|
حركة النهضة التونسية وقضية الديمقراطية
صلاح الصادق الجهاني
الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 06:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- موقف الحركة النهضة التونسية من الديمقراطية يرى الغنوشي أن الديمقراطية كالشورى والغرب في نظره أخذ الشورى وطورها؛ ولذلك فهو لا يرى مانعاً من أخذها ( أي الديمقراطية)؛ لأنها بمثابة بضاعة المسلمين ردت إليهم، يقول: " لا حرج علينا أن نأخذ الجديد النافع، فالحكمة ضالة المؤمن، يلتقطها أينما وجدها، والغرب اقتبس واستورد من علومنا ومعارفنا، أسس عليه بنيانه، ونمى به معارفه، حتى إذا نمت تلك المعارف التي أسسها على علومنا، وجاءت إلينا مع الدبابات الغربية استوحشناها، وقلنا لا فرق بين دباباته وديمقراطيته وأفكاره، لكن عقلاءنا رفضوا المضمون وأخذوا المسمى، " فالغنوشي لا يرى حرجاً في الأخذ بالديمقراطية في مسماها أو في مضمونها، مما يعني أن رفضه يتجه إلى المصطلح، وليس إلى المضمون. وهذا ما يتأكد في مواضع أخرى، حين يقول بأن " الديمقراطية اعتراف بالجميع، الديمقراطية ليست أن تختار معارضيك، وإنما أن تروض نفسك على الحوار والتفاهم معهم، وهي أيضاً منهج للتربية وعلاج التطرف بالحوار، إن الإسلام يمتلك القدرة على استيعاب الصيغة الديمقراطية وترشيدها"، إن هذا الكلام حول الديمقراطية من طرف الغنوشي يبدو متقدماً، إذا ما قورن بما نجده لدى معاصريه، من دعاة الإسلام السياسي، فإضافة إلى تصريحه بأن الإسلام يمتلك القدرة على استيعاب الديمقراطية وأساليبها، فهو أيضاً يتضمن فهمها للديمقراطية، بأنها ليست مجرد مجموعة من المؤسسات والتدابير الإجرائية، وإنما باعتبارها ثقافة ونظاماً من القيم ومن السلوك، الذي ينبغي غرسه بالتنشئة والتربية في نفوس الأفراد، والمجتمع. ولهذا فإننا نجد لدى الغنوشي دعوة إلى القبول بالديمقراطية البرلمانية التعددية؛ لأنها عنده وكما يقول " الأداة المثلى المتاحة لوضع شريعة الله موضع التطبيق، فهو إذن لا يرى من طريق لأسلمة المجتمع والدولة، أي بوضع شريعة الله موضع التطبيق، كما يقول إلا بالنضال الديمقراطي، ورفض هذا الطريق في نظره، قد يؤدي " إلى الارتماء في المجهول، وتقديم خدمة مجانية لخصوم الأمة ونهضتها". هل يعني هذا أن خيار الديمقراطية عند الغنوشي هو مجرد خيار مؤقت، يتم فيه استخدامها كطريق للوصول إلى السلطة، وبعدها يتم التنكر لها؟ أو أن الديمقراطية عنده خيار استراتيجي لا تراجع عنه؛ نظراً لأن تيار النهضة الذي يتزعمه الغنوشي، يعاني من نتائج الاستبداد وغياب الديمقراطية، إن الغنوشي لا يجيب بصراحة عن هذا التساؤل، ولكن يمكن أن نستشف من نصوصه، ما يفيد ميله إلى الديمقراطية وفهمها له، ليس فقط كأداة سياسية ولكن أيضاً كثقافة وسلوك، وهذا ما جعله ينتقد اعتماد العنف كخيار من طرف بعض تيارات الإسلام السياسي، فالغنوشي رغم طرحه المتقدم عن الديمقراطية، وقبوله بالديمقراطية والتعددية، إلا أنه لا يخرج عن الخطاب المتعارف عليه، والذي يرى بتصوير الإسلام على أنه كامل شامل، وينفع لكل عصر وزمان، وإبراز مناقبه، وأنه يؤخذ منه، ولا يزيد عليه هو دفاع عن الإسلام. وربما تكون مسايرة من الغنوشي للخطاب السائد، رغم أن هذا الخطاب يمثل الانغلاق والانكفاء، ويصور أنه يوقف عجلة التطور، والإبداع، والإضافة، بالاستفادة من الغير، فالحضارة أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، والحضارة الإسلامية كذلك. فالحضارة الإسلامية كانت تنهل من روافد الحضارة اليونانية، فالديمقراطية من المسائل التي عالجها اليونان منذ القدم، في وقت كان الملوك آلهة في الشرق، وكان بحكم تركيبته الاقتصادية والاجتماعية المتعارفة التي فرضت ذلك، المتمثلة في الدولة المدينة، وتركيبة القبلية للمدينة اليونانية، ومجتمع مبني علي التجارة ورضي الزبون عوامل ساعدت في ازدهار الديمقراطية التي لم تجد قبولاً في الشرق وفي أغلب الدول الإسلامية، بحكم هذه العوامل، وفي العموم يبقي اهتمام حركات الإسلام السياسي في المغرب العربي، أكثر بقضايا الديمقراطية والتغريب، وتبدو أكثر وضوح لدى هذه الحركات من غيرها وأكثر انفتاحاً . وفي محاولة لملائمة الإسلام مع الديمقراطية، يرى . بشارة، "أن محاولة راشد الغنوشي – زعيم حركة النهضة التونسية- هي أرقى المحاولات، حيث قبل الديمقراطية سياسياً أو تكتيكياً؛ من أجل الوصول إلى السلطة؛ لتبديد المخاوف من سيطرة الحركة الإسلامية على السلطة، وإضافة إلى ذلك، فإنه يحاول تأكيد قبوله فلسفياً لتأخذ الشورى معنى الديمقراطية. وفي نهاية المطاف، يرى الغنوشي، أنه ما من إصلاح ديمقراطي، إلا وسبقه إصلاح ديني؛ لذلك فإن الحركة الإسلامية يمكنها التعايش مع الديمقراطية، بل هي الطريق الوحيد إليها، منطلقاً بذلك من فكرة، إن سيادة القانون نظرياً مفهوم نابع من سيادة الله، وهذه لا تتغير بتغير السلطة وتعاقبها، وهذه الفكرة مستقاة من العديد من الفلاسفة الأوروبيين المسيحيين، وهذا هو مدخل انتقاد د. بشارة، حيث اعتبر أن مشكلة الغنوشي تكمن في السيادة. هناك قسم من الإسلام السياسي لم يستوعب تغيير الأنظمة الدكتاتورية نحو النظم الديمقراطية، ولم يتخلص من اليوتيوبيا الرجوعية، وتوازنها السماوي المقدس، فهناك خلط ما بين إن تكون أحزاب سياسية تتقبل اللعبة الديمقراطية، وتعمل من خلال منظومة الديمقراطية أو يكون هدفها وهمها الوحيد تطبيق الشريعة السماوية على الأرض، وهنا تتحول الديمقراطية إلى ديمقراطية أدواتيه". ويجيب منظر الحركة راشد الغنوشي، عن هذا التساؤل عن قناعة الحركات الإسلامية بالديمقراطية، أم هي عبارة عن وسيلة، أو هي عبارة عن ديمقراطية أدواتيه، حسب تعبير الدكتور عزمي بشارة، ففي حوار مع مفكر الحركة الغنوشي، يجيب " كيف تتعاملون مع قضية الديمقراطية التي ترفضها بعض حركات الإسلام السياسي نصاً وروحاً، بينما تراها أخري ضرورة للديمقراطية فيري أن هذا حكم على النوايا لا دليل عليه ولا بيّنة. ولقد أثبت الإسلاميون في تركيا مثلاً، وفي أكثر من بلد أنهم عندما توفرت لهم فرص المشاركة احترموا قوانين اللعبة كما يقال وحتى عندما يقع الحيف عليهم غالباً ما يصبرون، فلا يتنادون إلى القتال، إلا أنهم في بعض الحالات التي يتمادى العلمانيون مستخدمين سطوة البوليس والعسكر والدعم الخارجي في سلبهم حقوقهم، وتزوير صناديق الانتخاب فقد ينفلت زمام شباب متحمس، فيرد على العنف العلماني بمثله، كما حصل في الجزائر، وفي مصر، مما يمثل انفعالاً غاضباً، وليس علاجاً، وإنما مزيد من الاحتقان للأجواء التجربة المتكررة، أثبتت في الجزائر، وفي تركيا، وفي تونس، وفي دول آسيا الوسطى الإسلامية وغيرها. إن الأحزاب ونظم العلمانية هي التي تهدد الديمقراطية، وتسبب "انتهاكات سافرة" لحقوق الإنسان، حيث أن هناك أحزاباً علمانية مدعومة من قبل المراكز الكبرى، المبشرة بالديمقراطية في العالم، وهذا يمثل فرض الديمقراطية في المجتمعات العربية الإسلامية، لا تتمثل في إقناع التيار الإسلامي وهذا يتنافى مع أبسط قيم الديمقراطية، المشكلة ليست في حركات الإسلامية فقط بل من يقنع عسكر تركيا والجزائر، وبوليس تونس ومصر ، ومن وراءهم من الأساطيل الغربية في احترام قيم الديمقراطية الحقيقية ". لذا فإن الديمقراطية يجب أن تكون آليات لتنزيل جملة من المبادئ والتي ينادى بها الفكر السياسي الحديث، وتناضل في سبيلها أجيال عديدة من المفكرين والأحرار، من مختلف الثقافات و الأثنيات، من هذه المبادئ حرية الناس في اختيار حاكمهم، وتقسيم السلطة، وعدم جعلها حكراً على فرد أو مؤسسة أو طبقة. والحكم الديمقراطي هو وصف للنظام السياسي، الذي يقوم على اختيار الحاكم من طرف الشعب، بطريقة الانتخاب الحر السري والمباشر، وتتوزع السلطة فيه على مؤسسة تنفيذية، وأخرى تشريعية، وثالثة قضائية، ورابعة إعلامية رقابية. إذا دققت النظر، ترى أن الإسلام كان ينادى بالمبادئ المشار إليها سالفاً. رغم أن منظر الحركة راشد الغنوشي هو شخص أكاديمي، يضع في حسابه دائماً التعريفات والمفاهيم، إلا أنه لم يقدم تعريفاً أو مفهوماً واضحاً عن الديمقراطية التي يصفها أنها تتسع لأكثر الأنظمة تناقضاً؛ ولذا نجد من ضمن الاتهامات الموجهة للحركة ومفكريها أنها لم تقدم مفهوماً جديداً، وأن راشد الغنوشي مجرد مناور ومداهن يريد استخدام الوسائل الديمقراطية؛ لإقامة نظام أصولي على الطراز الإيراني المعجب به، وأن تعامله مع الوسائل الديمقراطية لا يخرج عن كونه خديعة تسمح له بممارسة العمل السياسي، والقيام في أول فرصة متاحة، للانقضاض على السلطة وتنكراً لها. وهذا ما جعل محكمة أمن الدولة التونسية تؤكد في الاتهامات الموجهة إلى راشد الغنوشي ورفاقه هذه التهمة، ولكنها لم تجد أياً من الأدلة، واعتبرتهم خارجين عن القانون وذويهم وهو تأسيس حركة تدعو إلى الإسلامية وعروبة تونس، وينتمون إلى جمعية ذات طابع سياسي غير قانوني، فشخصية راشد الغنوشي، وتمحور الحركة الإسلامية حوله، يجعل هذه الحركة لا تتقدم، ويحال دون تطورها إلى حركة مؤسسات قوية، وربما ذلك يفسر السقوط السريع للكثير من الحركات الإسلامية، التي تنشأ عادة حول شخصيات محورية، على غرار تنظيم الإخوان المسلمين في بدايته، وهذا لا يقتصر على الحركات الإسلامية فقط، بل أيضاً الحركات السياسية القومية، مثل التيار القومي، الذي تمحور حول شخصية الزعيم الراحل (جمال عبد الناصر)، والذي سرعان ما انتهى على يد الرئيس الراحل أنور السادات، ويعزى ذلك إلى السبب نفسه، وهو عدم وجود قوى ومؤسسات تدافع عن هذا التوجه، وهذا التمحور يعتبر نقيصة ويجسد الفردانية المناقضة للديمقراطية .
#صلاح_الصادق_الجهاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة النهضة التونسية رؤية متطورة
-
موقف جبهة الوطنية للانقاذ الجزائرية من قضايا الديمقراطية وال
...
-
النخب السياسية والقضايا المصيرية (بين سيكس بيكووسد النهضة)
-
بدايات ومراحل تطور حركة الإخوان المسلمين
-
دراسة في مفهوم الاسلام السياسي
-
موقف الحركة الوهابية من قضايا العنف والديمقراطية
-
قراءات في ظاهرة الاسلام السياسي
-
النص الإبداعي بين القيمة المضافة والمحكمة
-
الوطن بين المصالحة الوطنية والعزل السياسي
-
انتلجنسيا الزيف
-
تقرير عراب الثورات العربية
-
الخونة والابطال الجدد
-
فرضية قابلة للتصديق
-
انضمو الي اعتصام ميدان الشجرة
-
الاسلام السياسي في السلطة بعد الاتتخابات
-
العولمة والهوية .... علاقة متبادلة
-
نبعاث القومية الاندلسية
-
أول ثمار الربيع العربي
-
اشكالية اعتراف الصين بالمجلس الانتقالي
-
البعد الاقتصادي للأزمة المالية العالمية وانعكاساتها علي النظ
...
المزيد.....
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|