|
كيف حولت الزعري امرأة الهزيمة إلى امرأة النصر؟
محمد هالي
الحوار المتمدن-العدد: 4488 - 2014 / 6 / 20 - 08:09
المحور:
الادب والفن
"هل هذا النقد الجديد سينقل شاعرتنا من رطوبة الحب و العواطف، إلى قساوة السياسة، و صلابة المبدأ، و السير في طريق المواجهة؟ ! سؤال سيظل مطروحا ينتظر جواب قصائد الزعري في المستقبل" سؤال تم طرحه عندما لامست انتقال أمينة الزعري في هذا الاتجاه النقدي الموضوعي، انه بالفعل تحول سريع ليس على المستوى الموقف، بل على المستوى الإبداع أيضا، من خلال الصور الشعرية المستخدمة، لهذا أصبح المتتبع لهذا التحول أن يلامس النقد السياسي اللاذع، بعمق شعري لافت. فأصبحت تستفزك اللغة المستعملة في القصائد الجديدة، تلقيك في متاهات الحياة المستلقية بين الحياة و الموت، و الهزيمة و الانتصار، إنك تسبح في مياه العالم العربي العكرة متأملا ما تعيشه شعريا، فتقذفك في سطور الحروف، تبحث عن الدلالة في صور الكلمات، فأنت مجرد شيء في هذا العالم الساقط، في متاهات الهزائم، و لب حزيران - الهزيمة، الذي تغنى به الشعراء في زمانه، و الجدد، لأنه يتكرر، و يتكور في ذهنية الإنسان العربي دائما، المقذوف به في شوط الذل، و شوط الانحطاط، و شوط الفقر و البؤس ، يرتبط بالإنسان العربي، الذي كلما شعل شمعة انطفأت بريح حزيران العاتية، أرادت الزعري في القصيدة الأخيرة التي لم تضع لها عنوانا و يمكن أن يكون عنوانها "ثمة امرأة" أن ترجع بنا إلى هذا التاريخ ، لهذا الجرح الذي لم يشف بعد، و كأنه سرطان كلما نط رأس الكائن البشري للانعتاق منه، سقط في جحر النسيان، و هو يذوب في هزائمه المستمرة، هكذا تبدو قصائد الزعري الجديدة تغرف من هموم الأوطان الـجريحة لترسم عالما قاتما و مستهلكا من طرف الأنين المتداول في الصحف و القنوات الإعلامية لتركب قافية الشعر الذي يرسم هذا الواقع المستعصي عن الوصف فنيا، و شتان بين الفن و الذي يخاطب الذوق و بين الصحافة و الصور المعروضة في القنوات التلفزية المختلفة، سيخونني التأويل عندما نسبح في عالم الشعر، عالم اللغة المنحوتة بإتقان، لأكتشف أن الرسم اللغوي يحمل أثقالا، يصعب حملها، نتيجة ضخامة التاريخ و أحداثه المنسية، و المتكررة في أزمنة متتالية، و الشيء الثابت في هذه الإحداث هي الهزائم، و التي يمكن تلخيصه في أقصى صوره باسم حزيران: الجيوش العربية، الناصرية، القضية الفلسطينية و بلغة العصر ما يسمى بالربيع العربي... لنتأمل هذا المقطع الزعروي جيدا:
"ثمة امرأةٌ نبتت بين موت وعار على شجرة حزيران علقت مرآةً وضفيرة علقت بيت الجيران وغضب النوارس في المنفى". و نتساءل عن من هذه المرأة التي تقصدها الزعري؟ بلغة القصيدة ارتبطت بحزيران - الهزيمة، إنها تدب فيها حياة النبات التي تختلط بقيم الموت و العار، الهزيمة تعني الموت، و تعني في نفس الوقت العار، و هناك بون كبير بين موت طبيعي، و موت الهزيمة، فالأول له نهاية منسية و مقضي عليها في الحين، في حين أن العار يستمر لا ينتهي، و لا يحب الانقضاء بل يكرهه، لهذا فالعار ظل يلاحق الحياة في تحركاتها المستمرة، من هنا تتجلى المرأة الزعروية لتقتل الموت، تمحيه، و تتشبث بالعار المتجلي في المرآة التي تظهر صورة الهزيمة، و انعكاساته المختلفة في كافة التفاعلات القائمة بين تقبل الهزيمة و رفضها، حقائق المرآة و حقائق الضفيرة يتصارعان في مكان ما ضمن معادلات الأرض العربية الشاسعة، ، و هذا العار المتبقي هو الذي علق ، علق بصورة مرآة، و علق على عاتق الجيران، و أثار غضب الذين ذاقوا مرارة الهزيمة ، فصداه قوي لأن الموت صدمة، و صدمته لم تنته بعد، لأنه خلف من ورائه عار ظل يلاحق الجيران، و يلاحق كل من يرفض هذه الهزيمة، و التي عبرت عنها القصيدة بالنوارس، لتسترسل في وصف تداعيات حزيران المختلفة و المؤثرة بسرعتها الفائقة : "عن جدار السقوط قامت الأسماء و الأغراس.. لتنتفض من لهيب يومين من رماد سنتين ومن صلاة جيلين." إن رد الفعل المنبثق عن الهزيمة، لا بد من أن تنبثق أسماء جديدة منه، تنتقد أسباب الهزيمة، و تحاول أن تبحث عن أغراس النصر، من أجل محو الهزيمة – العار، لتختصرها الزعري في ثنائيات ترتبط بالانتفاضة، و يمكن تجسيد هذا الموقف من خلال: يوم الهزيمة و يوم الهزيمة، و سنة السقوط و سنة السقوط، و جيل الهزيمة الذي تتلوه هزيمة أخرى، إن ربط الهزيمة بالإنسان العربي، انطلق مع الانكسار الذي خلفه حزيران، فالقضاء على الجيوش العربية في حرب ستة أيام، خلف من ورائه هزيمة جيل الناصرية، و جيل البعث العربي، برمته فما على المرأة الفلسطينية، أن تعلق المرآة و الضفيرة، لعلها تتخلص من عار حزيران المشئوم، و أن تعلق تحالفاتها مع جيرانها السابقين مصر و الأردن و العراق و سوريا و لما لا الكيان الصهيوني نفسه فيما أصبح يسمى بدولة "إسرائيل"، عليها أن تعلق حتى الصدى البشري الموجود في المنفى أيضا، فالانكسار الذي خلفه حزيران لا بد بأن تقيم الأسماء من جديد، للتقليل من الحصار المتواصل، و الذي وصفته الزعري بجدار السقوط، و التي تسبب في عدة انتفاضات فلسطينية معتمدة هذه المرة على الذات لا على " بيت الجيران" و "غضب النوارس". محاولة بذلك أن تبني من خلال أغراسها الذاتية أسماء جديدة لعلها تمحو أذيال الهزيمة السابقة و تحاول الزعري أن تقارب هذا من خلال هذا المقطع الشعري: "قامت الأغنيات من غبار خندق وخمسِ رصاصات تتأمل سريرة التراب عيناها تنفخ الهزيمة تدندن في أذن العاصفة." فتجسد الفن الرافض، في معانقة التراب الفلسطيني من داخل الخنادق التي صممت من أجل صد الهزيمة ، مراقبة و حذرة من هولها رغم أسلحتها البسيطة، و التي وصفتها الزعري بخمس رصاصات متشبثة بتراب أرض فلسطين ، تقاتل أو "تدندن في أذن العاصفة" لكي لا تصبح الهزيمة قاعدة و النصر استثناء، هذا النصر الأمل هو الذي ختمت به الزعري قصيدتها: " فيأتي الريح محملا بالميلاد بامرأةٍ .. بحمامةٍ ووردة." و ذلك من خلال ترابط قوي بين عاصفة الهزيمة و ريحها العاتي لأن هذه الريح هو الذي عدل من الهزيمة، بأدوات بسيطة "الخندق ، خمس رصاصات ..." واعتمادا على الذات و على التأمل الكبير صنع الفلسطيني من التراب مقاومته للمحتل مما حول صدى الهزيمة إلى عاصفة ستقلب لا محالة ريحها إلى ميلاد جديد ستحول امرأة الهزيمة إلى امرأة الانتصار، تحمل في طياتها السلام، و الحب، و بلغة الزعري "الحمامة، و الوردة".
#محمد_هالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرايا، و حقيقة العالم العربي، كما ابتدعتها الزعري
-
حميد المصباحي و سنفونية -عفا الله عما سلف-
-
الواقع بلغة الشعر تحبكه -أمينة الزعري
-
في زمن تحول الموت إلى فرجة ممتعة
-
غدا ستحل ذكرى 25 يناير
-
يجب ألا تستمر الحكمة:-أكلت كما أكل الثور الأبيض-
-
في عهد تحطيم المسلمات (2)
-
في عهد تحطيم المسلمات
-
حبكة الصراخ بلغة الكف في شاعرية الزعري
-
محنة السؤال بين الفهم و الجنون
-
نصائح مغفل لمغفل حتى تنتهي الغفلة بتاتا
-
عالمكم و عالمنا ؟ !
-
حمان و المسألة التعليمية
-
الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية (2)
-
بوح امرأة (7)
-
الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية
-
بوح امرأة (6)
-
بوح امرأة (5)
-
بوح امرأة (4)
-
عمق الإبهامات لكي لا تكون ألغازا
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|