|
من هو المثقّف ؟
أمّ الزين بنشيخة المسكيني
الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 15:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من هو المثقّف ؟ الثورة الثقافية ..كيف نبدؤها ؟ عنوان يلحّ بعض المثقّفين اليوم على ارتياده حالمين بانجاز ثورة ثقافية في حجم الثورة السياسية أو تعبّر عنها أو تصحّح مسارها أو تستعيدها من حوانيت الأحزاب و تكنوقراط الحكومات التي تداولت عليها .لكن هكذا عنوان هو رهان مقلق و متوتّر توتّر مفهوم الثورة نفسها لدى المثقّفين أنفسهم الذين صار بعضهم لا يستحي أن يشكّك فيها تحت رايات شتّى دونما خجل من أحلام من ماتوا دون أحلامهم و من أصوات من قُتلوا غدرا تحت جدار الوطن . سُئل الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشال فوكو في مقالة تحمل عنوان المهمّة السياسية للمثقّف (1984 بتاريخ )" هل بوسع المثقّف اليساري أن يفعل شيئا بوصفه فاعلا و بوصفه الوحيد القادر على الفعل داخل حراك اجتماعي " فأجاب :" انّ تدخّل المثقّف بوصفه معلّما أو صاحب رأي ازاء اختيارات سياسية ،هذا الدور ،أعترف بأنّي لا أتبنّاه ، انّه لا يلائمني ..انّي أعتقد أنّ الناس ناضجين بما يكفي كي يقرّروا من ينتخبون .." بهذا الكلام يوقّع فوكو نهاية المثقّف الذي بشّر به القرن الثامن عشر ذاك الذي ينوّر الناس و يرشدهم الى طرق التحرّر ..ذاك الذي يجعلهم قادرين على استعمال عقولهم بأنفسهم استعمالا عموميا مثلما بشّرت بذلك مقالة " ما هو التنوير؟"لكانط (بتاريخ 1784) .و قد استأنفت مقولة المثقّف العضوي لغرامشي، التي صارت أقنوما في الاستعمال المعاصر لها ، و ان على نحو مختلف تماما مقولة المثقّف الكوني المطالب حسب عبارات فوكو "بالاقتراب من الجماهير و العمل وسط المواقع الدقيقة للحركات الاجتماعية ".هكذا صار علينا أن نميّز اذن بين مقولتين للمثقّف الأولى انتهت باندلاع الحرب العالمية الثانية .أمّا المقولة الثانية فبدأت بعدها: المثقّف الكوني الذي كان يدّعي استعمالا حرّا لعقله من أجل نشر الوعي بين الناس، و هو تصوّر بريء أكثر من اللازم أي هو تصوّر أقلّ من حجم ما وقع في ضمير الانسانية من فظاعات القرن العشرين . و المثقّف الخصوصي أي المثقّف في المعنى السياسي و ليس في المعنى الحِرفي .انّه المثقّف الذي يستعمل معارفه و خبراته في النضال السياسي . و ذلك يعني أنّ ما يحدث للشعوب اليوم يحتاج الى "مناضلين محلّيين حول حقوق دقيقة ". يقول فوكو "انّ المشكلة السياسية الأساسية للمثقّف ليست نقد المضامين الايديولوجية ..انّما معرفة ما اذا كان بالامكان بناء سياسة جديدة للحقيقة .انّ المسألة لا تتعلّق بتغيير "وعي " الناس،أو ما يدور بأدمغتهم ،انّما تتعلّق بالنظام السياسي و الاقتصادي و المؤسّساتي لانتاج الحقيقة ". كيف بوسع المثقّف بناء سياسة جديدة للحقيقة مغايرة لسياسة السلطة التي تحاصر الحقيقة من كل صوب ؟ أمام المثقّف اذن خياران لا ثالث لهما :امّا ملتزم بما يحدث من سياسات للعقل في بلاده وامّا فهو مثقّف مزيّف ،كلب حراسة لحكومات كرتونية أو أجير لدى أجندات مافيوزية .و هو في كل الحالات أسير سياسة ما للحقيقة هو مطالب بأن يساهم في رسمها بشكل يناسب فكرة الثورة .ادوارد سعيد قال ذات مرّة :" انّ السياسة في كل مكان و لا يمكن للمثقّف أن يفلت منها ". و ذلك يعني أنّ مقولة المثقّف المحايد لا معنى لها لأنّ " نظرية ما هي مثل علبة مفاتيح ..ينبغي أن تصلح لشيء ما " (دولوز ) و الاّ فلا فائدة منها . يقول بروست :" تعاملوا مع كتابي مثلما تتعاملوا مع نظّارات لو لم تكن ملائمة لكم اتّخذوا لأنفسكم نظّارات أخرى ". ليس المثقّف اذن صانع توافقات أو وسيطا عقّاريا بين أحزاب و ايديولوجيات انّما هو صوت المظلومين و الصامتين و المهمّشين .فوكو يذهب الى أنّ مفهوم المثقّف نفسه صار مفهوما عائما و غامضا و أكثر من ذلك ليس ثمّة مثقّف ،ثمّة دوما خبراء و كتّاب و أكاديميين ..بل انّ ما بقي في ضمائر الناس من مفهوم المثقّف هو فقط جملة من الأحكام المسبقة حوله ..أحكام يلخّصها فوكو في عبارة واحدة"أنّ المثقّف هو المذنب"، أي هو مذنب حين يصمت و مذنب حين يتكلّم و مذنب حين يكتب و مذنب حين يستقيل .. كيف يحرّر المثقّف صورته من هذه الذنوب التي يلصقها أبناء شعبه به ؟كيف له أن يساهم في سياسة ثقافية في حجم انتظارات الثوريين و المناضلين و الحالمين بمستقبل مغاير ؟ هل ثمّة مثقّف في حجم الثورة ..أي قادر على الانخراط في هذا المسار الثوري الذي استشهد من أجله الكثير من شباب البلاد العربية ؟ أسئلة لا يمكن الاجابة عنها الاّ عبر خطّة ثقافية واضحة تتّخذ من الثقافة أسلوبا نضاليا لا ترفا فكريا نخبويا .المثقّف ليس دبلوما جامعيا أو ترقية حكومية بل هو مختبر حقيقي و وعد بابداع أشكال أخرى من الحياة .هكذا يعبّر فوكو عن مهمّة المثقّف قائلا : "انّها النضال ضدّ مسلّماته ..لا من أجل أن يبدو المثقّف غريبا في بلاده .و لكن من أجل أن ندرك كم بلادنا غريبة عنّا و كم أنّ ما يحيط بنا و يبدو كأنّما هو مشهد مقبول هو في الحقيقة نتاج سلسلة من المعارك و النضالات و أشكال الهيمنة و المسلّمات الثقيلة ". كيف نسائل مسلّماتنا الثقيلة و هل ينبغي على المثقّف أن يتحمّل ثقل التاريخ الذي سقط فيه صدفة ؟ من أجل ألاّ تبقى بلادنا غريبة عنّا يلزمنا أن نتقن الانتماء الجيّد الى مشاكل الثقافة المهزوزة التي نوقّع تحت رايتها نمط وجودنا نفسه .
#أمّ_الزين_بنشيخة_المسكيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرائق في عالم بلا آلهة ...
-
يكتظّ دمي ..
المزيد.....
-
كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س
...
-
إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني
...
-
حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم
...
-
الحوثيون يحذرون الدول من مساندة إسرائيل في غاراتها على اليمن
...
-
الثاني في أسبوع.. زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزر فانواتو
-
في ظل تهديد -وباء رباعي-.. المصادر الغذائية الرئيسية لفيتامي
...
-
مباشر - سوريا: تركيا ستفعل -كل ما يلزم- إذا فشلت الحكومة الج
...
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 13 شهيدا جراء قصف إسرائيلي متواصل على
...
-
الحوثيون يكشفون خسائر الغارات الإسرائيلية على موانئ الحديدة
...
-
قوة متحالفة مع جيش السودان تسيطر على قاعدة -الزُرق- بدارفور
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|