أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - المسيح يقرر الانتحار














المزيد.....

المسيح يقرر الانتحار


أنطونيوس نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4480 - 2014 / 6 / 12 - 00:18
المحور: الادب والفن
    



- ويلٌ لمَن يوقظ الأشجار مِن نومها..
- وكيف لنا أن نفعل هذا، يا معلم؟!..
- حين تكفُّون عن الصياح..
- لكننا لم نسمعك تصيح مِن قبل!!..
- لقد اهترأتْ شفتاي مِن الصياح.. لكن أرواحكم الصماء لم تعُد جديرةً بالإنصات إليه.. أيسر عليكم أن تتذكروا مذاق الحليب الذي أرضعتكموه أمهاتكم، مِن أن تتذكروا نكهةَ صراخي المدجَّج بالذكريات..

(وسط إنشداه التلاميذ، يقاطعه أحدهم مُبتَدِراً)

- أخبِرنا يا معلم، كيف تُجازي الأشجارُ مَن يوقظها؟!..

(يجيبهم المعلم هامساً، وكأن الأحرفَ الواهنة التي انبثقتْ بين شفتيه، قطراتٌ من الدم الدَبِق تطفرُ من منقار عصفورٍ يُحتضر وحيداً بين نهدي الظلمة)

- إن أيقظتم الأشجار، فلن تتورَّع عن منعكم مِن صلبي.. ستشُحُّ عليكم بقطعتي الخشب اللتين من فوقهما سأتمم موتي..
- حسناً.. فلنوقظها من سباتها إلى مُنتهى الأيام..
- يا حمقى.. المساميرُ تدعوني، وهي تئن وَجداً.. تاجُ الشوك، يخشى أن يُزهر في انتظاري.. رشفةُ الخل، تتلهف إلى دفءِ لِثَتي الزرقاء.. الحربة، تتباهى بنصلها كما يتفاخر الشيوخ بأسقامهم، تزدان بلدغات البريق؛ لتُعانقَ نبضتي الأخيرة المجعدة.. أنجاسي الأحباء.. لن أخذل كل هذي الأشياء الحبيبة.. لن أخونها، مِن أجل أن أشاطركم أرضاً تتقيأ موتاها، وسماءً ليس في وسع نجومها أن تفعل شيئاً غير أن تتغوطَ ضوءها الفاتر المُزنَّر بالبثور.. لن أخونها، مِن أجل أن أزدرد بينكم لُقمتي المُرة، تحت سُحُبٍ قاتمةٍ تُمطر بتعالٍ أسنانها النَخِرة..

- يا معلم، إنَّا نتبع ظلك، الممسوح بزيت القدرة والجلال، بقلوبٍ تدهق عشقاً تقرَّحتْ أشغفتها في مطاردة أنفاسك، أينما ولَّيتَ وجهَ رُوحِك..
- وأنا أتوسلُ إليكم، أن تمنحوا الأشجار يقظتها؛ كي تمنحوني موتاً.. أن أتنفسَ هواءً نهشَ العِثاثُ ما به من أغنيات، لهُوَ أبشع مِن أن أُصلبَ ألف مرةٍ..
- إذن، فلن ننقطع عن الغناء.. يا كلمة "يهوه".. يا زهرته المتوقدة، التي شطأتْ في بلاقع سِنِي غُربتنا القاحلة..

(يشرع التلاميذ في الغناء، يبدأُ خافتاً، وسرعان ما تنجدلُ الحناجرُ في إيقاع رتيب مشترك)

- كفاكم.. (يضغط بكفَّيه على أُذنيه الشاحبتين، أصابعه محفوفةٌ بجدائل شعره الأشعث، وظاهر يده يخفق للهدير الذي انبجس تحت باطنها).. كفاكم.. إن ألسنتكم كأظافر تخمش سطح الزجاج.. كفاكم صريراً.. إن صريركم ملعونٌ كالخلود، واخزاً كرائحة نقود الصيارفة، أشدَ وطاة من جُرَذٍ ينتحبُ جذلاً قارضاً طرفَ ذيله، وملايين الثعابين تتكالب عليه.. كفاكم.. (يجثو المعلم على ركبتيه مترنحاً، مُتفرِّساً في جيفة ظله).. إن صريركم صمتٌ يعوي..

(يختطف المعلم خنجرَ بطرس، الذي اعتاد أن يَدُسَّه بين إزاره وجلبابه الفضفاض، والذي لم يكن يستخدمه بطرس في سوى تخليص الأسماك من قشورها اللامعة وزعانفها الجموح)

- أيقِظُوا الأشجار.. وإلا، فإن يدي المعروقة هذي وخنجركم اللقيط هذا، كفيلان بأن يُخرسا "يهوه" إلى أبد الآبدين.. هاهما متأهبان للانقضاض على زهرته التي تلقِّبونها بالـ "المعلم".. سأنتِفُ بهما بتلاتها النورانية عن جلدي كاشفاً عن قلبها الأخضر المُغبَّر.. سأُحيلُ الشَغافَ مُزقاً، وسأقذِفُ به نهباً لمناسر الجوارح مفقوءةِ الأعين..

(المعلم يَشُدُّ وَثاق قبضته على المقبض الناحل اللون المطموس الزخارف، مستعضداً بيده الاخرى يحدِّق إلى وجوه تلاميذه، الوجه تلو الآخر، كاشطاً بنظراته طبقات الشحم المتورِّد وقشور اللحم الصَدِئة، نابشاً حتى العظام بحثاً عن صليب)

- كفاكم..

(سِنُّ الخنجر يخترقُ خِرقةَ المعلم المُشبَّعة بالقبلات، يعلو صوتُ غناءِ التلاميذِ، غناءً مُطْمَئِناً كالنَّدى، لا يلفحه سوى نِثارُ ضحكاتِهم الخابية، غناءً كلما شارف على الخفوت أضحى أكثفَ حضوراً من بصقةٍ معرَّقة بالدماء، يَحْنِي المعلم جذعه الراجف، ورأسه تكاد تلامس الأرض، يَسْنِد التلاميذ ظهورهم إلى جذوع الأشجار الغافية في ارتياح، مستبسلين في الإبقاء على الغناء متواتراً، بينما هم يتثاءبُون ملء أشداقهم)

- لا أريد أن أخسرَ خنجري.. (يهمهمُ بطرس في بطءٍ قَلِق، قبلما يسكُب الحُلْمُ شمعَ أختامه بين جفنيه)





#أنطونيوس_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجهان للصمت
- ألغاط في تعريف الجمال
- المزامير المحذوفة
- سفر الحكمة
- الموعظة على المعبر
- ألفريد نويس: الحصن المزدوج
- فولفجانج بورشرت – تحريض
- نص السيف وخمر الهامش
- جثة منزوعة الموت
- سجناء الأيقونة: جيفارا والمعري
- مناجاة هاملت الغفاري
- حديث البذرة والأشباه
- انتحار المرايا
- لثماتٌ لا تندمل
- نحو قصيدة جنائية
- لو ترونج لو - صوت الخريف
- الصليل القاني
- بصقات فلسفية في وجهِ طوفانٍ فاتن
- أحذية الموتى دائماً نظيفة
- ثلاث قصائد ل تومي تابرمان


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - المسيح يقرر الانتحار