أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الفصل الأول _ لقاء طائر الأحزان ج1 . من رواية النرجس والرمان















المزيد.....

الفصل الأول _ لقاء طائر الأحزان ج1 . من رواية النرجس والرمان


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول
لقاء طائر الأحزان

حطت نرجس أول قدم لها على الدرب الضيق والمتفرع من الشارع العام لتأذن عن بداية حياة جديدة حياة لم تألفها من قبل لا في شكلها العام ولا في تفاصيلها الصغيرة , كانت الخطوة الأولى التي ستجعل منها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة التي كثيرا ما سينسج قبلها وبعدها وفيها المتناقلون تفاصيل وأحداث لا تمت لحكايتها بصلة ولم ترد في ذهن أبطالها ,لكنها مع الأيام ستتحول إلى قصة لها واقع وأبطالها أحياء قي دربونة بيت أبو الرمانة .
أبو الرمانة معلم من معالم الطرف النائم بوداعة في الجزء الشرقي من مدينتنا كربلاء ,قديم قدم العمارة الكربلائية الحالية يخلو من ما يميزه عن بقية الدرابين سوى بيت أبو الرمانة التي اشتهرت وكأن كربلاء لم تعرف الرمان ولم تزرعه في الكثير من البساتين المحيطة بالمدينة وبكافة أشكاله وأنواعه ,وتبقى هذه الرمانة بالاسم مميزة لتكتب عنوان لوجود ولمجتمع قبل أن يكون عنوانه الجغرافي هذه الشجرة بتاريخها فقط .
نرجس كباقي المهاجرين إلى المدن المقدسة تحمل قصة وقصة خفية ومؤلمة أحيانا لا يمكن لمثل هذه الحالات أن تنتشر في بيوت الدربونه بكل سهولة لأنها أصلا لم تلد من أفواه أصحابها , البيوت أسرار والقلوب مخازن تحمل في طياتها ما لا يمكن أن يخرج بل يحكم عليه بالموت الأبدي ليقطع صلة الحاضر بالماضي ,حكمت نرجس على ماضيها بالموت ودخلت إلى هذا المكان كائنا لا يحمل أي هوية سوى الرغبة بالعيش مستورة تحت ظل رجل يمنحها الستر والأمان وربما المستقبل بعد أن دفنت ذاك الجزء الممتد لأكثر من ربع قرن بكل ما فيه من مرارة وجمال وربما أشياء عزيزة , نرجس اليوم مقطوعة الصلة تأريخها يبدأ مع أول خطوة هنا في بيت أو رمانة .
أبو الياس رجل في الأربعين أو أكبر قليلا ضخم الجثة مدور الوجه له عينان أشبه بالجاحظة بوجه زاهر حتى تكاد ترى خطوط حمراء دقيقة تنتشر على وجنتيه المتوردتين أفطس الأنف قليلا ما يميزه هو روحه المرحة التي جعلت منه أحد معالم منطقة باب القبلة ,في منقلته الجاهزة دوما وفي ذات المكان من سنين حتى هو لا يعلم كم قطع منها ,شاي أبو الياس يعد عند الكثيرين جزء من برتوكول الزيارة للذين يتوافدون على المدينة , وجزء من حياة الكثيرين كسبة وأرباب عمل وأصحاب المحلات الكبيرة والصغيرة , وحتى كبار المسئولين عند وصولهم لباب القبلة لا بد لهم من أن يمروا كزبائن له.
نرجس السيدة الغريبة عندما وصلت كربلاء كزائرة تحمل هما لا يشاركها أحد فيه فناءت به وما كان لها إلا أن تسأل عن من يساعد أشار العارفون أن أبو الياس هو القادر على أن يفتح كل الأبواب وبدون تردد , جلست شربت شايا وطلبت أخر ثم طلبت سيجارة , كان هذا الطلب هو الذي جلب أنتباهه من غرابته ,مرات نادرة جدا أن تطلب امرأة هذا الطلب من شخص لا تعرفه , دفع لها ما بقي في علبة الدخان المربعة الصفراء مع زناد وألتفت نحو الجدار لتدخن وتبعث بالدخان بزفرات قوية زادت من أهتمام أبو الياس فيها .
بيت أبو الرمانة مجموعة من البيوت إن صح التعبير مجتمعة في مكان واحد أصلا هو كان يعود لعائلة كربلائية قديمة مقسم على شكل أجزاء مستقلة أو غرف منفردة والأخرى مرتبطة مع بعضها بمنافع مشتركة خصص جزء منه للضيوف والزوار الذين يتوافدون أثناء المواسم الدينية ,تحول بعد أن هجره أهله إلى ما يشبه الخان ليتسع لأكثر من عشر عوائل وأحيانا أقل أو أكثر حسب ما يتوفر من نزل يسكنون ويغادرون إلا أبو الياس الذي هو المتولي عليه ولا يعرف أحدا مالكا أو صاحب تصرف غيره يسكن الجزء الأهم فيه ويسمى الدخلاني مغلق على حاله وكأنه ليس جزء من المكان .
نرجس تركت متاعها بالقرب من موقد أبو الياس وذهبت للصلاة تأخرت كثيرا ولم يكن من عادته أن بتأخر لما بعد صلاة المغرب فهو ملزم كما العادة أن يرافق الجميع حيث يقضي السهرة مع الشلة قد أن يذهب منهوك القوى للدار ليعود على النهوض فجرا كدورة حياتية لم تنقطع منذ سنين لا يعرف الأجازة ولا يعرف العطل الرسمية أنه رجل كادود عرف أنه الهمة والنشاط حاول أن يترك متاع السيدة الغريبة ولكنها سبق أن طلبت أن تكون دخيلة على شواربه التي يعتز بها أكثر من أعتزازه بنسبه الذي لا يعرف منه سوى أمه التي حملته إلى كربلاء أيضا بلا تأريخ وبلا هوية ,ما سيقوله الناس غدا عنه لا يبقي له سمعه حرص أن لا تدنسها كلمة سوء فقط أبو الياس أبو الغيرة .
جاءت مثقلة لا تكاد تستطيع الكلام سألها عن وجهتها وما تحمل من فكرة أو سؤال , اختنقت بعبرتها ولا تكاد تستطيع الكلام من كثرة النشيج والتنهد أنها موجوعة جدا ,صاح بصوته المميز لا تبكي أبو الياس موجود والله لو الملك خصمك لا يستطيع أن يصل فقط أعرف كيف لأتصرف , شكرته وقالت أنا بحاجة إلى سكن وليس معي شيء , ولا فلس ولا درهم ,قال هذا أبسط طلب رافقيني أنت أختي في الله وذهبا معا تتبعه حاملة معها متاع ملفوف بثوب لا يعرف شيء فيه تتبعه في خطوات واهنة تفصل بينهم أمتار كثيرة لم يسمع إلا سقوط شيء ألتفت عليها وجدها تكومت على الأرض حاول مساعدتها على النهوض لم يستطع طرق الباب الأقرب على عائلة طالبا المساعدة من النساء .
في الطريق إلى الدربونه وهي قريبة جدا خرجت الكثير من النساء للمساعدة وأدخلن نرجس الدار كانت شاحبة جدا ومصفرة الوجه كأنها غزالة منهكة كما أخبرته أحدى النساء لم تتكلم بحرف واحد برغم من سيل الأسئلة ,عرف بفطنته من معاشرة الناي وما عرف من أسرار الناس الذين يلتجئون إليه طلبا للمساعدة أن نرجس ليست مريضة بل جائعة وجائعة فوق الأحتمال كرامتها تمنعها أن تتكلم , أستأذن من صاحبة الدار دقائق معدودة وسيعود ليأخذها , حاولت النساء أن تستنطقها لم ولن تتكلم بل استرخت وربما أخذت غفوة صغيرة بانتظار عودة مضيفها .
هذا اليوم كان مميزا في حياة أبو الياس فقد أخبره الحملدار أن جواز سفر والدته جاهز وأنه يستطيع أن يخبرها أن حلمها بالحج أصبح حقيقة وما عليها إلا أن تتهيأ للسفر ,في ساعات الظهر أيضا كانت مفاجأة له شرحت صدره وأشاعت في روحه المرحة ما يزيدها أنشراحا وقد اخبره أحدهم أن موضوع بناء ما حول المرقد الشريف ستتأجل مما يعني له فرصة أن يبقى في مكانه بدل البحث عن مكان أخر ومن الضروري انه سيكون بعيد قليلا , وأخيرا نرجس التي أفسدت عليه السهرة لكنه سعيد أنه يساعد إنسان بهذا الحال مر على جبار أبو الفشافيش وطلب صينية كاملة فيها كل شيء وعلى السريع جدا , حمل الصينية ملفوفة في ورق الجرائد ودق الباب وأصطحب نرجس إلى حيث أمه في بيت أبو رمانة .
لم يكن غريبا على والدته تصرفات أبو الياس ولا على الجيران فهم يعرفونه جيدا بالرغم أن يشرب الخمر يوميا إلا أنه يعامل الجميع على أنه من عائلته ويسمى الجميع عيال الحسين , لم تسجل ضده أي حالة سلبية لم ينظر لامرأة نظرة سوء لم يتوان أن يمد يد المساعدة , لم يتشاجر مع أحد بيته مفتوح للغرباء ,صحيح أنه لا يملك من الدنيا إلا الحطام وهذه الوالدة العجوز التي أجهدت نفسها أن تصنع منه رجل ذو صفات نادرة لكنها وللآن لتبوح له بأسرارها إلا في حالتين يتمنى الأولى الآن وهو ذهابها للحج وإبراء ذمتها أمامه وأمام الله ,أستقبلت نرجس كأنما تستقبل بنتا من بناتها ما رفع من معنويات نرجس وفتحت نفسها على أن تحتضن العجوز لتفرغ شحنة سالبة دمرت حياتها من قبل , تركهم وذهب لينام لكنه لم يقاوم الرغبة في معرفة نرجس وقصتها وكابد هذه الرغبة حتى أستسلم للتعب ونام .
مرت أيام على وجود نرجس في بيت أبو الياس تحسنت صحتها وصارت هي أم البيت تقوم بكل الأعمال المنزلية تراعي العجوز وتهتم بها ,تذهب للتسوق لتعود لتنجز الكثير , أصبحت الدار ممتلئة حيوية وظهرت فيه الكثير من صفات البيت العامر ,حتى أبو الباس لم يعد يسهر كل ليلة ليلبي طلبات البيت وشراء مستلزمات طلبتها نرجس ليس لها بل للعجوز التي ستذهب للحج وعليهم تدبير أمر سفرها وعودتها , أصبحت غرفته الآن تحمل لمسات أنثى حقيقية بعد ما كان هو من ينظف ويرتبها في أوقات متباعدة أو يأت أحد للمساعدة أحس أن حياة جديدة دخلت عالمه بتفاصيلها الجميلة والبسيطة لتقتحم حياته وهو مستسلم بها بإرادة ,صارت نرجس جزء من الحياة ولكن هناك ما زال حاجز أنها غريبة عنهم وما زالت تتعامل كأنها ضيفها أمامها أحتما أن تغادر في لحظة ما تحت ظرف ما , اخيرا طلبت منه أن يبحث لها عن عمل بأي مكان خاصة وأن العجوز سوف تسافر للحج وهذا ما لا يسمح لها بالبقاء في البيت .
بين أن ينفذ لها رغبتها وبين حرصه على البقاء بعدما تعلقت به والدته وهو أحيانا يشعر أن الحياة بدونها ستعود كما كانت لا أبالية ولا أهتمام ولا أي إحساس بأن أحدا ما يهتم به إنسانيا تحيرت أفكاره وتشتت الحلول بين يديه فصارح والدته أن تسأل نرجس عن قصتها وأن تعرف أكثر عن وضعها وهل يمكن أن تبقى في الدار لحين عودتها من الحج ,كانت الكلمات تتلجلج في فمها لم تعد تعرف كيف تجيب ولكنها أصرت أن ترحل ولو لغرفة ثانية في البيت لحين عودتها من الحج , هذا أخر ما عندها والأيام القادمة كفيلة بالحل , سمع ما قالت أمه وقرر أن يترك الدار لها وهو يسكن في مكان أخر حتى يقضي الله الأجل , كان أيضا قرارا نهائيا وغدا عندما تذهب العجوز للحج سيأخذ أغراضه وينتقل لمكان أخر ,أخبرها أن كل شيء بمحله وهي الآن صاحبة البيت وهو ووالدته الضيوف .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان الأمانة العامة للمبادرة الوطنية للمصالحة والسلام بشأن ا ...
- ملامح من الوضع العراقي القادم
- السلام ومطلب الحرية
- مفهوم المقاومة الشعبية
- هل نجح الجيش العراقي في الأستعداد للمواجهة
- صباح العراق
- الموقف الإقليمي والدولي ومسألة الموصل
- قرار المواجهة وحدود التنفيذ
- زمام المبادرة مفتاح التحرك نحو النصر
- هل ينبغي ترك الموصل للقوى المسلحة والاكتفاء بالتفرج
- خيارات الحرب والسلام في العراق
- لماذا الأنهيار المفاجئ للجيش العراقي في الموصل
- العمل العراقي في التعامل مع المستجدات الأمنية والعسكرية
- بيان المبادرة الوطنية للمصالحة والسلام
- العراق والمأزق السياسي الحالي
- العرب والأعراب حقيقة الواقع ووهم التأريخ
- فصل البذرة والطين _ الفصل الأول من روايتي ماركس العراقي
- ولادة مشوهة _ قصة قصيرة .ج1
- ولادة مشوهة _ قصة قصيرة .ج2
- الفلسفة والإيمان بحدود الزمن


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الفصل الأول _ لقاء طائر الأحزان ج1 . من رواية النرجس والرمان