نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4481 - 2014 / 6 / 13 - 22:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من سفر الله – 2 – في الدين و الإلحاد – تمظهرات العداء و الاجتماع للإخوة حول مشتركهم الجامع.
"من الجائز ِ أن أكون َ قد أخطأت ُ أو بالغت ُ في بعض المواضع
و لكن أمرين لا يجب أن يقع عندهما خلاف
أو يسوء فيهما فهم،
أحدهما أني كنت ُ مخلصا ً في جميع ما كتبت،
(......................)
و ثانيهما:
أني لم أحاول
إلا
أن أكون مؤمناً بالله و رسله و كتبه و اليوم الآخر"
(بتصرف ٍ بحذف ما بين القوسين من مقدمة كتاب: هذه هي الأغلال ، لمؤلفه الراحل العظيم: عبدالله القصيمي)
توصَّلت ُ من خلال ِ حوارات وُدِّية – تحتدم ُ أحيانا ً- مع أصدقاء َ و أقارب َ مؤمنين، مسلمين و مسيحين، إلى نتيجة ٍ مفادُها أن الإلحاد َ يظهر ُ أمامهم كنوع ٍ من التّـَرف ِ الفكري المُتداعي الاستسلامي، الذي يصل إليه ِ صاحِبُه ُ إما لأنَّـهُ راغب ٌ عن الالتزام الديني، مُنساق ٌ وراء الدِّعة ِ و الـ "لا مطالب" التي توفرها المنظومة ُ اللادينية، أو لأنَّه ُ عاجزٌ عن تحقيق ِ هذا الالتزام في حياته و استدامته، أو لأنَّه غارق ٌ في الخطايا و الملذَّات و الشهوات التي تجعل ُ قبول المنظومة ِ الدينية ِ لديه أمرا ً شبه مستحيلٍ، أو لأنَّه ُ "مغسول الدماغ" بما يقرأُه ُ من أفكار الملحدين و مُتشبِّع ٌ بمنهجهم نتيجة َ خطأِه ِ الكبير بقبولِه ِ التَّعرُّض الفكري لـ "هؤلاء" الأشخاص الضالِّين المُضلِّين الذين ينتظرهم العذاب ُ الحتميُّ بما سوَّلت ْ لهم عُقولُهم من تفكير، أو لأنَّهُ - كما وسمني بها أخي الشقيق توصيف َ حال ٍ - ً "ممسوس ٌ" من الشيطان.
لا يستطيع ُ المؤمن ُ أن يتخيل أن المُلحد َ لا يؤمن بدينه و إلهِه ِ نتيجة َ جُهد ٍ دؤوب ٍ مُخلِص ٍ حاول أن يكون فيه مؤمنا ً بل استمات في الإيمان و استمات َ في الالتزام و استمات َ في الإخلاص، و استمات َ في التشبُّث ِ بثوب ِ الله، إلى أن وجد َ في النهاية أنه يتحدَّث ُ مع نفسه، و يرجو نفسه، و يؤمن ُ بنفسِه، و يتماهى في كل ِّ ما يفعل و يلتزم به مع "نفسه" أيضا ً.
يعتقدُ المؤمن ُ أن المُلحِد َ قد اختار َ الطريق "الأسهل"، الطريق الذي قد زيَّنًهُ له الشيطان ُ الملعون، طريق الانحلال ِ و الانفلات و الإباحية، طريق الفجور ِ و الفسوق ِ و البوهيمية ِ الحيوانية ِ المُطلقة التي لا تعرف ُ أدبا ً و لا خُلقا ً و لا رُقيَّا ً. أمَّا أحاديثُه ُ مع الملحد ِ فتتركَّز ُ حول َ و تمتلئ ُ بتحليلاتٍ عن ابتعاد ِ الثاني عن طريق الحق ِّ و الحقيقة و غشيان ِ عينيه ِ بساتِر ٍ ثبَّتُه ُ الشيطان ُ و أحكمه فمنعه عن قبول الحق، فعطَّل َ البصيرة، و أقفل َ القلب، و غلَّفَ الفؤاد و كَـفَـر َ العقل َ و أفسد َ الإدراك، فحقَّ الإلحاد.
لكن َّ ما لا يعرفُه ُ المؤمن ُ أن َّ المُلحد َ ما كفر َ بالله و ملائكته و كُتُبِه ِ و رُسله و يومِ خلقِه ِ الأول و يوم نقمتِه ِ الأخير، إلّا لأنه ما كان يوما ً إلا ساعيا ً وراء َ الإيمان بها جميعا ً، لاهثا ً وراءها، حريصا ً على القبض ِ عليها و إيداعِها عقلَه ُ و قلبَه ُ و فِكرَه ُ و كل َّ كيانَهُ و مُكتَمِل َ كينونَتِه، فوجد َ حينما ركض إليها أنه ُ مُطارِدٌ لسراب ٍ بِقيعة ٍ من الوُجدان ِ حسِبَهُ ماء ً فلمّا قبض َ عليه ِ ما وجد َ إلا ذاتَه ُ العطشانة َ أمامه ُ في مرآة ِ نفسه تُحدِّق ُ إليه.
لا يُدرك ُ جمع ُ المؤمنين َ أن أشد َّ الملحدين َ عِنادا ً و أصلبهم جَلـَدا ً و أعظمَهم كُفرا ً و أشدَّهم على الرَّحمن هم من كانوا أقرب َ إليهِ، و أكثر َ معرفة ً و خِبرة ً بِه ِ، و أذوب َ عشقا ً فِيه ِ، و أقود َ لِقولِه ِ و أمْرِه ِ، و أحلم َ مِن سِواهُم في قبول ِ قسوتِهِ و جبروتِهِ و عنفوانِه ِ و غموضِهِ، و أمهر َ في إيجاد ِ الأعذار ِ لـ و التحليلات ِ في و التفسيرات ِ لـ تناقضاتِه ِ، و الأقدر َ على التَّجاهُل ِ القسريِّ المقصود ِ و المُتعمَّد ِ لغيابِه ِ و اختفاء ِ ملكوتِهِ و حُكمِه ِ، و الأصبَر َ بلا مُنازِع من سواهم أمام َ حضور ِ من عرفوا أنه عدوُهُ و عدوهم – كما ظنُّوا وقتها – ذاك الشيطان َ اللعين في العالم ِ يتحكَّم ُ به كما يريد.
يغيب ُ عن المؤمنين َ أن الطريق السَّهل َ ليس ما اتَّخذ َ المُلحد ُ لكن َ ما اتَّبعوه ُ هم، فلا ألم َ من بشرية ٍ مُنتهكَة ٍ أمامهم يضرِبُ قلوبهم، و لا ضغطا ً عقليا ً من شر ٍّ مُستدام ٍ يعصِف ُ بهم، و لا إعصاراً خُلقيَّا ً يتقاذَفُ نفوسهَم في فك ِّ أسرار ِ هذه القسوة ِ و تلك َ العبثيَّة َ و أؤلئك َ القيم ِ السَّوداء ِ في قتامة ِ غياب ِ إنسانيتها حين َ تمزِّق ُ كيانات ِ إخوتهم و أخواتِهم من بني البشر، فالكلُّ عندهم ُ "لا شئ" ما دام أن كل َّ هذا الظلم: 1. بسبب ِ حكمة ٍ إلهية ٍ يجهلونها 2. سيتم ُّ تعويضُها في عالم ٍ آخر َ قادم، و كفى الله المؤمنين شر َّ العقل ِ و التفكير!
إن العاصِفة َ الشديدة َ الهوجاء َ المُقتلعة هي ما ضرب َ مؤمني الأمس و هم يلجَؤون لسيِّدهم الذي تمنَّعوا باسمَهُ و صفاتَهُ و إرادته حين َ هزَّتهُم الحياة ُ بفعلها، فسألوه و ألحُّوا في السؤال ٍ ثم َّ أعادوا السؤال ثم ألحوا ثم نادوا ثم بكوا ثم استسلموا ثم صرخوا ثم ألحوا في السؤال حتى إذا ما أجاب الصَّمت ُ نفضوا عنهم سيدهم و دينه و رجاله و كتبه و رسله و ملائكته و صاروا ملحدي اليوم، لا إله لهم إلا عُقولُهم و لا رسول َ إلا إنسانيتُهم و لا كتاب َ إلا ما كتبوا، و يسألونه َ و يسألون بعضهم و كُل ٌّ يُسأل ُ و جميعُهم يُسألون!
أمَّا مؤمنو اليوم ِ فأعداء ٌ في الفروقات ِ بين الكُتب ِ و الرُّسل ِ و الصفات ِ و الجاريات ِ في أيامِ رسالاتهم، و هم يختلفون َ حول دور ِ كُل ِّ رسول ٍ و أحداث ِ حياته و تفاصيل القصص المُتعلِّقة ِ به، و معنى الرسالة ِ، و شموليتها، و منهج ِ تطبيقهِا، و منهاج ِ الحياة ِ بحسبها، و استتباعات ِ قبولِها، و العلاقات ِ المُترتبة ِ عليها بينهم و بين أتباع ِ دينهم على اختلاف ِ المذاهب، و بين أتباع ِ الدين الآخر الذي (قد) يعترفون به أو ينسخونَهُ، و بين غير المؤمنين من الكّفَّار الملاعين.
فإذا ما جلست َ بينهم مُلحدا ً اجتمعوا عليك َ كل ٌّ يهديك َ إلى ما ظنوه خافيا ً عنكَ، يُحرِّك ُ فيك َ "ضميرا َ" قد مات َ، و عقلا ً قد "مسَّه ُ" الشيطان ُ و لسان ُ حاله: اللهم اجل ِ عنُه فقد مسَّه ُ الضر ُّ و أنت أرحم ُ الراحمين! أو قد يمسحك َ بالزيت ِ المقدَّس ِ و يمدُّ فوقك َ يدا ً يستنزل ُ عليك البارقليط َ المُعزِّي، و قد ينفخ ُ في وجهك َ: خذ الروح َ القُدُس َ!
و يغدو أعداء ُ بعضِهم حُلفاء َ في وجهِك َ حين يتركون َ كل َّ تفاصيل ِ اختلافِهم ليجتمعوا على الإيمان بالمشترك ِ الأعظم ِ بينهم، الله، هذا الإله الذي يعتقد ُ كل ٌّ منهم أنه يعرفه المعرفة َ الحقيقية َ من كتابِه و رسولِه و دينه ِ و صلاتِه و محياه و نُسكِه، الذي هو له ُ رب ِّ العالمين!
إن المؤمنين إخوة ٌ أعداء: إخوة ٌ في الإيمان ِ في الإله، أعداء ٌ في ما سواه. يبرع ُ الأول في هدم ِ تفاصيل ِ دين الثاني، في ذات ِ الوقت ِ الذي يبرع ُ الثاني في هدم ِ تفاصيل ِ دين الأوّل، لكنَّهم يعترفون أنهم تحت الإله، صنع ُ يديه، و كائنات ُ مشيئتِه ِ. و هم على اختلافهم يتوحدون َ أمام العدو المُشترك ِ الأعظم: المُلحد و إلحادُه.
يفشل ُ المؤمنون أشد َّ الفشل في رؤية ِ الجامع ِ الأعظم للبشر جميعا ً و هو الإنسانية، فهم يضعون الإله و الدين ثم الإنسان ثالثا ً، و يفشلون في رؤية ِ الجامع بينهم و هو الإله، و هي نتيجة ٌ حتميَّة ٌ لموضعة ِ الإنسان ِ ثالثا ً:
- فكيف لك أن ترى علاقة الثالث ِ بالثالث حينما يكون ُ التركيز ُ على الأول و الثاني؟
- و كيف لك أن ترى علاقة َ الثالث ِ بالأول حينما يكون الثاني بينهما؟
إن الفشل َ الديني الشديد في رؤية الجامع الإنساني المُجرّد َ من الإله، أو حتى الجامع الإلهي المُجرَّد َ من الدين، لايمكن ُ تجاوُزُه ُ إلا بوضع الإنسان أولا ً ثم الإله و الدين مِئة ً، و ترك ِ المساحات ِ ما بينهما للحب و الحياة ِ و العدل ِ و الإنسان. و لست ُ في هذا إلا داعيا ً إلى الواقع و الموجود اليوم و الآن و في هذه اللحظة، و إلى ما حولنا من بشر و من ظروف، و إلى فهم ٍ واقعي حقيقي للعلاقات بين البشر ِ على جامعهم الإنساني، و للمجتمعات على تعدُّداتها الثقافية، و للدول ِ على أنماطها الاقتصادية و سياساتها، بحسب ديناميكية ٍ هي خاصِّية ُ الحياة ِ الثابتة ِ الوحيدة ِ التي لن تتغير، أما هم و أديانُهم فيتغيرون.
أدعوكم أن تقتربوا من بعضكم
أدعوكم أن تُلغوا الأفكار النمطية قبل أن تقتربوا من بعضكم
أدعوكم أن تتخذوا قرارا ً شجاعا ً بأن تستكشفوا المتشابهات بينكم
أدعوكم أن لا تُسرعوا بالحكم ِ على بعضكم حينما تقتربون
أدعوكم أن لا يُحسَّ الواحد منكم بفوقية ٍ على الآخر َ مهما بدا اختلافهُ مُنفِّرا ً
أدعوكم أن تقتربوا
أدعوكم أن تحبوا
أدعوكم أن تُلاحظوا و تُدركوا و تعترفوا و تقبلوا كم نحن ُ متشابهون
أدعوكم إلى الحب،،،،،
،،،، معا ً نحو الحب، معا ً نحو الإنسان!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟