أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة المانع - من دفع للمزمرين ؟















المزيد.....


من دفع للمزمرين ؟


سميرة المانع

الحوار المتمدن-العدد: 4476 - 2014 / 6 / 8 - 13:39
المحور: الادب والفن
    


سميرة المانع

مَن دفع للمزمّرين ؟

Who paid the piper ?
اسم الكتاب: من دفع للمزمرين ؟
Frances Stonor Saunders فرانسيس ستونر ساندور : المؤلفة
المرء المعنيّ والراغب في معرفة خفايا ما حصل في الميدان الثقافي في منتصف القرن العشرين لا يستغني
عن مطالعة كتاب صدر في تموز / يونيو 1999 بعنوان :( مَن دفع للمزمرين ؟ وكالة المخابرات الاميركية
والحرب الثقافية الباردة) تتوالى صفحات هذا الكتاب الضخم محملة بالتفاصيل الدقيقة، مفسرة البواعث الخفية في
الصراع النفسي المستميت والحرب الدعائية المكثفة عن طريق الادب والفنون ما بين المعسكر الغربي بقيادة
الولايات المتحدة والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي في الحرب التي اُصطلح على تسميتها بـ ( الحرب الباردة )
لتوجيه الثقافة لمصلحة كل فريق، ومنذ سنة 1947 وبعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار
الحلفاء على دول المحور بقيادة المانيا.
كان شتاء تلك السنة، كما وصفت المؤلفة، شتاء قارصا بصورة استثنائية، انسجم مع ما أطلق على تلك الفترة
بـ ( الحرب الباردة) وصلت درجات البرودة فيه رقما قياسيا، و اقامت الثلوج جبهات متجمدة ممتدة من المانيا،
ايطاليا، فرنسا، وبريطانيا. كما انهارت البنى التحتية للماء والكهرباء في تلك البلدان. انقطعت طرق المواصلات
بسبب الطبقات السميكة من الثلوج، لتدفن آخر ما تبقى من حطام المدن الالمانية المتدمرة بفعل قنابل الحلفاء،
مخفية تركة هتلر الثقيلة في عاصمته برلين، المقسمة الآن إلى أربعة اقسام، تبعا لجيوش الحلفاء المنتصرة التي
احتلتها متمثلة ببريطانيا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وفرنسا. وعلى رغم الزمهرير بدأت هذه البلدان
بتوزيع الغنائم فيما بينها، يخططون الحدود، فتشرد السكان الذين زاد عدد النازحين منهم والمهاجرين عن
ثلاثة عشر مليون نسمة، نائمين في المحلات العامة وتحت السلالم والمستودعات. في الوقت نفسه ارتفعت
معدلات التضخم بالمانيا المنهزمة لدرجة ان صار المرء قادرا على شراء سيارة مرسيدس طراز 1939 بمجرد
اربعة وعشرين صندوقا من السكائر الاميركية، ويستطيع بهذا المقياس، استئجار فرقة عزف موسيقية كاملة
باربعة صناديق فقط.
هكذا بدأت الامور في السنة الاولى لانتهاء الحرب، إلا ان النصر والتفاهم بين جيوش الحلفاء لم يدوما طويلا بل
يقول البعض إن المنافسة بدأت مباشرة بعد انتهاء الحرب سنة 1945 حينما كانت رائحة نتانة الاجساد البشرية
لا زالت معلقة على الخرائب، فقد أقام السوفييت حفلة موسيقية لاوبرا الموسيقار النمساوي ( 1787-1714 )
Gluck
في قاعة الادميرالية الحمراء ذات المصابيح المتلالئة، فيما جلس قادة الجيش السوفيتي باجسادهم القوية الممتلئة
القصيرة مبتسمين باتجاه نظرائهم الاميركان الضباط وهما يستمعان للعزف الموسيقي معا والاوسمة تخشخش
على صدور كلا الفريقين. وجد الاميركان أنفسهم أقل شأنا في مواجهة هذا التحدي غير المتوقع، شعروا أن هناك
ستراتيجية متقصدة محكمة ظهرت فاعليتها وقوتها على الرغم من سياسة ستالين الحزبية الضيقة، فالسوفييت قد
استعملوا في حربهم الدعائية بطاريات ليست تقليدية ليتمكنوا من الوصول بها إلى عقول الناس وأفئدتهم، ولكسب
الضمير الاوربي لمصلحتهم. ها هم قد اوصلوا الشيوعية، رغم برودة الجو في شهر
يناير إلى بولندا ، كما دارت اشاعات تقول إن فكرة الشيوعية قد تستحوذ على ايطاليا وفرنسا أيضا. هنا ظهر
رأس أفعى الحرب السرية مرة أخرى والذي كان موجودا منذ 1940 عندما وجه الكرملين حملات
دعاية للفكر الشيوعي في اتحادات العمال وجمعيات المرأة والشباب والمنظمات الثقافية والصحفية، لكنهم اليوم
وبعد الحرب التي انهكت اقتصادهم، يفتقرون إلى القوة الاقتصادية الكافية للاستمرار بحملتهم ، فضلا عن
كونهم، ذلك الوقت، لا يمتلكون السلاح النووي ولذا تحول الصراع بين المعسكرين من المواجهة الحربية إلى
استخدام سلاح الثقافة لتحقيق مآرب الطرفين في هذه الحرب السايكولوجية الباردة كما تُسمى.
بعد فترة اطلق السوفييت وفي سنة 1947 قنبلة دعائية أخرى عندما أعلنوا افتتاح " بيت ثقافة" في المدينة نفسها
برلين وفي الجزء العائد لهم. لقد أدار هذا البيت رأس الملحق الثقافي البريطاني الموجود هناك واثار غيرته،
أسرع بالكتابة إلى رؤسائه بلندن يطلعهم على ما يجري قائلا في تقريره : " لقد تفوق (البيت) على جميع ما فعله
الحلفاء، ووضع مجهودنا الفقير بالظل . إنه مجهز تجهيزا مترفا، فيه اثاث من الطراز القديم الصنع مع طنافس
في كل غرفة واضاءة مشعة وتدفئة أكثر من المعتاد، كل شيء فيه مطلي طلاء جيدا. لقد حقق الروس ما يبتغون
حيث سيصلون إلى اعداد كثيرة من الناس فتزول الفكرة السائدة أن الروسي في حيرة من أمره لا يعرف ما
يجري حوله أو كيف تٌدار الامورعموما وأن الروس اناس غير متحضرين".
في حين كان الملحق الثقافي البريطاني يشتكي من قلة الفحم والبرد في غرفة المطالعة، تجرأ الاميركان لعمل
شيء شبيه لما قام به السوفييت، فقد افتتحوا ما سمي بـ ( المركز الاميركي) كقاعدة للثقافة الاميركية في أماكن
عدة، يلتجيء إليها المقرور با لخارج داخلا إلى غرف قراءة مريحة الاثاث، مع عروض افلام سينمائية وحفلات
موسيقية، محاضرات ومعارض للرسم ، تُشم منها الدعاية لاميركا. زيادة على ذلك استهل مدير العلاقات
التربوية والثقافية كلمته المعنونة ( بعيدا عن الخرائب) قائلا بتذمر : " على الرغم من معظم المساهمات التي
قدمتها أميركا في حقل الثقافة فلا أحد يعرف بذلك ولا حتى بالمانيا، ناهيك عن بقية العالم، بل تعتبر حياتنا
محض حياة تغلب عليها الناحية المادية فقط ، وغالبا ما نسمع تعليق : نحن لدينا المهارة والعقول وانتم لديكم
النقود ". وتضيف مؤلفة كتاب ( مَن دفع للمزمّرين ؟) قائلة: " كانت اميركا آنذاك تعتبر غالبا، قاحلة ثقافيا، يعلك
شعبها اللبان ويسوق سيارات الشُفرليت ". لقد غيرت هذه المراكز الثقافية الاميركية النظرة السلبية الثابتة عنهم،
وشجعت قسما من الكتاب الاوربيين الذين لا يتفقون مع النهج الدعائي للسوفييت بالاقتراب منها كـ (اندريه جيد)
بعد كتابه (العودة من الاتحاد السوفيتي) ذاكرا فيه تجربته بروسيا، أو الكاتب الآخر (ارثر كويستلر) مؤلف
كتاب ( الظلام في الظهيرة) وغيرهما. إلا أن الوضع الاقتصادي باوربا المفلسة ازداد سوءا سنة 1947
فالعملة الالمانية فقدت قيمتها، واستمرت الاضرابات. عاشت عوائل كاملة من دون ماء او كهرباء في
مستودعات تحت الارض.
في تلك السنة اعلن الجنرال جورج مارشال الذي كان رئيس القوات الاميركية اثناء الحرب، وهو الآن وزير
الخارجية للرئيس ترومان، مشروعه المالي الضخم لمواجهة الازمة امام طلاب جامعة هارفرد في حفل تخرج
تلك السنة. كان جالسا بين الحضور كبار الضباط مع الشاعر ( ت .س. اليوت) وكلهم نالوا شهادات فخرية منها.
في ذلك الحشد حذر الجنرال في كلمته من انهيار القيم التي يعرفونها في العالم القديم، مضيفا ان هناك جهودا
مستمرة تبذل لتغيير أوربا التي يعرفونها كي تسقط، مخالفة مصلحة الانسان الحر، مشددا على وجوب مساعدتها
ببرامج مالية ضخمة لمنع انهيارها. كانت دعوة مارشال متطابقة مع خطبة الرئيس الامريكي ترومان عندما
تحدث امام الكونغرس الاميركي عن اوضاع اليونان المهددة بالشيوعية قائلا بلهجة سفر الرؤيا الدينية :
" في هذه اللحظة من تأريخ العالم يجب على كل شعب أن يختار طريقه في الحياة... وأحيانا لا يكون الاختيار
حرأ...".
إن الندائين المذكورين اعلاه قد اوصلتا الرسالة للعالم وهي ان مستقبل اوربا، إذا قدر لها أن يكون لها مستقبل،
يجب أن يكون مرتبطا بالعجلة الاميركية. ومثلما اختار الجنرال مارشال جامعة هارفرد، قلب أميركا الثقافي،
لالقاء كلمته، دعا الاتحاد السوفيتي بلسان اندريه جيدانوف، مخطط الثقافة الستالينية، مثقفي العالم كله كي يقعقوا
باقلامهم تحت راية الشيوعية ، مضيفا : " لقد حصلت الاحزاب الشيوعية باوربا على نجاح يؤخذ بنظرالاعتبار،
والبرهان على ذلك أن معظم الافراد في العلم والادب والفن ينتمون للحزب الشيوعي".
سرعان ما بدأت مرحلة جديدة في الحرب الباردة منظمة أكثر عند الاميركان عندما أسسوا وكالة المخابرات
المركزية :
CIA مختصرة بالحروف
بموجب مرسوم الامن القومي يوم 26/ 7/1947 وكانت من أجل التنسيق بين المعلومات الحربية والدبلوماسية
في الاصل ثم أضيفت لها عبارة غامضة :" ولخدمات المصلحة العامة " . إن ايجاد هذه الوكالة دشن مرحلة
جديدة في السياسة الاميركية، فالاتفاق الضمني الذي اسست من أجله هو لتنظيم نمط مفاهيم ( الكذبة الضرورية)
بحيث يصبح ( الانكار المعقول ) جزءا من استراتيجية السلام المشروعة. إلا أن هذا السلوك خلق حكومات
متعاقبة غير معنية بمن يحاسبها سواء في الداخل أم الخارج. امتلكت هذه الوكالة واجهات لتمثيلها من دور نشر
إلى محطات إذاعة وصحف وشركات تأمين وممتلكات حقيقية. بل صار وجودها حاضرا في كل ما يجري بهذا
العالم في مدى حقب قليلة. بدأ الناس يشككون أنها خلف كل دغل وظلمة، بل صاروا يشيرون لها كما تقول
الكاتبة دورثي باركر : " في الاعمال الضارة والنافعة معا، سواء صنعتها فعلا أم لم تفكر اطلاقا بصنعها".
وكعادتها تلكأت بريطانيا باتخاذ موقف سريع في الدعاية ضد السوفييت، كما تقول المؤلفة، وأنى لها الوقوف في
حملة دعائية ضدهم وهي التي دأبت على تلميع صورتهم وإخفاء أفعال ستالين الدكتاتورية المشينة عندما انضم
الجميع لمحاربة هتلر؟! استقر رأيها أخيرا على ما وردعلى لسان وزير خارجيتها ارنست بيفان في حكومة اتلي
العمالية، إذ قال : " نحن لا نأمل في صد تيار الشيوعية بالوسائل المادية فحسب، بل يجب أن نُضيف المناشدة
الايجابية للمباديء الديمقراطية والمسيحية، متذكرين قوة العاطفة المسيحية باوربا...... ولذا علينا أن نقدم
ايدلوجية بديلة منافسة أخرى للشيوعية " وهكذا تمّ تأسيس (قسم بحث المعلومات) في وزارة الخارجية البريطانية
سنة 1948 ، الذي استعان بارثر كويسلرالمذكور سابقا، وهو أحد العقول المدبّرة المؤسسة لشبكة المنظمات
الدعائية في الاتحاد السوفيتي قبل سنة 1940 ، إلا أنه تمرد عليه فاضحا سوء وقسوة اساليب السوفييت البوليسية
في كتابه ( الظلام في الظهيرة) فكان من أهم الكتب المؤثرة في تلك الفترة . أدرك البريطانيون تحت تأثير
وارشاد هذا الكاتب الهنغاري المولد ، الشيوعي السابق، أهمية مساعدة اولئك الافراد الذين كانوا شيوعيين
معارضين أعداء على الطريقة اليسارية التقليدية. بدوره استفاد كويسلر من هذا الارتباط، فقد حقق كتابه ،
الذي صور فيه تفشي الفساد والاكاذيب في الاتحاد السوفيتي تحت راية الايدلوجية الشيوعية، صفقة مربحة
مع ( دار هاملتون) لطبع الكتاب مجددا مع توزيع كبير سنة 1948. وتقول المؤلفة ان صاحب الدار مرتبط
بالاستخبارات البريطانية.
لم يكتف كويسلر بهذا النجاح وانما زار الولايات المتحدة الاميركية بعدها ليلقي سلسلة محاضرات أمام عدد كبير
من اصحاب الرأي هناك، واهتمت به وكالة المخابرات الاميركية بالخصوص مستفيدة من جدله في النقاش الذي
يقول لا شيء يحقق تهديم الاسطورة الشيوعية إلا بتعبئة اولئك الاشخاص اليساريين الذين سبق ان كانوا
شيوعيين من أجل حملة اقناع عامة. بعدها بدأت الوكالة بالاقتراب من هذه الفكرة بصورة متزايدة، ومدت يدها
لمساعدة اولئك المثقفين الذين خاب ظنهم بالاتحاد السوفيتي، لكنهم ما زالوا متشبثين بقيم الاشتراكية. تمخضت
الفكرة عن تنظيم مؤتمر سنة 1950 في برلين باسم ( حرية الثقافة) داعين إليه عددا من اصحاب الرأي
اليساريين، الذين حضروا وهم يغضون الطرف تماما عمن قام بتمويله، متغابين عن ادراك أن ليس هناك من
يقدر على تمويله في ظروف أوربا المفلسة بعد الحرب العالمية الثانية، ولا مفرّ من دولارات الولايات المتحدة
الاميركية. انتهى المؤتمرون ببيان يشفي الغليل أصدروه وصار بعدئذ حجر الزاوية فيما سمي ، بعدئذ، بـ
( منظمة حرية الثقافة) بعد تأسيسها . يقول البيان: " .... نعتبره شيئا بديهيا أن تكون الحرية الفكرية حقا من
حقوق الانسان... تتحدد مثل هذه الحرية في حقه بالتمسك والتعبير عن وجهة نظره قبل كل شيء .. عندما يحرم
الانسان من أن يقول : لا ، يصبح المخلوق عبدا "
بعد أن قررتْ وكالة المخابرات الاميركية تأسيس ( منظمة حرية الثقافة) غيرت تواجدها من برلين إلى باريس،
مع الاتفاق الضمني عن طريق مؤسسات مالية كبرى لاتخاذها واجهة من أجل تمويلها، تمويها على وجود وكالة المخابرات وراء المشروع كله. وهكذا انبثقت منظمات وهمية بالاضافة إلى مؤسسات ضخمة تساعدها كمؤسسة فورد وروكفلر وغيرهما من أجل استعمال الاسم في دفع المساعدات للكتاب على شكل جوائز
ودعوات وتشجيع دور نشر لطبع كتبهم وترجمتها والتزمير لها والمساعدة في اعانتهم على تأسيس مجلات
وصحف تتحدث عن ضرورة حرية التعبير، محملة الثقافة عبء الدفاع عن الحرية كما صيغت داخل المؤتمر
المذكور أعلاه.
انبثقت مجلات في بلدان اسيا وأفريقيا واوربا بالتعاون مع (مركز المعلومات البريطاني) منها مجلة ( انكاونتر)
بالانكليزية من سنة 1953 - 1990
ومجلة ( حوار ) بالعربية . قام بتحرير الاولى ( ستيفن سبندر) أحد الشخصيات اليسارية الثقافية، وهو من عائلة
عريقة ليبرالية. استطاع سبندر أن يوطد اركان المجلة بنخبة مثقفة من ادباء العالم بعد الحرب العالمية الثانية من
أمثال آسيا برلين ، فلاديمير نابكوف، جورجي لويس بورخس، دبليو أج. أودن، ارنولد توينبي، برتراندرسل،
هربرت ريد. كانت المجلة تُقرأ في معظم القارات ، وتعالج مواضيع ثقافية متنوعة لكنها صامتة أو غامضة
بالقضايا السياسية المعينة كالتآمر على حكومة دكتور مصدق بايران والانقلابات العسكرية المدبرة معظم الاحيان
عن طريق جواسيس وكالة المخابرات المركزية. تقول مؤلفة كتاب ( مَن دفع للمزمّرين؟) فرانسيس ستونر
ساندرس : " لن تكون الحرية الثقافية رخيصة، فقد ضخت وكالة المخابرات الاميركية ملايين الدولارات
لـ ( منظمة حرية الثقافة) أو لمشاريع وخطط أخرى مماثلة، وبهذا التعهد صارت الوكالة في الواقع كما لو أنها
تمثل وزارة الثقافة الاميركية".
احاط هذا الكتاب بكل الاساليب التي اتبعت من أجل ( الحرب لامتلاك عقل الانسان) مستعرضا الاسماء
والمؤسسات ودور النشر ومتاحف الفن الحديث واقطاب الاعلام ومخرجي السينما والصحفيين. كل هؤلاء
تسميهم الوكالة بـ ( العارف) وعلى الشخص الذي يصبح باصطلاحها من العارفين أن يفهم لغة الوكالة وكلمات
السر، والعادات ، والرموز. بمعنى آخر أن يفهم هؤلاء ( العارفون) بعضهم بعضا حين يلتقون، والشخص الذي
لا يكون عارفا سيكون موقفه كما نقول بالعربية " مثل الاطرش بالزفة". وتضيف المؤلفة في مقدمة كتابها قائلة
عن ( منظمة حرية الثقافة) : " سواء شاؤوا أم ابوا، لم يعد هناك إلا القليل من الكتاب والشعراء والفنانين
والمؤرخين والعلماء ونقاد الادب باوربا لم يرتبط بطريقة او باخرى في الحرب الباردة بها ، بواسطة الاسلحة
الثقافية عن طريق المجلات والكتب والمؤتمرات والمحاضرات ومعارض الرسم الخ ... " لقد تدخلت الوكالة في
تشجيع حتى الموسيقى الحديثة بتنظيم حفلات موسيقية لها، وكما ذكرت الناقدة الاميركية سوزان سونتاك :
" كنا نستحسن الموسيقى القبيحة ، نستمع باخلاص لها ... لقد كانت لنا شهية عظيمة ومعدة قوية" أما حول
تشجيع الرسم السريالي الحديث فقد ذكره بروفسور ادورد سعيد اثناء استعراضه لهذا الكتاب في مجلة
( عرض لندن للكتب) عدد سبتمر 1999. لقد جاءت المؤلفة بفكرة اصيلة في كتابها ، إلا أنها لم تتوسع فيها
أكثر، فالمعروف أن الرئيس ترومان نفسه والكونغرس كانوا يسخرون من الاتجاهات الفنية الحديثة في الرسم،
بل بالغ البعض لدرجة اعتبارها ( مؤامرة شيوعية) ثم اكتُشفت أن لها منافع جمّة، خصوصا هناك عدد كبير من
الفنانين الحديثين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة الاميركية هربا من النازية فارتأت الوكالة ان تستفيد من فنهم فادعت أن هؤلاء يبحثون عن الحرية ويخاطب فنهم اعداء الشيوعية، خصوصا انه يلائم خطتها فهو لا يتعرض للسياسة ، صامت غامض ، لا يُفهم، بل دون معنى ، خلاف الواقعية الاشتراكية التي تنادي
بها النظرية الشيوعية.
لم تنطل اغراءات ( منظمة حرية الثقافة) بوكالة المخابرات المركزية الاميركية على قسم قليل من المثقفين ،
فقد استقال الفيلسوف برتراند رسل منها كرئيس فخري سنة 1956 بصورة نهائية وكانت هذه رابع استقالة له
وقد رُفضت الثلاث قبلها. كما تفند الكاتبة مزاعم المنظمة عندما تدعي أنها تدافع عن حرية التعبير، بينما
تُحذف وتُمنع مقالات تُرسل إلى مجلة حوار الانكليزية ( انكاونتر) إذا لم تناسب اسلوب خط السياسة الاميركية،
ولم تتحمل النهاية المأساوية لكتاب جورج اورويل ، مثلا، المسمى ( 1984) إذ هاجم فيه سوء استعمال السلطة
سواء في الحكومات اليسارية أم اليمينية، محتجا على جميع ( الاكاذيب ) ولذا موهتْ على هذه النظرة عندما
صنعت منه فيلما بعد وفاته.
أخيرا، تنهي المؤلفة كتابها بالفضائح التي رافقت ( منظمة حرية الثقافة) وكيف بدأ احتضارها ثم موتها أخيرا
. والبعض يقول إنها اختفت بلبوس آخر الآن، مضيفا أن الحرب الباردة من أصعب وأعقد الايدلوجيات، وإذا كان
حظ اميركا أن تأخذ زمام الامور باوربا الكاسدة بعد الحرب العالمية الثانية بحجة الدفاع عن الحرية فربّ قائل
يقول منذ سنة 1962 : " الغرب يريد الحرية لدرجة أن تكون متناغمة مع الملكية الشخصية والارباح، ويريد
السوفييت الاشتراكية لدرجة أن تكون منسجمة مع دكتاتورية البيروقراطية الشيوعية"
المهم، بعد قراءة هذا الكتاب لا يسع المرء إلا أن يدرك صعوبة البراءة اليوم، فالتخطيط قائم على قدم وساق من
أجل تلميع بعض الاسماء أو محقها ، التشويش عليها أو التعتيم، وما على الباحث سوى أن يتهجس طريقه بصبر
وسط الاشواك والظلام الشديد.

*************





#سميرة_المانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة بضاعة وزخرفة
- هل تدلني على بيتي؟
- ما قلت وداعا أبدا
- نساء
- خروج أديب من قرونه الوسطى
- ما يقال عن المرأة في الادب العربي
- الاعتداء
- العيش في سلام
- التواطؤ الثالث بالسياسة
- التواطؤ الثاني بالجنس
- التواطؤ الاول بالفنون
- البحث عن الموجود
- العاقلة جدا
- بداية حملة السرقة
- الخال
- ها....ها...ها
- ألا ابشروا بالاعمال الخلاقة
- ثمة اسرار
- من مفكرة امرأة مغتربة
- أجوبة أسئلة تخطر بالبال


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة المانع - من دفع للمزمرين ؟