|
وطنيون لأننا نريد التحول الديمقراطي والاجتماعي
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن-العدد: 4491 - 2014 / 6 / 23 - 16:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
كاتب هذه السطور آخر واحد يمكن أن يقتنع بنظرية الصراع بين الأجيال.. ويمكن الرجوع في هذا إلى مقالاتي في الحوار المتمدن على الأقل.
وفي يقيني أن جهات مشبوهة (ولن أخشى هنا أن يتهمني أحد بالاقتراب من منظور المؤامرة) كانت وراء دعم هذه الرؤية حتى تحدث انقسامات داخل صفوف اليسار العالمي منذ الستينيات، وعلى من لا يقتنع بكلامي أن يراجع كتاب "من يدفع للزمار"..
فإلى جانب اهتمام الأجهزة الأيديولوجية للرأسمالية العالمية بتشويه التجارب والأحزاب الاشتراكية والراديكالية في مختلف أنحاء العالم (وبالطبع كان فيها الكثير جدًا من المثالب والأخطاء التي تغري بالاستخدام) اهتمت هذه الأجهزة بتعميق الانقسامات في هذه الأحزاب والحركات على أسس غير طبقية.. فكانت نظريات الصراع بين الأجيال، وبين الرجل والمرأة، وبين السياسي والناشط المدني، وبين المناضل اليساري والمدافع عن قضية جزئية (البيئة، السلام، الحقوق...)، غير أن أخطر هذه النظريات تلك التي روجت للصراع بين الأجيال..
بالطبع استفاد أصحاب هذه النظرية من جمود القيادات القديمة وتشبثها بالسلطة الحزبية (ظل خالد بكداش قابعًا على رأس الحزب الشيوعي السوري من الثلاثينيات للتسعينيات) وما نتج عن هذا من غياب الآليات الديمقراطية الحزبية التي تتيح للأحزاب تجديد دماءها بيولوجيًا وبالخبرات الجديدة للعصر..
كما كانت الإخفاقات المتتالية للقوى الثورية، تحت ضغط المواجهة وبفعل الأخطاء وأوجه القصور البنيوية والذاتية، كانت هذه الإخفاقات بمثابة دعوة للشباب في كل حقبة لأن يتوصل لقناعة ألا سبيل للتخلص من العيوب والأخطاء سوى بالانفضاض عن الكيانات والتبرؤ ممن يتولون "السلطة" فيها..
لكن هذا كله لا يمنعني من التأكيد على أن لكل مرحلة زمنية مواجهاتها ومن ثم خبراتها المختلفة.. وإذا كان لي أن أتحدث عن أهم سمة لخبرة الشباب الجديد الذي دخل إلى صفوف اليسار المصري في النصف الثاني من الستينيات بمصر.. فلا شك أنها كانت الانطلاق من القضية الوطنية والعداء المطلق للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية..
جاء هؤلاء الشباب إلى صفوف اليسار من روافد متعددة:
الرافد الأول: أولئك الطلاب والعمال وشباب المثقفين الذين تدربوا داخل منظمة الشباب الاشتراكي، وتلقوا أسسًا في التفكير العلمي والتاريخ والاقتصاد والثقافة (من منظور "يسار الناصرية").. لكن نكسة 1967 كانت كفيلة بأن تطورهم إلى آفاق أكثر راديكالية من الوطنية البرجوازية..
الرافد الثاني: أولئك الذين اجتذبتهم شعارات الحركة الطلابية بالجامعات، وثاروا ضد أحكام الطيران المخففة، وضد الطابع البوليسي والبيروقراطي والاستبدادي وغير الجذري للدولة الناصرية.. فنادوا بالإعداد للحرب الشعبية واعتماد اقتصاد حرب حقيقي وانفتاح ديمقراطي على الجماهير الشعبية والقوى الديمقراطية الثورية.. وكان من الطبيعي أن تتطور رؤيتهم للقضية الوطنية إلى منظورات أكثر شمولاً ومختلفة نوعيًا للتغيير الثوري المطلوب في المجتمع..
الرافد الثالث: الشباب الذين تربوا على أيدي حلقات سرية يسارية (وبعضها ذو طابع ثقافي) واعتنقوا الفكر الماركسي "مباشرة" دون المرور بالناصرية..
أكرر القول أن السمة الجامعة بين الروافد الثلاثة كانت اللحظة التاريخية الضاغطة ممثلة في الهجوم الاستعماري الصهيوني، والذي كان بداية (من منطقتنا) لما أطلق عليه وقتها مرحلة "الانكسار" في العالم الثالث كله.. بل والذي كانت له آثاره المدمرة بعد ذاك على ما كانت تسمى "المنظومة الاشتراكية" نفسها، وعلى حركة الأحزاب والحركات التقدمية في البلدان الرأسمالية..
ومن نتائج تلك اللحظة الضاغطة ذلك العداء الجذري- كما أسلفت- للولايات المتحدة باعتبارها العدو الأكبر للجنس البشري كما قال جيفارا..
بالطبع كانت البرجوازية الحاكمة تحاول الاستفادة من هذه اللحظة ذاتها للتذرع بالاحتلال والإعداد للحرب كي تتهرب من ضغوط المطالبة بإجراءات ديمقراطية واجتماعية جذرية.. وهو ما لم يكن بإمكان القوى الثورية أيضًا أن تتجاهله..
وتظل السمة ذاتها باقية بدرجات متفاوتة عند البعض.. وأذكر أن أحد اليساريين القدامي من أهم عرّابي التمويل الأجنبي (والذي فتح الأبواب بعد ذلك لتمويل العديد من الشباب اليساري الزاعق في ثوريته سابقًا).. ظل لفترة يحاول- برفق- إقناعي شخصيًا بفكرته القائلة بأن "عيبنا- كشباب يساري جديد- هو أننا نغلب التناقض الوطني على التناقض الطبقي، وأننا نركز بشكل مفرط على التناقض الخارجي، وأن هذا يفقد الحركة الكثير من الإمكانات بسبب ضيق أفقنا"...الخ
بالطبع لم أكن أنكر بعض الشطط في معالجات بعضنا للموضوع.. ولكنني كنت أؤكد دومًا على أن التناقض الوطني تناقض طبقي بالأساس، وأنه في عصر التبعية والاستعمار الجديد أصبحت الشرائح الرأسمالية الكبيرة- في غالبها- جزءًا لا يتجزأ طبقيًا وسياسيً من المنظومة الرأسمالية العالمية.. كما أنه لا يمكن إنكار الطبيعة الخاصة لإسرائيل كمخفر أمامي للإمبريالية العالمية، وكاستعمار استيطاني إحلالي، وكخطر مباشر على حدود ووجود الدولة المصرية..
وإلى جانب انتفاضة 1977(ببعدها الاجتماعي) وتمرد الأمن المركزي عام 1986 (وله مغزاه الإنساني) ثم الاحتجاج الفلاحي على قانون الإيجارات الزراعية.. كانت الاحتجاجات الواسعة على اعتقال واغتيال الجندي سليمان خاطر وكذلك الاحتجاجات على حرب "تحرير الكويت" (وهي مسائل وطنية بجلاء).. كما جاءت تطورات الألفية الجديدة في مصر بحقيقة دامغة تؤكد صحة ما قلت.. فكانت الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة دعمًا للانتفاضة الفلسطينية، ثم احتجاجًا على غزو العراق 2003، وعلى غزو وتدمير لبنان عام 2006...
كانت الاحتجاجات الجماهيرية المتتالية (ببواعثها المختلفة الوطنية والاجتماعية والسياسية والثقافية) بمثابة ورش عمل وميادين لقاء واحتشاد للقوى للثورية، ومن ثم اجتذبت أعدادًا هائلة جديدة من مخزون الشباب الوطني الثائر.. فكانت حركة كفاية ثم الجمعية الوطنية للتغيير في وقت لاحق..
من المؤكد أن أعداءنا الطبقيين (في الخارج قبل الداخل) لم يقنعوا بالفرجة على هذه التطورات التي أكدت لهم أن اتجار نظام السادات بـ "الديمقراطية والسلام والرخاء"، ثم تلميع مبارك (ونظرية "مؤسسة الرئاسة" التي رافقت صعوده للعرش) لم يحولا دون اختمار ثوري لقوى "قديمة وجديدة" هائلة..
فكانت عمليات حثيثة منذ التسعينيات لثلم الثورية واستيعاب بعض من الثوار.. وبالطبع كانت الاستفادة الكبرى من انهيار المعسكر الشرقي للتأكيد على الانتصار النهائي للرأسمالية "تحت راية الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية"..
ومن المؤسف تاريخيًا أن كوادر السبعينيات تقاذفتهم الأهوال الأيديولوجية، وتكسر الكثير منهم على نصال الصراعات داخل حلقاتهم وبينها.. ووجد كثير حلولاً فردية في السفر إلى بلدان النفط والغرب أو الكتابة لصحف الخليج.. والبعض تم استيعابه في مؤسسات وزارة الثقافة.. الخ الحلول الفردية..
وكان التطور الخطير هو ذلك المنحى الذي اتخذه حزب التجمع بخفض أسقف معارضته، والتمترس إلى جانب النظام القائم بذرائع شتى أهمها خطر الإسلاميين..
ومن جانب آخر فإن التيارات "غير الستالينية" استثمرت الانهيار السوفيتي لتمزج بين الصراع الفكري والصراع مع الجيل الأقدم بكامله ودون تمييز، ومن ثم بدت كمن يدعو إلى البدء من "الصفر".. وما صاحب هذا من توجهات مدمرة بالاصطفاف مع الإخوان المسلمين.. وتعميق الانعزال عن المختلفين..
أما أخطر التطورات على الإطلاق فكان هذا الذي يجري على مستوى التوجه والتثقيف داخل "المجتمع المدني".. فكانت البداية اعتماد رؤية البنك الدولي باختزال عمدي لمفهوم المجتمع المدني في المنظمات الإغاثية والتنموية والحقوقية (مع تزايد التركيز النسبي على الأخيرة)..
وقد اصطدمت شخصيًا بهذه الرؤية في مناسبات عديدة حيث أكدت على أن المجتمع المدني نفسه ساحة للصراع الاجتماعي والسياسي والفكري، وأنه في ظل النظم الاستبدادية لا يمكن استبعاد النقابات وأحزاب المعارضة والإعلام المستقل من مفهوم المجتمع المدني..
كما كان من المزعج إحلال ما يسمى النضال المدني محل النضال الطبقي/ السياسي.. وكانت الآلية الأخطر في هذا هي آلية تجزئة القضايا، فكل جماعة مهتمة بقضية جزئية (المرأة- الختان- حقوق الإنسان- الإبداع- التمييز...) دون ربطها فكريًا أو نضاليًا بجهد سياسي واجتماعي شامل للتغيير المجتمعي..
ومع توالي التحركات الاحتجاجية الفئوية والنخبوية تدخل التمويل الأجنبي بالتعاون مع بعض المنظمات الأهلية للعبث داخل الائتلافات الشبابية وغيرها.. سواء بالتدريب أم بالإفساد..
كان الهدف، ولا يزال، هو تضييع شمولية النضال الوطني/ الاجتماعي/ الديمقراطي/ التنويري.. واصطناع الفرقة بين الأجنحة و"الأجيال" الثورية..
ويظل أخطر ما يزعجني هو أن تأخذ بعض المنظمات الأهلية والحركات (وحتى أحزاب وصحف) تمويلاً بصور مختلفة من جهات في الغرب لدعم برامج مختلفة.. بينما من العبث تصور أن تخوض نضالاً ديمقراطيًا (حتى في أبسط القضايا الجزئية) دون ربطه بسائر القضايا النضالية الأخرى.. وبالتعاون مع جهات بعضها (إن لم يكن جلها مشبوهًا)..
بعد هذا الاسترسال أعود إلى نقطة البدء.. وهو أننا تربينا وانصهرنا في بوتقة النضال الوطني، والعداء المطلق للإمبريالية الأمريكية وتوابعها في الغرب.. وهو عداء غير شوفيني (قومي متعصب) وإنما هو تناقض طبقي أصيل..
ولن ننتنازل أبدًا عن هذا.. إلا إذا تنازلنا عن هويتنا وماهيتنا وهدفنا..
#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تجعلوا انتخابات الرئاسة تفقد الثوار وحدتهم
-
صحافة آخر زمن
-
انتخاب رئيس أم الانتصار لمنهج ثوري؟
-
تثقيف خالٍ من الكهنوت والتسطيح
-
تداعيات الذاكرة على هامش سقوط بغداد
-
نداء شبه أخير
-
اضحك مع نزع الملكية الفكرية
-
الكاريزما من الانقلاب إلى الصندوق.. درس شافيز
-
عن شعبوية شافيز وغموض السيسي
-
من كتيبة المجهولين- اليساري بالسليقة
-
مستقبل مغامرة السيسي
-
لا تكرروا خطيئة التحالف مع الشاطر إخوان
-
فريق رائع
-
من غير لف ودوران
-
دليلك إلى القيادي الشرير
-
وحزب يساري جديد في مصر..
-
ثورة من جديد ؟!
-
وحدة اليسار المصري بين السراب والممكن
-
حديث طريف.. وكله عِبَر
-
مينا دانيال.. بطل من مصر
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|