سلطان المقبالي
الحوار المتمدن-العدد: 4480 - 2014 / 6 / 12 - 04:09
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لم تكن هاجر تعلم بأن يومها الأخير من حياتها ينتهي اليوم وتنتهي معه كل أحلام طفولتها البريئة التي لم تكتمل بعد, تماما مثلما لم تكتمل إحدى مشاهد رسوماتها على الكراس. فهي لم تضع بعد عليها الألوان, فالشمس تحتاج إلى اللون الأصفر لتشرق, والعشب يحتاج إلى اللون الأخضر لينمو, والبحر يحتاج إلى اللون الأزرق ليموج.. إنها تحتاج إلى ألوان الحياة, الحياة التي إنتزعها منها أعداء الحياة ليقدموها قربانا إلى صناع الموت نظير جمع غفير من حوريات العين, وأنهار تسيل من الخمر, في صورة تجسد مدى تعطشهم إلى سفك دماء أبناء جلدتهم بغية التنفيس عن كبتهم الجنسي المسعور, وإحتساء كؤوس نخبهم الملعون.
في ذلك اليوم المشؤوم إنطلقت هاجر ذات الأحد عشر ربيعا إلى السوق لشراء باقة ورود لصديقتها سارة, تعبر لها من خلالها عن خالص مواساتها وتمنياتها لها بالصحة والعمر المديد بعد نجاتها من حادث إرهابي كاد أن يودي بحياتها, وقع في حفل زفاف خالتها ماريا في إحدى قاعات الأعراس, محولا الفرح إلى ترح, ومخلفا قائمة من الضحايا ما بين قتيل وجريح.. وما أن كادت هاجر تغادر محل الورود حتى دوى إنفجار هائل مصدره سيارة ملغمة في وسط السوق, هز الأرض.. ليحول الجميع إلى أجساد متفحمة وأشلاء متناثرة هنا وهناك..
ما الذي يدفع هؤلاء يا ترى إلى القيام
بهذا الإجرام بكل ما تحمله الكلمة من معنى رغم تغنيهم وتبجحهم بقوة إيمانهم وإلتزامهم بتطبيق شريعة الله على الأرض؟.. لماذا يزهقون أرواحا بريئة لا ناقة لها ولا جمل فيما يدعون ويزعمون في محاربته؟.. ثم من هو عدوهم الحقيقي وما هي غايتهم بالتحديد؟.. أين تكمن علة إنحرافهم وظلالهم, أفي صناع الخطاب الذين يتشرذمون حولهم وينقادون لتنفيذ تعاليمهم, أم في النص ذاته الذي ينطلق منه صانع الخطاب هو الآخر؟؟.. أسئلة تطرح على المحك لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامية والتي دقت ناقوس الخطر في العالم, محذرة من مدى إرهابهم وخطورة عدم تكاتف قوى العالم للجم فكرهم الجهادي من الإستفحال, وتتبع المنابع التي تغذي هذا الفكر, بل وتجفيفه نهائيا.
رحماك إلهي لا يمكنني قط تخيل حجم مسارح الدم التي تتدفق في العالم جراء إرهاب هذه الجيوش المغسولة دماغيا!!.. معسكرات في بقع نائية يتم خلالها تفريخ هؤلاء.. وخلايا نائمة على أهبة الإستعداد للإستيقاظ في مكان ما حولنا.
إليكم قرائي الأعزاء هذا العرض السريع والمختصر عن أبرز العمليات الإرهابية التي قد شنها تنظيم القاعدة, أحد أشهر وأكثر الجماعات الراديكالية الجهادية إرهابا وعنفا, والتي حدثت خلال السنوات الأربع عشرة الأخيرة, حسب ما ورد من أرقام لعدد الضحايا في موسوعة ويكيبيديا الحرة للمعارف:
العملية الزمان المكان الضحايا المنفذون
تفجيرات دار السلام ونيروبي 7-8-1998 دار السلام, تنزانيا _نيروبي, كينيا 644 تنظيم القاعدة
تفجيرات مركز التجارة العالمي 11_9_2001 نيويورك, الولايات المتحدة 3000 تنظيم القاعدة
تفجيرات بالي 12 _10_2002 بالي, إندونيسيا 411 تنظيم القاعدة
تفجيرات الرياض 12_5_2003 الرياض, السعودية 173 تنظيم القاعدة
تفجيرات ضريح العسكريين 22_2_2006 سامراء, العراق أكثر من 100 (كحصيلة عنف بين السنة والشيعة ) تنظيم القاعدة (بشكل محتمل)
تفجيرات كنيسة القديسين 1_1_2011 الإسكندرية, مصر أكثر من 120 جيش الإسلام (الموالي لتنظيم القاعدة)
من المؤسف جدا أن من بين قائمة هذه الدول التي تعرضت إلى تلك العمليات الإرهابية من قبل عصابات الموت, من المؤسف بأن تكون إسلامية. فوضعها أشبه ما يكون بوضع ساحر ما قد إنقلب عليه سحره, أي بمعنى آخر أن نتيجة فتح المجال بها إلى ذوي القلوب المليئة بالكراهية والعدائية إتجاه الآخر المختلف, والمتمثل بإفسادهم للمناهج التعليمية بتعاليم تحض على رفض ليس فقط دينه أو فكره, وإنما حتى حق وجوده في الحياة أيضا, وبإكتساحهم منابر المساجد وإلقاء خطبهم عبر مكبرات الصوت والتي تفيض بالويل والثبور وعظائم الأمور على كل من يتجرأ وينتقد أو يختلف مع ما يذهبون إليه, وأيضا بإطلاقهم لوسائلهم الإعلامية والتي تستقطب قطعانهم وتقضي على إنسانيتهم, ما لم تستطع القضاء عليه مناهجهم ومنابرهم.
إن العالم اليوم في حالة حرب مع الإرهاب, والعالم الإسلامي على وجه الخصوص مطالب بإعادة النظر مليا في مناهج كتبه التعليمية, وخطب مشايخه الدينية, وكذلك برامج قنواته الإعلامية, بهدف تنقيتها من كل شائبة يمكن من شأنها أن تحرف مسار أحد متلقيها, ومن ثم إلقائه في أحضان إحدى عصابات هذه الجماعات الجهادية.
إلى متى ومسارح دماء ضحايا الإرهاب ستستمر في عرض سلاسل هذه
المشاهد الوحشية والشنيعة!!.. من إنفجار سيارة ملغمة كانت توجد في وسط أحد الأسواق, لتحوله من مكان كان يعج بالحياة إلى بقايا أنقاض تشتعل برائحة الموت.. أو إنفجار حزام ناسف كان يحيط بجسد أحدهم أثناء تواجده داخل إحدى قاعات الأفراح, لتحولها في لحظات إلى قاعات للأتراح.. وغيرها من الطرق القذرة والبشعة التي يستخدمها أعداء الحياة لقنص وإفتراس ضحاياهم من الأبرياء.
قطعا سوف يستمر جميع هذا الإجرام إلى أمد طويل ومجهول, ما لم ننقي كتبنا ومناهجنا الإسلامية.. سواء كانت من تفاسير قرآنية, وأحاديث نبوية, وفتاوى شرعية.. إلخ, من كافة شوائب إلغاء وإقصاء الآخر, وتكفيره وزجه في نار جهنم في الآخرة وهو لا يزال حي يرزق في الدنيا ولم يقف أمام ربه للحساب بعد, وفي أسوء حالاته تطبيق حد الردة عليه, ليس إلا لأنه فقط فكر وإمتلك حق الخيار, وأعلن القرار بأن يكون حرا طليقا في تقرير مصير حياته.
إننا مطالبون بالوقوف بيد من حديد في وجه من يعتلي منابر المساجد أمام رعاياه ويبث سمومه التكفيرية والتحريضية على حياة أيا من كان من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى, وذلك لأجل التحقق من عدم تلويث دور العبادة باللعب السياسية والتي تفقدها قدسيتها بلا شك وتجعل من الدين تجارة يرتزق من وراءه كل من يسيل لعابه إلى كرسي التحكم بعقول البشر وتجيشهم في صفه, وبتالي ضمان تأمين مصدر مال في جيبه.
أما أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فهي ليست بمعزل بالطبع عن المطالبة بعدم السماح إطلاقا, لمن بدأت تكثر كتاباتهم على صفحات الصحف والمجلات, وأصواتهم عبر أثير الإذاعات, وصورهم من خلال شاشات التلفزات, بعدم السماح لهم بأن يطلقون دعواتهم الطائفية والمذهبية المتصاعدة التي تزرع الفتنة بين الناس وتقسمهم إلى شيع وأحزاب متناحرة.
لن أنسى إطلاقا في حياتي ردود أفعال ممن أخذتهم الحماسة بتمجيد أيادي زمرة عصابة من قاموا بتفجيرات أيلول الأسود في برجي التجارة العالمي بالولايات المتحدة الأمريكية. إنني أتساءل حقا أين ذهبت إنسانيتهم؟.. كيف تسنى لعقولهم بأن لا تأبى رفض وإستنكار هذا العمل الجبان والمقيت برمته؟.. كيف يتجرؤون ويتفوهون بترديد "الله أكبر" على مجزرة موقعة بمباركة إلهية, على حد إعتقادهم, رغم أنها تمثل قمة السادية؟؟
بجانب ما أحصيت ذكره أعلاه من منابع يمكن إستغلالها لضخ الإرهاب, لا يمكنني إغفال أهمها وأخطرها على الإطلاق, ألا وهي التربية والتي تبدأ من المنزل على أيدي الآباء. فمرحلة الطفولة, خصوصا خلال السنوات الخمس الأولى منها, تعد من أكثر المراحل والفترات العمرية تأثيرا على حياة الطفل مستقبلا, وذلك بسبب غضاضته وسهولة تشربه لما يتم تنشئته عليه بإنقيادية وبرمجته على نحو يرسخ في عقله الباطن ترسانة من الأفكار تتطور بشكل فتاك كلما تقدم في العمر مما يجعل مسألة التغلب على هذه البرمجة ليست بالأمر اليسير. فحياة الطفل بإختصار هي كالعجينة القابلة إلى التشكيل على النحو المراد, وعملية خبزها في الفرن هي أقرب مثال على تلك القولبة البرمجية التي تتعرض لها تحت تأثير حرارة نيران تلك المنظومة الأيديولوجية المدمرة لأي حس إنساني عام ينبض بالفطرة.
إنني أتوق أن يصبح حلمي حقيقة.. حلمي بأن تعيش البشرية جمعاء في سلام, وتتعايش معا بكافة أطيافها الدينية والفكرية؛ فيا أخي آمن بالحجر ولكن لا ترميني به, واللبيب بالإشارة يفهم.
#سلطان_المقبالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟