|
الشرنقة .. ماهو الموت ؟؟؟
عماد البابلي
الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 10:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(( في البايلوجيا ظاهرة تستحق التأمل قليلا ، نلاحظها في عالم الحشرات ..العالم الأكثر نشاطا من كل العوالم الأخرى ، في الفراشات مثلا لا يتم الوصول إلى طور البلوغ ألا بعد المرور بطور بيني يسمى بطور الشرنقة وهو حالة نمو ثانية ذات معالم متميزة تصل فيه الخادرة إلى طور البلوغ عبر تغيرات معقدة على المستوى الجزيئي والمستوى المورفولوجي ، تبدأ الشرنقة بكائن شبيه بالدودة يسمى بالخادرة يبدأ صغير الحجم ومن ثم يكبر ويكبر إلى أن يصل أضعاف حجمه السابق بواسطة التهام كميات كبيرة من أوراق الشجر التي تحتوي على مادة السليلوز الضرورية لنمو الخادرة ، بعد مرور الوقت تغلف الخادرة نفسها بكيس صلب يسمى بالشرنقة ، هذا الكيس يحمي الخادرة من العوامل الخارجية وبعدها تتمزق الشرنقة ليخرج كائن مجنح هو الفراشة ، ولا يعرف لحد الآن السبب الحقيقي إلى لجوء تلك الكائنات لتلك الآلية المعقدة عبر تطورها في تاريخ الحياة الطويل وربما يجيب عنه العلم ذات يوم .. )) شاب أسمه ياسر يخرج من المدرسة بحالة يرثى لها كان يؤدي امتحان البكالوريا ، ياسر كما نراه ذو وجه شاحب وعينان غائرتان نحو الداخل ، لا شيء يدور في فكره ألا ورقة الأسئلة الأمتحانية الصعبة ، يعبر الشارع بشكل لا أبالي ، تأتي سيارة مسرعة جدا فتصدمه ويطير جسده في الهواء كالورقة ويهوى على الأرض بقوة على بعد عدة أمتار فتتهشم جمجمته بالكامل ، يجتمع الناس من هنا وهناك حول الجسد الطريح ويردد البعض عبارة ( لا اله ألا الله ) ، تلك العبارة المحمدية الشهيرة ؟! ، وصلت سيارة الإسعاف وسيارة الشرطة ، خلال نقل المصاب وقبل أن تدخل باب السيارة يتوفى المسكين ياسر ، أما الناس الذين تجمعوا حول الجثة أنشدوا للحادث كثيرا وأعتقد – برأي الشخصي - سعداء جدا لأنهم امتلكوا شيء يتكلمون به خلال الأيام القادمة . سأعرض عليكم الآن ما يعتقده البعض عن عالم ما بعد الموت .. يخبرنا رجال الدين الأعزاء عن ذلك العالم كأنه فيلم رعب ، يبدأ الفيلم بتسلم الملائكة الروح من مكتب ا لاستعلامات الذي يديره السيد عزرائيل ، هؤلاء الملائكة يشبهون عمال نظافة البلدية والروح قاذورة ليس ألا ، وبعد ذلك تسلم الروح للرب فأما يكون مضيافا مع الروح الزائرة حيث الجنة بخمرها وحواريها ( جواري للدعارة ) وغلمانها ؟! ( يؤكد القرآن الكريم على هؤلاء الغلمان ؟؟!! ) .. الخ وبالمناسبة أحب أن أشير إلى أن الجنة مجانية ولا تتعامل بالدولار أو أي عملة أخرى فلا تخافوا .. وأذ لم يكن مضيافا العزيز الجليل تسلم الروح إلى جهنم حيث التعذيب المتواصل الذي لا يرحم ( يشبه جحيم الرب دائرة الأمن العامة في كل بلد ) حيث العقارب والأفاعي وقدور الماء الساخن وجلسات الكهرباء ؟! وعندما تأتي ساعة الحساب الكبرى يعاد نفس الحلقات السابقة !!!موضوع تكرار السيناريو بين عالم ما بعد الموت وعالم ما بعد الساعة وجبة غذائية غير شهية بالنسبة لعقل على الطراز الديكارتي . لماذا الرب العزيز يكرر السيناريو ؟؟ هل يعاني هو الأخر من عقدة السادية ؟؟!! ومع احترامي الكبير لسيادة رئيس الجمهورية الكونية المحترم .. من قصة ياسر نحب أن نسأل سؤالين مهمين جدا وبصراحة استغرقت الكثير من الوقت للإجابـــــــــة عليهـا : السؤال الأول / يقولون بأن الأجـل محدد مسبقا .. كيف ؟؟ وأذ كان ذلك صحيحا فيعني تكون عبـارة ( المحدد مسبقا ) محصورة باحتمالين : الأول أن الرب أشار بعصاه السحرية إلى السيارة فصدمت حيوان بقائمتين أسمه ياسر أو أن الرب بدلا من أن يشير إلى السائق أشار إلى ياسر فعماه عن رؤية السيارة وكلا الحالتين متشابهتان .. لكونهما تتعلقان بمزاجية سيدي الرئيس .. الاحتمال الثاني ينص على أن كل شيء قد حدث مسبقا والحياة فقط عبارة عن إعادة عرض مصور أمام الرب ، تلك النظرية يؤكد عليها الكثير من رجال الدين الذين يلتزمون بظاهر النص القرآني ، وعلى العكس تماما من الحالة الأولى التي يؤمن بها رجالات التيارات الباطنية .. هناك نظرية ثالثة يحدثنا بها رجال العلم ( أنصار الحتمية الميكانيكية ) يتحدثون عن فرضية وهي الأغرب حيث لاوجود للرب ولا للحساب والأمر كله يخضع للقوانين العلمية والاحتمالات فأما أن يصاب أو لا يصاب ؟! وبعدها تنحل الجثة إلى عناصرها الأولية على فرض أن الوعي والذاكرة والمشاعر هي النشاط الأعلى للدماغ البشري ؟؟!!على الرغم من قوة النظرية من الناحية المنطقية ولكن كل الأبحاث الحديثة تؤكد على أن الإدراك البشري هو ظاهرة مستوردة من عالم أخر ، عالم أبعاده أكثر من أربعة أبعاد .. والسؤال الثاني وهو الأهم برأي ما هو ذاك العالم الذي ينتظرنا ؟؟ لم يجب عليه أحد بشكل منطقي من كل رواد الحضارات القديمة التي تعاملت مع الموت بشكل مرهف وفني ، أنظر مثلا الحضارة الفرعونية والأهرامات .. الدين اليهودي تعامل مع الموضوع بمبدأ الثواب والعقاب الذي تحدث عنه فيما سبق وتلك الأفكار ليست جديدة وأنما متأثرة أصلا بأساطير الحضارات الشرق أوسطية القديمة وهذا ما أثبتته الدراسات الميثولوجية الحديثة ، وحتى الدين المسيحي والدين الإسلامي كانا نسخة مطورة وأكثر عصرية لأفكار العاخامات اليهود ، ولم يأتوا بشيء جديد .. الفلسفة الهندية كانت ذكية في التعامل مع هذا الموضوع فقد أمنت بما يعرف بــ ( سامسارا ) أي دورة الحياة من جسد إلى أخر دون وجود عالمين ، عالم ما بعد الموت وعالم ما بعد الساعة ، وكل حياة جديدة تحددها الأفعال في الحياة السابقة في قانون أبدي أسمه ( الكارما ) .. وما يعقد المسألة أكثر في قضية السؤال الثاني عدم وجود اتصال بين العالمين بشكل واضح ؟؟!! كل الذين ادعوا بوجود اتصال بشكل ما ورائي ( زيارة الملائكة والموت المؤقت مثلا ) أو حتى صناعي في جلسات تحضير الأرواح كلها شعوذة في شعوذة ولا تحتاج لدليل علمي على بطلانها . الآن سأتي إلى الموضوع مباشرة .. اعتقادي الخاص بالموت وهو مجموعة من الفرضيات التي تعبت كثيرا في بناءها .. الآن نعود إلى ياسر بطل الراوية الذي بد أنا به قبل قليل .. - مع ياسر - مكان غريب جدا .. شوارع وبيوت هنا وهناك وضباب كثيف يملأ الجو ، صمت قاتل و الكآبة تحتل كل شيء .. وبعض الناس يمشون بهدوء ولا أحد يبالي بالأخر ، هناك شيء أغرب في هذا المكان ، أكياس معلقة منتشرة في كل مكان ، تلك الأكياس تحمل ألوانا مختلفة ولكن كلها غامقة ، ألونها الغامقة جدا تفقدك الشعور بالاختلاف اللوني .. أحد تلك الأكياس بداء يهتز ويتشقق من الوسط تقريبا ، تخرج منه يد إنسان ومن ثم زند كامل ، يتجمع حوله بعض الناس ومن ثم يقفز إنسان بالكامل نحو الأرض لا يقوى على الحراك ويعاني من صعوبة في التنفس ، يتأملونه بعمق وهو ينظر إليهم بغرابة وانكسار – أنه ياسر أليس كذلك ؟؟ - تبدأ تلك المجموعة بالضحك بشكل متواصل عليه ، يصرخ شخص واقف معهم وكانت السماعة الطبية على رقبته معلقة بشكل ملفت للنظر ( لقد استفاق أحمق أخر ) ويواصل الضحك .. يعقب رجل عجوز قائلا : سيقول أين أنا . ويواصل الضحك . ينهض ياسر ويسأل الجميع : أين أنا ؟؟ وما أن يسمعه الجميع حتى تعلو أصوات الضحك بشكل هستيري .. وبعد برهة يتفرق الجميع غير مبالين به . يناديهم ياسر بصوت مرتفع ( أين أنا ؟؟ أخبروني هل مت ؟؟) لا أحد يجيب عليه ، الكل أبتعد صامتا ، يحاول اللحاق بفتاة كانت واقفة مع المجموعة ويخاطبها قائلا : أخبريني أرجوك . الفتاة ( تمشي غير مبالية به ) : أسمي سعاد ومت بسبب مرض التدرن الذي أكل صدري دون أن أذهب للطبيب ، هل تعرف لماذا لم أذهب للطبيب ؟؟ كانت الحياة صعبـــة وزوجي تعوق في الحرب وأربعة أطفال جائعون ، كنت أعمل وأعمل حتى ..( تبتسم بشكل غريب ) لقد رأيت زوجي هنا ، لقد مات هو الأخر ولكن لم يبالي بوجودي نهائيا ( تتركه وهي تكمل كلامها ) . يلحق ياسر بذلك الرجل صاحب السماعة الطبية وكان الرجل يمشي بشكل سريع ويحاول ياسر أن يتحدث أليه . ياسر : أسمعني أرجوك أين أنا وما هذا المكان ؟؟؟ الرجل : ماذا تريد ؟ تريد أن تعرف ما هذا المكان ، هذا المكان أسمه أرض الأحزان ، أرض الدموع ، أرض الندم .. الندم من النوع الحقيقي والمقرف حيث يختلف كثيرا عن عالمنا السابق ، هنا الملل القاتل الذي لا يرحم ، أنها مسألة وقت فقط يا عزيزي وبعدها ستعتاد .. كنت في الماضي طبيب ، كنت أتصور بأن الطب هو كل شيء في الحياة ، والآن ( يمسك السماعة الطبية ) ماذا أعطتني هذه ، لا شيء .. لا شيء ( يواصل المشي بينما ياسر يتوقف بعد أن يأس منه ) . يواصل ياسر المشي بين الشرانق ،راح يتأملها جيدا يقترب من إحداها يرى فيها رجل نائم ، يحاول أن يلمسها فتضاء منطقة التلامس بهالة بيضاء ساطعة ، الشرانق كلها متشابهة تقريبا ولكن في أحدها يقترب منها أكثر حتى لامست عيناه جدار الشرنقة فشاهد منظر لفتاة جالسة على أحد المكاتب في دائرة حكومية تحلم بكونها أميرة أرستقراطية جالسة في سيارة روز رايس فاخرة ، وعند شرنقة أخرى رأى شاب فقير الحال نائم على الأرض يحلم بوجبة غذائية كبيرة قد وضعت أمامه وهو يرفض الأكل بحجة كونه ليس جائعا .. وعند شرنقة أخرى طفل نائم مع مجموعة كبيرة من الأطفال كأنه ملجاء للأيتام على ما يبدو يحلم كأنه يمشى سوق مزدحم بالناس وكان الجميع يمشون بصورة عكسية نحو الوراء وهو الوحيد الذي كان يمشي نحو الأمام .. وعند شرنقة قريبة رأى رجل نائم بجانب زوجته وكان يحلم بكونه فارسا عربيا يشارك في الجيش الإسلامي لقتال الكفار وصحابة الرسول محمد يحيطون به يشاركهم القتال ، وعلى فجاءة تنهض زوجته وتتحرك بخطوات خفيفة لتدخل الغرفة المجاورة ويستقبلها رجل ( يشبهه كأنه أخيه ) لتمارس معه الحب .. ابتسم ياسر كثيرا من هذا المنظر البائس ، تأمل ياسر تلك المشاهد وأدرك ما هي الحياة لأول مرة في حياته ، سيناريو أحمق جدا لا غير ، مهزلة تخلو من المعنى ، منفى بائس ..السيد ياسر لم يفهم شيء واحد لماذا يشترك مع سكان الشرانق فقط في أحلامهم ، قد يأتي اليوم الذي يفهم ذلك .. أحد الشرانق بداء يهتز وخرجت منها أصابع ومن ثم يد إنسان ، أبتسم ياسر وضحك قائلا : ( لقد استفاق أحمق أخر ) . وأستمر ياسر بالمشي بعيدا بين الشرانق حتى اختفى .. تلك القصة هي سيناريو مفترض لعالم ما بعد الموت وجاء كنتائج دراستي للباراسيكولوجيا والميثولوجيا طوال عشر سنوات .. أتذكر أسطورة لسكان أستراليا القدامى حول معنى الحياة فهم يعتبرونها أحلام للآلهة التي خلقت البشر ..
#عماد_البابلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بحث حول الغريزة
-
يوميات مثقف عراقي .. الجزء الثاني .. المرأة العراقية والوهم
...
-
الأليات الدفاعية النفسية .. مدخل
-
يوميات مثقف عراقي / الحلقة الأولى .. سوريالية أم عراقية
-
السريان .. حكاية حزن لاتنتهي
-
تعريف اللاشعور.. رحلة إلى بلاد العجائب
-
القائمة 169 ومنتخب البرازيل
-
المواطن العراقي والقومية العربية / علاقة من نوع خاص
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|