|
مَطرتْ ديمقراطية
واصف شنون
الحوار المتمدن-العدد: 1267 - 2005 / 7 / 26 - 09:00
المحور:
كتابات ساخرة
حين تركتُ العراق مفزوعا ً مرتعدا ً وخائبا ً، ليس بسبب ما يدعى بـ صدّام، بل من ناس المدينة التي كانت قبلَ لحظات تهتف ُ بأعلى الحناجر ضد مساوىءالبعث وافعال رجاله ، وتتسلح كلّ شوارعها ببنادق الثورة والدعوة للثأر من كلِّ البعثيين،وفجأة ضجّتْ بهلاهل البعض من النسوّة اللواتي كنَّ يستقبلنّ الجيش القادم لإغتصاب المدينة ،بينما إمتلأت سطوح المنازل بالقناصّين من الرفاق الأوفياء للروحية البعثية المتجبرة التي تصورتُ مخطئا ً إنها قد تلاشت عن الوجود ولو لوهلة وجيزة ٍ، بسبب كل تلك المظالم التي أوقعوها بالقاصي والداني ..،ولكن مرة اخرى تجدني..( أنا وأخي نودع للمرة الاخيرة نساء العائلة على عجلةٍ من الجارّ المخبر) .. أعود للمرحوم الدكتور علي الوردي وما كتبه عن ( التفرد السلبي للشخصية العراقية )...،فالهجرة القسرية من ذلك البلد ليس سببها الطغاة الكبار، بل كان السبب هو استمرارية الحياة الطفيلية للطغاة الصغار، لذا فالهروب كان من كاظم وحسين وعمر وخالد، من الجار الطيب وسائق التاكسي ومدير المدرسة وعامل السكك النقابي والقصاب والمقاول والدلاّلة والشاعر الشعبي والملا ّية وبائع الخضروات وعضو الجمعية الفلاحية والجد المتقاعد وعضو نقابة المحاربين ..، من العضو الحزبي مسؤول الحارة أو الزقاق ورجل الامن الكسول والمخبر المجانّي صاحب العائلة الكبيرة الذي لاعملَ لديه...،البعث.. كان كالليل وكالنهار... الجميع يتحدثون كالبعثيين ويتنفسون كالبعثيين ويأكلون كالبعثيين ويلبسون كالبعثيين ويعشقون أيضا كالبعثيين ...، وإن لم يصرعكَ الهوى.... فستجد حالك في خانة الغبار والصدأ والحرمان والإهمال ومهما جهدت وتعبت وأنت تكافح المعيشة بصمت و بـ (نزاهة التنافس) فستجدك باقيا ً وراء الصفوف ،وعليك أن تحسَ وتخجلَ كونك ليس مع النظام الاجتماعي السياسي السائد ،أنت مع المنبوذين الشاذيّن الخوّنة والعملاء ويصل الإتهام الى (فاقدي الرجولة )..،وربما يتصاعد في أحيان اخرى الى (بائعي فلسطين ).....!!!.ففلسطين للبعثيين هي الحجّة القومية الأساسية والوحيدة في كل تاريخهم الكالح ،حتى تم تصوير القدس على إنها أهم من كل مدن العراق،وفلسطين الضائعة أصلا ًأو ( الوهمّ ) أهم من العراق الموجود واقعا ً..،كان البعثُ معشعشا ً في كل عشيرة و دين وطائفة وقومية ...،وصورة البطل البعثي تتصدر ديوانيات اغلب المنازل والمحال والشركات الخاصة والعامة بينما صور عملاقة لنفس البطل تغطي كل زقاق ومحطة وشارع ودائرة ...،فيما تبتدأ كلُّ نشرات الانباء المحلية والوطنية بسرد نشاطاته ورفاقه على الملأ ..،وحين يستغرب المرء القادم من بقاع الارض الاخرى أو من كوكب المشتري .. ماهذا الجنون.. لم َ كل هذا وذاك ..... ماهذا العبث ؟ ستقحمك الاجوبة بـ (الضرورة القومية ..،وان دلّ ذلك على شيء فإنما يدلّ ..،وإن الجدّ هارون الرشيد (كانت ) تأتمر به الغيوم والغواني وترنّ له الفضّة وتستحي منه أصالة الذهب ...،وان العراقي يتقدم ..،واعداء الامة بالمرصاد، وانتصرنا على الفرس المجوس ..،واساطير المحافظة التاسعة عشر.... ) وحقيقة الجواب القاسي اللعّوب الإنتهازي المرّ المشين هو ..نعم..نعم يجب ان يكون ذلك..وإلا ستتوقف الاعمال ..سَتغلقُ الدكاكين تجارتها ويختفي الباعة والمارة ،وتوصد ابواب المدارس ،وتختنق الشوارع بالعاطلين ،ويتوقف المحاسبون عن دفع الرواتب،سيذوب اسفلت الطرقات، وتتهاوى السماء على الارض ، ويبدأ عزرائيل بحصد أرواح الناس زرافات... زرافات ...،أي بمعنى سيتوقف الروتين اليومي المعتاد ..،ستتعرقل الحياة الطبيعية للفرد المستفيد ،أو على الأصح الشبه طبيعية للفرد الأناني العاجز الراضي ، أو الأكثر صحة لحياة الفرد الملغيّ الخاضع الخنوع التابع لأدنى السلطات .... والنتيجة ...النتائج المخزية ،إمتهان الانسان العراقي وقيمه خاصة في الجزء (الناطق بالعربية ) من العراق،الدمّار شبه الشامل للمدن عموما ً بما فيها بغداد وخصوصا ً الجنوبية منها كالبصرة من حيث الإنعدام التام للخدمات العامة والغزو الريفي وسلبياته ..،إ حتلال البلد من قبل بلد أقل عمرا ً منه بخمسة آلاف عام لكنه متقدما ً عليه بالقدرة الانسانية الفائقة التي إبتكرت مثلا ً تكنلوجيا التحكم بمركبة فضاء تبعد عن منزل في الناصرية بما يقرب على الـ 25 مليون كيلوميتر، أو تصوير الجنين في رحم إمه ، السيادة الوطنية المهدورة التي جازتْ التدخل لكل من هبّ ودبّ بما فيهم الغرب الطامع والحائر المتورط ،والعربان الذين سرقوا حقوق القرود الخاصة باللعب على كافة انواع الحبال الافرنجية والمشرقية الحداثوية والسلفية و المسيحية والاسلامية ،الديمقراطية التي يفهمها البعض من الرعاع ..على انها شيء من القانون السهل والرشوة والابتزاز والاستئثار بالقوة الشرعية على المناصب والتمجيد الطائفي للشخصيات المبهمة وتشكيل العصابات الدينية وزمر الخطف والذبح واخذ الثأر من ضعفاء الناس والفتك بالنساء اللواتي لامعيل لهن سوى الجسد....ديمقراطية الخوف من الغد.. فيتم تهريب النفط والدولارات والاولاد والاحفاد المدلّلون ..والاثار العراقية المهربة بالحقائب الدبلوماسية ..ديمقراطية الامر المفروض الذي جعل التقيّ (الصاغ سليم ).. ينام في فراش العدو(الشيطان الاميركي الرجيم ) .... هكذا تختلط علينا الاوراق ...اوراق الامس المؤلم حقا ً بمشاهد الحاضر المدمى بالارهاب اليومي الذي ارجو ان لا يعتاد على سماع كوارثه الناس ..،بينما يلوح المستقبل وهو محمل بنوع من كآبة غير معروفة ..
#واصف_شنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة القتل بالإنتحار
-
موسيقى وقنابل
-
حول مقالة الامام- جمهورية ماكو خير
-
وداعا ًصدام .... أهلا ً بالإمام
-
تُصبحون على قتل..
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|