أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الشعر والثقافة العربية / الإسلامية















المزيد.....

الشعر والثقافة العربية / الإسلامية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4482 - 2014 / 6 / 14 - 00:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الشعر والثقافة العربية / الإسلامية
طلعت رضوان
يرى كثيرون من المتعلمين المصريين ، من كبار الروائيين والشعراء والباحثين ، أنّ الثقافة العربية جزء أصيل من الثقافة المصرية. والثقافة- وفق التعريف العلمى – ذات شقيْن : الثقافة بمعناها السائد ، أى الإنتاج الأدبى من رواية ومسرح وشعر ودراسات فى العلوم الإنسانية. والشق الثانى : الثقافة بمعناها الأنثروبولجى ، أى الثقافة القومية التى هى مجموع أنساق القيم التى أبدعها شعب من الشعوب عبْر تاريخه الممتد ، ويُساهم فيها الأميون بالدور الأهم فى الحفاظ على الخصوصية الثقافية ، من عادات وقيم السلوك اليومى والإبداع مجهول المؤلف ، من أمثال ونكت (جمع نكتة وهى صحيحة لغويًا) ومواويل إلخ.
وإذا كان الشق الثانى (أنساق القيم) هو المعيار الأهم فى علم الأنثروبولوجيا ، حيث أنه العامل الحاسم فى التفرقة بين شعب وشعب ، فإنّ الشق الأول (السائد) يُساعد على تعميق الشق الأول . وعلى سبيل المثال فإنّ أغلب شعوب العالم (القديم والوسيط والحديث) لها تجارب فى كتابة الشعر. وكان العرب لهم تجارب فى كتابة الشعر قبل الإسلام . وكان النبى محمد على علم بذلك ، ورغم ذلك قال عن (امرؤ القيس) الشاعر الشهير((ذاك رجل مذكور فى الدنيا شريف فيها ، منسى فى الآخرة خامل فيها ، يجيىء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار)) وفى رواية أخرى ((يتهادى بهم فى النار)) فهل هذا الموقف من محمد له علاقة بما ورد فى القرآن الذى نصّ على ((والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم فى كل وادٍ يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون)) (الشعراء- من 224- 226) وفى الآية التالية استثنى ((الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا)) أى أنّ الشعراء الذين لهم حق قول الشعر لابد أنْ تنطبق عليهم شروط النص القرآنى ، أما غيرهم فهم الذين وصفهم فى الآيات السابقة على آية (والشعراء يتبعهم الغاوون)) فقال ((هل أنبئكم على من تنزّل الشيطان . تنزّل على كل أفاكٍ أثيم . يلقون السمع وأكثرهم كاذبون)) (من 221- 223)
فلماذا يدخل امرؤ القيس النار؟ خاصة أنه قال شعره قبل الإسلام ، واسمه بالكامل امرؤ القيس بن حُجُر (بضم الحاء والجيم) ومات سنة 80 قبل الهجرة . وهو صاحب المعلقة الشهيرة التى مطلعها ((قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.. بسقط اللوى بين الدخول فحومل)) وذكر من أرّخوا لحياته أنه مرّ ذات يوم على مجموعة من النسوة يستحممن فى غدير. وتركنَ ثيابهنّ فهجم امرؤ عليهنّ وأخذ ملابسهنّ وقال : والله لا أعطى لواحدة منكن ثوبها حتى تخرج متجردة. فلما يئسنَ من استرجاع ثيابهنّ أقبلنَ إليه واحدة واحدة ، حتى بقيت عنيزة (محبوبته) فناشدته أنْ يعطيها ثوبها فلم يرضَ حتى سلكتْ سبيل صواحبها ، ثم إنه نحر لهنّ ناقته وقال ((ويوم عقرتُ للعذارى مطيتى.. فيا عجبًا من كورها المُـتحمل)) وهو القائل لحبيبته ((أغرّكِ منى أنّ حبكِ قاتلى.. وأنكِ مهما تأمرى القلبَ يفعلِ)) (اللام عليها كسرة بسبب عقدة القافية) وعندما ضاقتْ به الحياة قال ((وليلٍ كموج البحر أرخى سُدوله.. علىّ بأنواع الهمومِ ليبتلى)) ثم تمنى الخروج من ظلمات الوحشة فقال ((ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى.. بصبح وما الإصباحُ منكَ بأمثل))
وهل يدخل طرفة بن العبد النار؟ وقد مات سنة 70 قبل الهجرة وهو صاحب المعلقة الشهيرة المعروفة باسم (معلقة طرفة بن العبد) وهو القائل فيها ((أرى الموتَ يعتام الكرام ويصطفى / عقيلة مال الفاحش المُـتشدّدِ/ أرى العيشَ كنزًا ناقصًا كلّ ليلة/ وما تنقص الأيام والدهر ينفدِ)) وقال فى البيت رقم 104 ((أرى الموتَ أعدادَ النفوسِ ولا أرى/ بعيدًا غدَا ما أقربَ اليومَ من غدِ)) وفى البيت التالى قال ((ستــُبدى لك الأيامُ ما كنتَ جاهلا/ ويأتيك بالأخبار من لم تـُزوّدِ))
وهل يذهب زهير بن أبى سلمى إلى النار؟ رغم أنه مات سنة 14قبل الهجرة. ولماذا يدخل النار وهو القائل ((فلا تكتمنّ الله ما فى نفوسكم / ليخفى ومهما يُكتم الله يعلمُ/ يؤخر، فيوضع فى كتابٍ ، فيُدّخر/ ليوم الحساب أو يُعجّـل ، فينقمُ)) فى هذيْن البيتيْن فإنّ زهير الذى مات قبل الهجرة وأبدع شعره قبل الإسلام ، فإنه أشار إلى (الله) رغم أنّ لفظه كان (اللات) وتكلم عن (الكتاب) وعن (الحساب) وهو ما أتى به القرآن بعده ، وكان النبى محمد رآه وقد بلغ مائة سنة. وقال ((اللهم أعذنى من شيطانه)) فلماذا كان هذا الموقف من محمد ؟ وهل السبب هو تلك الأسطورة المنسوجة حول زهير من أنه رأى فى المنام أنّ كائنـًا غريبًا رفعه إلى السماء حتى كاد يمسها بيده ثم تركه (أى الكائن الغريب) فهوى زهير على الأرض. وقال وهو يحتضر لابنه ((إنى لا أشك أنه كائن من خبر السماء بعدى ، فإنْ كان تمسكوا به وسارعوا إليه)) (الشيخ أحمد الشنقيطى فى كتابه شرح المعلقات العشر- دار المعرفة- بيروت- عام 2005- ص89) وهل سبب موقف محمد منه لأنه قال فى معلقته ((فأقسمتُ بالبيت الذى طاف حوله / رجالٌ بنـَوْهُ من قريش وجـُرهم)) ؟ وحذر من الحروب التى كانت سائدة بين القبائل فقال ((وما الحربُ إلاّ ما علمتم وذقتم/ وما هو عنها بالحديث المُرجّم/ متى تبعثوها تبعثوها ذميمة / وتـَضْرَ إذا ضرّيتموها فتـُضرَم/ فتعرككم عرْكَ الرّحى بثفالها / وتـَلقـَحْ كِشافـًا ثمّ تـُنتـَج فتـُتـْئِم/ فتنتج لكم غلمان أشأمَ كلهم/ كأحمر عاد ثمّ تـُرضِعْ فتفطِم)) فهو هنا يُحذر من حرب القبائل التى ستنتج غلمان شؤم ثم قال فى البيت التالى ((فتـُغــْـلِلْ لكم ما لا تـُغلُ لأهلها / قرىً بالعراق من قفيز ودرهم)) وفى البيت رقم 40 قال ((رعوا ظمأهم حتى إذا تمّ أوردوا / غمارًا تفرّى بالسلاح وبالدم)) فهذا شاعر كبير لديه الحس الإنسانى المُدرك لخطورة الحرب بين القبائل ، وفى نفس البيت يُقـدّم إدانة للظمأ نحو الدم ، فهل يكون مصيره النار؟ وفى البيت رقم 42يكون أكثر بلاغة فقال ((لعمركَ ما جرّتْ عليهم رماحهم / دَمَ ابن نهيكٍ أو قتيل المُـلثم)) ونظرًا لما شاهده من ضحايا الحروب وصل إلى مرحلة اليأس فقال بلغة الشعر الممزوج بالفلسفة ((سئمتُ تكاليف الحياة ومنْ يعش/ ثمانين حوْلا لا أبا لكَ يسأم)) وهو واقعى فلم يدّع علم الغيب فقال ((وأعلمُ علم اليومَ والأمس قبله/ ولكننى عن علم ما فى غدٍ عـَمِ)) أى أعمى عن علم الغد. وعن الفضيلة قال ((ومَنْ يكُ ذا فضلٍ فيبخل بفضله/ على قومه يُستغن عنه ويُـذمم/ ومَنْ يوفِ لا يذمم ومن يُهـْدَ قلبه/ إلى مطمئن البرّ لا يتجمجم)) ورغم موقفه المبدئى ضد إراقة الدماء وضد الظلم ، إلاّ أنه بتأثير الثقافة المُجتمعية السائدة فى عصره وفى بيئته تناقض مع نفسه فكتب ((ومَنْ لم يذدْ عن حوضه بسلاحه/ يُهدّم ومَنْ لا يَـظلم الناس يُـظـْـلــَم)) أى تكريس المُبادرة بالظلم ، بدلا من البحث عن آلية اجتماعية وثقافية للقضاء على الظلم . ثم يُكرّس لآفة أخرى هى تحريم الأسئلة فقال ((سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم/ ومَنْ أكثر التِسآل يومًا سيُحـْرَم)) (التِسآل بمعنى السؤال)
ولماذا يتم قذف الشاعر لبيد بن ربيعة فى النار وقد اعتنق الإسلام ومات سنة 40هجرية؟ وفى أول دعوة محمد مرّ لبيد بمكة فقال ((ألا كلُ شيىء ما خلا الله باطل)) فقال له عثمان بن مظعون : صدقتَ ، فقال لبيد ((وكل نعيم لا محالة زائل)) وفى مسند أحمد بن حنبل (2/470) أنّ النبى محمد قال ((أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كلُ شيىء ما خلا الله باطل)) فلماذا يكون مصيره النار؟ ويزداد التناقض عندما طلب عمر بن الخطاب من لبيد أنْ يقول الشعر. ((فطلب منه لبيد العفو عن شعره قبل الإسلام . فعفا عنه وقال له : أنشدنى ما قلتَ فى الإسلام . فكتب لبيد سورة البقرة فى صحيفة وقال : أبدلنى الله هذه فى الإسلام مكان الشعر. فكتب بذلك المُغيرة إلى عمر، فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها فى عطاء لبيد فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة. فكتب الأغلب إلى عمر: يا أمير المؤمنين أتنقص عطائى أنْ أطعطك؟)) ولعلّ تلك الواقعة أنْ تكون بداية (توظيف الشعر) لصالح سلطة الحكم والتوجه الأيديولوجى.
ولماذا يكون مصير الشاعر عمرو بن كلثوم جهنم رغم أنه مات قبل النص القرآنى (توفى سنة 52 قبل الهجرة)؟ ولو أنّ الثقافة العربية مع القيم الإنسانية النبيلة ، فإنّ بديل (جهنم) التى ستكون مأوى الشعراء ، ظهور تيار من (الشعر العربى) يرد على شعر عمرو بن كلثوم غير الإنسانى والطافح بالغرور والنرجسية وتكريس البطش والمبادرة بالظلم ، فهو القائل فى معلقته الشهيرة فى الأبيات من 103- 106 ((لنا الدنيا ومنْ أمسى عليها / ونبطش حين نبطش قادرينا / بغاة ظالمين وما ظــُـلمنا / ولكنا سنبدأ ظالمينا / ملأنا البرّ حتى ضاق عنا / ونحن البحر نملؤه سفينا / إذا بلغ الرضيع لنا فطامًا / تخر له الجبابرُ ساجدينا)) وفى خلافه مع عمرو بن هند قال ((تـَهدّدنا وأوعدنا رويدًا / متى كنا لأمك مُـقتوينا)) وهذا البيت لا يمكن شرحه إلاّ بعد ترجمته من العربى للمصرى ((ما كناش خدامين عند أمك)) وهو ما اعترف به د. أحمد درويش الذى كتب ((حكى لى مرة تلميذ صغير أنّ مدرس اللغة العربية وهو يشرح لهم بيت عمرو بن كلثوم فى معلقته : متى كنا لأمك مقتوينا ، وقد حاول المدرس أنْ يُبسّط لهم المعنى وبعد أنْ أعجزته اللغة العربية قال لهم : معنى البيت ((ماكناش خدامين عند أمك)) (أهرام 25طوبة - يناير98)
ولماذا يكون مصير عنترة بن شداد النار وقد مات سنة 22 قبل الهجرة؟ رغم نشأته البائسة حيث نفاه أبوه واستعبده على عادة العرب مع أبناء الإماء (= العبيد) وكان إخوته مع أمه عبيدًا . وكانت امرأة أبيه واسمها سمية حرّضتْ أباه عليه. وادّعتْ أنه راودها عن نفسها الخ . وسبب اعتراف أبيه به أنّ بعض قبائل العرب أغاروا على بنى عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلا فلحقوا بهم فقاتلوا عما معهم . وكان عنترة بينهم . فقال أبوه : كرْ يا عنترة . فقال عنترة : العبد لا يُحسن الكر إنما يُحسن الحِلاب والصر ( صر الناقة : شد ضرعها بالصرار لئلا يرضعها ولدها) فقال أبوه كر وأنت حر فكرّ وهو يقول ((أنا الهجين عنترة / كل امرىء يحمى حره/ أسوده وأحمره/ والواردات مسفره)) فادعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه. ورغم أنّ عنترة سيدخل النار وفق حديث النبى محمد ، فإنه قال عن عنترة ((ما وُصفَ لى أعرابى فأحببتُ أنْ أراه إلاّ عنترة)) ورغم أنه ذاق مرارة العبودية، فإنه يستمرىء تشبيه ذكر النعام بالعبد وذلك فى البيت رقم 30 من معلقته الشهيرة فقال ((صَعـْـل يعودُ بذى العُشيْرة بيضه/ كالعبد ذى الفرو الطويل الأصلم)) ولكنه يُبدى درجة من الرقى الإنسانى عندما خاطب (عبلة فى الغالب) فقال ((أثنى علىّ بما علمتِ فإننى/ سمْحٌ مُخالطتى إذا لم أظلم)) ولكن لو تعرّض للظلم فإنه يرد على الظلم بالظلم الأشد فقال ((فإذا ظـُلمتُ فإنّ ظـــُـلمى باسلٌ / مرٌ مذاقته كطعم العلقم)) ثم يعلو صوت العنف فى قوله ((فشككتُ بالرمح الأصمُ ثيابه / ليس الكريمُ على القنا بمُحرّم/ فتركته جـَزَرَ السباع ينـُشنه/ يقضمنَ حـُسْنَ بنانه والمعصم/ ومشكّ سابغة هتكتُ فروجها / بالسيف عن حامى الحقيقة مُعـْـلِم)) وعندما تقابل مع خصمه قال ((فطعنته بالرمح ثمّ علوته/ بمُهنـّد صافى الحديدة مَخذم)) أى سريع القطع. وقال ((يا شاة ما قنصٍ لمنْ حلت له/ حَرُمتْ علىّ وليتها لم تـَحـْرُم)) وفى شرحه لهذا البيت كتب الشيخ الشنقيطى ((الشاة هنا كناية عن المرأة وبذلك نزل القرآن الكريم- الآية23من سورة ص)) (المصدر السابق – ص 183) ويستمر عنترة فى وصف القتل فقال ((ما زلتُ أرميهم بثــُغرة نحره/ ولبانه حتى تسربل بالدم)) ولأنه سليل ثقافة البداوة المؤسسة على التشفى من الخصم قال ((ولقد شفى نفسى وأبرأ سقمها / قيل الفوارس ويكَ عنتر أقدم))
ولماذا يتم القبض على الشاعر الحارث بن جلزة ووضعه فى جهنم رغم أنه مات سنة 52 قبل الهجرة؟ ورغم أنه استخدم لفظ (الله) ولم يستخدم لفظ (اللات) فى البيت رقم 56 من معلقته إذْ قال ((وفعلنا بهم كما علم الله/ وما إنْ للخائنين دماءُ)) وبعد أنْ شارك فى قتال حجر بن أم قطام قال ((وفككنا غـُلّ امرىء القيس عنه / بعدما طال حبْسه والعناءُ)) ولأنّ أغلب الشعر العربى مديح أو هجاء أو وصف القتال قال ((وثمانون من تميم بأيديهم/ رماحٌ صدورهنّ القضاءُ/ تركوهم مُـلحبين وآبوا / بنهابٍ يُصِمّ منها الحـُـداءُ)) أى تركوهم بعد تقطيع أجسادهم ورجعوا بالغنائم وما نهبوا من الأموال . ثم يواصل فى شرح الصراع بين القبائل المُـتناحرة فقال ((أمْ علينا جرى حنيفة أو ما / جمّعتْ من محارب غبراءُ / أمْ علينا جرى قضاعة أمْ / ليس علينا فيما جنوا أنداءُ / ثمّ فاؤوا منهم بقاصمة الظهر/ ولا يَبْرُدُ الغليلَ الماءُ / ثمّ خيلٌ من بعد ذاك/ مع الغلاق لا رأفة ولا إبقاءُ / وهو الرب والشهيد على يوم/ الحياريْن والبلاءُ بلاءُ)) وهكذا يكشف الحارث بن جلزة (المحسوب على الشعراء) عن ثقافته البدوية التى لا تعرف الرأفة.
وهل سيذهب الشاعر الأعشى ميمون إلى النار رغم أنه قال قصيدة مدح فيها النبى محمد مطلعها ((ألم تغمض عيناك ليلة أرمدا / وبتّ كما باتَ السليم مُسهـّدا)) هذا مع مراعاة أنه أدرك الإسلام على كِبر(مات سنة 7هجرية) ومن شعره فى الفترة المُسماة (الجاهلية) قال ((استأثر الله بالوفاء وبالعدل)) فهو هنا استخدم لفظ (الله) ولم يستخدم لفظ (اللات)
وهل سيذهب الشاعر النابغة الذبيانى إلى النار؟ (مات سنة 18قبل الهجرة) رغم أنه القائل عن النبى سليمان ((إلاّ سليمان إذْ قال الإله له/ قـُمْ فى البرية فاحـْدُدْها عن الفـَنـَدِ)) ونظرًا لأنه مؤمن بوجود (الجن) قال فى البيت التالى ((وخيّسْ (= ذلــّـلْ) الجن إنى قد أذنتُ لهم/ يبنون تدمر بالصفائح والعُمدِ)) وهل يذهب الشاعر عبيد بن الأبرص إلى النار(مات سنة 17قبل الهجرة)؟ وهو القائل فى معلقته ((بالله يُدْرَكُ كلّ خيرٍ/ والقولُ فى بعضه تلغيبُ / والله ليس له شريكٌ / علامُ ما أخفتْ القلوبُ)) فهذان البيتان يؤكدان 1- استخدام لفظ (الله) وليس (اللات) 2- الإيمان بأنّ (الله) ليس له شريك كما جاء فى القرآن ، فلماذا يدخل النار؟
000
كتب د. حسن حنفى أنّ الشعر العربى ((ظلّ حافزًا فى السيرة النبوية)) وعن تحول (الشعراء) إلى مجرد مداحين للرسول ، ذكر أمثلة منها ما كتبه الشنقيطى فى منظومة مكونة من 463بيتـًا فى مدح سيرة الرسول فذكر عدد السيوف وعدد الخيول فى كل غزوة من غزوات محمد. وكذلك (ألفية السيرة النبوية) للعراقى زين الدين عبد الرحيم بن الحسين . وهى قصيدة طويلة فى مدح الرسول. وكان د. حنفى على حق عندما كتب (والمديح مثل الهجاء ليس شعرًا) (من النقل إلى العقل- المجلد الثالث- هيئة الكتاب المصرية- عام 2013- ص 72، 79)
000
وإذا كان الشعراء (المغضوب عليهم والضالين) ومن تمّ احتسابهم ضمن العصر الذى أخذ صفة غير علمية (العصر الجاهلى) سيدخلون النار، فهل سيكون مصير من مدح الإسلام وتغزل فى العروبة نفس المصير؟ فالمتنبى جمع فى بيتيْن بين احتقاره لكل شعوب العالم وبين مديح الملوك خاصة العرب فقال ((وإنما الناسُ بالملوكِ ولا / تفلح عربُ ملوكهم عجمُ / لا أدب عندهم ولا حسب/ ولا عهود لهم ولا ذممُ)) مع ملاحظة أنّ كلمة (عجم) تعنى البهيمة.. حتى المرأة العربية بهيمة (مختار الصحاح- المطبعة الأميرية- عام 1911- ص 440) ولأنه مؤمن بالتراث العربى / الإسلامى الذى فرّق بين البشر على قاعدة (عبيد وأحرار) لذلك عندما منع كافور عنه المال قال يسبه ((لا تشتر العبد إلاّ والعصا معه/ إنّ العبيد لأنجاس مناكيد)) أى أنه عمّمَ السبّ ليشمل كل إنسان حكمتْ عليه ظروف الحكم أنْ يكون من (العبيد) الذين وصفهم بالأنجاس ولابد أنْ تكون العصا فى يد المشترى . ولأنه عديم الكرامة قال يُخاطب الحاكم لينال عطاياه ((أبا المسك هل فى الكأس فضل أناله/ فإنى أغنى منذ حين وتشربُ / فإنْ لم تنط بى ضيعة أو ولاية / فجودك يكسونى وفضلك أرحبُ)) إنه لا يطلب بعض الدنانير وإنما ضيعة أو ولاية. وعن بائيته التى فضـّـل فيها البداوة العربية على كل الحضارات الإنسانية وقال فيها ((أين المعيز من الآرام ناظرة / وغير ناظرة فى الحـُسن والطيب / حـُسن الحضارة مجلوب بتطرية / وفى البداوة حـُسن غير مجلوب)) لذلك كان تعليق المفكر السعودى الكبير عبد الله القصيمى ((قفْ أيها الهمجى الرؤية والحس والمنطق . إنه يستقبح كل أعمال الحضارة والتمدن ويرفض الاغتسال ووجود الحمّام ويود أنْ يعيش فى البداوة بعبوسها وقحطها وجفافها)) (العرب ظاهرة صوتية- منشورات الجمل- عام 2000- ص 512، 513)
فهل المتنبى سيذهب إلى النار رغم مديحه للبداوة العربية التى هى الوجه الآخر للإسلام ؟ وهل الشاعر الذى مدح الرسول فى أبيات أقل ما يُقال عنها (الفجاجة المُجسّدة) سيذهب إلى النار رغم أنه قال ((وحتى الذباب فوق أنف نبينا / نراه جمالا يُبهر العقل والقلبا / لأنـّا رأينا ما اعتقدنا كماله / وصغناه مكتوبًا بأخلاقنا الغضبى/ لذا عزّ من شئنا له العزّ وحده/ لذا ذلّ من شئنا له الذل والكربا / لذا نال ما يبغى المُـطيع لأمرنا / لذا نال من يعصوننا السلب والصلبا))
والمُلاحظ أنّ (الشاعر) فى هذه الأبيات لضم البيتيْن اللذين مدح فيهما النبى بالبيتيْن اللذين تكلم فيهما عن (المُطيع لأمرنا) فله العز، أما (العصاة) فلهم ((السلب والصلب)) فهل هذا (الشاعر) الذى لم يُبدع شعرًا وإنما أعاد انتاج الثقافة العربية/ الإسلامية سيدخل النار هو الآخر، كما قال النبى محمد عن امرىء القيس ((ذاك رجل مذكور فى الدنيا شريف فيها . منسى فى الآخرة خامل فيها. يجيىء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء فى النار)) (مجمع الزوائد 1/119، المعجم الكبير 18/ 99)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الوهاب المسيرى والمدرسة الناصرية / العروبية
- المعيار العلمى للهوية الثقافية
- حدود العلاقة بين التراث والإبداع
- الدين والحياة
- الديانة العبرية ومعتقدات الشعوب القديمة
- الديانة العبرية وأساطير بعض الشعوب (3)
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)
- حق الأقليات الثقافية فى الدفاع عن خصوصياتها
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)
- معوقات الحداثة المصرية
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (2)
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية
- المتعلمون المصريون و(الورم) العروبى
- الزواج الثانى للمسيحيين المصريين
- الُمُتنبى بين الشعر والنفاق
- رد على الأستاذ يحيى توتى
- تحرير فلسطين وتحرير إسبانيا


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الشعر والثقافة العربية / الإسلامية