|
لقطة المترو
مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)
الحوار المتمدن-العدد: 4478 - 2014 / 6 / 10 - 22:53
المحور:
الادب والفن
لقطة المترو أقف وسط الزحام ، ووجهي – كالعادة - في اتجاه سير المترو. الصوت مؤثر فعلا ، ومستقل ، يعمل بكفاءة على نطاق واسع ، لمّا يهبط إلى قاع بعد قمة يظل مسموعا. تجلس عكس الاتجاه ، لكنها بدتْ قبل أنت تبدو ، بفضل قوة الإشارة وجودتها ، وبفضل أشياء اخرى . الصوت يقول : جميلة ، موهوبة ، لطيفة ، ودودة إلى الدرجة المطلوبة ، ليس هذا هو الظهور الأول لها ، والشاهد على ذلك مايحدث حالا ، هي تعرف ما تود قوله .حاضرة الذهن ، وربما تحضرُها أذهانٌ أخرى ، لا تبحث عن الكلام ، كأنها قالته من قبل عشرات المرات . يمكن أن نضيف إلى الجملة السابقة : " ومع ذلك كأنها تصنعه الآن – على إيدك ". شدَّني - أن أرى قبل أن أرى – الصوت ، صوتها لا يدع الجملة في الوِسْع ، إلا بعد أن يلون بعض كلماتها أو يظللها أو يضع خطوطا تحت المستهدف أكثر ، وفي أحيان قليلة قد يُخرج سهما من الكلمة ؛ ليشرحها في هامش صغير، سكتاتها تطول وتقصر ؛ لتعطي المجال للتفاعل أوالاستحسان ، أو لسحب الجملة القادمة برفق . أعتقد أنها كانت مهتمة جدا أن يتم التسليم والتسلُّم بصورة محددة ، تعرفها ، وتنتظر حدوثها ؛ لتكمل . تفعل ذلك كله بـ الطريقة. عندما التفتُّ ؛ لأدخل عصر الصورة ، لم تكن هناك مفاجآت ، كانت كما الصوت : جميلة موهوبة ودودة سريعة البديهة ، وبسيطة وعفوية . ثمة خفة أو تفاهة ؟ تفاهتها – إنْ كانت - في صميم الشخصية . هذه التفاهة – فرضًا يعني - إنْ عُزلتْ لصارت الأمور في غاية الخطورة : ستأخذ في سكتها ما لا يُقدَّر: حضورها اللافت المتعوب فيه ، قدرتها على البث عكس الاتجاه ، اختلاف الوتيرة ، التنوع المذهل في عناصر الجملة ، التنقل بيسر بين عدد من الموضوعات في فترة زمنية جد محدودة ، لا تزيد بأية حال عن أربع محطات مترو. تطعّم الجمل بقفشات من وحي اللحظة ، وبنفس خيط الغزْل ، تعقبها ابتسامة محدودة منها ، وابتسامة أكبر من صديقتها ، قد تضحك الصديقة أو تكركر ، لكنها تعود سريعا . أنا أقدِّر اللعبة الحلوة ، ولا أستطيع إلا أن أتفاعل ، بالطبع قد أحاول التماسك أحيانا ، من باب الغلاسة أو من باب احترام خصوصية من يشاركونني بالصدفة وسيلة مواصلات عامة . المهم، قهقهتُ وعلا صوتي وصوت آخرين ، لكن العرض لم يتوقف للحظة ، هي تكتفي بابتسامة قصيرة كأنها ترشد إلى نوع الاستجابات المطلوبة ، لا أكثر ، وأنا وصديقتها وآخرون - كما ترون . استغربت هذا البرود منها ، لكن الصراحة بعد تفكير ليس طويلا ، تيقنتُ : كل ما في الأمر أنها كانت مشغولة بـ التالي ، هي تقدم فقرة طويلة ، ولن تنجرف في تيار إعجاب مازال في مهده ، فضلا عن كونها تبث على الهواء . لما التفتُّ ؛ فصرت في نفس الاتجاه كانت تحادث صديقتها المواجهة لها في المترو ، نعم هي أصغر قليلا من صوتها ، لكن لا نستطيع أن نتحدث بالمرة عن " عدم مناسبة " . المترو شديد الازدحام ، إلا أنها لم تتأثر ، ليس لأهمية ما تقول أوإلحاحه ، في الغالب هي اعتادت أنْ تنجز في أصعب الظروف. إضافة إلى ما سبق ، ما كان مؤثرا في المشهد هو المشاركة المميَّزة لصديقتها ، كانت دائمة التفاعل المحسوب والعفوي ، والابتسام والضحك بدرجاته ، ومع ذلك لم تكن ، في أي لحظة ، مأخوذة تماما . مداخلاتها محدودة ، لكن في القلب . تقدر مسألة الوقت – المترو لن يظل سائرا إلى الأبد ؛ لذا لم أسمع كلمة واحدة ، سواء عندما كانت عكس الاتجاه أو فيما بعد ، ما من شأنه تشيتت الأهداف المرجوة . أنت أمام خطاب متسق ، حقيقي ومؤثر ، يتم بين صديقتين - طرفين أحدهما أساسي والثاني جمهور. تشعر كأن الحلقة قد تم تجهيزها من قبل ، لصناعة صورة ؟ بحثا عن جمهور أوسع ؟ أي صورة وأي جمهور ؟! عندما تأتي المحطة المطلوبة ستنزلان فجأة . تاركتين خلفهما إعجابا يتناقص تدريجيا ، مع كل محطة . أعتقد أن الإعداد قد تم فعلا، بهدف أن يصير العفوي عفويا ، فكما هو معروف ، الحقيقي لن يسعفه فقط كونه حقيقيا .
#مجاهد_الطيب (هاشتاغ)
Megahed_Al-taieb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دَوا نُقَط
-
فوقية
-
قهوة علي مالك
-
جبال الألب
-
محمود ونوجة وصفية
-
النادي الفرنساوي
-
بأثر رجعي
-
شارع الحب
-
مصر الجديدة - الرابع والخامس من ديسمبر 2012
-
ليلي نهارك
-
نُؤْنُؤ
-
حراس الفكرة
المزيد.....
-
مغني الراب -كادوريم- يثير ضجة في تونس بإعلانه المفاجئ عن الت
...
-
تحتضن مواقع مهمة.. أبرز آثار بلدة العيزرية شرقي القدس
-
تردد قناة وناسة للأطفال 2024 على النايل سات وتابع أجدد الأفل
...
-
وزارة الإعلام الكويتية تعلق على الأنباء المتداولة حول تكاليف
...
-
أحمدو همباتيه باه: رائد الأدب الشفاهي الأفريقي وحارس ذاكرة ا
...
-
بعد تقارير عن -أجر بيومي فؤاد-.. تعليق كويتي رسمي بشأن دفع م
...
-
المفكر المغربي طه عبد الرحمن: تناولت السيرة النبوية من منظور
...
-
رواية -المُمَوِّه-.. شعرية الحدث والسرد العربي القصير
-
افتتاح معرض للأعمال الفنية المنتجة في محترفات موسم أصيلة ال4
...
-
روسيا.. مجمع -خيرسونيسوس تاورايد- التاريخي يستعد لاستقبال ال
...
المزيد.....
-
Diary Book كتاب المفكرة
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
مختارات هنري دي رينييه الشعرية
/ أكد الجبوري
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
المزيد.....
|