|
يسوع والمرأة السورية – 5
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4488 - 2014 / 6 / 20 - 15:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطرقت في المقالات الثلاثة السابقة (يسوع والمرأة السورية – 2 و 3 و 4) [انظر الهامش 1 إلى 3] إلى أجوبة تساؤلات متعددة تعلقت بمقالتي الابتدائية عن قصة يسوع والمرأة الفينيقية السورية. وقد بينت في تلك المقالات حقيقة أن يسوع كان يعتمد مالياً على النساء اليهوديات في نفقات دعوته، وبالتالي كان مضطراً أن يغض النظر عن المصدر الأول لتلك الأموال. كما بينت هناك أن (يسوع التاريخي)، أي الشخصية الحقيقية التي تواجدت على أرض الواقع وليس كما تصوره الكتابات الدينية [الأناجيل الأربعة الرسمية على الخصوص] بعد تدخلها في تفاصيل قصصه بالحذف والإضافة واختراع القصص، اضطر أيضاً أن يكون متناقضاً في دعوته بخصوص شؤون النساء اليهوديات بالتحديد بسبب المصلحة المالية المرتبطة بهن. إلا أن أغلب التساؤلات تركزت على شخصية (مريم المجدلية) وعلاقتها بحياة يسوع. وهذه المقالة سوف تحاول أن تضع الإطار العام لما نعرفه عن هذه الشخصية المثيرة للجدل بين النقاد. ولكن، وعلى غرار المقالات السابقة، فإن هذه المقالة هي (أجوبة محددة) على هذه التساؤلات حتى تكون مرجعاً لِمن يملك تساؤلات مشابهة عن هذا الموضوع، وهي ليست إطلاقاً بحثاً شاملاً عن تلك الشخصية، ولا أنوي أن تكون كذلك، ولكن هذه المقالة هي جواباً (محدداً) لتسؤلات فيما يخص مقالتي (يسوع والمرأة السورية 1 و 2) بالتحديد وفقط.
من هي مريم المجدلية؟
حتى نُجيب على هذا السؤال يجب أن نسأل الذي سألنا: هل تريد إجابة الفضاء العقائدي المسيحي أم تريد إجابة النُقاد الذين يعتمدون حتى على الكتابات والنصوص المسيحية غير المعترف بها من الكنيسة أيضاً؟ إذ التصور المعرفي لمريم المجدلية مختلف لكليهما. فالمجدلية تلعب دوراً أكثر محورية وأهمية في حياة يسوع في الكتابات المسيحية غير المعترف بها من الكنيسة [لاحظ أن بعضها من القرن الثاني أي حوالي نفس فترة كتابة إنجيل يوحنا المعترف به من الكنيسة]، إلى درجة أننا نرى فيها أن (يسوع يُقبّل المجدلية) ويتم وصفه باللغة اليونانية على أنه (صاحب مريم المجدلية) (Mary s koinonos)، بل إن بعض الترجمات الأكاديمية المتخصصة تبنت ترجمة كلمة (koinonos) على أنها (lover) أي (حبيب) لأن إحدى معاني الكلمة اليونانية هي بالفعل كذلك، وذلك على عكس الرواية الرسمية للكنيسة، وسوف أتطرق لذلك مرة أخرى في المقالة القادمة. إلا أن أهمية دورها في حياة يسوع تشي به أيضاً الأناجيل الأربعة المعترف بها وأنْ (تعمدت) لسبب ما لإخفاء دورها الحقيقي في كرازة يسوع وقصته.
لا يوجد أي شك الآن في أذهان الباحثين أن أغلبية أتباع (الراباي) يسوع هم من النساء اليهوديات وليس الرجال اليهود. تلك (حقيقة أكاديمية لا يتطرق إليها الشك). ولكن لسبب مجهول، أو ربما مختلف عليه حتى اللحظة، (تعمد بولس اخفاء تلك الحقيقة)، بل إنه (عاكسها تماماً) في كتاباته المناهضة للمرأة ودورها. وعندما أتى كتبة الأناجيل الأربعة، بعد وفاة بولس، ليكتبوا أناجيلهم، (تعمدوا أيضاً)، ولسبب مختلف عليه، (التمويه على تلك الحقيقة) ولكن بقيت دلائلها في نصوص الأناجيل ذاتها. فلسبب ما، لم يكن محبذاً عندهم (الاستمرار) في نهج يسوع فيما يخص تعامله مع النساء اليهوديات. وبسبب هذا الموقف في رسائل بولس والأناجيل الأربعة المعترف بها من الكنيسة فإننا نجهل اليوم طبيعة وتفاصيل تلك العلاقة المختلطة بين أتباع يسوع، ولا نعرف آلياتها ولا مواضيعها. ما نعرفه فقط أن أتباع يسوع من الرجال كانوا (عاطلين عن العمل)، بينما أتباع يسوع من النساء كنّ (يتولين الصرف المالي على إله المسيحية الجديد، يسوع، وأتباعه من الرجال). وأن النساء اليهوديات من أتباع يسوع (كن أشد إخلاصاً له في حياته وبعد صلبه وقتله من أتباعه الرجال) كما سنرى أدناه. وفيما عدا ذلك فإن الأمر مدار نقاش وتكهنات واستقراء وجدل.
دور المرأة المركزي في دعوة يسوع خير من تمثله (مريم المجدلية). وحتى نعرف مكانتها عند يسوع، فلنقارن موقفه من مريم المجدلية بمريم أم يسوع. فلسبب ما تختفي مريم أم يسوع من حياة يسوع مبكراً وتختفي تماماً من أحداث كرازته، ولا تظهر إلا (حيث يبدو يسوع وكأنه يعاملها بصورة فجة جداً إلى الحد أنه يتبرأ منها صراحة) أو تبدو وكأنها (لا تفقه ما يقوله لها يسوع)، ثم لتظهر أخيراً، على حسب احدى الروايات الإنجيلية، تحت صليب يسوع ويوصي بها أحد تلامذته مخاطباً إياها بقوله (يا امرأة). بل (المشكلة) مع مريم أم يسوع تتطور إلى حد أن إنجيل يوحنا، الإنجيل الرابع في سلسلة الأناجيل الرسمية، (يصمت تماماً عن ذكر اسم والدة يسوع) ولا يسميها إطلاقاً بـ (مريم)، كاتب إنجيل يوحنا لا يريد أن يسميها، ولكن يسميها فقط بـ (أم يسوع) [يوحنا 2: 1 و 3 و 5 و 12، 19: 25 و 26]. وحتى نعرف طبيعة تلك العلاقة فلنقرأ تلك النصوص:
مريم، أم يسوع، لا تفهم يسوع: (قالت له أمه: يا بني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك [تقصد يوسف](!!) وأنا كنا نطلبك معذبين. فقال لهما: لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي. فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما) [لوقا 2: 48-50]
يسوع مُتضايق من أمه: (ولما فرغت الخمر، قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر. قال لها يسوع: ما لي ولك يا امرأة؟! لم تأتِ ساعتي بعد) [يوحنا 2: 3-4]
يسوع يتبرأ من أمه وأخوته ويرفض لقاءهم: (وفيما هو [أي يسوع] يكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجا طالبين أن يكلموه. فقال له واحد: هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلموك. فأجاب وقال للقائل له: من هي أمي ومن هم إخوتي؟! ثم مد يده نحو تلاميذه وقال: ها أمي وإخوتي) [متى 12: 46-49]
يسوع على الصليب قبل موته ينادي أمه بلفظ (يا امرأة): (فلما رأى يسوع أمه، والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً، قال لأمه: يا امرأة، هوذا ابنك) [يوحنا 19: 26]
أقرباء يسوع، من دون تحديد، (ربما أمه معهم)، كان يعتقدون أنه (مختل عقلياً)، وأخوته (لا يؤمنون بدعوته)، وهذا قد يفسر موقف يسوع، والأناجيل الأربعة، من أمه مريم: (ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه، لأنهم قالوا: إنه مختل) [مرقس 3: 21] (لأن إخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به) [يوحنا 7: 5]
يسوع (يعلن لجميع أتباعه) مَن هم أعداء الإنسان ومَنْ يجب بغضه: (أعداء الإنسان أهل بيته) [متى 10: 36] (إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً) [لوقا 14: 26]
إذن، ليس هناك مجال للشك بأن الصورة التي ترسمها الأناجيل الأربعة لـ (مريم أم يسوع) وعلاقتها بإبنها (لم تكن محبذة إطلاقاً)، وذلك على عكس التصور الشعبي المسيحي لها. بل إن (تعاليم يسوع ذاتها)، كما رأينا ذلك أعلاه، تعكس تأزماً نفسياً ورابطياً مع أمه وأهل بيته وأقربائه، ولذلك هو تبناها في تعاليمه ذاتها، ويصورهم على أنهم (أعداء) ويجب (بغضهم)، فهو كأنه (يبرر علاقته بهم لأتباعه).
ولكن، على العكس من علاقة يسوع بأمه مريم، فإننا نصادف شيئاً (مختلفاً جداً) مع (مريم المجدلية). وسوف أقتصر في هذا الجزء من المقالة (فقط)، ومن دون استثناء، على النصوص التي يرد فيها (اسمها صراحة) في الأناجيل المعترف بها تاركاً باقي النصوص للمقالة القادمة:
مريم المجدلية ترافق يسوع في رحلاته، وتتبعه، وتصرف عليه من أموالها، بينما لا وجود لأمه: (وعلى أثر ذلك كان يسير [أي يسوع] في مدينةٍ وقرية، يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر، وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض: مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين، ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة، وأخر كثيرات، كن يخدمنه من أموالهن) [لوقا 8: 1-3] (كانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. و بينهن مريم المجدلية) [متى 27: 55-56]
مريم المجدلية هي (الاسم المشترك) في (جميع) قصص صلب يسوع، بينما يغيب اسم أمه مريم في أغلبها: (كانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد [أي إلى صلبه] وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. و بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب [هي ليست أمه مع أن بعض الكتابات المسيحية تحاول ذلك ولكنها لا تصمد أمام النقد] ويوسي وأم ابني زبدي) [متى 27: 55-56] (كانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة) [مرقس 15: 40]
مريم المجدلية هي التي رافقت جسد يسوع لقبره، وليس أمه: (وضعه [أي يوسف من الرامة وضع جسد يسوع] في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر و مضى. وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى [مريم الثانية ليست أم يسوع، هي أم يوسي كما في إنجيل مرقس] جالستين تجاه القبر) [متى 27: 60-61] و [مرقس 15: 47]
مريم المجدلية هي التي تشتري الحنوط من أموالها لتطيب به جسد يسوع الميت، وليس أمه مريم: (بعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين [أي إلى قبره] ويدهنّه) [مرقس 16: 1]
مريم المجدلية أول مَن زار قبر يسوع بعد السبت، وليس أمه مريم: (في أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر) [يوحنا 20: 1]
مريم المجدلية هي أول مَن يظهر له يسوع في إسطورة قيامته من الأموات، وليس أمه مريم: (وبعدما قام [أي يسوع من الأموات] باكراً في أول الاسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين) [مرقس 16: 9]
مريم المجدلية هي أول مَن يخاطبها يسوع في إسطورة قيامته، وليس أمه مريم. (لاحظ هنا أنها تحاول لمسه): (قال لها يسوع لا تلمسيني لاني لم اصعد بعد الى ابي و لكن اذهبي الى اخوتي و قولي لهم اني اصعد الى ابي و ابيكم و الهي و الهكم) [يوحنا 20: 17]
إذن، ومما سبق، احتلت (مريم المجدلية) في حياة يسوع مكانة فاقت بكثير جداً أمه مريم. هذا مما لا شك فيه. إلا أنه، وكما أشرت أعلاه، لسبب غير مفهوم حتى الآن حاولت الكتابات المسيحية المبكرة، المعترف بها من الكنيسة الآن، أن (تلغي أو تموّه) على تلك الحقيقة الواضحة. إلا أنه هناك الكثير لا يزال من الممكن أن نقوله عن (مريم المجدلية).
....يتبع (تكملة الإجابة على: من هي المجدلية؟)
هــــــــــــــــوامــــــــــش:
1- يسوع والمرأة السورية – 2
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=418168
2- يسوع والمرأة السورية – 3
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=418532
3- يسوع والمرأة السورية – 4
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=418837
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنتم صنعتم داعش
-
يسوع والمرأة السورية – 4
-
يسوع والمرأة السورية – 3
-
يسوع والمرأة السورية – 2
-
يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي
-
السلفية المسيحية
-
مقدمة في مفهوم السلفية
-
لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9
-
في جريمة اختطاف الفتيات النيجيريات
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 7
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 6
-
لماذا سلسلة مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 4
-
ماذا يستطيع التطرف المسيحي أن يفعل
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 3
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 2
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|