|
تشكيل الميليشيات ونشرها ... دعوة مفخخة !
حيدر فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 05:30
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
أعرف حيا في بغداد اتفق أبناؤه ، تحت ضغط الحاجة ، على حراسته وحمايته من الإرهابيين واللصوص ومختلف المجرمين ، و اعرف حيا آخر يحميه أبناؤه من تجاوزات مغاوير الشرطة أيضا . لم يستأذن هؤلاء أحدا ، لا حكومة ولا أحزابا ، لحماية عوائلهم وأرواحهم و منازلهم . والحال ان اغلب العوائل يعتمد على أبنائه في حماية نفسه . وهذا ليس بجديد ، فلا احد يعول على حماية الدولة ومؤسساتها حتى قبل سقوط الطاغية ، واشتد الحال بعد السقوط مع تزايد أعمال الارهاب والاجرام . ثم اين هي الدولة ؟ واين مؤسساتها الأمنية وشرطتها ؟ انهم غير قادرين على حماية أنفسهم وأجهزة الدولة . وبدل بناء مؤسسات امنية وطنية ، كفوءة ومخلصة ، بعيدة عن الولاءات الحزبية والفئوية ، قوية وقادرة على حماية الناس والدولة وفرض النظام والقانون ، تدعو قوى وشخصيات سياسية حاكمة الى تشكيل ميليشيات مسلحة تنتشر في الاحياء والمناطق السكنية ، لمواجهة الارهاب و حفظ الامن والنظام . والسيد هادي العامري ، رئيس منظمة بدر ، يطالب بالاعتماد على هذه الميليشيات في محاربة الارهاب ، يشاركه في هذا السيد عبد العزيز الحكيم والمجلس الاعلى (( للثورة الاسلامية ! )) في العراق ، وايضا قادة الائتلاف الشيعي ويتفق الطالباني ، رئيس الجمهورية ، والتحالف الكردستاني مع ذلك . والسلطة ، هيئة رئاسة و مجلس وزراء وجمعية وطنية ، يهيمن عليها الاتفاق بين هاتين القوتين ، فهما أصحاب القرار ( بعد الامريكان طبعا ) . الا تعني تلك الدعوة اعلانا صريحا بعجز الحاكمين عن بناء مؤسسات أمنية قوية وكافية ، بل بناء دولة مؤسسات وقانون ؟ وواقع الحال ان حكومة الجعفري وباقي أركان السلطة ، برلمان وهيئة رئاسة ، اثبتوا عجزهم ليس عن حماية أمن الناس والدولة ، بل ايضا عجزهم عن حل الازمات الكبرى في حياتنا ، الكهرباء والماء والبطالة والفساد الاداري ، التي تفاقمت الى حدود تنذر بالشؤم . وفي الدعوة الى نشر المليشيات والاعتماد عليها نوايا شريرة وخبيثة مكشوفة . المليشيا التي ستنتشر هي ميليشيا بدر لا غيرها ، فالبيشمركة مكانهم كردستان في الغالب وعليهم يجري الاعتماد هناك وفي بغداد يعتمدون لحماية مقار وقادة التحالف الكردستاني واحزابه . والاعتماد على ميليشيا بدر هو تكريس لأمر قائم لدى المسؤولين عن الأمن ، رغم ادعاء زعماء المنظمة وزعماء المجلس الأعلى ، زورا ، تحول قوات بدر الى منظمة سياسية او الى منظمة مجتمع مدني في تصاريح اخرى ، في خلط للمعان وتورية معروفة للقاصي والداني ، منذ أعلن عن حل الميليشيات الحزبية في عهد الحاكم الامريكي بريمر . المؤتمر الاخير لمنظمة بدر كان استعراضا للقوة وللنفوذ ولمستوى الدعم ، حضره وخطب فيه ممثلو كل أركان السلطة ، بتمييز مقصود عن كل مؤتمرات الأحزاب والقوى السياسية ، حضره وخطب فيه رئيس الجمهورية ونائباه ورئيس الوزراء ونوابه و رئيس الجمعية الوطنية ونوابه وممثلو الأحزاب والقوى الفاعلة والمشاركة في العملية السياسية ، ومن على منبره نادى الحكيم بسلطة الميليشيات ، معلنا نواياه الصريحة في اعتماد ميليشيا بدر واثنى عليه الطالباني . وبحضورهم وتشجيعهم جرى اعلاء مرتبة و مكانة قوات بدر التي تدارى بمسميات سياسية مخالفة للحقيقة ، فبدر هي الذراع المسلح للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق ، منذ نشأتها وليومنا والى حين . اذن المقصود بالدعوة إياها نشر مسلحي المجلس الاعلى (( البازداران والبسيج !!)) في شوارع واحياء العاصمة ، كما الحال في البصرة ومدن الجنوب والفرات . وليس غريبا ان نسمع ونعرف ، في بغداد وغيرها ، عن تجاوزات وجرائم ترتكبها قوات بدر المتداخلة مع قوات وزارة الداخلية واجهزة الأمن والأستخبارات ، ويكذب عن عمد كل من يعلن ان لا علاقة لقوات بدر بالوزارة . ولعل من الدلائل اليومية على هذا ، الاعلان قبل ايام عن اغتيال احد كوادر بدر الذي يحمل رتبة مقدم في وزارة الداخلية . لأصحاب بدر مصلحة في تدهور الأمن وعجز المؤسسات الأمنية الحكومية عن مواجهة الارهاب والجريمة ، ففي عجزها مبرر لتفعيل دورهم ، كما طالب الحكيم . مثال على جرائمهم ماعرفته من شهود عيان موثوق بمصداقيتهم ، وما حدث يوم السبت الثاني من تموز الجاري في منطقة الصليخ القديم ببغداد ، حين قدمت قوة كبيرة من مغاوير الشرطة (( لواء الحسين )) وهي تسمية لقوة مشكلة من مسلحي بدر ، محمولة على ست سيارات (( بيك أب )) الحديثة التابعة لمغاوير الشرطة مكتوب عليها اسم (( الحسين )) ومعروفة بلونيها الازرق والابيض وبلون ملابس مسلحيها الازرق المرقط . اعتقلت هذه القوة في عز النهار ، الثانية عشر ظهرا ، ستة عشر مواطنا مقصودا بالاسم من سكنة احياء الصليخ ، سوق السمكة والسبع بكار والكريعات و الاحياء القريبة ، بينهم امرأة ورجل مخبول يعرفه ابناء المنطقة ، و دون أي سبب معلن . بعد ايام وجدت جثث اكثر من احد عشر منهم في اماكن متناثرة ، قرب جسر المثنى و على قناة الجيش و بعضها قرب مدينة الثورة . المغدور بهم من ابناء السنة والشيعة واغلبهم كسبة واصحاب مهن حرة ، صباغ ونجار وكهربائي ... الخ ، وغير معروف عن أي منهم نشاط او انتماء سياسي محدد . ابناء المنطقة كانوا شهودا على الاعتقالات ، التي جرت في ظهيرة فاضحة ، وبطريقة لا تترك مجالا للشك في ان المسلحين كانوا من مغاوير الشرطة وليسوا منتحلين لصفتهم ، وهم جاؤوا لاشخاص محددين بالاسم والعنوان ، ولم يكن أي من المغدورين مسلحا ، يطلبون الشخص باسمه ويتأكدون من هويته ثم يعتقلونه ، وسيارات (( بيك أب )) التي حملتهم كانت بلا شك سيارات مغاوير الشرطة . وهذه ليست حادثة فريدة ، وقوات المغاوير وافواج الشرطة اقرب للميليشيات وابعد منها عن القوات النظامية ، حتى في طريقة تنقلهم وملبسهم ، وتشكيل قوات المغاوير يتم بطريقة غير نظامية اقرب منها للمقاولة مع أشخاص او جهات معتمدة . وزارة الداخلية واجهزتها المسلحة باتت اليوم مخترقة من جهتين ، البعث و الاصولية الزرقاوية من جهة والاصولية الخمينية من الجهة الاخرى ، والاختراق الاخير تم في عهد حكومة الجعفري غير الرشيدة وولاية بيان جبر على هذه الوزارة . ومثل هكذا وزارة لن تنجح في مواجهة الارهاب ومحاربته ولن تحمي الامن والنظام . سكنة منطقة الصليخ ، وغيرهم ، كانوا حائرين في ايجاد سبب او دافع لارتكاب تلك الجريمة . لكن حين نعلم ان الفلتان الأمني وعجز مؤسسات الدولة عن أداء مهامها الأمنية و حماية أرواح الناس ، مبرر و ذريعة لتفعيل رسمي لدور ميليشيا بدر ، نعلم ان للأخيرة مصلحة في ذلك . انهم يخلقون الذريعة والاسباب التي تعطيهم حق العمل الرسمي . و ليس جديد علينا ، أن تخلق اسباب وذرائع لاجراءات استثنائية . الخلاصة ان الدعوة لنشر الميليشيات والاعتماد عليها ، أمر بالغ الخطورة على مسيرة البناء الديمقراطي المزعومة ، وغاية خبيثة وشريرة تخالف المساعي الصحيحة لبناء مؤسسات دولة أمنية بولاءات وطنية عليا ، بعيدة عن ولاءات التحزب والفئوية الضيقة . ولأن لقوات بدر صلات تاريخية بالاجهزة الايرانية ، فهي منفذ للتدخل المخابراتي الايراني ، كما الحال في البصرة تحديدا ومدن جنوبية وفراتية اخرى . ولان قوات بدر ذراع مسلح لحزب سياسي شيعي ، فان نشرها واعتمادها رسميا تحت أي مسمى و أي ذريعة كانت ، عامل محتمل لمواجهات طائفية تغذي حربا طائفية ان اندلعت ستحرق ما بقي من الوطن . رئيس الجمهورية وتحالفه الكردستاني ضالع في هذه النوايا المدمرة ، لأسباب ودوافع فئوية ايضا ، تدخل ضمن المساومات السياسية مع الائتلاف الشيعي ، التي تضع البيشمركة مقابل قوات بدر في معادلة تغبن البيشمركة الكردية أكبر غبن ، قبل غبنها لمصالح الشعب والوطن . لليشمركة الكرد تاريخ يختلف كليا عن تاريخ قوات بدر تأسيسا وقضية وافعالا ، رغم كل شيء ، ومنهم تشكلت القوات النظامية التي حمت أمن كردستان واهلها منذ انسحبت ادارة صدام من اغلب كردستان عام 1992 . لا مناص من اعتماد المنهج السليم المعلن في بناء مؤسسات أمنية وطنية الولاء والمعنى ، ولامناص من الصدقية في تطبيق هذا المنهج ، اذا اردنا سلامة الجميع وطنا وشعبا وقوى سياسية . وما يجري الترويج له من اعتماد الميليشيات ضرب من اللعب بالنار وتعريض مصالح الشعب والوطن لمخاطر حقيقية ، وسلوك لا يحمل أي معنى للشعور بالمسؤولية الوطنية ، وسبب آخر لنمو الارهاب .
#حيدر_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن موجة الارهاب الاخيرة : تعددت ِالغايات والمصير واحد
-
في تفسير العنف الراهن في العراق ... لماذا نذهب بعيدا ؟
المزيد.....
-
هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي
...
-
هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
-
ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
-
محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح
...
-
إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
-
سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
-
الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
-
تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف
...
-
هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
-
نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|