محمود خليفة جودة
كاتب وباحث
(Mahmoud El Siely)
الحوار المتمدن-العدد: 4488 - 2014 / 6 / 20 - 08:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الانتخابات هى عرس الديمقراطية, فالانتخابات هى الوسيلة الديمقراطية لاسناد السلطة للحكام, حتى أن بعض الفقهاء يربطون بين الديمقراطية والانتخابات, ويرون أنه لا وجود للديمقراطية مالم تكن الانتخابات وسيلة لاسناد السلطة للحكام .
أثبت نظام الانتخاب أنه الوسيلة الأجدى للاختيار والحكم التمثيلي، ومن ثم أصبح جوهر عملية التحول الديمقراطي. وفي ظل نظام الانتخاب، يكون الجميع على قدم المساواة، لاسيما الفئات الأكثر حرمانًا، في المشاركة والتأثير في ممارسات الحكومة وسياستها. تتطلب الإدارة الفاعلة لأنظمة الانتخابات وجود مؤسسات مستديمة، عادلة، مستقلة، وتشمل على وجه الخصوص أجهزة إدارة الانتخابات التي يتوافر لها شرعية تنفيذ القوانين وضمان النزاهة في التعاون مع الأحزاب السياسية والمواطنين, وتعد ظاهرة الامتناع عن التصويت فى الانتخابات من العناصر التى تؤثر فى العملية الانتخابية ككل وتلقى بظلالها على مدى ديمقراطيتها,
الامتناع عن التصويت في الانتخابات أو الاستفتاءات أو أي اقتراع يكون بالإحجام عن المشاركة بإبداء الرأي أو الاختيار من البدائل المطروحة للتصويت عليها .
ظاهرة الامتناع عن التصويت فى الانتخابات تعبر بالأساس عن سلوك الأفراد بشكل عام والنخبة بشكل خاص حول المشاركة فى العملية السياسية, ويتأثر هذا السلوك بالأساس بمجموعة من القيم والتوجهات والإدراكات التى تتحكم فى الفرد, ومن ثم فأننا سوف نعتمد على اقتراب الثقافة السياسية فى دراستنا لظاهرة الامتناع عن التصويت فى الانتخابات, هتم اقتراب الثقافة السياسية بدراسة العلاقة بين الثقافة السياسية والتحول الديموقراطى, والثقافة السياسية تتأثر بطبيعة النظام السياسى وعملية التحول الديموقراطى التلى يجب أن تفرز نوعا من القيم والاتجاهات والتوجهات تتوافق مع عملية التحول الديمقراطى. ولكن الثقافة السياسية نفسها تؤثر فى عملية التحول والإصلاح السياسى، فهناك قيم وتوجهات معينة قد تقف عائقا أمام عملية التحول وتحفزها. ولذلك فإن نجاح هذه العملية يرتبط بقدرة النظم والحركات السياسية على تعزيز القيم والتوجهات الإيجابية فى الثقافة السياسية، وتهميش الجوانب السلبية. وتلعب مؤسسات التنشئة من تعليم وإعلام وأسرة وأحزاب دورا مهما فى هذا الصدد، فهى بمثابة مؤسسات المدخلات التى تقوم بدور التنشئة السياسية ونقل الثقافة السياسية أو تغييرها، بينما يكون الناتج منها هو أنماط الثقافة والقيم والتوجهات السياسية التى تظهر لدى الأجيال السياسية الشابة .
أولا ًظاهرة الأمتناع عن التصويت والديمقراطية :
تحقق البناء الديمقراطي على العديد من الدعائم أهمها الانتخاب أو الاقتراع الذي يجسد إرادة المواطن في اختيار من يمثله على المستوى المحلي أو الوطني أو أي مستوى يتم تحديده وفق ضوابط قانونية متعارف عليها , كل هذا بعدما أن ساد نظام التوارث أو تمليك الحكم أو كل ما يعكس مظاهر الغطرسة و التسلط على الشعوب مما يؤدي بها إلى الفناء في ظل الاستعباد ,وقد أسهمت أحكام الشريعة الإسلامية في بناء نظام متكامل و سياسة شرعية جعلت من المبايعة سبيلا لانتقاء الأصلح وتوليه الحكم و نفت كل مظاهر التسلط و الاسترقاق التي تقوم على القهر في فرض الأوامر. كما شهدت الدول الأوروبية مظاهر الاستعباد و التسلط من لدن الملوك و رجال الدين كان هؤلاء يمارسون كل مظاهر القهر و الإذلال لشعوبهم حتى ثارة ثائرة المستضعفين في الثورة الفرنسية , التى أكدت على ضرورة أن يعتمد على الاقتراع و الانتخاب كوسيلة للتمثيل بعيدا عن كل المظاهر الأخرى. إلى أن جاءت العديد من النصوص المواثيق الدولية التي كرست مبدأ الحرية في اختيار الممثلين له، حيث أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم إقراره عام 1948 أن انتخاب المؤسسات النيابية هو أساس الإدارة الديمقراطية و أكد الإعلان في مادته ال 21 : " أنه لكل فرد الحق في المشاركة في حكم بلده مباشرة أ, عن طريق نواب مختارين اختيار حرا .
لذا نتسأل ونحاول أن نجيب على إذا ما كان الامتناع عن التصويت فى الانتخابات مجابها للديمقراطية, التى ترتكز فى الاساس على مشاركة المواطنين فى الحياة السياسية, ونتعرف على أبعاد وملامح هذه الظاهرة؟
ظاهرة الامتناع عن التصويت وعلاقاتها بالنظام السياسى.
الامتناع عن التصويت في الانتخابات أو الاستفتاءات أو أي اقتراع يكون بالإحجام عن المشاركة بإبداء الرأي أو الاختيار من البدائل المطروحة للتصويت عليها، و هو يختلف عن التصويت الاحتجاجي الذي يدلي فيه الناخب عمدا بصوت غير صحيح لا يمكن احتسابه، بعمل اختيارات غير صحيحة أو بترك كل الاختيارات مبطلا صوته أو مدليا بصوت فارغ إن كان ذلك مسموحا به في نظام التصويت, كلا الممارستان، الامتناع و إبطال الصوت، قد تُعدّان تصويتا احتجاجيا، و ذلك حسب الظروف السياسية التي يجري فيها التصويت. الامتناع عن التصويت قد يكون مؤشرا على حيرة الناخب أمام الخيارات المطروحة أو رفضه الطفيف لها الذي لا يرقى إلى درجة الاحتجاج الفعلي. يمكن كذلك للاحتجاج أن يكون مؤشرا على أن الناخب له موقف معيّن من المسألة المطروحة للاقتراع إلا أن الرأي الشائع شعبيا حوله يختلف عن رأيه لذا فلا جدوى فعلية من التصويت وفقا لرأيه, كما يمكن أن يكون الامتناع عن التصويت رفضا لنظام التصويت ذاته و تعبيرا عن عدم رضاه عن كل الخيارات المطروحة و النظام السياسي ذاته. يمكن كذلك للناخبين أن يمتنعوا عندما يشعرون أنهم ليست لديهم معرفة كافية بالمسألة المطروحة أو أنه لم يشارك في النقاش بما يكفي لتكوين قناعة بشأنها .
وفى هذا السياق فأننا سوف نحاول التعرف على طبيعة ظاهرة الامتناع عن التصويت وعلاقاتها بالنظم السياسية, وبشكل عام فأننا يمكننا تقسيم النظم السياسية طبقا لمدى مشاركة وحرية الأفراد ونزاهة الانتخابات وشفافيتها إلى نوعين هما:
1- النظم الديمقراطية:
الديمقراطية فى أبسط معانيها تعبر عن حكم الشعب,إذ يكون الشعب هو مصدر السيادة والسلطة، فهو يحكم نفسه عن طريق ممثلين عنه، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة , ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على معنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية .
يمكن تلخيص خصائص النظام الديمقراطي بالنقاط التالية:
1. ينتخب الشعب ممثليه عن طريق انتخابات عامة
2. تمارس الأغلبية المنتخبة الحكم، هذه الأغلبية الصادرة عن فئات الشعب المختلفة هي سياسية بالتعريف وليست عرقية أو إثنية أو دينية.
3. تصان حقوق المعارضة
4. تصان الحريات العامة للمجتمع، منها حرية التعبير وحرية العقيدة وحرية الاجتماع وحرية الصحافة
5. وجود دولة القانون التي تحترم وتضمن حقوق المواطنين والمساواة بينهم
6. الحد من اعتباطية سلطة الحاكم عن طريق مؤسسات دائمة وآليات للدفاع عن المواطنين
7. ضمان عدم الجمع بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية
8. ترسيخ مبدأ الدستورية. أي أن السلطات والمواطنين يحترمون الدستور ويرجعون إلى القضاء لحل الخلافات .
ومن خلال التعرف على خصائص النظم الديمقراطية فأننا نجده بشكل عام تؤكد على التداول السلمى للسلطة ومشاركة المواطنين فى الحياة السياسية, تقوم على أسس من التعددية الحزبية والمنافسة القوية بين المتنافسين فى الانتخابات, لذا نجد أن ظاهرة الامتناع عن التصويت ليست بالظاهرة المنتشرة فى النظم الديمقراطية حيث يكون هناك ثقافة سياسية عالية نحو المشاركة فى الانتخابات, إذ تحاول الأحزاب طرح أفكارها ورؤيتها, ويختار المواطنين من بين البدائل أو المرشحين ما هو أفضل لهم, فالبيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى النظم الديمقراطية محفزة على المشاركة فى التصويت فى الانتخابات, ويرسخ ذلك البيئة المواتية للتصويت اسس البناء الديمقراطى, فالأساس الديمقراطي الأول هو مبدأ السيادة للشعب, والأساس الثاني من أسس الديمقراطية أن الحكومات ينبغي أن تتشكل بناء على رضا المحكومين، وهذا الأساس هو في الواقع لب مسألة شرعية النظم السياسية• فالنظام السياسي الذي يتمتع بالشرعية، هو بكل بساطة النظام الذي ينال رضا غالبية المواطنين, والأساس الثالث من أسس الديمقراطية وهو تطبيق حكم الأغلبية وعن طريق الاجماع, ونصل بعد ذلك إلى الأساس الرابع من أسس الديمقراطية وهو ضرورة احترام حقوق الأقليات, وفى سياق ما سبق يتكون إيمان قوى لدى الأفراد والجماعات حول ممارسة حقوقهم السياسية من خلال المشاركة السياسية في صناعة القرار, توجد توازنا بين الحكومة والمعارضة, وتعطي الناس فرصا أكبر للتأثير على مجريات الأحداث وليساهموا بالحياة العامة عن طريق العمل السياسي والمدني وعن طريق وسائل النشر والاتصالات الحديثة المتاحة في المجتمع .
2 – النظم غير الديمقراطية:
الديمقراطية تقابلها الدكتاتورية ، والنظام الديكتاتورى يقصد به النظام السياسي، الذي بمقتضاه يستولي فرد أو جماعة على السلطة المطلقة دون اشتراط موافقة الشعب, يصنف الباحثون الديكتاتورية أو الحكم الديكتاتوري إلى نموذجين، فهناك الديكتاتورية المتولدة عن عوامل اجتماعية، وهناك النموذج الثاني أي الدكتاتورية المتولدة عن عوامل تقنية، وبتعبير آخر يمكن القول بان النموذج الأول يتولد عن أزمات يتعرض لها البنيان الاجتماعي العقائدي، أي انه نموذج يعكس الوضع الاجتماعي، لأن الجذور والأصول العميقة للتركيب الاجتماعي هي التي انجبته، وبجملة واحدة انه نموذج يتولد عن تفاعل قوى وطاقات داخلية وذاتية، بينما يكون النموذج الثاني دخيلاً، فهو نموذج متولد عن عوامل خارجية في المجتمع، أو أنها من داخل المجتمع، ولكنها معزولة عن تفاعله، حيث يأخذ نموها وتطورها صفات خاصة مستقلة وخارجية، وهكذا فانه بدلاً من أن يلبي هذا النموذج الثاني حاجات المجتمع الذي سيخضع لأحكامه، وبدلاً من أن يلبي حاجات وآمال مجموعة كبيرة من أفراد المجتمع، فانه يعبر عن أغراض معينة لمنظمات واجهزة خاصة، وعن آمال ورغبات العناصر المؤلفة لهذه المنظمات، هي عناصر قليلة العدد ولا تتمتع أبدا بحق التمثيل الدستوري .
وبشكل عام فأن النظم غير الديمقراطية تتميز بمجموعة من الخصائص كما يلى :
1 – يسيطر فيها فرد أو مجموعة على السلطة دون وجود شرعية ورضاء شعبى.
2 – غياب الحياة الحزبية والتعددية, فى ظل وجود حزب واحد مسيطر هو الحزب الحاكم.
3 – تقييد حرية الرأى والتعبير والعمل على تحجيم دور المعارضة والقضاء عليها.
4 – غياب التدواول السلمى للسلطة.
5 - السيطرة على وسائل الإعلام وحرية الصحافة.
6 – تزاوج السلطة مع المال, وانتشار البطالة والفقر.
7 – انتهاكات حقوق الإنسان.
8 – عدم التوازن بين السلطات الثلاثة.
هذه بشكل عام هى خصائص مميزة للنظم غير الديمقراطية, والتى يكون فيها ظاهرة الامتناع عن التصويت ملموسة بشكل كبير, فى ظل تقييد حرية الرأى والتعبير, وفى ظل بيئة مجابهة للمشاركة فى الحياة السياسية, من حيث قمع للمعارضة والتضييق عليها, وتزوير إرادة الناخبين, وحالة الاحباط والفقر, والتعرض للاعتقالات ومصادرة الرأى الاخر, كل هذه العوامل وأكثر تدفع نحو إحجام الأفراد عن المشاركة فى التصويت فى الانتخابات, لذا تظهر النتائج تدنى مستوى المشاركة فى عمليات التصويت الحقيقة, المخالفة لبعض النتائج التى تعلنها بعض الأنظمة بعد تزويرها للانتخابات.
ومن خلال ما سبق نستنتج ما يلى:
1 – عدم وضوح وقوة ظاهرة الامتناع عن التصويت فى النظم السياسية الديمقراطية.
2 – ظاهرة الامتناع عن التصويت أكثر وضوحا وتواجدا فى النظم السياسية غير الديمقراطية.
3 – ظاهرة الامتناع عن التصويت تتأثر بالأوضاع والبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظم السياسية.
ثانيا ظاهرة الامتناع عن التصويت والنظم الانتخابية
النظم الانتخابية في مفهومها الأساسي تعمل على ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في الانتخابات إلى عدد المقاعد التي تفوز بها الأحزاب والمرشحين المشاركين بها. أما المتغيرات الأساسية فتتمثل في المعادلة الانتخابية المستخدمة (هل يتم استخدام إحدى نظم التعددية/الأغلبية، أو النسبية، أو المختلطة أو غيرها، وما هي المعادلة الحسابية التي تستخدم لاحتساب المقاعد المخصصة لكل فائز)، وتركيبة ورقة الاقتراع (هل يصوت الناخب لمرشح واحد أو لقائمة حزبية، وهل بإمكانه التعبير عن خيار واحد أو مجموعة من الخيارات)، بالإضافة إلى حجم الدائرة الانتخابية (وهذا لا يتعلق بعدد الناخبين المقيمين ضمن حدود الدائرة الواحدة، إنما بعدد الممثلين الذين يتم انتخابهم عن كل دائرة انتخابية). وعلى الرغم من عدم تركيز هذا الدليل على الجوانب الإدارية للعملية الانتخابية (كتوزيع مقرات الاقتراع، أو تسمية المرشحين، أو تسجيل الناخبين، أو الجهاز الإداري للعملية الانتخابية، إلخ) إلا أن هذه المسائل على درجة بالغة من الأهمية حيث يؤدي تجاهلها إلى تقويض الفوائد المرجوة من أي نظام انتخابي يتم اختياره. كما وأن تصميم النظام الانتخابي يؤثر في مجالات أخرى من قوانين الانتخابات: فاختيار النظام الانتخابي له تأثيره على طريقة ترسيم الدوائر الانتخابية، وكيفية تسجيل الناخبين، وكيفية تصميم أوراق الاقتراع، وكيفية فرز الأصوات، بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى للعملية الانتخابية .
وهناك علاقة واضحة بين النظم الانتخابية وظاهرة الامتناع عن التصويت والتى يكننا إيضاحها من خلال عدة جوانب فيما يلى:
1 – كلما ذاد تعقيد النظام الانتخابى وعدم فهم المواطنين له, كلما أدى ذلك إلى إحجامهم عن التصويت.
2- كلما تعالت الأصوات المعارضة للنظام الانتخابى ومدى جدواى هذا النظام, كلما زادت ظاهرة الامتناع عن التصويت فى الانتخابات.
3 – عدم التركيز على تسجيل الناخبين فى دوائرهم ومقاراتهم المناسبة يؤدى إلى امتناعهم عن التصويت.
4 – بعد المسافة بين المقر الانتخابى ومسكن المواطن قد يؤدى إلى امتناعه عن التصويت.
5 – الكثافة والزيادة العددية فى المقرات الانتخابية تؤدى إلى زيادة ظاهرة الامتناع عن التصويت.
6 – عدم توافر البيانات والمعلومات عن النظام الانتخابى ومقرات الانتخابات تؤدى إلى زيادة الممتنعين عن التصويت.
7 – مدى سماح النظام الانتخابى بالتعددية يؤثر فى المشاركة فى التصويت فى الانتخابات أو عدمه.
8 – طبيعة النظام الانتخابى فى حد ذاته تؤثر على مدى مشاركة او امتناع المواطنين عن التصويت فى الانتخابات.
9- الإجراءات المتبعة فى عملية الاقتراع تؤثر فى مشاركة المواطنين فى الانتخابات.
كل هذا وأكثر يوجد لنا مدى الارتباط والعلاقة بين طبيعة وملامح النظم الانتخابية وظاهرة الامتناع عن التصويت .
نظام الاقتراع وظاهرة الامتناع عن التصويت.
حدث تطور تدريجى فى حق الاقتراع منذ نهاية القرن الثامن عشر, كان من شأنه التوسع فى هذا الحق الذى أصبح عاماً للنساء والرجال فى كل دول العالم اليوم ما عدا استثناءات نادرة, عندما تكون الانتخابات تنافسية فأن الانتخاب يكون حراً. ولهذه الحرية عدة مظاهر: أولها أن الناخب حر فى اختيار أى من المرشحين المتقدمين للانتخابات, وثانيهما أن الناخب له حق أن يضع ورقة الانتخاب بيضاء فى صندوق الاقتراع, وثالثهما أن الناخب من حقه ألا يساهم أو يمتنع عن الاقتراع , وامتناع الناخب عن التصويت قد يعنى أن الناخب يريد الابتعاد عن الحياة السياسية, كما يعنى إيضا عدم موافقته على الأسس الرئيسية التى يقوم عليها المجتمع,إما فى حالة المجتمع غير قائم على التعدد فأن الناخب لا يجد أمامه إلا قائمة واحدة تتضمن أسماء الحزب المسيطر, فقد يتغيب الناخب عن التصويت لعدم موافقته على الأسس الذى يقوم عليه النظام, وقد يحدث العكس فأن الناخب لا يتمتع بحق الامتناع عن التصويت وإلا اعتبر ذلك معارضة منه وعدم موافقة على النظام القائم, كما ان سرية عملية التصويت مهمه لضمان نزاهة الانتخابات, لأن التصويت العلنى يتطلب قدرا من الشجاعة غير متوافر لدى المواطن العادى .
تتعدد صور وأنماط نظام الاقتراع :
1- الانتخاب الفردى والانتخابات بالقائمة:
فى الانتخاب الفردى ينتخب الناخب فرد واحد ومن ثم لا يظهر فى ورقة الانتخابات إلا اسم مرشح واحد, وتكون الدوائر الانتخابية صغيرة.
أما الانتخابات بالقائمة فأن الدوائر الانتخابية تكون كبيرة ويمثلها عدد كبير من النواب, ويكون على الناخب اختيار عدة مرشحين يمثلون الدائرة أى أن يقوم بانتخاب قائمة من الاسماء, وفى هذا النظام تثور عدة مشاكل منها على سبيل المثال لا الحصر هل يمكن للناخب ترتيب الأسماء الواردة بالقائمة؟... وإلخ.
2- الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر:
الانتخاب المباشر يتم على مرة واحدة , وفيه يقوم الناخبون باختيار نوابهم وباختيار رئيس الجمهورية دون وساطة, أما الانتخابات غير المباشرة فهى تتم على مرحلتين, الأولى ينتخب فيها المواطنين مندوبين عنهم لاختيار نوابهم ورئيس الجمهورية.
3- التمثيل بالاغلبية والتمثيل النسبى:
التمثيل بالاغلبية يعنى الاكتفاء بحصول المرشح على أغلبية بسيطة أو موصوفة لتمثيل الدائرة أو الشعب, أما التمثيل النسبى فيحرص على أن تحصل القوائم على عدد من الأصوات فى البرلمان يتناسب مع عدد الأصوات التى حصلت عليها فى الانتخابات.
خلاصة القول:
العمل بأى من هذه النظم يؤثر على التمثيل البرلمانى للأحزاب وعلى مدى مشاركة أو امتناع الأفراد عن التصويت, ففى الغالب يكون نظام الفردى ونظام التصويت المباشر أكثر تحفيزا للأفراد للمشاركة فى التصويت وعدم الإحجام عن التصويت.
ثالثا ظاهرة الامتناع عن التصويت الدوافع والأسباب
أ- الأسباب الغير سياسية لظاهرة الامتناع عن التصويت.
وظاهرة الامتناع عن التصويت فى الانتخابات ظاهرة قديمة وليست طارئة، وما يهمنا في هذه الاوراق هو متابعة اسبابها ودوافعة غير السياسية والتى يمكن إجمالها فيما يلى:
1- الأسباب الاجتماعية:
يتأثر حجم ومدى التصويت أو الامتناع عن التصويت فى الانتخابات بالمتغيرات الاجتماعية المختلفة، مثل التعليم والدخل والمهنة والجنس والسن وغيرها من العوامل، حيث يرتبط الدخل إيجابيًّا مع المشاركة. فأصحاب الدخل المتوسط أكثر مشاركة من ذوي الدخل المنخفض، وذوي الدخل المرتفع أكثر مشاركة من ذوي الدخل المتوسط. كذلك يرتفع مستوى المشاركة بارتفاع مستوى التعليم؛ حيث تعتبر الأمية أحد معوقات التى تحول دون مشاركة الفرد فى الانتخابات خاصة في دول العالم النامي، فالشخص المتعلم أكثر وعيًا ومعرفة بالقضايا السياسية، وأشد إحساسا بالقدرة على التأثير في صنع القرار، والاشتراك في المناقشات السياسية، وتكوين آراء بخصوص الموضوعات والقضايا المختلفة. كما يميل الأشخاص ذوو المركز المهني المرتفع، إلى المشاركة بدرجة أكبر، من ذوي المكانة المهنية المنخفضة، وإن ظل هناك اختلاف بين مجتمع وآخر، وبين مهنة وأخرى. ويتأثر حجم ومدى المشاركة فى الانتخابات بالنوع؛ حيث يلاحظ أن المرأة بوجه عام أقل ميلاً إلى المشاركة عن الرجل، غير أن التطور الاقتصادي والاجتماعي، يعمل باستمرار على تضييق هذه الفجوة بين الجنسين، فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، ولا يعني هذا استقلال المرأة عن الرجل في تحديد مواقفها السياسية، إذ لا تزال الزوجة تتبع زوجها في كثير من الأحيان، في التصويت والانتماء الحزبي .
وبالإضافة إلى العوامل السابقة، تتأثر المشاركة أيضا بعامل السن، إذ يرتفع مستوى المشاركة تدريجيًّا مع تقدم العمر، ويبلغ ذروته في الأربعينيات والخمسينيات، ثم يهبط تدريجيًّا بعد سن الستين.وإذا كانت هذه العوامل لا تشكل قاعدة يحتكم إليها دائما؛ ذلك أن المتغيرات الاجتماعية تختلف من فرد لآخر، ومن مجتمع لآخر.
2- الأوضاع الاقتصادية:
الفقر والبطالة يقودان بصفة عامة إلى العزوف عن المشاركة فى الحياة السياسية,إذ بصبح الأمر الشاغل لبل الفرد هو لقمة العيش , فالفقر هو عدم القدرة على بلوغ الحد الأدنى من الشروط الاقتصادية والاجتماعية التي تمكن الفرد من أن يحيا حياة كريمة، والفقر له أبعاد وأشكال متعددة، هناك بعد اقتصادي، إنساني، سياسي، سوسيو ثقافي، وقائي .
الفقر الاقتصادي :
الذي يعني عدم قدرة الفرد على كسب المال، على الاستهلاك، على التملك، الوصول للغذاء...الخ.
الفقر الإنساني :
هو عدم تمكن الفرد من الصحة، التربية، التغذية، الماء الصالح للشرب والمسكن، هذه العناصر التي تعتبر أساس تحسين معيشة الفرد و الوجود.
الفقر السياسي :
يتجلى في غياب حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، هدر الحريات الأساسية و الإنسانية.
الفقر السوسيوثقافي :
الذي يتميز بعدم القدرة على المشاركة على اعتبار الفرد هو محور الجماعة و المجتمع، في جميع الأشكال الثقافية والهوية و الانتماء التي تربط الفرد بالمجتمع.
الفقر الوقائي :
هو غياب القدرة على مقاومة الصدمات الاقتصادية و الخارجية.
ومن ثم وما يهمنا هنا أن الفقر يلعب دورا مجابهة لمشاركة الفرد فى الحياة السياسية بشكل عام, وبالتصويت فى الانتخابات بشكل خاص كإطار للدراسة.
3- الجوانب السيكولوجية:
هناك مجموعة من الاعتبارات النفسية التى تجعل الفرد يمتنع عن التصويت فى الانتخابات, كشعور الفرد بالاحباط نتيجة للظروف والأوضاع المحيطة به, شعوه بعدم الأمان فى ظل انتشار العنف المصاحب للعملية الانتخابية, شعوره بعدم اهمية صوته ككل, اعتبارت عنصر الوقت إذ قد ينظر الفرد إلى الوقت الذى يتخذه فى عملية التصويت على أنه مضيعة للوقت, فلا يذهب, بالأضافة إلى حسابات التكلفة والخسارة بداخل الفرد, ما هو العائد من وراء انتخابه لفرد أو حزب معين, كل هذه العوامل أوكثر تلعب دوراً فى اتخذ الفرد لقرار المشاركة فى التصويت أو الامتناع عنه .
4- الثقافة المجتمعية:
تلعب توجهات وقيم ومعتقدات ومشاعر أفراد المجتمع دورا هاما فى توجيههم نحو المشاركة السياسية, فالمجتمعات التى تقوم على التنوع وقبول الأخر, وتعطى مساحات واسعة من الحرية والنقاش, هى مجتمعات دائما ما تميل إلى المشاركة فى الحياة السياسية, فى حين أن المجتمعات المنغلقة التى تقوم على ثقافة إبوية ورعوية, ويكون بها غياب للرأى والرأى الأخر تغيب فيها صور المشاركة فى الحياة السياسية وعلى رأسها التصويت فى الانتخابات .
الأسباب السياسية لظاهرة الامتناع عن التصويت.
ترتبط المشاركة بعناصر الإطار السياسي، التي تتمثل في رؤية القيادة لدور المواطن، ومدى توافر الحرية للتنظيمات الحزبية والشعبية، والمجالس النيابية المنتخبة، وطبيعة النظام الإعلامي.
فالمشاركة التي تنعم بها المجتمعات الغربية، ترجع جزئيا إلى وجود الإطار الدستوري والمؤسسي الملائم: الدستور والانتخابات الدورية، والتعدد الحزبي، والجماعات المصلحية، وحرية الصحافة، والبرلمان، وأجهزة الحكم المحلى.. إلخ.
وفي الدول الشيوعية تؤدي هيمنة الحزب إلى تفعيل دور المواطن في صفة السياسة واختيار القيادات، ومع ذلك فإن نسبة المنخرطين في النشاط السياسي ربما تتجاوز مثيلاتها في معظم الدول الديمقراطية الغربية.
أما الدول النامية بصفة عامة، فإنها تعاني من أزمة مشاركة تعود جزئيًّا إلى ما يعتري البناء السياسي من تشوهات ونقائص، فبعض الدول ليس بها دستور، وبعضها الآخر ليس بها مجالس نيابية، وإن وجدت فهي شكلية، وتتفاوت هذه الدول بين الأخذ بالحزب الواحد والتعددية الحزبية، أو عدم الأخذ بالنظام الحزبي من أساسه. هذا المستوى الهابط من المؤسسية السياسية يقابله تغير اقتصادي اجتماعي مرموق، ولعل هذه الفجوة بينهما هي المصدر الأساسي لعدم الاستقرار السياسي، الذي تعاني منه كثير من دول العالم النامي .
وفى هذا السياق فأننا نشير إلى أهم الأسباب السياسية التى تؤدى إلى الامتناع عن التصويت:
1- العنف السياسى:
يبدأ العنف السياسي عادة من اروقة السلطة وقصور الرئاسة فالحزب الذي يحكم سواء عن طريق استصدار التشريعات والقوانين التي تصب لمصلحة الحزب وأعضائه أو عن طريق قرار استئصال معارضيه أو مخالفيه الذين يشكلون خطراً على مستقبل وجوده في السلطة ثم أن أعضاء الحزب الحاكم أنفسهم يمارسون من داخل الحزب عنفاً سياسياً ضد بعضهم البعض يمكن أن يسمى بالعنف السياسي الداخلي لتحديد صاحب الرأي ومصدر القرارات .. وقد يبدأ العنف السياسي من أطراف سياسية خارج السلطة تجمع قواها لتأليف معارضة قوية تناهض الحزب الحاكم وتطالب بحقوقها كالمشاركة في السلطة أو الاستحواذ عليها فتتجه الحكومة إلى مقاومة هذه المجاميع السياسية المتمردة بممارسة العنف السياسية المنظم ضدها مثل : حل هذه الأحزاب وحظرها أو تهديد أعضائها أو سجنهم أو قتلهم وايا كان الطرف الفاعل في ممارسة العنف (عنف رسمياً أم غير رسمي أو شعبياً ) فإن اللجوء إلى العنف يعبر عن وجود أزمة في المجتمع ترتبط درجة حدتها بمستوى ممارسة العنف على الصعيدين الكم والكيفي .
ويؤدى العنف السياسى بشكل عام إلى تدنى فى مستوى المشاركة السياسية بصفة عامة, إما فيما يتعلق بالتصويت فى الانتخابات فأنه يؤدى إلى امتناع الناخبين عن الذهاب للإدلاء بأصواتهم خوفا من العنف السياسى والاحتقان الموجود بين الأطراف المتنافسة, وانتشار إعمال البلطجة والعنف بالمقار الانتخابية.
2- غياب التعددية الحزبية الحقيقة:
النظام السياسي في حالة وجود أحزاب متعددة في تجميع المصالح المتضاربة ومن ثم تنسيقها بصورة يستطيع فيها النظام السياسي من تقديم أفضل الحلول الواجبة تقديمها في عمله ضمن المجتمع السياسي , أما إذا كانت المطالب المنبعثة من جهات عديدة تعبر عن قضايا متباينة يصعب على النظام السياسي تحقيقها , أو إيجاد قاسم مشترك واحد أو محصلة واحدة مرضية لجميع الأطراف , وهذا ما يؤدي بالنظام السياسي إلى بعثرة جهوده في ملاحقة المطالب أو في إيجاد انسجام وتوافق بين مجموعة المطالب المختلفة , والتي تطالب بحلول سريعة ومباشرة لما تدعو إليه.علاوة على ذلك وجود عدة جهات يرجع إليها الناخب , أي عدة اختيارات لتمثيل رأيه أو لعرض مطاليبه , تبين لنا تفاقم الجهات الوسيطة والتي يمكن أن تكون في حقيقة الحال ليست إلا واجهات خادعة للتعبير عما يريده الناخبون .فالناخب عندما يعطي رأيه في موضوع ما لا يقرر وإنما يترك أمر القرار إلى مجموعة معينة تعمل للبت فيما يخص المجموعة , فيمكن أن يكون عملها واقعيا" محكوما" بظروف النتائج الانتخابية والمساومات التي تحدث بين الأحزاب في سبيل المشاركة في السلطة , وبعيدا" عن الأصوات التي رفعت هذه الأحزاب إلى السلطة . ومن النتائج السلبية للنظام متعدد الأحزاب , هو افتقاد أغلبية متجانسة في البرلمان , مما يربك عمل الحكومة وذلك عند عدم إحراز الحكومة الثقة بصورة مستمرة من قبل الأحزاب العديدة الموجودة في البرلمان .
إما فى ظل النظم غير الديمقراطية يسيطر الحزب الحاكم على كافة المقاليد والأمور فى البلد, وتتم تزوير الانتخابات, وتكون الأحزاب الموجودة على الساحة أحزاب ديكورية لا تواجد حقيقى لها, فيمتنع الكثير من المواطنين عن التصويت فى الانتخابات, لأنهم يعرفون النتيجة مسبقا, وانهم لا يستطيعون تغيير شئ لو أرادوا فى ظل تزوير الانتخابات.
3- عدم إضفاء الشرعية:
قد تلجأ بعض الأحزاب والناخبين عن الامتناع عن التصويت فى الانتخابات, لعدم إضفاء الشرعية عليها, وإظهار اعتراضهم الشديد على الأوضاع أو النظام التى جريت الانتخابات فى ظله, ويكون ذلك مجديا عندما تكون النتائج المتوقعة للمشاركين فى التصويت
منخفضة .
4- غياب القوانين والتشريعات الديمقراطية:
تؤدى عدم وجود قوانين وتشريعات ديمقراطية وحقيقة لإجراء الانتخابات إلى امتناع المواطنين عن التصويت فيها, إذ غياب مثل هذه القوانين والتشريعات يؤدى إلى فقدان الثقة فى مدى نزاهة وشفافية الانتخابات .
5- غياب ثقافة المشاركة السياسية:
عدم توفر البيئة الملائمة التى تسمح بالتنوع والرأى والرأى الأخر, واحترام حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية, وعدم اهتمام النظام السياسى بتفعيل المشاركة السياسية بناء على رغبة حقيقة, فى ظل ذلك تغيب قيم المشاركة السياسية والانتماء لدى المواطنين بشكل عام ويكون هناك عدم رغبة فى التصويت فى الانتخابات.
الدولة وظاهرة الامتناع عن التصويت :
دور الدولة فى التأثير على ظاهرة الامتناع عن التصويت
الدولة يمكن أن تلعب دور إيجابى أو سلبى فى هذا الصدد فالجانب الإيجابى يتمثل فيما يلى :ج
1- تفعيل المشاركة السياسية :
على الدولة ككيان رسمى تفعيل المشاركة السياسية للمواطنين واشراكهم فى الحياة السياسية ويمكن تحقيق ذلك من خلال الآليات التالية :
أ- الأحزاب السياسية : المشاركة هى جوهر الديمقراطية, وحجر الأساس فى الديمقراطية كطريقة فى الحياة السياسية كما يذكر الفيلسوف جان دوى, هو مشاركة الأفراد الناضجين فى وضع القيم التى تنظم الجماعة, وتساهم الأحزاب فى تشجيع التجمع الإنسانى بكل صورة لتحقيق أهداف مشتركة, وبصفة خاصة التجمع السياسى, وتدريب المواطنين على العمل السياسى, والمشاركة فى شئون بلادهم, وتشجيع الفرد على الأقدام على هذه المشاركة بالانتماء إلى جماعة سياسية منظمة.
ب- المجتمع المدنى: لقد أصبح له دورا أساسيا ومهما فى المشاركة السياسية للمجتمع وفى تحديد أهدافه, وتنصيب البرامج التنموية, ومن هنا يتجلى دوره باعتباره قناة لكل فرد أو مجموعة أو شريحة تربطهم مصلحة أو هدف,ويلعب المجتمع المدنى دورة فى المشاركة من خلال التوعية وترويج ثقافة المشاركة فى الانتخابات.
ت- الإعلام: إذ تستطيع وسائل الإعلام أن تسهم بدورها فى دفع المواطنين نحو مزيد من المشاركة فى الواقع السياسى وإقناعهم بالتخلى عن السلبية , وما للإعلام من دور فى تدعيم المعارضة وتشكيل الوعى السياسى لدى الأفراد.
ث- الفيس بوك والانترنت: باتت تلعب هذه الإطر دورا قويا فى زيادة الوعى والتثقيف السياسى لدى شريحة كبيرة من المواطنين المستخدمين لها.
2- إرساء القيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان:
احترام الدولة لحرية الرأى والتعبير, وعدم التضييق عليهما, واتاحة الحرية لوسائل الإعلام والصحف, وتدعيم ثقافة الديمقراطية, والتدول السلمى للسلطة, كلها عوامل تساعد على المشاركة فى الحياة السياسية بشكل عام, والتصويت فى الانتخابات بشكل خاص.
3- إيجاد القوانين والتشريعات الانتخابية المناسبة:
إصدار الدولة للقوانين الديمقراطية التى تنظم العلمية الانتخابية, تكسب هذا العملية ثقة المواطنين, ورغبتهم فى المشاركة فيها,كاتباع نظم انتخابية ملائمة للناحبين مما يسهل عليهم عملية الاقتراع, وفرض عقوبات مالية على الأفراد الذين لا يدلون بأصواتهم فى الانتخابات.
فى الجانب الأخر يمكن أن تلعب الدولة دورا سلبيا فى زيادة ظاهرة الامتناع عن التصويت ويكون ذلك من خلال:
1- تزوير الانتخابات, مما يفقد المواطن ثقته بأهميتها ونزاهتها, فيمتنع عن التصويت فيها.
2- استغلال الحزب الحاكم لسلطته فى قمع معارضيه واستخدام العنف السياسيى مما يؤدى إلى إحجام الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم.
3- ضعف الحياة الحزبية ومنظمات المجتمع المدنى, مما يقضى على قيم وثقافة المشاركة السياسية.
4- اتباع نظم انتخابية معقدة يؤدى إلى عزوف الناخبين عن التصويت فى الانتخابات.
5- اتباع سياسات غير مرضية للمواطنين والأحزاب مما يجعلها تقاطع الانتخابات.
وهكذا فأن الدولة يمكنها أن تلعب دورا داعما للقضاء على هذه الظاهرة أو اخر يجعلها تظهر بشكل ملموس .
الامتناع عن التصويت فى الانتخابات وتأثير ذلك على النتيجة
حق الانتخاب في الديمقراطية هو حجر الأساس فيها. لأنه الوسيلة التي تمنح الشرعية السياسية للحاكم لإدارة الدولة لخدمة الشعب,استعمال حق التصويت هو ذروة المساهمة الديمقراطية وأكثرها تأثيرا على مستقبل الحكم. المهم أن يتجه إلى صناديق الاقتراع أكبر نسبة من المواطنين لاختيار من يمثلهم لتسيير دفة الحكم. ولكن "كثرة" الناس غير كافية للمساهمة الديمقراطية، هناك كذلك نوعية التصويت. بما أنه يمكن أن ينتج عن الانتخابات تغييرات جذرية قد تقدم أو تؤخر البلاد. لذا من الحكمة والواجب الوطني الإطّلاع اللازم على البرامج المعروضة من الأحزاب ومرشحيهم لاختيار الأفضل منهم عن معرفة, الاستخفاف بحق التصويت أو القول المألوف "صوتي الفردي لا يقدم ولا يؤخر"، يفرغ الديمقراطية من ماهيتها الأساسية وهو حكم الشعب بالشعب وللشعب. السذاجة والجهل لن يوصلا إلى الحكم إلاّ المشعوذين الذين يتلاعبون بأكاذيبهم وحيلهم وأموالهم لشراء أصوات الناخبين .
أسلوب وطريقة الانتخابات تشابه كافة أنواع الانتخابات أو الاستفتاءات الشعبية من نقابية واجتماعية. ..الانتخابات تضع على المحك مستوى الوعي الديمقراطي ومدى تطوره. فوجود رقابة جديّة للترشيح والانتخابات من قبل هيئات مستقلة محلية أو دولية تمنح الديمقراطية مصداقية ومكانة مرموقة في قلوب المنتخبين، مما يؤدي بالمواطن باحترام المساهمة السياسية ويقبل شرعية المرشح المنتخب.
ظاهرة الامتناع عن التصويت هى ظاهرة ذو حدين, فالأصل فى الديمقراطية هو حكم الشعب سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بطريقية نيابية,والامتناع عن التصويت يقفدنا حق اصيل من حقوقنا السياسية, بل يعتبره البعض واجب وطنى لا بد منه, ومن ثم فلابد من التصويت لأن لكل صوت وزنه وقيمته ويمكن أن يشكل فارقاً فى النتيجة, وعدم التصويت يعد فعلا سلبيا من جانب الفرد, وقد يعطى ذلك الأغلبية لفئة ما مما يترتب عليه نتائج سيئة أكثر مما هى الأوضاع عليه, وقد يعطى للنظام مبررات للحديث عن مدى قوته وشعبيته .
فالانتخابات تقوم بوظيفة توفير شرعية شعبية للحكومة المنتخبة أو تجديد شرعية الحكومة القائمة. فعن طريق الانتخابات الديمقراطية يصل إلى مواقع صنع القرار أولئك الذين يحظون بقبول الناخبين. 20 فالشرعية تستند في النظم الديمقراطية إلى أن الحكومة المنتخبة تعمل في إطار المبادئ الديمقراطية وتخضع لإرادة الشعب من خلال آلية الانتخابات التنافسية والدورية. وھذا بالطبع بجانب وسائل أخرى حال وجود إطار دستوري يحترمه الجميع، وآليات لمساءلة المسئولين ومحاسبتهم، وآليات للمشاركة السياسية، وصحافة حرة ومستقلة، واستقلال قضائي، والتمتع باستقرار سياسي واقتصادي,توفر الانتخابات الديمقراطية آلية لتجديد شرعية الحكومات القائمة، فحكومات الدول الديمقراطية قد يعتريھا الضعف مع مرور الوقت، ومن ثم تحتاج إلى تجديد شرعيتها وسط ناخبيها. وھنا يستطيع النظام الديمقراطي - عن طريق آلية الانتخابات التنافسية الدورية - أن يُجدد شرعية الحكومات القائمة ويعزز من الدعم الذي يوفره الناخبون لهم في مواقع صنع القرار. إن التجديد الذاتي لشرعية النظام الديمقراطي عن طريق الانتخابات الديمقراطية .
وفى الجانب الأخر قد يكون الامتناع عن التصويت فى الانتخابات سلاح للمعارضة والمواطنين فى مواجهة وإعلان رفضهم للأوضاع القائمة أو النظام السياسى فى حد ذاته, كما أن نسب المشاركة المتدنية فى الانتخابات تجعل من شرعية النظام مجروحة, وتفقده الكثير من مصدقيته عن حديثة عن مطالب الشعب وتمثيله له, كما أنها تعطى مؤشرات للعالم بمدى القمع وعدم الحرية والتضييق الذى يمارسه النظام فى داخله.
وبين ايجابيات وسلبيات الامتناع عن التصويت يؤكد تيار معين إلى ضرورة التصويت, وعدم الامتناع عن التصويت مهما كانت الظروف والأوضاع, إلا اننا نؤكد على ضرورة حساب الأمر بشكل عقلانى رشيد يقارن بين المكاسب والخسائر النتجة عن الامتناع عن التصويت, حتى يتثنى لنا اختير البديل الأفضل بالمشاركة أو الامتناع.
خاتمة:
أن ظاهرة الامتناع عن التصويت فى الانتخابات هى ظاهرة متواجدة فى كافة النظم السياسية مع اختلاف درجة الديمقراطية والحرية التى تسمح بها, إلا أن درجة ومدى وحجم هذه الظاهرة يكون أكبر فى النظم الغير ديمقراطية عنه فى النظم الديمقراطية, كما أن النظم الانتخابية المتبعة فى النظام تؤثر هى الأخرى بدورها فى مدى وحجم ظاهرة الامتناع عن التصويت, هذه الظاهرة التى تتنوع دوافعها واسبابها من اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية, ولا يمكننا إغفال الدور الذى يمكن أن تلعبه الدولة فى الحد من أو زيادة هذة الظاهرة, وارتباط هذه الظاهرة بالديمقراطية ومدى إضفاء الشرعية على النظام الحاكم.
قائمة المراجع
أولا المراجع باللغة العربية:
1- الكتب:
• سعاد الشرقاوى, النظم السياسية فى العالم المعاصر, كلية الحقوق , جامعة القاهرة,2007.
• رفائيل لوبيز-بنتور, أجهزة إدارة الانتخابات مؤسسات لإدارة الحكم, مكتب تطوير السياسات, برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
• على خليفة الكوارى محرر, الانتخابات الديمقراطية وواقع الانتخابات في الأقطار العربية, مركز دراسات الوحدة العربية – لبنان,2009
• أندرو رينولدز, وآخرون, أشكال النظم الانتخابية,ترجمة أيمن أيوب, المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات, ستوكهولم, 2007.
2- الأوراق العلمية والدوريات:
• أحمد تهامى عبد الحي, الثقافة السياسية للتحول الديموقراطى, مجلة الديمقراطية, مؤسسة الأهرام, يونيه 2008.
• ........,تقييم إطار تنظيم الانتخابات بالمغرب, ورقة بحثية, DRI و ترانسبرنسي المغرب، يناير 2007.
• بن داود براهيم, المعايير الدولية للنزاهة الانتخابية ومدى تحقق البناء الديمقراطي, دفاتر السياسة والقانون,جامعة زيان عاشور الجلفة,الجزائر, إبريل 2011.
• صخـــر المحمّــــد, أزمة المشاركة السياسية في البلدان النامية " الجزائر نموذجا ", ورقة بحثية, جامعة الجزائر, 2011,متاحه على الرابط التالى:
http://www.siironline.org/alabwab/moghavama_alfaghr/032.html
ثانيا المراجع الإجنبية:
• Anthony Downs ,The Causes and Effects of Rational Abstention , New York: Harper and Row, 1957.
• Muna Ndulo, Free and Fair Elections, Violence and Conflict, Harvard IL journal, vol 51,July 2010. 51 – JULY 5, 2010
• To Vote´-or-To Abstain? An Experimental Study of Rational and Normative Considerations Under First Past the Post and PR Elections,
• Hernandez, Raymond and Christopher Drew. "It’s Not Just ‘Ayes’ and ‘Nays’: Obama’s Votes in Illinois Echo", New York Times, 2007.
ثالثا المراجع الإليكترونية:
• http://ebn-khaldoun.com/article_details.php?article=671.
• http://annabaa.org/nba55/dictatwria.htm.
• http://www.saudiaffairs.net/webpage/sa/issue24/article24/article09.htm.
• http://www.alsharq.net.sa/2012/08/24/453924.
• https://groups.google.com/forum/#!msg/fayad61/p18iQ3_Gd6M/iSSzYbg1liQJ.
• http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=187147.
• http://www.alarabiya.net/ar/2013/03/10/مقاطعة-الانتخابات-وبدائل-المعارضة.htm.
• www.ayamm.org/arabic/war05y4cj.htm.
• http://pages.videotron.com/moubayed/chap12.html.
• http://www.achr.nu/art220.htm .
• http://arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/198.
#محمود_خليفة_جودة (هاشتاغ)
Mahmoud_El_Siely#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟