|
العلمانية في الإسلام
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4488 - 2014 / 6 / 20 - 15:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بداية، ما هي ’العلمانية‘، وما هو ’الإسلام‘؟ في جوهرها، ’العلمانية‘ هي كل ما يأخذ من مفردات ’العالم‘ الزماني-المكاني الديناميكي دائم الحركة والتغير مرجعية نهائية لأقواله وأفعاله، أو لنظرته إلى وقائع العالم والحياة عموماً والغاية من وجوده ونشاطه فيهما. في المقابل الإسلام، كدين، هو ذلك البناء المفهومي والمؤسسي الذي يأخذ من الله كقوة مطلقة خارج حدود الزمان والمكان الديناميكية المتغيرة مرجعية نهائية لأقواله وأفعاله، أو لنظرته إلى العالم والحياة عموماً والغاية من وجوده ونشاطه فيهما.
السؤال إذن يكمن في موطن مرجعية أو إسنادية القول أو الفعل، بصرف النظر عن مضمونه وغايته. فحيث يكون المرجع والإسناد والمسوغ النهائي مردوداً إلى الله كقوة مطلقة خارج الزمان والمكان هنا يكون القول أو الفعل دينياً بامتياز، أو إسلامياً حسب تخصيص هذا المقال؛ وحيث يرد المرجع والإسناد والمسوغ النهائي لأي قول أو فعل إلى أي مفردة أو قوة أو سلطة واقعة داخل مجال الزمان والمكان الديناميكي المتغير هنا يكون القول أو الفعل علمانياً بامتياز، أي يتخذ مسنده ومرجعه ومسوغه النهائي في أي من عناصر عالم الوجود الإنساني والكوني الديناميكي المتغير.
المرجعية النهائية لأي قول أو فعل، بصرف النظر عن مضمونه وغايته، هي جزئياً ما يحدد ما إذا كان هذا القول أو الفعل يندرج ضمن الجنس العلماني أو الديني. قد تكون مضامين وغايات القول أو الفعل علمانية لأقصى حد تستهدف إشباع حاجات وتحقيق منافع دنيوية (علمانية) خالصة لكن القول أو الفعل نفسه يبقى رغم ذلك من جنس القول أو الفعل الديني، لا لشيء سوى لأن مرجعه ومسنده ومسوغه النهائي مردود إلى قوة مطلقة خارج الزمان والمكان- الله؛ في المقابل، قد تكون مضامين وغايات القول أو الفعل دينية لأقصى حد تستهدف إشباع حاجات وتحقيق منافع غيبية (دينية) خالصة لكن القول أو الفعل نفسه يبقى رغم ذلك من جنس القول أو الفعل العلماني، لا لشيء سوى لأن مرجعه ومسنده ومسوغه النهائي مردود إلى مفردة أو قوة أو سلطة واقعة داخل مجال الزمان والمكان.
وفق هذا التعريف الجزئي لأغراض هذا المقال لكل من العلمانية والإسلام، ما هو مركز العلمانية في الإسلام؟ قبل الإجابة يجب التطرق إلى سؤال آخر مقدم على الأول بحكم الضرورة المنطقية. إذا كانت الضرورة المنطقية تقتضي أن يكون لكل قول قائل ولكل فعل فاعل، إذن بحكم الضرورة المنطقية أيضاً لابد أن يكون لكل مرجعية- علمانية أو دينية- مرجع يتحدث باسمها وينسب أفعاله إليها كمسوغ أخير. لابد للمرجعية من مرجع يصونها ويذكيها وإلا أصبحت كالأرض المشاع بلا صاحب، نهيبة لكل من هب ودب إلى أن تستنفد قيمتها وتنتهي من الوجود. حتى يتحقق وجود المرجعية لابد من أن توجد أولاً شخصية أو مؤسسة تدعي لنفسها حق التحدث باسم هذه المرجعية النهائية، وتذكي وتسوغ ممارساتها هي نفسها تحت مظلة هذه المرجعية النهائية. فمن يكون المرجع الشخصية، أو المؤسسة، صاحب الاختصاص الحصري في تقرير ما إذا كان أي من الأقوال أو الأفعال ينتمي إلى الجنس الديني دون العلماني، أو العكس؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال الأخير بالقول إن كل قول أو فعل مردود في نهاية المطاف إلى مرجع من شخصية أو مؤسسة علمانية هو بالضرورة المنطقية علماني الجنس، وكل قول أو فعل مردود في نهاية المطاف إلى مرجع من شخصية أو مؤسسة دينية هو أيضاً بالضرورة المنطقية ديني الجنس. في جملة أخرى، بصرف النظر عن مضمون وغاية أي قول أو فعل من حيث العلمانية أو الإسلامية في الحقيقة ما يقطع نهائياً بعلمانية أو إسلامية أي قول أو فعل هي نفسها الشخصية أو المؤسسة القائلة بهذا القول أو الفاعلة لهذا الفعل. فإذا كانت الشخصية أو المؤسسة علمانية، إذن، بحكم الضرورة المنطقية، كل ما سيصدر عنها من أقوال أو أفعال سيكون علمانياً خالصاً حتى لو كانت كل أو بعض مضامينه وغاياته دينية بالكامل؛ وفي المقابل، إذا كانت الشخصية أو المؤسسة القائلة بقول ما أو الفاعلة لفعل ما شخصية أو مؤسسة دينية، إذن، بحكم الضرورة المنطقية، لابد أن جميع ما سيصدر عنها من أقوال أو أفعال سيكون دينياً خالصاً حتى لو كانت مضامين هذه الأقوال والغايات من هذه الأفعال علمانية بالكامل.
إذن لا يكفي أن تكون مرجعية القول أو الفعل دينية فقط لكي يكون هذا القول أو الفعل دينياً؛ لابد أن يكون التقرير النهائي لهذه المرجعية بيد مرجع من شخصية أو مؤسسة دينية أيضاً. كذلك لا يكفي أن تكون مرجعية القول أو الفعل علمانية فقط لكي يكون هذا القول أو الفعل علمانياً؛ ولابد أن يكون التقرير النهائي لهذه المرجعية بيد مرجع من شخصية أو مؤسسة علمانية أيضاً؛ فلا ديمقراطية من دون مرجعية (فلسفة) نظرية علمانية مقترنة بمرجع من شخصيات ومؤسسات تنفيذية علمانية، ولا إسلام من دون مرجعية (فقه) نظرية دينية مقترنة بمرجع من شخصيات ومؤسسات تنفيذية دينية إسلامية؛ فمن المستحيل منطقياً أن تتحقق الديمقراطية من خلال شخصيات ومؤسسات دينية، أو أن تتحقق فريضة الجهاد في سبيل الله من خلال شخصيات ومؤسسات علمانية.
في ضوء ما تقدم، يمكن طرح المزاعم الآتية: 1- باستثناء فترة ولاية النبي محمد وإلى حد ما رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب، جميع أنظمة الحكم بعد الإسلام كانت علمانية خالصة حتى لو كانت سياساتها وغاياتها ذات مضمون ديني بالكامل، لأن جميع الشخصيات والمؤسسات التي اختصت بتقرير مناط المرجعية النهائية لهذه الأنظمة وتولت تنفيذها لم تكن دينية بأي حال من الأحوال. 2- في العالم الحاضر لا يوجد على وجه الأرض سوى دولتان فقط من الجنس الديني، واحدة إسلامية تجسدها جمهورية إيران الإسلامية والثانية مسيحية تجسدها دولة الفاتيكان، حيث تختص شخصيات ومؤسسات دينية خالصة بتقرير مناط المرجعية النهائية لهاتين الدولتين وتتولى تنفيذ السياسات المطابقة لذلك، حتى لو صادف كونها أكثر علمانية من سياسات الدول العلمانية الخالصة ذاتها. 3- المملكة العربية السعودية، كحالة توضيحية لأغلب أنظمة الحكم بعد الإسلام، هي دولة علمانية بامتياز رغم مضامينها وغاياتها الدينية القشرية، لأن المختص الوحيد بحكم هذه الدولة وتقرير وتنفيذ مناط مرجعيتها النهائية- حتى لو كانت دينية خالصة- هو البلاط الملكي الممثل حالياً في آل سعود، وليس مرجع من شخصية أو مؤسسة دينية مثل المفتي أو هيئة كبار العلماء السعودية. 4- من المستحيل منطقياً أن يكون تيار الإسلام السياسي صادقاً في مزاعمه بمناصرة الديمقراطية، خاصة مع علمه يقيناً بمرجعها ومسندها ومسوغها في نهاية المطاف إلى فلسفة علمانية خالصة وأن تحقيق الديمقراطية يستلزم في الوقت نفسه تبني سياسات وآليات تنفيذية علمانية خالصة أيضاً.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل صليت على النبي اليوم؟
-
المرأة والأقليات العربية بين التحرير والتمكين
-
ديمقراطية التوحيد الإسلامية
-
جدلية الوحي والتاريخ (10)
-
جدلية الوحي والتاريخ (9)
-
جدلية الوحي والتاريخ (8)
-
جدلية الوحي والتاريخ (7)
-
جدلية الوحي والتاريخ (6)
-
جدلية الوحي والتاريخ (5)
-
جدلية الوحي والتاريخ (4)
-
جدلية الوحي والتاريخ (3)
-
جدلية الوحي والتاريخ (2)
-
جدلية الوحي والتاريخ (1)
-
العقل الفقهي وتنصيص الواقع
-
العقل الفقهي والسلطة
-
ابن رشد ضالع في الإرهاب
-
سحر الفقه
-
ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟
-
فيلسوف وفقيه وإرهابي (3)
-
فيلسوف وفقيه وإرهابي (2)
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|