|
محاولة لايقاف الفتنة الثقافية العربية ، وحروب الردة الفكرية
صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 02:27
المحور:
الادب والفن
الحرب الدائرة الآن بين المفكرين والكتاب العرب في الصحافةالالكترونية ( السريعة والواسعة الانتشار) ، من جراء زلزال الردة الفكرية الاضطرارية للباحث والكاتب سيد القمني ، هي حرب مؤسفة ومخجلة للغاية .. يبدو لنا أن الدكتور القمني عندما كتب بيان اعتزاله للفكر والكتابة ، كان ممثلا أمامه ، تنحي عبد الناصر عن السلطة ، وخروج – أو اخراج – الجماهير من أسوان بأقصي جنوب مصر الي الاسكندرية – أقصي شمالها – رافضة التنحي ومطالبة عبد الناصر بالعدول والبقاء في السلطة لأجل الصمود والنهوض .. ، وعدل عبد الناصر عن استقالته .. وربما كان بالامكان تكرار ذلك مع سيد القمني - علي المستوي الثقافي ، بخروج المثقفين ليس في مصر وحدها ، وانما خارج مصر أيضا فقراء القمني كثيرون ..، في مظاهرات ، واعتصامات مطالبين اياه بالعدول عن الاعتزال ، ولكن : كان هذا ربما ممكنا في تصورنا – وربما ما كان هو أيضا يتصوره – فيما لو أن القمني وفق أكثر في صياغة بيانه .. اذ نعتقد بأنه قد خانه التوفيق في ذلك ، لماذا؟ لأنه بنفس الحبكة وبنفس القوة والتمكن والحجة التي كا ن القمني يكتب بها فكره ، كذلك كتب بيان تراجعه عن فكره وأسفه تبرؤه منه ..!! وهو تناقض مروع ، مربك ، وصادم .. ، ولذلك فان الثغرة التي تركها في نهاية بيانه ، ليمكنه التراجع منها - أن اعتزاله مشروط بقبول هذا الاعتزال - لم تكن تلك الثغرة كافية لتراجعه بسهولة ، لأن ملامح تكتيكية الانسحاب تكاد لا تري ، أما استراتيجية الاستسلام فقد كانت واضحة المعالم ، مع الأسف – وان لم تكن هي المقصودة - ، فمثلما كان فكره منيعا في قوته ، كذلك كانت صياغة ردته عن هذا الفكر أيضا ...
فالقمني قائد تنويري بارز في حرب العلم ضد الجهل والعلمانيين ضد الارهابيين .. فاذا انسحب قائد بارز من المعركة خوفا علي أولاده أو علي حياته ، فكيف يكون رد الفعل علي الصغار وعلي الجنود ؟! طبعا الهلع .. وهذا بالضبط ما أصاب الليبراليين صغارا وكبارا - في تصورنا – فور سماع بيان القمني ذات مرة حكي لي صديق شارك في حرب أكتوبر1973 كيف أنه عندما صدر لهم القرار المفجيء بالعبور أصيب قائده بهلع هيستيري ، راح علي اثره يردد " أولادي ..؟!! زوجتي ؟؟!! " وكأنه هو الوحيد في الجيش الذي له أولاد وزوجة ...!! أكرر ما قلته بأنني أعتقد أن القمني لم يكن يقصد الانسحاب والاستسلام – الردة الفكرية - ، وانما وحسب لم يحسن رسم التكتيك .. وكما أن القمني لم يوفق وتسرع – في رأيي - وحسب في صياغة بيانه .. كذلك تسرع مفكر كبير ومحترم هو الدكتور شاكر النابلسي –والذي صدمه بيان القمني شر صدمة – في كتابة عنوان مقاله ردا علي البيان " بئس المفكر الجبان " ... وبعدها سرعان ما دارت معركة ثقافية أخذت شكل الفتنة وتحول المثقفون الي قبائل ، وكل مثقف يقف في صف قبيلته ، أو شلل ..! وكل مثقف يدافع عن قبيلته أو شلته ، بكل سبل الحرب ..! ولم تكن حربا ثقافية سيوفها الحجة ورماحها المنطق المتجرد ، وسهامها الصدق والصراحة.. كلا ، وانما هي حرب قبلية ، قطرية ، شللية .. – مع الأسف - .. فوجدنا الكتاب المصريين قد وقفوا صفا واحدا في ميدان المعركة - الجرائد الالكترونية – ولاسيما ايلاف ، وشفاف الشرق الأوسط ، بالذات يدافعون عن أخيهم المصري – القمني – ظالما أو مظلوما ، بالحق أو بأي شيء آخر , بما يفيده – حسب تصورهم - ، أو يضره – ويغفلون أو يعلمون ذلك ولكنها واجبات الصداقة ..!! – وبينما كان مقال دكتور شاكر النابلسي الأول – عدا عنوانه – موضوعيا الي حد لا بأس به ، ردا علي الردة الفكرية للقمني والتي لم يكن ينقصها سوي اقامة الحد الفكري عليه (...) ويشهده في ذلك جمع من الناس (..) ، كان مقاله الثاني محاولة لهدم الرجل ككل ..!! وليس وحسب ادانة ردته وبيان عدم لزومها وضعف مبرراتها .. ، وانما تجاوز ذلك ال حد نبش سيرة المفكرين المصريين السابقين ، وارتدادهم عن الليبرالية ، أي أن القضية أصبحت معيرة وطنية ومنابذة قطرية .. وفي رأيي أن أن قضية القمني تلك تذكرني بفنانة كبيرة لها رصيدها الضخم في قلوب عدة أجيال ، اعتزلت الفن وتحجبت ، وأعلنت توبتها عن الفن ، أي تبرأت – ضمنا أو صراحة – من فنها .. ولكن : سواء اعتزلت أو لم تعتزل تبرأت أو لم تتبرأ ، فان فنها برضاها أو بدون رضاها هي ومن شجعها علي ذلك قد عشش في وجدان أجيال ، وهو جزء من ذكرياتهم ، وهي نغمة جميلة سوف تظل تلك الأجيال تترنم بها ، وسوف تظل تحبها – وان كان حبا مشوبا بالأسي والاشفاق - ، وهكذا الحال سوف يكون بالنسبة لسيد القمني مع قرائه اعتزل أو لم يعتزل تبرأ أو لم يتبرأ من كتبه برضاه أم غصبا عنه كل ذلك لا شأن للقراء به ولا بمن غصبوه - أي المقصود أن عملية محو فنان أو مفكر لأي سبب من الأسباب ليست بمقدور أحد ولا حتي الفنان نفسه بقادر علي أن يمحو فنه وقتما يشاء من قلوب محبيه .. .. أما الدكتور احسان الطرابلسي .. ، فقد كان مقاله الي حد كبير موضوعيا ، اذ راح يعدد اناسا وجهات كثيرين تعرضوا للتهديد من الارهابيين ولكنهم صمدوا ولم يتراجعوا ولم يستسلموا ، وسأل : ماذا لو أن كل هؤلاء قد استسلموا ؟!!
وكل عاقل يري بأنه كلام سليم ، ودعوة للقمني بألا يستسلم .. ولكن الأخوة المصريين انطلقوا عليهما معا – النابلسي والطرابلسي - - في موقع شفاف الشرق الأوسط - علي يمين الجريدة مقال لأحد الأخوة المصريين يحمل كلمة " سفالة " .. ، وعلي اليسار عنوان مقال يحمل كلمة " نذالة " .. ، ومقال ثالث بأعلي يمين الموقع يتهم النابلسي بالقتل بدم بارد ، ويعيره بأنه يقيم بأمريكا في رفاهية ، ويدعوه للعودة للعيش بالداخل ليجرب .. !! وكأن وجود المفكر بالخارج مع استمرار حرصه والتزامه بقضايا قلمه هو عيب .. !! وبالرغم من أن انسحاب القمني أو اعتزلة أو ردته الفكرية - حسبما تكون – هي كبوة ، ليست أقل من كبوة ، ولكل جواد كبوة .. وجدنا مقالا لكاتب مصري آخر يوجه له التحية بمقال عنوانه " تحية لسيد القمني " (!!!) وهو يحييه بجد (!!) من أمريكا حيث يقيم هذا الكاتب !!! ولم يكتف بتحيته علي الكبوة و انما دعاه لعدم الرجوع عن قراره ( أي والله العظيم وللقاريء الذي لم يقرأ هذا المقال ولا يصدق : الكاتب هو الأستاذ " سامي البحيري " ، وهو كاتب ساخر معروف لقراء الصحافة الالكترونية ، والمقال بشفاف الشرق الأوسط بتاريخ 19/7/2005 ، وأظنه منشور بموقع ايلاف أيضا وليس الي هذا الحد فقط وانما زاد فقال في نهاية مقاله انه سوف ينضم الي القمني وسيستمتع بقضاء وقته مع أسرته أفيد ويا روح ما بعدك روح ( وهذا تعبيره بالضبط ) ، بدلا من أن يحث القمني ، علي النهوض من كبوته ، ومواصلة دوره في الحياة الفكرية ..(!!) وأقول للدكتور القمني : ان كنت مفكرا ليبراليا تنويريا حقيقيا جادا وأصيلا – كما أعدك - فتأكد أن من فزعوا ، وأسفوا وهاجموك – وان شطوا أو تجاوزوا أو جرحوا - هؤلاء هم رفاقك الحقيقيون .. ( صديقك من قال لك الصدق ، وليس من صفق لك في كل ماتفعل) . وأقول لشاكر النابلسي واحسان الطرابلسي : بعد أن هدأ الغضب عليكما أن تقولا لسيد القمني : أنت فارس تنويري قائد ، وعليك ألا تنسحب من الحياة الفكرية والثقافية بسبب ما يهدد حياتك في مصر .. وان أعظم الزعماء –بل والأنبياء - هاجروا ، وواصلوا كفاحهم من الخارج وعادوا منتصرين .. قولوا له : ألم تقرأ – وأنت الخبير في الاسلاميات – " أولم تكن أرض الله واسعة لتهاجروا اليها "؟!! قولوا له : ان زعماء بلدك السياسيين الذي دخلوا تاريخه " مصطفي كامل ، ومحمد فريد " كان أكثر نضالهم لأجل الاستقلال من الخارج .. ، وبيرم التونسي ، كان منفيا خارج مصر ويرسل اليها صواريخ أشعاره لتنهال علي رؤوس أعداء مصر ، وعبدالله النديم اختفي وتخفي ، ولم يسلم أو يستسلم .. وأنت لست أقل من هؤلاء .. قولوا له : ان التاريخ الاسلامي الذي أنت واحد من خبرائه روي لك أن " محمد " عندما هددوه بالقتل في مكة هرب ليلا الي مكة مهاجرا الي المدينة .. وأن أصحاب الثورات الشهيرة في القرن العشرين علي اختلاف ألوانهم - من لينين الشيوعي وحتي الخوميني الاسلامي – هاجروا وواصلوا كفاحهم من الخارج ، وعادوا منتصرين .. قولوا له : انهض من كبوتك ، ونحن من واجبنا مد يد المساعدة لك لأننا في حاجة اليك لكي تواصل معنا التنوير ، ضد الظلام ، ولأجل مستقبل أفضل لأولادك وأولادنا وللأجيال القادمة من أبناء شعوبنا المنكوبة باللارهاب وظلام الجهل ، اننا بحاجة اليك بجانبنا، والتنوير لا يزال محتاجا الي صولاتك .. انهض : فلكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة انهض ولا بأس عليك .
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النقاب ، وظلم بن الخطاب..
-
تهديد كاتب مصري آخر بعد تهديد سيد القمني
-
..(!) من معجزات الحجاب.
-
هذا المقال هو اهداء الي كل من دكتور : سيد القمني , جماعة الج
...
-
خطاب مفتوح الي الرئيس مبارك
-
والصينيون : لا يحبون عنترة بن شداد ..!!
-
اليابانيون.. لايحبون عنترة بن شداد إإ...
-
قصة : الحمار والبردعة
-
(!!)في بيتنا عانس..! مأساة كل بيت في مصر
-
الخروج من قفص العروبة
-
الذكري المؤلمة لنكبة 23 يوليو 1952 في مصر
-
جميع أمراض الشعوب قابلة للعلاج – حتي المزمنة ، والتاريخية
-
القرآنيون .. والوقوف في مفترق الطرق
-
حريات لا يحميها القانون المصري
-
نداء الي كتاب العالم المحبين للسلام
-
كيف يكون الاصلاح .. بدون دماء ، بدون د مار ؟؟
-
رأيت حلم - نزار قباني - الذي لم يتحقق
-
رد علي مقال الأستاذ: أحمد الخميسي
-
لا أحب البيعة
-
عمر بن الخطاب يزور - جوانتانامو -
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|