أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - خليل فاضل - التحرش الآن في مصر الصياد الوسخ














المزيد.....

التحرش الآن في مصر الصياد الوسخ


خليل فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 13:31
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


في المجتمعات المتخلفة تزحف الحشرات والقوارض والزواحف من أطراف المدينة إلى قلبها ومعها سلاحها الأبيض، وموبايلاتها بصورها الإباحية، وكليباتها الفاحشة، بشعرِها المدهون بالجيل الرخيص. كلٌ يحمل عضوه المنتصب بين فخذيه، مع بضع جنيهات، ويدٌ تعبث بالسلاح الأبيض والموبايل والعضو التناسلي، تأهبًا للانقضاض على سُرَّة البلد. ينهشون القلب منها، ويتركون لعابهم وسوائلهم ووساختهم هناك. يتضورون جوعًا ليكونوا في الدائرة، بعيدًا عن الاستبعاد والاستعباد. يأتون من أطراف العاصمة المحرومة إلى مركزها في المنتصف، وسط البلد. تغمرهم الأضواء الثلجية والفسفورية والشمسية، وتجمعهم مع نساء وبنات، تفوح منهن روائح عطرة، ويلبسن فساتين مزدانة بألوان مختلفة، ويتحدثن بلكنة الآخر الغريب، تقطعها كلمات أفرنجية (فرنسية وإنجليزية)، على خلفية مبنى المتحف المصري القديم بلونه الدموي الآيل للغروب، ومبنى الحزب الوطني المحترق بسُخامِه، ذكرى الفوضى في الثورة، وعمارات القاهرة العتيقة التي بناها الطلاينة والفرنسيون والإنجليز، فسحة المكان والزمان؛ فالليلة عيد، والرئيس الجديد يحتفلون بتنصيبه، إذن فلتعم الفرحة ولنحتل حديقة الميدان، نأخذ مكان الثوار ومطربي العود الرنان، ولترتفع حواجز الميدان الحديدية، متى شاءت الداخلية ومتى شاء حرس حدود ميدان التحرير؛ فالزواحف تستبيح الميدان بحثًا عن الفريسة، وبعيدًا عن الجنس والرغبة واللهفة، التي يمكنهم إشباعها في أحيائهم (المدينة الأُخرى) متى شاءوا، هنا نوع آخر من النساء في يوم عطلة مجلس الوزراء، وتزامنًا مع حواديت التعذيب المُمنهج في السجون، تبدأ طقوس وإشارات التحرش المُمنهج بحثًا عن أنثى، أو جسد، أو رائحة، أو عن خوف، رعب، هلع، هيصة، ازدحام، اكتظاظ، صياح، صراخ، ويقف الرجال الذين تتحدث عنهم الأغاني الحماسية، الذين يبنون الوطن، شباب المستقبل يصورون بموبايلاتهم الحدث في شبق التلصص العلني، شبق المشاهدة، بقلب وعقل القوّاد، وببرود الثلج في زمهرير الشتاء، ويتفرجون كما الرجال في صناديق الرغبة المدفوعة الأجر في بلاد الشمال.
تتسرب الصور إلى الإعلام الموازي، ويتطرق إليها الإعلام الخاص، ويتجاهلها نسبيًا إعلام الدولة، ولا يظهر في الحادثة سوى ثلاث: المرأة، وابنتها، والضابط الذي أنقذهم، أما باقي العبيد والخصيان فلقد استمتعوا بالحفل للغاية.
ها هم المسامير الصدئة يدقها المجتمع المرتبك في عمود الانسان الفقري، ليلوث دمه، بعد أن تلوث غذاءه وهواءه.
ويأتي الشباب رجالًا ونساءً، وتأتي النخبة بحريمها وسادتها لتدين، لكنهم لا يدركون أن لعبة القط والفأر في اصطياد مجموعة من المُتحرشين المُنحطين الآتين من عشوائيات، محرومة من الحيز الإنساني المعقول، ومن الراحة، والنظافة، والثقافة، ولا يملكون رفاهية التنزه أو التنقل في حرية، وهنا إذا جرّد كل المتحرشين الضحية في هجمة ذئاب، وإذا تجمعوا واستمتعوا بموتها الانساني وسط ضحكاتهم الفجّة، أتى الجنس هنا كقشرة خارجية سهل كسرها، وتختلط كل الأمور، فإذا ارتدت امرأة النقاب أو الحجاب، أو كانت سافرة، فهي معرضة للانتهاك نهارًا جهارًا، وفي زحمة الليل وفي هدأته، وفي فراشها مع زوجها الذي تلبسه روح المتحرش؛ فكلما زاد عنادها وكرهها لمزيج رائحة عرقه وتراب الطريق، كلما زاد إصراره على اغتصابها كزوجة والتمتع بأخذها عنوة، فالصيد أنواع، والصياد الوسخ يتقن تعذيب الضحية، ثم إيلاجها بعنف وبتكرار، ليفرغ فيها ضعفه، وكرهه، وحقده، ووحشتيه، وقلة حيلته، ويأسه، وتهميشه، وفشله.
المتحرشون أنواع، لا يقلون وساخة عن بعضهم البعض، فالمتحرشون ذوو الياقات البيضاء في مكاتبهم المُكيفة، والباشوات في بيوتهم مع خادماتهم، والكبير والغني مع الضعيف والفقير، ومدير البنك مع موظفاته الحلوات الصغيرات، وصاحب الأرض مع بنات التراحيل، وأخطرهم المتحرش المُنحط المحروم من الغناء، والاستمتاع، والقدرة على صرف ما لديه من مال على ما يعرفه من فنون الحياة الدنيا.
من هم هؤلاء في عرض الطريق العام؟ أولادنا ، وأحفادها، وأخواننا، وإفرازاتنا، ونتاج أفعالنا، وعوراتنا، وتوحشنا، وقبحنا، وكذبنا، وسفالتنا، وإهانتنا لأنفسنا، وتاريخنا الضائع في الحروب والسلام وأمنيات الرفاهية والرخاء.
بخلاف الثمانية عشر يومًا في يناير 2011، لم نر أبناء الطبقة الأرستقراطية في الميدان، لكننا دومًا ما نرى بنات الطبقة الوسطى المُستهدفة من الطبقة الدنيا والعليا، تلك التي ضُغطت وتعرَّت وسط هؤلاء وهؤلاء. الطبقة الوسطى لها احترامها وحفاظها على كينونتها، في حين تمزقت أواصر تلك العليا المهيمنة على الأرض والعرض، والطبقة الدنيا التي يبصق عليها الجميع ليل نهار، وهي تسرق الأرض لتبني عليها عنوة، وتسرق الكهرباء والماء، وتظل محرومة من التعليم والصحة والاحترام.
ليس هناك جنس مكبوت وليس هناك خلل عقلي.
هناك أطفال شوارع يمارسون الجنس، أمام أعيننا في كل مكان في القاهرة وغيرها، وهناك حوادث بشعة في وسائل النقل العام ليل نهار.
هناك فوضى ودعوات محمومة من البنات لإخصاء المتحرشين، ولفقأ عيونهم، وستكون حربًا أهلية في شوارع مصر، بين الرجال والنساء، تترك لنا خلفها ضحايا مبتوري الذكورة ومدن تعج بحركة الحمقى.
هناك تواطؤ سري بين أجهزة الدولة التي ترهلت وتعفنت، وبين مفهوم الرجولة والنخوة، والأنوثة والزواج والطلاق، وبين فقدان التماسك وانتشار الوقحين الكذابين الذين يبعثون على الغثيان في الشاشات ليل نهار.
إذن المسألة في صُلب بنية المجتمع العجوز، وفي صلب العقل، والحقيقة. إذن فلنتمهل وننسى كما نسينا ولنشاهد مباريات كأس العالم ومسلسلات رمضان، ونذهب للعمرة وللحج، ثم تقوم قيامتنا عند الموجة القادمة للتحرش والقتل وحوادث الطرق والعنف السياسي، وصوت الانفجارات، والتصفيق، والتعذيب، والأنين المكتوم، وذكرى الهجوم العشوائي هناك في الميدان، في التحرير، التحرير من عبء المسئولية والمواجهة بين الأنا والآخر.



#خليل_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطير يهاجر إلى كون سرمدي
- مصر: الدولة، الإعلام، والعقل الباطن
- المَوَّال الحَزين
- المصريون مُحبَطون
- الزهراء، وسنوات العمر الضائعة
- قصيدة إمرأة تطل من الشرفة
- رائحة الموت.... والحياة
- قصيدة حوار البوعزيزي وبائع البطاطا
- مقتل بائع البطاطا قصيدة
- قصيدة محمد الجندي
- ساعة الحظر
- عصفور البدرشين
- الحُسَيْني أبو ضَيْف
- الشخصية المصرية إبّان ثورة 25 يناير وما بعْدها
- التحليل النفسي للحالة المصرية الآن
- قُبَّعة الخواجة
- سيكولوجية الدم فى مصر الآن
- الفسيفساء في مواجهة الخفافيش ملامح الشخصية المصرية .. في ثور ...
- القلق المستَبِدّ وضراوة الإشاعة
- سيكولوجية رجل الأمن فى جمهورية الخوف (مصر سابقاً)


المزيد.....




- وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه ...
- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - خليل فاضل - التحرش الآن في مصر الصياد الوسخ