|
كاكه حمه ويس ومقاسات الحكومة المالكية
ضياء السورملي
الحوار المتمدن-العدد: 4472 - 2014 / 6 / 4 - 17:25
المحور:
كتابات ساخرة
كان كاكه حمه ويس خياطا ماهرا ومعروفا في شارع الكفاح في بغداد، قضى كاكه حمه ويس سنوات عمره التي تجاوزت الستين عاما في نفس محل الخياطة الذي ركن فيه ماكنة خياطته من نوع سنكر، يرتاده الناس ليخيط لهم بدلاتهم او سراويلهم الرجالية حسب المقاسات والموديلات المعروفة في تلك الفترة التي كان يحكم فيها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، كان الوقت عصرا في شهر تموز الحار جدا ، رفع كاكه حمه ويس رأسه من ماكنة الخياطة التي كان منهمكا في تشغيلها والضجيج الذي يصدر منها ، رأى شابا وسيما طويل القامة واقفا امامه ، رحب به كاكه حمه ويس واستفسر منه عن احتياجاته وماذا يمكن ان يقدم له من الخدمات.
اخرج الشاب محيسن قطعة القماش من الغلاف الذي كان يلفها ، وعرضها على الخياط كاكه حمه ويس طالبا منه ان يفصل له بدلة كاملة منها ، كانت قطعة القماش من الدرجة الاولى وكانت من النوع الانكليزي المعروف عند الخياطين ذات العلمين ، وذات لون رصاصي فيه خطوط خفيفة ، عرف كاكه حمه ويس ان قطعة القماش من النوع الممتاز.
فتح كاكه حمه ويس قطعة القماش ونظر اليها ، ثم قام بقياسها وكان طولها مترا واحدا فقط وعرضها مترا ونصف، سأل كاكه حمه ويس : هل اشتريت قطعة القماش ام انها هدية ، ثم قال له ، أنا آسف ان اقول لك ان هذه القطعة من القماش لا تصلح ان تكون بدلة ولا حتى سروال لان طولها قصير وحتى نعمل لك بدلة بمقاسك نحتاج الى قطعة واحدة طولها لا يقل عن ثلاثة امتار وربع المتر. انزعج محيسن كثيرا وانقلبت اسارير وجهه ، واخذ يجادل ويعاند وتوسل بالخياط ان يعمل له بدلة مهما كان الثمن ، ضحك كاكه حمه ويس وقال له عمي والعباس هاي ما تصير بدلة لان القماش غير كاف. رمى محيسن قطعة القماش على المنضدة وقال انا اريدها بدلة مهما كلف الامر واريد ان استلمها يوم غد ، ثم قال لكاكه حمه ويس ، شبيك ما تعرف تعمل بدلة ، انت خياط ومشهور وعندك سمعة عالية ، ضحك كاكه حمه ويس وقال عمي الله وكيلك ومحمد كفيلك ، قطعة القماش هذه لا تصلح ان تكون بدلة حتى لو قطعت يدي اليمين من كتفي .
اخرج محيسن ثلاثة دنانيرعراقية وادخلها في جيب كاكه حمه ويس الخياط وذهب مسرعا وهو يقول غدا اريدها بدلة كاملة ، بقي كاكه حمه ويس في حيرة من امره ، ماذا يفعل امام هذا الاصرار، ترك الامر وانشغل باتمام خياطة البدلة التي كان يخيطها قبل مجئ محيسن.
في اليوم الثاني جاء محيسن الى الخياط كاكه حمه ويس وقال له ، أبشر هل اتممت البدلة ، ابتسم كاكه حمه ويس وقال له نعم اتممتها وأمري لله ، جاءه بالبدلة وكانت معلقة على محمل خشبي وسلمها الى محيسن ، هنا انقلبت اسارير وجه محيسن وامتعض كثيرا وصرخ قائلا ، ما هذه ! رد عليه محيسن: انها بدلة جميلة ولقد تعبت بفصالها وخياطتها حتى اخرجتها بهذه الاناقة مثلما ترى ، كما انها من افضل الموديلات الحديثة ، بقي محيسن منبهرا ومشدوها وهو ينظر الى البدلة الجميلة بيد كاكه حمه ويس ، لم يتماسك غضبه وحدته حتى انفجر صارخا ولكن هذه البدلة صغيرة جدا ولا تصلح إلا لدمية صغيرة ، نظر إليه كاكه حمه ويس وقال له ولكنها بدلة وانت طلبت مني ان اعمل لك بدلة وهذه هي البدلة التي استطيع ان عملها لك من قطعة القماش الصغيرة التي جئتني بها ولا يمكن فصال بدلة افضل منها.
بمعنى اخر اذا كانت قطعة القماش لا تصبح بدلة لك ، نستطيع ان نفصلها بدلة صغيرة لدمية صغيرة وليست لرجل طويل القامة مثلك ، ان البدلة المطلوبة لمقاساتك لا يمكن فصالها اذا لم يكن عندك قطعة قماش تناسب طولك وعرضك وجسمك.
في هذه الايام يبدو ان الحكومة العراقية المركزية تصر على فصال بدلة من قماش قليل في تعاملها مع حكومة الاقليم في كوردستان وليس في شمال العراق مثلما يحلو للكثير ان يسموها، وفي النهاية سوف يتوصلون الى حل مشوه وهو فصال بدلة صغيرة لا تصلح الا ان تكون مناسبة لدمية صغيرة.
الحكومة العراقية المركزية وحكومة الاقليم في كوردستان بحاجة الى وضع الشروط المناسبة والقيود المقبولة للوصول الى الهدف المنشود وان تكون متغيراتهم حقيقية وليست وهمية حتى يكون تعاملهم على ارض الواقع وليس على ارض احداثياتها خارج الربع الاول. انها اسس ومبادئ الحلول المثلى، في علم الامثلية وبحوث العمليات ، ومن يضع شروطا لا تتحقق ، سواء أكانت وهمية او تعجيزية او خيالية سوف لا يصل الى نتائج مرجوة ولن يستطيع ان يلبس البدلة المطلوبة لانها لا تناسب مقاسه.
وحتى لا يصبح الخلاف بين الطرفين خلافا شخصيا بين مسؤولين في الحكومية المركزية وفي حكومة الاقليم في كوردستان ، على الطرفين عرض الامر على مختصين ومشرفين تهمهم مصلحة البلاد والعباد ويفكرون بمنطق علمي واقتصادي ومنهجي حتى يتوصلوا للحل الامثل ، عندها فقط يجنبون البلد كارثة الحروب العبثية التي حرقت الكثير من الاخضر حتى لم يبق لها شيئا جديدا اخضرا لتكمل حرقه ، لقد حرقت الانظمة السابقة كل شئ وقع تحت امكانياتها ولم تترك شيئا لللاخرين لكي يحرقونه
#ضياء_السورملي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة في عيدها الاغر
-
فرقة المالكي الذهبية لقمع الشعب العراقي
-
عالية نصيف والفهم الخاطئ للقانون
-
سهيل والمخدرات
-
سوريا والايام القادمة
-
الهمجية في القتال
-
كاكه حمه ويس وملاهي بغداد
-
الفيل يطير ... يا جلال الصغير
-
السياحة في كوردستان ودورها في تقليل الاحتقان السياسي
-
حمزة الجواهري وشر المهربين (2-2)
-
حمزة الجواهري وشر المهربين
-
حدودنا الكوردية وحدودكم العربية !
-
كاكه حمه ويس والشارع العراقي
-
هل سيتم إحتلال الكويت مرة أخرى ؟
-
معوقات اللاجئين العراقيين في المهجر 10 – 10
-
توني بلير وملف الحرب على العراق
-
معوقات اللاجئين العراقيين في المهجر 9 – 10
-
معوقات اللاجئين العراقيين في المهجر 8 – 10
-
معوقات اللاجئين العراقيين في المهجر 7-10
-
معوقات اللاجئين العراقيين في المهجر 6 - 10
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|