ليس العقل هوالمخ بل هو وظيفته المميزة

مجيد البلوشي

الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 19:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

ليس العقل هوالمخ بل هو وظيفته المميزة


توطئة: نُشرت هذا المقال في جريدة "أخبار الخليج" البحرينية بتاريخ 28 فبراير 2009م، وذلك ردّاً على ما كتبه صديقنا البلوشي الأستاذ عبد الله السعداوي.

عزيزي الأخ الأستاذ عبد الله السعداوي،
تحية خاصة وبعد،
سرّني كثيراً ما كتبتَـه في مقالتك بعنوان "حديث العقل .. حوار مع د. البلوشي" في جريدة "أخبار الخليج" الصادرة بتاريخ 6 فبراير 2009م، وذلك تعقيباً على مقالتي "هل هي فعلاً ثورة الثورات؟" والتي تم نشرها في نفس الجريدة الصادرة بتاريخ 17 يناير 2009 م. ويسرّني أكثر أنك فتحتَ باب الحوار بيننا مما يعني أننا سنقترب من بعضنا البعض أكثر فأكثر، ولا بأس إنْ اختلفنا في بعض الأمور، وهذا أمر وارد وجيد، على قاعدة أن الاختلاف لا يفسد للـوُد قضية، ولكن الحوار أمر مهم وضروري للتوصل إلى نقاط مشتركة، خاصة وأنك تبدو متمرساً في المسائل الفلسفية والعلمية حسبما جاء في مقالتك.

وبالطبع أرحب بتساؤلاتك بكل رحابة صدر، وأبدأ بتساؤلك التالي: " هل العقل هو المخ كما يؤكّد الدكتور [مجيد] أم أن العقل شيء آخر غير الدماغ (المخ) ؟" ولكن قبل أن أقول أنك ظلمتني بهذا التساؤل نوعاً ما وأشرح ذلك فيما بعد، دعني أكرر سؤالي الذي طرحتُه في مقالتي والذي أوردتَـه أنت بنفسك في مقالتك، وهو " ما هو العقل؟ ونجيب: إنه وبحسب التعريف العام هو "ملَـَكة الاستدلال الصحيح والاستنتاج لدى الإنسان وعرض أفكاره بطريقة منطقية، وهذه الملَـَكة هي صفة مميزة لمادة شديدة التعقيد وعالية التطور ألا وهي "المخ الإنساني" المتكون من آلاف الملايين من الخلايا". [الكلمات التي وضعنا تحتها خطوطاً للفت الانتباه إليها].

ماذا نرى في تلك الفقرة؟ نرى أن هناك شيئين أساسيين: أولهما "ملَـَكة" و"صفة مميزة"، وثانيهما "مادة شديدة التعقيد وعالية التطور". بعبارات أخرى: هناك كيانان مختلفان تمام الاختلاف: كيان "لا مادي" وهو العقل، وكيان "مادي" وهو المخ (الدماغ) الإنساني، وهذا الأخير هو الأصل، وهو المعطى الأولي والذي يولّد الآخر اللامادي، وليس هناك أي تماثل أو تساوٍ بينهما، فهما كيانان مستقلان عن بعضهما من حيث الجوهر، وذلك بالرغم من ارتباطهما العضوي ارتباطاً وثيقاً. فمن أين أتى قولك بأنني أؤكد أن العقل هو المخ؟

وبالمناسبة، فقد سألني أحد طلابي الكويتيين في جامعة "دلمون" قبل سنوات عما إذا كان هناك فرق بين المُخ والدماغ والعقل، فأجبتُه بأن هناك فعلاً فرقاً ولكن بين الكلمتين الأوليين (المخ والدماغ) من جهة، والكلمة الثالثة (العقل) من جهة اخرى، فكلمة "المخ" وكلمة "الدماغ" كلمتان مترادفتان وتعبّران عن شيء ماديّ واحد هو "ما يوجد داخل جماجمنا – نحن البشر - وجماجم بعض الحيوانات الأخرى"، وهو شيء ماديّ ملموس، أما كلمة "العقل" فإنها تعبّر عن شيء آخر تماماً، إنه شيء غير مادي وغير ملموس، وهو نتاج ذلك الشيء المادي الموجود في جماجمنا (المخ او الدماغ) وهو ميزته الوظيفية الأساسية، والفرق بينهما كبير جداً، فالأول شيء مادي ملموس، كما قلنا، بينما الثاني شيء مجرّد لا يوجد بشكل ملموس ولا يمكن أن يوجد خارج الشيء الأول ... ". [هذا باختصار شديد]

ولنرجع إلى تساؤلك، عزيزي عبد الله، وأسال: لماذا أهملتَ العبارات الأخرى الواردة في مقالتي نفسها والدالة على اختلاف العقل عن المادة والمؤكدة على هذا الاختلاف واكتفيتَ بالفقرة المذكورة أعلاه وفهمتها بصورة خاطئة؟ ونذكر من هذه العبارات الأخرى، وهي كثيرة، ما يلي:
- " ... والعقل نفسه ليس إلا صفة، أو ميزة، لمادة معقّدة وعالية التطور هي المـُخ الإنساني الذي ليس كمثله شيء. ومن المعروف أن هذا المخ مرتبط بجميع أجزاء الجسم ويتحكم فيها عن طريق الملايين من الخلايا العصبية المنتشرة في هذه الأجزاء والمكونة معه – مع المُخ - ما يُعرف بالجهاز العصبي – بفرعيه المركزي والطرفي - الذي يولّد الحواس الخمس المعروفة (البصر، واللمس، والسمع، والتذوّق، والشمّ) لدى الإنسان والتي بواسطتها يتمكن من التعرّف على المحيط الخارجي والتأثـّر به والتأثير عليه. فالعقل لا يوجد بصورة مطلقة أو مستقلة، أو هو معلق هكذا في الهواء، بل أنه مرتبط ارتباطاً عضوياً بحاويه المادي وهو المُخ الإنساني".
- "... والمخ الإنساني لا يكتفي بتصوير الأشياء على ما هي عليه، كما هو الحال مع آلة التصوير الميكانيكية، بل يتغلغل فيها ويمحصها ليكشف العلاقات الترابطية والسببية فيما بينها ويكوّن أفكاراً عنها، ويربط بين هذه الأفكار ليتوصل إلى نتائج كُلّيـة وقوانين عامة ... تلك هي وظيفة المخ الإنساني: إنها عملية التعقّـل والتفكير ...".
- " ... ومع أن العقل نتاج لإنعكاس الواقع الموضوعي، الطبيعي والإجتماعي، المحيط بالإنسان في الفترة الزمنية التاريخية المعيّنة، إلا أن بإمكان الإنسان أن يتخيل ويتنبّأ بوجود العديد من الأمور والأشياء التي لا تكون موجـودة في زمانه ".
- " ... والعقل الإنساني المرتبط إرتباطاً عضوياً بالمخ البشري يتعاطى مع الأمور العلمية الجديدة في كل حين ولحظة وبنجاح تامّ. وما الإكتشافات والإنجازات العلمية الهائلة التي أحرزها الإنسان حتى الآن في مختلف المجالات إلا دليل على ذلك، إنها دليل على قدرة الإنسان صاحب العقل الجبار على الخلق والإبداع والإختراع، أي إيجاد الجديد بإستمرار ".
- " ... فالمُخ البشري، مولّد العقل وحاويه، هو القائد الأعلى لجميع أجزاء جسم الإنسان، وهو المتحكم فيها، وهو الرابط بين الإنسان ومحيطه الخارجي ".

وعندما اقول أنك ظلمتني نوعاً ما بقولك أنني "أؤكد" على أن "العقل هو المخ"، فإن ذلك يعني أنه لا يمكن أن أقول أنا مثل هذا الكلام وهو ضد ما أؤمن به، فأنا أؤمن بالمادية – والمادية الجدلية أساساً – إيماناً مطلقا، وهذه المادية تستنكر المساواة بين المادة والعقل (الوعي فلسفياً)، بل هذه المساواة من مبادئ الماديين المتطرفين أو مَن يسمونهم في الفلسفة بالماديين المبتذلين Vulgar Materialists، ولا بد أنك تعرف عنهم، وهم القائلون بأن كل الأشياء الموجودة في العالم هي مادة [بالمعنى الفيزيائي الملموس]، بما فيها العقل. فهم يرون بأن العقل أو الفكر هو نوع خاص من المادة يفرزه المـخ، شأنه شأن الكبد التي تفرز مادة "الصفراء"، أو البنكرياس الذي يفرز مادة "البيبسين"، مثلاً. ومن هؤلاءالفلاسفة: دِستـوت دي تراسـيDestutt De Tracy ، وكابـانيـسCabanis ، وفوغـت Karl Vogt ، وموليشـوت Jacobus Moleschott ، وبوخنـر Ludwig Buchner.

وختاماً أقول، عزيزي عبد الله، حبذا لو التقينا معاً وتبادلنا الآراء وجهاً لوجه، بعد "فتح الأيادي واستقبال البعض بالأحضان والطبطبة على الظهر" حسب عبارتك الجميلة وهي فعلاً تعكس عاداتنا البلوشية التي تـَربّينا عليها.

الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]

#مجيد_البلوشي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات