|
تعالى ... بِالْعَجَلْ
خالد الكيلاني
الحوار المتمدن-العدد: 4481 - 2014 / 6 / 13 - 14:07
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في زماننا كانت أول هدية يشتريها الأب لطفله عندما يبدأ في المشي ويصل لسن الثالثة هو الدراجة ذات الثلاث عجلات، وعندما يكبر الطفل قليلاً يشترى له الأب الدراجة الصغيرة ذات العجلتين لتبدأ معركة الطفل الصغير مع الدراجة والإسفلت من ناحية، ومع " مامته " من ناحية أخرى، فالطفل في هذه المرحلة العمرية كثيراً ما يتعرض للوقوع مما يعرضه للكثير من الخدوش والجروح والكدمات، وكثيراً من تقطيع الهدوم ( الشورتات والتي شيرتات ) وهو الأمر الذي يتسبب له في كثير من الخناقات والضرب من الأم. عندما يكبر الطفل قليلاً ويدخل في مرحلة الصبا وسن المراهقة تبدأ مقاسات الدراجات تكبر معه إلى 24 و 26 ، وتبدأ نوعيات الدراجات تتطور إلى نوعيات أغلى وأمتن وأكثر احتمالاً، كما تتطور وتتنوع إكسسوارات الدراجة ويبدأ في البحث عن فرش الكرسي، وتلوين الرفارف، واللاصق الملون لمواسير الدراجة، والبدالات الرياضية، وقفل الدراجة ... وغيرها من الإكسسوارات. مررنا جميعاً – أو معظمنا على الأقل – وخاصة أبناء الأرياف من أمثالي بهذه المراحل، بل كانت جُل أحلامنا في بدايات المرحلة الجامعية ليست سيارة – كما هي أحلام أجيال لاحقة – ولكنها دراجة جديدة وحديثة ... وحبذا لو كانت دراجة ذات سرعات يمكن لقائدها تغييرها من البدال أو عجلة القيادة. ونحن صغار كانت مدينة أسيوط – عاصمة محافظتنا – تشتهر بالدراجات، وكانت جامعة أسيوط التي أنشئت في أوائل خمسينيات القرن الماضي – والتي كانت تُعد من أفضل جامعات مصر – هي سبب شهرة أسيوط في الدراجات. فقد كان معظم طلاب وطالبات الجامعة لا يستخدمون وسيلة تنقل سوى هذه الوسيلة، وكان من المظاهر اللافتة في جامعة أسيوط حتى وقت قريب هو أماكن ركن الدراجات أمام كل مبنى وكل معمل وكل مدرج من مدرجات الجامعة، وكان كل " باركينج " من هؤلاء يتسع لأكثر من مائة دراجة حيث يقوم مستخدم الدراجة بتثبيتها في مكان خاص بالباركينج عن طريق قفل خاص لذلك ويمضي مطمئناً إلى دراسته أو عمله، وكنا ونحن صغاراً عندما نذهب إلى مدينة أسيوط نرى أرتالاً من الفتيات والشباب والنساء والرجال يجوبون شوارع أسيوط بالدراجات ، وكان الشباب والرجال يتميزون بالقمصان البيضاء ناصعة البياض والبنطلونات السوداء أو الزرقاء، بينما كانت معظم الفتيات والنساء يلبسن " الميكروجيب " أو " الميني جيب " الذي كان غالباً ما يكون على هيئة " جيب شورت " حتى تستطيع الفتاة أو السيدة أن تركب وتنزل من على الدراجة بكل سهولة ... ولكن لم يكن أحداً في مصر على الإطلاق يسأل " هي لابسة كده ليه ؟ " أو " هي مش محجبة ليه ؟ "ً ولم يكن أحداً ينظر إلى الفتاة أو السيدة بأية نظرة، وربما حتى لا تلفت نظره على الإطلاق ... ناهيك عن أن يتحرش بها أصلاً، حيث لم تكن تلك الأمراض قد انتشرت بعد في مصرنا الحبيبة، وحيث لم تكن الأفكار الظلامية، والتيارات الظلامية التي حولت المرأة إلى مجرد سلعة للمتعة ، وأولت كل اهتمامها للنصف الأسفل من الإنسان ، وللغرائز الدنيا قد استتب لها الأمر في مصر بعد. ولم يكن ينافس مدينة أسيوط هذا المضمار في ذلك الزمن في مصر سوى ضاحية المعادي الهادئة، ومكان أخر - لم نلحق به ونحن صغاراً بل سمعنا حكايات كثيرة عنه - وهو الحديقة اليابانية في حلوان حيث كان جزءاً هاماً من طقوس زيارتها هي الذهاب إلى محل تأجير دراجات من المحيطين بالحديقة لاستئجار دراجة والتنزه بها في الحديقة ... عندما كانت هناك حديقة. استمر هذا الأمر حتى أوائل حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وإن كانت قد بدأت تندثر قليلاً مع انتشار الجماعات " الإسلامية " في الجامعات، وانتشار أفكارها الهدامة وثقافتها المعوقة في المجتمع. وأصبحت هناك فِرق وميليشيات من المنتمين لهذه الجماعات يعتدون بالسنج والجنازير والأسلحة البيضاء على الفتيات اللاتي يركبن الدراجات في الجامعة والشوارع، وبدأ أيضاً انتشار الحجاب ... ومعه انتشرت ظواهر أخرى في الجامعات تمثلت في أنواع من الزنا " الشرعي " تحت اسم الزواج العرفي، وزواج الدم، وزواج الكاسيت، وغيرها من أنواع العلاقات الحرام ... بل انتشرت أيضاً داخل الجامعات شبكات منظمة للدعارة كان معظم روادها ومقدمي الخدمة فيها هم طلاب وطالبات الجامعة نفسها. وسرعان ما انتشرت في المجتمع كله تلك الظواهر ... وكان ما يحدث طبيعياً تماماً ، فعندما تنزع جوهر الدين من القلوب وتحول الدين إلى مجرد مظهر وزي معين وتختزله في حجاب أو خمار أو لحية فمن الطبيعي أن يعج المجتمع بالمصلين والصائمين والمعتكفين والمحجبات والملتحين وتغيب عنه الأخلاق تماماً. وفي وطن تُرفع فيه راية الشريعة في ساحة السياسة كقميص عثمان فمن الطبيعي أن تغيب المقاصد العليا للشرائع السماوية وتحل محلها الغرائز الدنيا للبشر. المهم نعود لموضوع الدراجات فهذا همٌ شرحه يطول. ولكنني لا أنسى حادثة لافتة حدثت لصديق في أوائل الثمانينيات كان طالباً في جامعة المنيا، وكان يقوم بتوصيل إحدى زميلاته على دراجته حيث تصدى لهما مجموعة الملتحين ذوي الجلابيب البيضاء وقاموا بالاعتداء عليهما بالسكاكين في أنحاء مختلفة من جسديهما وسرقة الدراجة !!!، وأعتقد أن هذه الحادثة كتبت " تتر " النهاية لحرية الفتاة في المجتمع في استخدام الدراجة، بل واستخدام الدراجات حتى للشباب في الجامعات كبرت وسافرت لبلدان أوروبية وعربية ورأيت الدراجات وسيلة مواصلات للنساء قبل الرجال، ورأيت مدناً كاملة لا يستخدم فيها ساكنوها رجالاً ونساءً سوى الدراجات وقليل من السيارات والحافلات العامة، ورأيت وسائل شتى لركن هذه الدراجات وأماكن انتظار واسعة مخصصة في كل الميادين لها ، ورأيت مدينة عربية ( مدينة مراكش المغربية ) تعج شوارعها بالفتيات الجميلات راكبي الدراجات النارية دون أن يتعرض لهم أو يعترضهم أحد. ولكنني لا أذكر أخر مرة رأيت فيها في مصر ( خارج النوادي والشواطئ والمنتجعات المغلقة وبعض الشوارع الهادئة في مصر الجديدة والمعادي ) فتاة تركب دراجة. ولا أنسى اليوم الأول لي في كلية الحقوق جامعة القاهرة منذ أكثر من ثلاثة عقود عندما كانت أول لافتة وقعت عليها عيني لأسرة من أسر النشاط كانت تعلن عن رحلة للفيوم بالدراجات وكان عنوان الرحلة اللافت ... " تعالى ... بالعجل ".
#خالد_الكيلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أرجوكم ... كفى مزايدات فقلبي الرقيق لا يحتمل
-
عن عبد الحليم قنديل ... أتحدث
-
طوبى لمن أهدى إلىَّ عيوبى
-
عدلي منصور ... أخر القصيدة كُفر
-
أقنعة الإخوان السبعة
-
التكنولوجيا ... وسنينها
-
Sisi Hospital أو مستشفى السيسي
-
حكايتي مع سعد الحسيني
-
حملة تشويه البرادعي ... كلاكيت تالت مرة
-
هل محمد مرسي هو مرشح المجلس العسكري؟!!
-
حوار مع ناخبة جميلة
-
مصر لم تركع ... بس اتشقلبت!!
-
الجماعة لسه ما قالوش!!
-
عن التمويل سألوني!!
-
خالد الكيلاني يكتب: عن الانفلات الأمني نتحدث قُل إعادة البنا
...
-
خالد الكيلاني يكتب: القذافي ... شاعراً غنائياً
-
رامي والفرشة ...... لماذا؟!
-
خالد الكيلاني يكتب: لعبة العسكر أم لعبة السياسة!!
-
الإخوان يعيدون إنتاج انتهازيتهم!!
-
خالد الكيلاني يكتب: شكراً بن علي ... شكراً مبارك!!
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|