاء) السعودية قطر تركيا إيران... وربّ معترضٍ يعترض على كيفية التوافق بين هذه البلدان وهي التي تتصارع طائفيّاً وإثنيّاً؟ أقول له تمهّل، فإيران بعد الثورة ليست إيران في زمن الشاه، وإيران الآن ليست قبل بضع سنوات، ثم علينا أن لا ننسى تشابك الأكف بين عاهل السعودية الملك عبد الله والرئيس الإيراني السيد أحمدي نجاد في الدوحة ديسمبر 2007 فكانت مصافحة عاشقة بين زعيمين إسلاميين، فلا تعجب!
أظهرت هذه القراءة المستفيد مما حصل في العراق عبر الحملة التدميريّة التي يقودها داعش، والتي لا شك تحالف معه قوى شر أخرى كبقايا البعثيين الذين عرفوا أيضاً باستمرائهم لسفك الدماء واستباحة الحرمات باسم العروبة تارة وباسم الدين تارة أخرى، مدعومة بوسائل إعلام عربيّة منحتها صفة ثورة العشائر، وقد يصدق هذا الزعم نتيجة لوجود الحواضن للأسباب التي أسهبت في تفاصيلها، لكن ينبغي لي أن أطرح سؤالاً هنا حيث يحق لي طرح الأسئلة وأن لا أكتفي بالإجابة؛ مَن الخاسر في هذا المنعطف التاريخي الخطير؟ يقيناً الشعب العراقي هو الخاسر الأكبر، يخسر بعده الحضاري، وتاريخه الإنساني، وثرواته الطبيعيّة والبشريّة، يخسر تجربته الديمقراطيّة وإن بدأت معطوبة أو مشلولة، يخسر أرضه التي لم تُسق أرض مثلها بدماء أبنائها، يخسر هويته، الخاسر الوحيد وليس الأكبر فقط هو الشعب العراقي بكلّ أطيافه، فالكيانات أو الأقاليم التي تُشكّل ستُنصب قواعدها على فوّهة بركان، وحتى الأشقاء الكرد لا يتوهموا بأنّهم في منجى، فهم بين فكوك وحوش ضارية تحيط بهم، علاوة على حقول الألغام داخل الإقليم نفسه حيث الخلاف التاريخي بين السيد البارزاني والسيد الطالباني، والآن أضيفت المعارضة الإسلاميّة، وما أسهل إشعال فتيل النزاع، ليس في الإقليم الكردي وحده، بل في الأقاليم الأخرى أيضاً، حيث أسباب الاقتتال داخل الأقاليم مجهزة، ناهيك عن الصراع الذي سيظلّ أبديّاً بين الأقاليم ذاتها، وأسبابها أكثر من أن أشير إليها هنا والآن. والسؤال الذي يفرض نفسه مرة أخرى هل من مناص؟ هي قراءة أيضاً وليست أمنية أو عرضاً لوثائق تاريخيّة، إذ ترى هذه القراءة إمكانيّة تقويض هذا المشروع كما فعل أهل البصرة من قبل، فقوّضوا المشروع الشيعي برمته على الرغم من أنّه جاء سلميّاً ومستنداً إلى الدستور، فالكرة اليوم في ملعب أهل السُّنة، إذ هم مطالبون بالبرهنة على انتمائهم للعراق كلّه، لا لجزء منه وإن كان مشروعاً يستند إلى الدستور، لكنّه جاء ليطبّق بلغة الدم، فمن بين السُّنة من هم أكْفَاء لرفع لواء هذه المسؤولية، فإذا كانوا بالأمس قد طردوا القاعدة من أراضيهم، فعليهم اليوم أن يطردوا داعش ومن انضم إليه قبل أن يحقق لهم مشروع الانفصال، وعلى الشيعة والسُّنة والكرد أيضاً أن يثبتوا للعالم أنّهم أحرار، وأن يجلسوا سوياً لصياغة نظام حكم ديمقراطي حقيقي لا مجال فيه للدكتاتوريّة، ولا للفساد، ولا للإقصاء، هذه قراءة أيضاً أضعها في سياق تحليل الواقع المعيش، على الرغم من أنّها تبدو كلاماً على ورق، وبسمارك يقول: (المدفع يمزّق الورق)!
____________________

انتظرونا والأديب، الناقد، الليبرالي محمد عبدالرضا شياع عند ناصية السؤال " في العشر سنوات الأخيرة، انقسم الشعب العراقي إلى طبقتين ، الأولى طبقة الرأسمالين المتمثلة بكل من له منفعة مع رجالات السلطة ، والثانية طبقة المدقعين فقراء تحت خط كسرة الخبز ..
2.أ - أ هناك من سبل ناجعة لنشر الوعي - البوليتاري - في صفوف طبقة المدقعين ، ليتمكنوا من انهاض القدرة التنافسية لإسقاط سيطرة نفوذ الرأسمالين الجدد في كل مفاصل الوطن ؟ الحلقة الثانية



#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)       Fatima_Alfalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صهوة الكلم
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- وجع الأمنيات
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف ...
- عباءة الحُلم
- - سلافة مداد - حوار مع الشاعرة - بارقة أبو الشون - في -بؤرة ...
- - سلافة مداد - حوار مع الشاعرة - بارقة أبو الشون - في -بؤرة ...
- دهشة الشروع إليك
- ذاكرة الغواية
- - سلافة مداد - حوار مع الشاعرة - بارقة أبو الشون - في -بؤرة ...
- قراءة في رواية الدومينو - للروائي سعد سعيد
- - سلافة مداد - حوار مع الشاعرة - بارقة أبو الشون - في -بؤرة ...
- - سلافة مداد - حوار مع الشاعرة - بارقة أبو الشون - في -بؤرة ...
- - سلافة مداد - حوار مع الشاعرة - بارقة أبو الشون - في -بؤرة ...


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - حوار مع الدكتور الناقد الليبرالي محمد عبد الرضا شياع في- القيم الفاعلة والإرتكاسية -، من -بؤرة ضوء-