مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4472 - 2014 / 6 / 3 - 08:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يمكن تصنيف عمر عزيز ( ولد في دمشق 1949 و قضى في سجون الأسد في شباط 2013 ) بسهولة , فالرجل , الذي مرت ذكرى غيابه الأولى في شباط الماضي , لم يكن فقط خارجا على الأنماط التقليدية للفكر السياسي و الثقافي , لقد كانت حياته و موته تجسيدا لهذا النفي , و محاولة لممارسة ثقافة بديلة بالفعل عن ثقافة السلطة السائدة , عن الثقافة السائدة .. في مجتمع الفرجة , الاستعراض , الصورة , الإعلام المرئي و المكتوب , الخ , حيث رأس المال يحتل مركز كل شيء دون منافس , أصبحت "الثقافة السائدة" قادرة على احتواء أي خصم لها , أن تقطع صلته بالناس و بالشارع و أن تنفي عنه في نهاية المطاف صفة البديل التحرري و الجماهيري .. و عوضا عن التنافس الأولي مع المؤسسات السلطوية الأمنية و البيروقراطية , أصبح دور الفضائيات و المنظمات غير الحكومية يكمل دور تلك المؤسسات السلطوية في ابتذال و احتواء محاولات إنتاج بديل عن الثقافة السائدة , في بقرطته و رشوته و تحويله إلى صورة أخرى منفصلة عن المتلقي , صورة تخدم وظيفة الإبقاء على المتلقي في حالته السلبية المنفعلة , إنها نفس لعنة النيوليبرالية التي نقلت إلى "منظمات المجتمع المدني" ذلك الجزء المرهق و الأقل إقناعا من وظائف المؤسسات السلطوية , "الثقافية" هنا , و نفس لعنة مجتمع المشهد كما سماه غي ديبورد , حيث الصورة تحل مكان الحياة , و الاستهلاك مكان الإبداع .. لا شك أن المثقف الهامشي قد وجد من قبل , في الشارع , بين الناس , خارج أسوار المؤسسات التابعة للسلطة أو نقيضها الشبيه : المعارضة , لكن عمر عزيز يمثل نقلة جديدة في هذا "المثقف" اللامؤسساتي , الهامشي , المختلف , المسكون بمقاومة السائد و إنتاج البديل التحرري ... عمر عزيز القادم من العالم الأول إلى غمار الثورة السورية , الذي حلم بالمجالس المحلية كبديل قاعدي أفقي عن مؤسسات النظام القمعية و الأمنية , الرجل الذي رفض تبرير قمع المجتمع على يد "النظام" بحالة الاستثناء , تحول هو نفسه إلى استثناء مهم ربما , لكل الأنماط أو التصنيفات الدارجة .. و كما هو عصي على التوصيف , فإن عمر عزيز عصي على الرثاء , فكما لا يمكن وصفه بأي من الأوصاف الدارجة للسياسيين أو المثقفين , لا يمكن أيضا رثاءه بعبارات الرثاء التقليدية , فعمر عزيز لم يكن قائدا و لا مرشدا و لا بطلا أو شهيدا بالمعنى التقليدي , كان باختصار إنسان حلم بحريته , و عاش و مات في سبيل ذلك ....
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟