أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - مها فهد الحجيلان - مثقفونا الفقراء















المزيد.....

مثقفونا الفقراء


مها فهد الحجيلان

الحوار المتمدن-العدد: 1268 - 2005 / 7 / 27 - 11:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


يمرّ بعض المثقفين في مختلف البلاد بمشكلات ماديّة ولاسيّما إذا كانوا من المخلصين لعملهم الثقافي، فهم يُمضون جلّ وقتهم إمّا في العمل الأكاديمي أو في الكتابة الأدبيّة أو سوى ذلك من الأعمال العقليّة، ولا شكّ أنّهم ينتجون أعمالاً رائعة لكنهم في المقابل لا يحصلون على المردود المادّي المناسب لعملهم. إنّ انشغالهم التامّ بعملهم الفكري كان ضرورة لكي ينجزوا مشروعاتهم الفكريّة والأدبيّة المختلفة. إنّ الأمثلة على هذه الحال كثيرة من مختلف العصور، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن دور الجهات المعنية بالثقافة والفكر سواء أكانت حكومية أم أهليّة من دعم المفكرين وتشجيعهم على الإخلاص لعملهم ومساعدتهم حينما تواجههم ظروف صعبة في الحياة.
لقد لفت انتباهي أنّ هناك من الأدباء السعوديين المتميزين من لا يستطيع أن يملك نقوداً بسيطة لكي يدفعها للعلاج؛ فالقاصّ جار الله الحميد مثلاً لم يجد مالاً يدفعه لكي يعالج كسراً في يده قيّد حركته ونشاطه منذ أكثر من عام. والعجيب أنّ أحداً لم يولِ ذلك عناية رغم أنّ الحميد نفسه أخبر بعض المسؤولين بذلك، بل إنّ بعض زملائه عنّفه لمجرد أنّه طلب المعونة التي كان يحتاجها. ولا بد من التوضيح بأنّ جار الله الحميد ـ لمن لا يعرفه ـ هو من أولئك المثقفين في مجتمعنا ذوي الضمير الحيّ والحسّ الإنساني النبيل، وقد حباه الله أسلوباً جميلاً في الكتابة النثريّة تُميز جميع أعماله الروائيّة والقصصيّة ومقالاته العامّة. وربما لم يكن الأمر مقصوراً على الحميد، بل ثمّة غيره كثيرون مروا ويمرون بهذه الظروف القاسية سواء في بلادنا أو في غيرها. إنّه لأمر محيّر حينما يكون مثقفونا في شقاء وغيرهم يجد نفسه مدعوماً من الجمعيات الثقافية والجامعات والصحف وغير ذلك من الجهات.
ولا بدّ من التأكيد هنا أنّنا لا نبحث عن ترف لهذه الفئة الفاعلة والمهمة في وطننا، بل إنّ الأمر يتعلّق بالحاجات الأساسيّة التي يبحث عنها أي فرد، ويهتم بها أي مجتمع لأفراده المتميزين. إنّ الاهتمام والعناية حق لكل مواطن ومواطنة، ولكن ما الذي يحصل حينما يكون المثقف موعزاً يشغل فكره ليلا ونهاراً برغيف خبزه لكي يسدّ رمقه أو رمق من يعول، أو يفكّر بعلاج يده المكسورة التي منعته من الكتابة؟
من الطبيعي أن نتوقع لهذا المثقف المشغول أن يتوقف جزئياً أو كلياً عن العطاء، وربما يتعاظم الأمر ويصل إلى درجة سلبيّة فيمقت أعماله ويكره الزمن الذي قضاه فيها ويفعل ما فعله أبو حيان التوحيدي فيتقصّاها ويتلفها، وبهذا خسر المجتمع عقلا بارزاً وعملاً عظيماً كان يمكن له أن يبقى يحارب العقول الظلامية التي لا تتعب ولا تعوز يوما لإكمال خططها السيئة ضد المجتمع أو الحياة. لقد أحرق أبو حيّان التوحيدي كتبه وكتَبَ رسالة مؤلمة بعد ذلك يؤنّب فيها أصدقاءه ومريديه موضّحاً مقدار إحباطه الشديد والحسرة التي عاشها حينما وجد أنّ عمره الذي قضاه في العلم والمعرفة والكتابة لم يعطه شيئاً يسد رمق حياته.
لا نريد لتجربة أبي حيّان التوحيدي المؤلمة أن تتكرر مرّة أخرى؛ يكفي أنّنا خسرنا أعمالاً جليلة للتوحيدي لو أنّها وصلتنا، فما وصلنا من أعماله التي سلمت من الحرق أثبت أنّه كان من خيرة كتّاب عصره ليس فقط في الأسلوب النثري الرشيق بل في الفكر والرؤية والتحليل العقلي لمعطيات الحياة المختلفة في زمنه. إن من مصلحة المجتمع بكامله دعم مفكريه ومثقفيه، وليس الأمر "شحاذة" بقدر ما هي رغبة حقيقيّة في الحفاظ على الحركة الثقافيّة والتعليميّة الإيجابيّة من خلال المحافظة على هؤلاء المبدعين.
ويبدو أنّ هذا العوز ليس حالة فرديّة، بل إنّه يطال مؤسسات التعليم كذلك؛ ويمكن الإشارة كذلك إلى بعض منسوبي التعليم كمثال آخر لمثقفينا الفقراء. وإن كان الفقر هنا مختلفاً عن الحاجة الفرديّة في الدرجة لكنه يشبهها في الكيفيّة. عند النظر إلى جامعاتنا يُلاحظ الفرق الواسع بينها وبين كثير من الجامعات العالمية من ناحية دعم أعضاء هيئة التدريس مادياً وتمويل مشروعاتهم البحثيّة ومختبراتهم وإعطائهم حسابات بحوث خاصة يمكن لهم من خلالها القيام ببحوثهم المتنوعة وبالكيفية العلميّة المناسبة.
من المعلوم أنّ الخطط التطويرية للتعليم تحتاج إلى دراسة ودعم مادي سخي يذهب لخدمة أهداف واضحة ومحددة. كثير من الجامعات العالمية توفّر "حساب بحث" لكل عضو هيئة تدريس في الجامعة يزيد وينقص على حسب نشاط ذلك العضو ويستطيع عضو هيئة التدريس من خلال هذا الحساب أن يوظف طلاب وطالبات دراسات عليا يساعدونه في بعض أبحاثه ومختبراته ويُدفع لهم بالساعة، ومن هذا يستفيد الطلاب/الطالبات وأعضاء هيئة التدريس والجامعة.
وتظهر المشكلة جليّة حينما نعلم أنّ أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا يعانون من انخفاض رواتبهم مقارنة بغيرهم من منسوبي التعليم في المدارس، كما يعاني كثير من الطلاب والطالبات من ضمور فرص الحصول على قبول طلبهم بالعمل في الجامعة خصوصا أن بعض الأقسام الجامعية ليس لديها فرصة لوظيفة "معيد" أو "باحث" أو "مساعد باحث" منذ سنوات طويلة، وبعضها الآخر تتلاعب على النظام بحيث تستقدم أساتذة أجانب أو عرباً ثم تعيّنهم معيدين فيأخذون راتباً أقل من غيرهم، ويكون القسم بهذا ربح التوفير ولكن طلابنا وطالباتنا خسروا فرصة حصولهم على وظيفة "معيد" التي يفترض أن يشغلها طلاب/طالبات الدراسات العليا لخدمة أبحاثهم ومساعدة أعضاء هيئة التدريس. فربما غفل أو تغافل بعض رؤساء الأقسام أو مجالس الأقسام في الجامعة عن أهمية توفير فرص وظيفيّة لطلاب وطالبات الدراسات العليا حتى أصبحت بعض هذه الأقسام الآن تعاني من تقاعد عدد كبير من منسوبيها دون وجود بديل سعودي لهم وبهذا ستضطر الجامعة لاستقدام الأجنبي بينما كانت الفرصة سانحة للسعودي والسعودية في قبولهم للعمل فيها معيدين وبالتالي تعيينهم بعد التخرج في القسم.
إنّ سوء التخطيط المادي في جامعاتنا لم يحدد فقط فرص البحث والتوظيف بل أيضاً خيّب آمال منسوبيها من أعضاء هيئة التدريس ممّن يريدون الدعم المادي المناسب لأعمالهم الأكاديمية ولكن للأسف لم يحصلوا عليه بالكيفية المناسبة واضطر بعضهم لترك الجامعة للبحث عن فرصة أفضل. كما أنّ طلابنا وطالباتنا لا ينقصهم الحماس ولا الذكاء ولا الطموح لمجاراة غيرهم من الطلاب والطالبات حول العالم، ولكن الفرق هو في بروتوكولات جامعاتنا وعدم تجهيز أقسامها مادياً بشكل ذكي، وعدم جرأة بعض رؤساء أقسامها على مناقشة ما سنّه الآخرون قبلهم.
ما الذي يمنع جامعاتنا من توفير فرص أكثر وأيسر للحصول على وظائف في جميع الأقسام لطلاب وطالبات الدراسات العليا فيها؟ وما المشكلة في توفير دعم مادي مناسب لأعضاء هيئة التدريس لإتمام بحوثهم التي ربما تحتاج دراسة ميدانية أو سفراً أو تجارب في المختبر قد تستلزم استقدام مواد وعينات من مختبرات في جامعات أخرى؟
وأخيراً متى يصل صوت المثقف والأكاديمي الذي يملك القدرة على إنجاز عمل مفيد لكنه لا يملك الدعم المادي لمشروعه، أو حتى لا يملك ما يعالج به كسر يده؟ متى يصل صوت كاتبنا المبدع جار الله الحميد للمسؤول المناسب الذي يرى في دعم أمثال الحميد دعما للوطن بأكمله؟



#مها_فهد_الحجيلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يحصل في إدارة تعليم الزلفي؟
- ظاهرة المحاكمات الفكرية ضدّ الكتّاب
- المجتمع الصحي يتكامل فيه الرجل والمرأة
- كيف تدعم المراكز الصيفيّة التي تقيمها وزارة التربية والتعليم ...
- لماذا لا تُسند المراكز الصيفيّة إلى مؤسسات أهليّة؟
- التعدّي على الخصوصيّة الفرديّة في المجتمع السعودي
- أسلوب التعبير عن الاختلاف في الرأي عند الإسلاميين
- العنف وثقافة الموت في مدارس البنات
- كيف يدعم الإنترنت الإرهاب في السعودية؟


المزيد.....




- الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي ...
- إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
- طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
- صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
- هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
- وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما ...
- حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر ...
- صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق ...
- يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - مها فهد الحجيلان - مثقفونا الفقراء