|
عن الدولة الاسلامية في المدينة (1ه - 29 ه) واشكالات الفكر الاسلامي المعاصر
هيثم عايد ابو صعيليك
الحوار المتمدن-العدد: 4491 - 2014 / 6 / 23 - 16:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعد النظرة التجربة الاسلامية في الحكم السؤال الاكثر الحاحا في واقعنا العربي اليساري المعاصر، والاشكالية التي هددت وجوده ان لجهة التمييع الفكري او الرفض الشعبي، فما هي دولة النبي محمد، وهل كانت تجربة ناجحة؟ وما النظرة الاصح للتراث العربي الاول، كلها اسئلة شغلت اليسار العربي ردحا من الزمن ولا تزال.
قبل البدء بمناقشة موضوع المقال، يجب التأكيد على جزئيتين، اولا تناول المقال للتجربة الاسلامية حتى منتصف خلافة عثمان بن عفان في الحكم بطابعها البشري، بعيدا عن كل صفات اللاهوت التي الحقت بها، فنحن هنا نريد قراءة تجربة في الحكم كمتابعين للسياسة لا كرجال دين، ثم الملاحظة الاخرى ان اي تجربة تاريخية يجب ان تخضع لعامل الزمان والمكان، فهل عامل الزمان والمكان في القرن الواحد والعشرين يسمح بنجاح تجربة حدثت ضمن شروط محدده في القرن السادس الميلادي؟ هذا ما نسعى لاستخلاصه.
الدولة المحمدية (من محمد الى عثمان( النصف الاول لحكمه)) في نطاقها الزمني كانت ثورة على مجتمع العبودية، مجتمع السادة والعبيد، وشكلت حركة ثورية بالنسبة لزمنها، ورغم الافشال والقصور الذي واجهته التجربة في مراحل لاحقة ابتدأت منذ وفاة محمد، الا ادت الى نقلة نوعية في حياة قبائل الصحراء وصولا الى توحيدها ومن ثم احتكاكها بالثقافات الاخرى، وبناء الدولة، والآن في ظل الدعوات لاعادة احيائها، فان الداعين يغفلون حقيقة تاريخية جوهرية، وهو ان مجتمع العبودية انتهى وبعده مجتمع الاقطاع انتهى، والآن يعيش العالم ( او اجزاء منه) في مجتمع الانتاج الصناعي الضخم..
قد يكون الرد على هذا الطرح بان الدولة المحمدية هي افكار ومبادئ ( اي انها عابرة للنطاق الزمني) كالعدالة والخير والمساواة، وهذه قيم نحترمها في تلك التجربة، لكن عند التمحيص نجد ان سبب نجاح التجربة في دولة المدينة هو ليس مبادؤها، لان القيم المطلقة كالخير والمساواة والعدل، هي قيم فلسفية تشترك بها جميع الافكار التي سادت المجتمع البشري، وعليه فان ما يميز التجربة البشرية في الحكم هو ادوات تطبيقها، والسؤال المنطقي، ما هي الادوات الامثل التي يمكن بها تطبيق هذه القيم الفلسفية في مجتمعنا الراهن؟ وهل هي ذاتها التي استخدمت في المدينة؟ وهل يمكن اعتبار اي تجربة تستند الى الاطار العام ( الاسلام كمنظومة قيمية) هل يمكن اعتبار اي تجربة بادوات معاصرة هي امتداد لتلك التجربة؟! هذا هو جوهر القضية..
لنبدأ من آخر الاسئلة، استندت جميع الدول في اوروبا العصور الوسطى الى المرجعية الدينية - باستثناء انجلترا- فهل يمكن اعتبار جميع الدول والحضارات الاوروبية حضارة واحدة متكاملة؟! ماذا عن الصراعات التناحرية بين شعوب اوروبا ومذاهبها في تلك الفترة؟! والسؤال الاهم هل يمكن تصنيف الدولة الرومانية المسيحية بعد قسطنطين في نفس خانة الدول الاوروبية في القرن الخامس عشر مثلا؟! هذه المعطيات التاريخية تظهر انتماء الرقعة الجغرافية الواحدة لأكثر من حضارة باختلاف الزمن، فكيف يمكن تصنيف رقعتين جغرافيتين مختلفتين، وفي زمانين مختلفين في مجتمعين مختلفين امتدادا لحضارة واحدة!
مشكلة الفكر الاسلامي المعاصر هو قصور ادواته، فمنظومة الافكار البشرية، التي ظهرت مع ظهور الدولة الحديثة كانت عبارة عن (قيم فلسفية، الخير والعدالة وو) تنبثق منها (منظومة فكرية لتحليل الواقع) تمتلك (ادواتها الخاصة-القوانين) والتي لا تخرج عن اطار المنظومة الفكرية، لنأخذ مثالا لشرح ما اقول: الرأسمالية تقوم على مجموعة من القيم الفلسفية، هي تقديس الفرد حتى لو على حساب المجتمع، وتكافؤ الفرص، هذه القيم صاغت منظومة فكرية تحت مسمى اقتصاد السوق الحر بكل جوانبه، واقتصاد السوق الحر استند الى ادوات مثل قانون فوضى الانتاج، والتنافس الحر وفائض القيمة، ولا يمكن فصل اي من الاطر الثلاث عن بعضها.
عند تشخيص الحالة الاسلامية المعاصرة، نجد قيم فلسفية في الفكر الاسلامي المعاصر، امتازت بغياب الهوية الواضحة، كتوازن الحق العام مع الحق الخاص ( وهذا التوازن خاضع للاهواء وظروف الحكم) حق الامة وحق الحاكم، وغياب الحدود العامة التي توضح ماهية كل من الحقين والحدود بينهما، اما مجموعة النظم الفكرية فهي مجتزئه وخاضعة لاجتهادات الفقهاء وتصوراتهم لمجتمع ما قبل الثورة الصناعية، وليس ادل من ذلك غياب الرؤية الواضحة حول حق ملكية الارض في الدولة، من كون الارض ملك للدولة (خيبر) الى الملك الشخصي مقابل بدل ( اراضي فارس) الى الاقطاع ثم الاقطاع العسكري، ولا تمتلك اي ادوات تنظيم انتاج خاصة، كون كل هذه التعقيدات الاقتصادية ظهرت في مجتمع ما بعد الدولة المحمدية، اي مرحلة نضوج الامبراطورية-الدولة، ومن ثم فقد نحا المفكرون الاسلاميون المعاصرون الى احد اتجاهين لحل هذه الاشكاليات:
- الاعتماد على ذات الادوات والقيم التي سادت الدولة المحمدية، واصطلح على اطلاق مسمى السلفية على هؤلاء المفكرين، وهؤلاء المفكرون افترضوا الدولة المحمدية كقالب اجتماعي انساني يجب على الوجود البشري ان يتكيف للتلاؤم معه، واعتبار اي شذوذ على هذا النموذج نوعا من انواع التغريب الثقافي والردة المجتمعية، ولعل سيد قطب عبر صراحة عن هذه الافكار عندما طرح مفهوم جاهلية المجتمع، والسؤال الموجه الى هؤلاء، كيف يمكن تنظيم الوجود البشري في مجتمع معقد بذات الادوات التي استخدمت في مجتمع بسيط، ذو علاقات انتاجية بسيطة؟!
- على النقيض من ذلك ظهر منذ بدايات القرن التاسع عشر "المجددون-الاصلاحيون"، ايا ما تكن التسمية الملائمة لهم، وهم من دعوا الى استيراد ادوات الافكار الاخرى ودمجها في اطار الفكر الاسلامي، لكن المشكلة ان اجتزاء المنظومة الفكرية مدمر اكثر من عدم وجوده اساسا، اذ لا يمكن استيراد اداة دون استيراد الفلسفة التي تستند اليها هذه الاداة، ولا يمكن اجتزاء النظم التي تكمل بعضها البعض، الاصلاحيون على خلاف السلفيين دعوا الى الدمج الفكري، ولكن هذا الدمج ما هو الا تمييع للفكر الاسلامي المعاصر، اي اننا لم نخرج من اطار المشكلة الاساسية لهذا الفكر، غياب هويته، وبالتالي غيابه، وصرنا نسمع عن اشتراكية الاسلام، وراسمالية الاسلام، وهذان المفهومان عمليا ما هما الا محاولة "لتحليل (من مصطلح الحلال =نقيض الحرام) الاشتراكية والرأسمالية دينيا" فاين المشروع الاسلامي الخاص في هذه الطروحات؟!
ختاما، نعرج على واقعنا ولو بعجالة، هل يستغرب احد في ضوء ما ذكر اعلاه الفشل الهائل في تجربة الاخوان المسلمين في مصر؟! (واصر على انه فشل وليس افشال) الاخوان عمليا لم يمتلكوا ادوات مشروعهم، وارادوا ارتجال ادواتهم بعد وصولهم للحكم، والحالة المصرية العامة، لا تقبل حاليا التجريب والفشل.
#هيثم_عايد_ابو_صعيليك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع في الخليج ؛ قطر الإمارة، وأحلام التوسع الإمبراطوري ( ال
...
-
صراع في الخليج؛ قطر الإمارة، واحلام التوسع الامبراطوري
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|