أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (49)















المزيد.....

منزلنا الريفي (49)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4467 - 2014 / 5 / 29 - 22:45
المحور: الادب والفن
    


بؤس الواقع القروي

على الحصيدة التي تشبه المرمدة يحمل المنخري مكشطا، إنه يعمل على كشط التبن المتبقي على الحصيدة، ولا يريد أن تبقى ولو غلة واحدة فوقها، لقد بذل المستحيل من أجل الحصول على هذا الامتياز، وقطع الطريق أمام المنافسين، يكفيه الأرجل التي لحسها، والأيادي التي مصها، والقضبان التي راودت مؤخرته، ناهيك عن تضرعه لصاحب " الحصيدة لمنحها له، وإضافة محتوياتها إلى " النادر الحايل "، فهو عبارة عن رزم تبن متقادمة لم تتناولها المواشي طيلة الشتاء، بل هي فقط عبارة عن مستعمرات للجرذان والفئران .
وبينما هو يكشط يعتمر فوق رأسه قبعة مغبرة لم يصلها الماء يوما، فهو يضعها بشكل بهلواني، والذي يهمه هو كم من رزمة سيحصل عليها لما تأتي البيالة "، ينسى نفسه، وينسى لحيته الغبراء، التي يوظفها بكل مكر ونفاق أينما حل وارتحل، لقد وظفها حينما ذهب ليخطب تلك الفتاة الجميلة التي أصبحت زوجته الآن، كانت فتاة في غاية النضارة والشباب، لكنها سرعان ما تحولت إلى صحراء عجفاء، لقد بلغت من الكبر عتيا، وتحول جسدها إلى صيدلية تحوي الأدوية، لم يبرحها مرض منذ التحاقها للمكوث معه في ذلك البيت الذي وعدها أنه سيحوله إلى جنة تطفح بالمياه والورود والزهور .
في طفولتي، كنت أراه لا يفارق القرآن، ولا يغير فوقيته البيضاء، لم يكن يجيد القراءة، فكنت أقتحم أسواره طارحا عليه أسئلة، فكان يجيبني في بضع تمتمات وعنعنات لم أفهم قصدها، كان يدعي الفهم، ومراكمة التجارب، والمعرفة الواسعة... لكن فيما بعد تبين لي أنه منافق شأنه في ذلك شأن من يوظف الدين خدمة لأغراضه ومصالحه، قبل زواجه لم يفارق المسجد، حتى في الصيف لما يذهب بالعزيب ، كان يذهب إلى المسجد، لكنه في المساء يختلي بفتاته، في الصيف يكون الجو حارا، ومجمل العزابة يبيتون في الخارج، فهو كان يبيت بعيدا عن عشته، فكانت تتسلل خلسة وتبيت معه، وها هي الآن تجلس بالقرب منه، تشاطره في البؤس ومرارة الحياة، ذلك الوجه الذي كان ناصع البياض، ويبعث على الشبقية ؛ اختفى ، بينما الوجنتان اللتان كانتا متوردتين قد اصفرتا الآن، ملابس ملطخة بالوحل، رائحة تبعث على النتانة، قساوة الحياة، كلها أمور تحيل على عدمية الحياة، لست أدري : هل شقاوة الحياة نابعة من الذات أم شقاء الذات نابعة من الحياة ؟ أعتقد أن الأمر سيان، فالزوجة التي تسمى باللفيعة كانت تعبأ بتحريمات وأوامر تذنب المتعة واللذة والجنس، وعليها أن تحافظ على عذريتها إلى حين أن يأتي ذلك الفارس المغوار الذي يبني لها بيتا من ذهب، ولكنه في حقيقة الأمر كان قصرا من ورق، فتحولت شعيرات تلك اللحية إلى سلاسل مكبلة، وتعويذاته القرآنية إلى ضمير مؤنب، إنه ذلك الذي يسمى في اللغة المحلية بلكان ، ومعناه الكلام المؤنب، فيكون عبارة عن كثافة رمزية أشبه بسلاح فتاك ومدمر، من هنا تتبلور شقاوة الذات من شقاوة الحياة، ما الذي يدفع البشر إلى الحلم المفرط ؟ إنها شقاوة الحياة، ففي ظل عائلة يستوطنها البؤس والحرمان، تصبح الفتاة تساوم ببكارتها برجل يغير من وضعيتها البئيسة صوب وضع أحسن، لكنها لا تغيره في حقيقة الأمر، فهي في علاقتها بالرجل تذبل ذبول الزهرة إبان حرارة الصيف اللاسعة، لأن شقاوة الحياة تينع في تربة مجتمعية قاحلة.
هذه التجربة تتمثل في مجتمع قروي ذكوري عبودي يلعب فيه الرجل دور السائد والمسود، مجتمع تغيب فيه القيمة والعاطفة والاعتبار، تعتمر القحالة الذات في مقابل اعتمارها للمجتمع، فهذا الرجل الذي يلقب بالمنخري" لكون أنفه كبير، لا يعرف سوى الكشط، فزوجته بالقرب منه، فعوض أن يتودد إليها، وأن يضحك في وجهها، تراه عبوسا يريد أن يسفك ويدمر، لا تعنيه زوجته، فهذه الأخيرة يرى أن الموعد معها على الفراش، هناك يحضر القضيب والسوط المشويطة ، فإذا لم تتموضع جنسيا على النحو الذي يريد، تنال العصا كما تنالها الأتان، وهو يأخذها إلى البئر وفق ثنائية " الشاي- الراي " .
إن ما يهم المنخري هو الحصيدة، عليه أن يكشطها كما يكشط مهبل زوجته، فإذا كانت زوجته تتأوه زفرات أشبه بعاصفة نار، فالحصيدة تطلق كوة من الغبار، ويمنع كل من تسول له نفسه الاقتراب منها، لا أحد يحق له الرعي فيها، أو الدوس عليها، هذا هو الذي يسمى محليا بالتحراز ، له علاقة بالحرز، أي المنع، بمعنى الوقاية من الآخرين، كما يفيد الحصانة من اقتحام الآخر للذات، على الذات أن تسود في مجالها، حتى لو كان هذا المجال قد تم الحصول عليه عن طريق الطليب والرغيب ، أو لم يطلب من المنخري " زوجته مرتديا ثوب التقية ؟ أذكر أن أم الزوجة حينما سلمتها إليه، قالت له : فلتصنها، ولتحرزها ، فرد عليها قائلا : " ها هي تحت كراعي ، بمعنى ها هي بحوزتي، وإن دوري ومسؤوليتي أن تكون ملك لي، ولا أحد يشاركني إياها، إنها لي أضاجعها في الوقت الذي أريد والمكان الذي أريد وعلى النحو الذي أريد . لكن ألا يحدث اختراق لهذا التحراز في بعض الأحيان ؟ ما علاقة الولد الراكد بذلك ؟ يسود في المجتمع القروي فكرة الولد الراكد ، بمعنى أن الجنين قد يظل رابضا بالرحم أكثر من المدة التي عليه أن يبقى فيها، ويطاله النوم هناك ! تبدو الفكرة سفيهة، فإذا بقي هناك، فإن حجمه سيكبر، وليس بوسع الأم ولادته . أعتقد أن هذه الفكرة تعمل على فضح ثقافة التحراز "، وأن الحدود بين العائلات هي حدود وهمية، ففي بعض الأحيان لا يعلو إلا صوت الغريزة الذي يتماهى مع الليل البهيم والحلكة السلسة . يحكى محليا أن سيدة تدعى " قنيبيلة " كانت تنيم زوجها بالأقراص، أو بحبة باخا اللي كالتها يكول واخا ، ولما ينام تزيحه عن الفراش فاسحة المجال لحبيبها، يقاسمها إياه، الكثير من الأبناء في بعض العائلات لا يتشابهون، الأمر الذي يدعو إلى مسح طبي قد يؤدي إلى قلاقل تعيد المجتمع القروي إلى السيبة، ولكن هذه النقطة تدفعنا إلى الفهم أن مفهوم العفة مثالي، وأن الغريزة تشكل الذات الإنسانية إلى جانب الحيز الصغير المخصص للعقل، مما يعني أن مفهوم التحراز ، سواء الحرز على النساء أو الأرض قد يكون واقعا نسبيا كون البشر يتفاعلون فيما بينهم في السر والعلن، ففي ظل شقاوة الحياة يكون هناك بحث عن معنى يضفى عليها .
وبينما المنخري يكشط مشكلا الرزمة تلو الأخرى، تهاجمه جموع من البقر، يأخذ الحجر، يرشقها، لا يفارق البقر الحصيدة، يقترب من بقرة، يأخذ المذراة، فيوجهها نحوها، فيتركها في بركة من الدماء . تحل فترة القيلولة، ينام تحت السدرة، تعود صاحبة القطيع، إنها تدعى البايرة "، كبرت ولم تتزوج، كان يعاشرها في بعض الأحيان، ولكن في الأيام الأخيرة باتت تمتنع، تهوي عليه بصخرة على رأسه . يفيق مذعورا، تتركه مضرجا في دمائه وترحل . في المساء تلتقي مع زوجته، تتعاركان، تتناتفان، كل واحدة تقول أنه لها، لكنهما نسيتا أن مؤخرته نتنة، وأنه يخونهما مع الرجال والنساء .
يخيل إلينا أحيانا أن الجنس يغيب في المجتمع القروي، وإذا حضر، يحضر في إطار ما هو شرعي . الجنس يختفي باديا كالقراد الذي يمص جلود البهائم خلسة، فخلف النتانة وبؤس الحياة يترعرع الجنس، فعود الثقاب كان يجمع المحبين، وبين الظلام الدامس يضاجع الجارة جارته، وفي بعض الأحيان على إيقاع الضوء الخافت لشمعة في الهزيع الأخير من الليل . لا ينبغي أن يغيب عنا أن الجنس في حضوره يشبه تعلق " المنخري " بقضيبه وخصيتيه كما في عدم تفريطه في مؤخرته، صحيح أنه يبعدها علنيا، لكنه داخليا يريد، فبها يتغوط، وبها يتملق، ولكنه في بعض الأحيان يريد أن يتخلص منها، فهي تسيء إلى رجولته، فالرجل الكامل هو في نجاعته القضيبية، وفي قدرته على الهتك، ولكن عندما يسلم مؤخرته، عندها يفقد رجولته ويصنف ما تحت النساء، لهذا يترك سريا، فإذا لم يمارس الحرز، أو الحصانة على مؤخرته، فإنه سيمارس الحصانة على الحصيدة وعلى الزوجة وخليلته....ذلك هو النفاق بعينه .

ع ع / 28 ماي 2014 / المحمدية / المغرب .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (48)
- منزلنا الريفي (47)
- سخرية في صحراء الحمى
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (45)
- منزلنا الريفي (44)
- هواجس ساخرة
- غدا سأولد من جديد
- الوداع
- مشاهد من المستشفى
- أريدها
- تمرد
- منزلنا الريفي (43)
- كلمات من دماء
- خوالجي الباكية
- شاعرة الافتراضي
- النافذة المغلقة
- منزلنا الريفي (42)
- منزلنا الريفي (41)


المزيد.....




- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (49)