|
شرم الشيخ ترتدي ملابس الحداد.. ولا عزاء للمتهاونين
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1266 - 2005 / 7 / 25 - 05:59
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مع الاعتراف بأنه ما من دولة في العالم - مهما كانت امكانياتها - تستطيع أن تحافظ علي الأمن داخل حدودها بنسبة مائة في المائة، فان تفجيرات أمس الأول بشرم الشيخ تطرح علينا تساؤلات فيما يتعلق بأوجه قصور كان تلافيها كفيلاً بسد الطريق أمام هذه العملية الارهابية الاجرامية. فالولايات المتحدة - بجلال قدرها وهيلها وهيلمانها وتفاخرها بأن وكالات مخابراتها تستطيع أن تسمع دبة النملة في أية بقعة من الكرة الأرضية - تعرضت لزلزال 11 سبتمبر في عقر دارها وتحول برج المركز التجاري العالمي في نيويورك إلي أنقاض، ولم يستطع البنتاجون - القادر علي تهديد أية دولة في العالم - أن يحمي نفسه. وبريطانيا - التي تباهي باقي الدول بدهاء »اسكوتلانديارد« - لم تستطع أن تتفادي الهجوم علي شبكات قطارات الأنفاق وأوتوبيسات النقل العام في قلب العاصمة لندن مرتين في غضون أسبوع واحد. لكن هل يعني هذا أن تفجيرات السبت الدامي بشرم الشيخ لم يكن ممكنا تجنبها أو التقليل من آثارها؟ بعيداً عن إدمان جلد الذات.. أزعم ان الاجابة هي انه كان بالإمكان إحباط هذه العملية الارهابية. والثغرة الرئيسية التي تسلل منها الارهابيون للقيام بعمليتهم الخسيسة لم تكن قوتهم الخارقة بقدر ما كانت غفلتنا في مواجهتهم. وهذه الغفلة بدورها لم تكن خافية بل كانت واضحة للعيان، وتم التحذير منها علناً.. بدل المرة ألف مرة. فغني عن البيان أن تفجيرات شرم الشيخ ليست هي الأولي من نوعها، بل سبقتها ثلاث عمليات ارهابية وقعت في 7 أبريل الماضي بالأزهر و30 إبريل المنصرم بميدان عبد المنعم رياض وميدان السيدة عائشة. ثم إنها ثاني عملية تفجيرات تشهدها محافظة جنوب سيناء، حيث سبقتها عملية قتل فيها 34 شخصا وأصيب 105 آخرون من جراء تفجير سيارة وشاحنة ملغومتين في منتجعات يرتادها السياح الاسرائيليون في طابا يوم 7 أكتوبر الماضي. ورغم اختلاف ملابسات وأحجام هذه العمليات الارهابية الأربع المشار إليها، فان القاسم المشترك بينها هو أن المنهج الرسمي في التعامل معها جميعها ذهب الي »التهوين« من شأنها والاصرار علي أنها عمليات »فردية« وفي مواجهة هذا المنهج الذي وقع في فخاخ التبسيط المخل حذرنا في نفس هذا المكان بتاريخ 15 ابريل الماضي وفي اعقاب عملية الازهر من مغبة هذا التهوين والاكتفاء باستنزال اللعنات علي هذه العمليات القذرة وعلي من دبرها ومن نفذها وقلت ان المطلوب بالاحري هو الدراسة الجدية والمتعمقة لشتي ابعاد وملابسات هذا العمل الإجرامي وعدم الركون إلي الاستسهال والقفز الي نتائج غير مدعمة بقرائن وأدلة يعتد بها. وقلت انه قبل ان نطمئن أنفسنا الي ان هذا العمل المجرم مجرد عمل »فردي« يجب ان نبحث كل الاحتمالات وأسوأها. هل هو عمل فردي حقا؟ وما احتمالات ان يكون حلقة في سلسلة أطول؟ وهل هو »صناعة مصرية« ام »مستورد« من الخارج؟ واذا كان يحمل »شهادة منشأ« محلية.. فهل هو لمجموعة مستجدة وأفراد بدون »سوابق«؟ واذا كانوا كذلك.. فمن هم.. وما هي هويتهم.. وخلفياتهم الفكرية والايديولوجية والسياسية والاجتماعية؟ وهل لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بجماعات التكفير والعنف التي كانت عاملة علي الساحة من قبل؟ ام انهم جيل جديد ونبت شيطاني؟ واذا لم يكونوا جزءا من ظاهرة محلية فما هي علاقاتهم الاقليمية عربيا واسلاميا؟ هل لهم علاقة -مثلا- بتنظيم »القاعدة«؟ هل لهم علاقة مباشرة او غير مباشرة بما يحدث في العراق علي يد جماعات »إسلامية« مثل جماعة »الزرقاوي« وغيره؟ ولماذا اختاروا هذا المكان وذلك الزمان للقيام بعملهم الخسيس؟ وما الأهداف المباشرة وغير المباشرة؟ وقلت وقتها إن هذه بعض الاسئلة التي يجب ان تعكف علي دراستها أجهزة الامن والمؤسسات البحثية والاستراتيجية باكبر قدر من الشفافية والمكاشفة. وبقدر دقة الاجابات.. بقدر ما نقترب من المواجهة الاسرع والاكثر فعالية وحسما لهذا السرطان ذي الالف وجه. وشددت علي ان هذه ليست مسئولية اجهزة الامن فقط وانما هي-في المقام الاول- مسئولية الجزء الناطق من الامة ومراكز البحوث السياسية والاستراتيجية والاجتماعية. ورغم هذه المناشدات والتوسلات مني ومن غيري من الكتاب والباحثين فان الاستسهال كان هو سيد الموقف، وكأننا مصرون علي عدم التعلم من تجاربنا. ومع أن شبح الإرهاب الأسود أخذ يقترب منا أكثر وأكثر بعد انتشار عملياته في بلدان قريبة منا وبعيدة عنا، مثل لبنان وبريطانيا، ثم بعد أن أصابنا بضربة مؤلمة ومهينة تمثلت في اختطاف السفير المصري في بغداد، إيهاب الشريف، الذي لا نعرف علي وجه اليقين إن كان حياً أو في عداد الأموات، وإذا كان قد لقي مصرعه فإننا لا نعرف لجثته مكاناً أو قبراً حتي الآن. مع ذلك كله، ظلت الغلبة للمعالجة الخطابية التي تستغني عن التحليل العلمي بالمعالجات الكلامية التي تتراوح بين الشجب والسباب. ومن نافلة القول إن هذه المعالجة »الكلامية« تغنينا عن المعالجة »العملية«، وان استنفاد طاقتنا في »القول« تبدد قدرتنا علي »الفعل«، وان انتهاجنا لسياسة »رد الفعل« يحرمنا من »المبادرة« والإبداع. وبهذا.. جلسنا في مقاعد الانتظار السلبي حتي نزلت علينا العملية الإرهابية الجديدة كالصاعقة. ناهيك عن أن منهج الاستسهال المشار إليه أصابنا ـ فيما يبدو ـ بحالة من الاسترخاء في منطقة تحتاج إلي أعلي درجات اليقظة والاستنفار الدائم، فشرم الشيخ كما هو معروف للقاصي والداني المكان الذي يقضي فيه رئيس الجمهورية فترات طويلة علي مدار العام، فضلاً عن كونها أحد أهم المقاصد السياحية المصرية التي نجحنا بشق الأنفس في استعادة الاهتمام العالمي بها بعد تفجيرات طابا غداة احتفالاتنا بذكري السادس من أكتوبر، ففوجئنا بضربة موجعة لها صبيحة احتفالنا بالذكري الثالثة والخمسين لثورة 23 يوليو! وها هي جريدة »الأهرام« تقول لنا إن جهة أمنية طلب منها علي نحو عاجل رفع تقرير خلال ساعات يحدد أسباب القصور في الأداء الأمني الذي نتـج عنه وقوع هذه الانفجارات بتلك الطريقة، وكيفية دخول المنفذين، وما إذا كانوا قد جاءوا من خارج البلاد. إن الإرهابيين الذين قاموا بهذه العملية البشعة مجرمون بلاشك.. ويستحقون أشد اللوم والإدانة والعقاب.. لكن هذا تحصيل حاصل ومفروغ منه، شأنهم شأن الطاعون أو السرطان الذي نكرهه ونلعنه.. بينما المهم هو ما نفعله لـ »الوقاية« منه. هذا هو الواجب الأساسي الملقي علي عاتقنا.. وإذا كنا قد تأخرنا في القيام به حتي الآن كما ينبغي.. فانه قد آن الأوان لأن نقوم به فوراً ودون إبطاء، وقبل أن يتسع الخرق علي الراقع
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رياح التغيير تهب علي الصحافة القومية
-
وزير الصحة .. مصطفى النحاس باشا!
-
! مطالبة علي الهواء باستقالة وزير الخارجية
-
!من الذى شن الهجوم على لندن.... ولماذا؟
-
لعنة صفر المونديال تطارد الدبلوماسية المصرية
-
إيهاب الشريف : ثلاثية الحزن والسخط والدهشة
-
مطلوب حوار وطني حول مستقبل صحافة تبحث عن هوية الصحافة »القوم
...
-
إنقاذ السفير المصري المختطف.. كيف؟!
-
تقرير الأرقام القياسية للفساد يدق أجراس الخطر
-
طوارئ.. في دارفور فقط
-
الهموم الأكاديمية في حوار ساخن بالتليفزيون المصري
-
»إبن الحداد« أطاح بــ »شاه إيران «الجديد
-
مستقبل الصحافة.. أولي بالرعاية
-
مصر والسودان
-
نعم.. »ك« وريا.. وليست »س« وريا
-
مبادرة هيكل
-
الانتماء للوطن.. أهم من النوم في سرير الحكومة
-
العالم يضبط البيت الأبيض متلبساً بالنصب علي القارة السوداء
-
! الأجانب يمتنعون
-
مبادرة من أجل بناء الثقة.. المفقودة
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|