العدوان على العراق
اسرائيل، امريكا والحرب
القادمة
اليمين واليسار في اسرائيل، بمرافقة الاعلام، لا
يكتفيان بدعم تعطش بوش للحرب، بل يصران على ابداء حماسهما ايضا. امريكا تجر العالم
لما يمكن ان يتحول الى حرب عالمية ثالثة وكارثة نووية، ولكن هنا في اسرائيل تشتري
الاغلبية الساحقة الدعاية الفارغة بان هذه حرب اهل النور ضد اهل
الظلمة.
روني بن
افرات
اذا كانت هناك دولة في
العالم معرضة لضربة من صدام حسين في حالة ضربته امريكا، فهي اسرائيل. ومع ذلك، يبقى
التنسيق الاسرائيلي الامريكي تاما. الاستعدادات الامريكية للحرب على العراق، وفرت
لاسرائيل فرصة نادرة لتثبت للعالم انه عندما يطرح السؤال: من اكثر جنونا، ادارة بوش
ام حكومة اسرائيل؟ تستعصي الاجابة.
اليمين واليسار
الاسرائيليين، بمرافقة الاعلام، لا يكتفيان بدعم تعطش بوش للحرب، بل يصران على
ابداء حماسهما للحرب. امريكا تجر العالم لما يمكن ان يتحول الى حرب عالمية ثالثة
وكارثة نووية، ولكن هنا في اسرائيل تشتري الاغلبية الساحقة الدعاية الفارغة بان هذه
حرب اهل النور ضد اهل الظلمة.
وماذا عن الشارع
الاسرائيلي؟ حسب الاحصائيات التي نشرتها "يديعوت احرونوت" في اواسط تشرين اول
(اكتوبر)، يدعم 40% استخدام اسرائيل للنووي في حالة تعرّضها لهجوم كيماوي او
بيولوجي. ورغم معرفة الاسرائيليين ان هجوما كهذا غير وارد، الا انهم جميعا يتجهون
كالقطيع الى مراكز توزيع الكمامات. اسرائيل لم تناقش موضوع الحرب على العراق ولو
لمرة واحدة، لا في الكنيست ولا في الحكومة. ولا نبالغ اذا قلنا ان الاسرائيليين
يدعمون حرب بوش اكثر من الشعب الامريكي نفسه.
حتى نواب
المعارضة المعروفين بنقدهم لسياسة الحكومة تجاه الفلسطينيين، يخشعون امام البيت
الابيض عندما يدور الحديث عن الموضوع العراقي. النائب يوسي سريد، رئيس حزب ميرتس
ورئيس كتلة المعارضة في الكنيست (حتى 30 تشرين اول)، عبر عن هذا الافلاس السياسي في
خطابه في افتتاح الدورة الشتائية للكنيست، وعشية سفر شارون للولايات المتحدة
للتنسيق السياسي والعسكري (14 تشرين اول).
اعتلى سريد المنبر
مباشرة بعد خطاب شارون السياسي الذي تطرق للموضوعين الفلسطيني والعراقي، ولكن سريد
لم يجد موضوعا سياسيا واحدا يتحدث فيه. واختار بدل ذلك التركيز على المشاكل
الاجتماعية التي تواجهها اسرائيل، وروى قصة الطفل المنكوب الذي ادخل لجيبه فخذة
الدجاج التي حصل عليها في الوجبة التي توفرها المدرسة، ليجلبها لامه الجائعة. قصة
مشروعة، ولكن ربما كانت انسب لو سُردت في سياق آخر. اليسار الاسرائيلي همّش نفسه عن
المواضيع السياسية التي اصبحت ساخنة بفعل الازمة السياسية. ولكن هروبه من مواجهتها
ودعمه للحرب ضد العراق، لن يزيدا الازمة الا تفاقما.
عصابة يمينية تبشيرية
تدعم اسرائيل الولايات المتحدة بشكل تقليدي. ما في هذا جديد. مع هذا، فعلى
العاقلين ان يتساءلوا: هل ادارة بوش هي كغيرها من الادارات الامريكية السابقة؟
الاجابة بشكل قاطع هي، لا! العالم اليوم يواجه ظاهرة جديدة وخطيرة جدا، تتجاوز
النزاع الامريكي-العراقي. فبواسطة انتخابات مشبوهة، سيطرت على البيت الابيض عصابة
ذات ميزات فاشية تبشيرية، مدعومة من 70 مليون مسيحي تبشيري اصولي. وقد ربطت هذه
الشريحة الاصولية مصيرها بمصير الصهيونية، عندما حددت ان مجيء المسيح سيتحقق فقط
بعد ان يأتي كل اليهود الى ارض صهيون.
المقال الشامل الذي
كتبته فرنسيس فيتسجيرالد حول ادارة بوش الابن (نيويورك ريفيو اوف بوكس، "جورج بوش
والعالم"، 26 ايلول) يتطرق للعلاقة مع اسرائيل. تروي الكاتبة ان ريتشارد بيرل
وداغلس فيث، المقربين من وزراة الدفاع برئاسة دونالد رامسفيلد، كتبا في عام 1996
وثيقة تقدم بعض النصائح لبنيامين نتانياهو، رئيس الحكومة الحديث. وقد اقترح الاثنان
ان يقوم نتانياهو بنقض اتفاق اوسلو واعادة السيطرة الاسرائيلية على المناطق
الفلسطينية. ولما رفض نتانياهو الاقتراح، نشر فيث مقالا ينادي اسرائيل باعادة
احتلال المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
"ثمن الدم كان غاليا"،
يكتب فيث، "ولكن التطهير ضروري للتخلص من خيوط عنكبوت اوسلو." (المصدر المذكور). ما
يجب ان يلفت انتباه الحمائم من داعمي اتفاق اوسلو، والذين لا يزالون يدعمون التوصل
لتسوية مع الفلسطينيين، هو ان نفس الناس الذين يقودونهم اليوم الى بغداد هم الذين
يتحمسون لاعادة احتلال المناطق الفلسطينية. مادة جيدة للتفكير.
الاعلام – جوقة المشجعين
الدور الذي تولاّه الاعلام التجاري (يديعوت احرونوت) والليبرالي (هآرتس)، في
الحملة لتشجيع الحرب، يفسر اسباب عدم تبلور اي نقاش جدي حول مدى ضرورة هذه الحرب.
مثالا على ذلك مقال الافتتاحية الذي نشرته صحيفة هآرتس التي تفاخر بانها "صحيفة
المفكّرين"، لمناسبة مرور عام على احداث ايلول. تحت العنوان "في مواجهة محور الشر"،
جاء ما يلي: "بعد عام تستعد الولايات المتحدة لضرب العراق في اطار الحرب المصيرية.
ان التحدي والحرب لا يقتصران على القضاء على المنظمات الارهابية فحسب. الهدف الطموح
الذي حدده بوش لنفسه، وبحق، هو تدمير قوى الشر التي ادت لانهيار التوأمين في
نيويورك، وفرضت الحرب على العالم الحر".
في مكان آخر تتطرق
الافتتاحية للمفاجأة الكبيرة التي صدمت امريكا عندما هوجم ميناؤها بيرل هاربر في
1941. يتابع المقال: "شعرت امريكا بان حربها ليست فقط مع اليابان، بل مع "محور
الشر" في تلك الفترة. وضوح الرؤية في تلك اللحظة، الصرامة، التضحية والقيادة التي
ابدتها الولايات المتحدة في السنوات التالية، هي التي انقذت الحضارة البشرية".
ويبدو ان ذكرى الدمار النووي الذي جرته الولايات المتحدة على البشرية في هيروشيما
ونغازاكي في نفس تلك الفترة، قد شطبت من ارشيف هآرتس.
ولكن تزييف التاريخ الذي تقوم به هآرتس يبدو "لعب عيال" اذا ما قورن بالموقف الذي
اتخدته صحيفة "يديعوت احرونوت". المحرر سيفير بلوتسكر كتب على الاقل ثلاث افتتاحيات
موقّعة باسمه، كلها تحرض بشكل هستيري ضد معارضي الحرب على العراق. فيما يلي اقتباس
من احد اكثر هذه المقالات تشددا:
"ليس هناك ارهاب مشروع.
يجب ان تكون الامور مفهومة للجميع: الاسلام الفاشي، القاتل، الارهابي، الذي يتغذى
من الحماسة الدينية المتطرفة ومن دعم الانظمة الاستبدادية كنظام صدام حسين، يشكل
تهديدا مباشرا على سلامة ورفاهية وتقدم العالم المتحضر كله... على المتظاهرين ضد
الحرب على صدام حسين، ان يفهموا اخيرا انهم عمليا يتظاهرون دعما للعملية الارهابية
في بالي وتل ابيب وهلسنكي وللعملية القادمة في بلادهم". (14 تشرين اول)
اسرائيل تنتظر الغد
انجرار اسرائيل وراء مخططات الحرب الامريكية، مستوحى من نظرية كاملة. حسب هذه
النظرية يعتقد اليسار واليمين في اسرائيل ان ضربة قاضية على نظام صدام حسين ستخلصهم
من ياسر عرفات. انسجاما مع هذا المفهوم شددت اسرائيل حصارها على المقاطعة، غير ان
محاولاتها الانقلاب على النظام الفلسطيني باءت بالفشل. في هذا المجال ربما يكون
الافضل الاستماع الى موقف الخبراء: دوائر الاستخبارات الاسرائيلية تعتقد ان اسرائيل
تستطيع وحدها مواجهة الارهاب الفلسطيني، ولكن الوصول الى حل سياسي يحتاج الى تغيير
استراتيجي في الشرق الاوسط. وليس بالامكان فرض هذا التغيير الا من الخارج. الولايات
المتحدة وحدها القادرة على اخضاع الشرق الاوسط للمفاهيم الجيوسياسية الاسرائيلية.
بكلمات اخرى، ما تريده الولايات المتحدة من العالم - الخضوع التام، هو نفس الامر
الذي تريده اسرائيل من الشرق الاوسط.
وقد وجد هذا الموقف
تعبيره في صحف مختلفة. في مقال الوف بن بعنوان "بعد عرفات، بعد صدام"، جاء ما يلي:
"اذا قلبنا الامور يمكننا فهم الرسالة الاسرائيلية، ومفادها: ان الازمة في العراق
هي فرصة جيدة لضرب الفلسطينيين بشكل يحسم الانتفاضة ويحسّن وضع اسرائيل في
المفاوضات التي ستبدأ بعد إقصاء صدام". (هآرتس، 10 تشرين اول)
اسرائيل التي تريد العنب، تفهم انه من الممنوع اغضاب الناطور. في زيارته للولايات
المتحدة ساعد شارون بوش على تسويق دعايته الحربية في العالم العربي، عندما قبل
"خريطة الطرق" (انظر مقالا في الموضوع ص 6). بوش من جانبه لم يبخل على شارون عندما
اعلن دعمه للاقتصاد الاسرائيلي وسهل على رئيس الوزراء الاسرائيلي مهمته لدى مؤسسات
المال العالمية.
آمال
خطيرة
انتظار اسرائيل للضربة الامريكية على العراق بحجة
استبدال نظام صدام حسين بنظام اكثر ديمقراطية، ليس مجرد غباء بل هو ضلوع في جريمة
ستجلب الكوارث. الأمل بان تأسيس نظام دُمى في العراق يمكنه تمهيد الطريق لتأسيس
نظام دمى آخر في المناطق الفلسطينية، هو هراء.
في عام 1982
حاول اريئل شارون ومناحيم بيغين القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية داخل الاراضي
اللبنانية. وجاء هذا الهدف مرافقا لفكرة تغيير النظام في لبنان، وفرض نظام بشير
الجميل على الدولة بواسطة الحِراب الاسرائيلية. هذا المسلسل انتهى باغتيال الجميل
ومجزرة صبرا وشاتيلا، واخيرا بانسحاب اسرائيل من معظم الاراضي اللبنانية. لاحقا،
انتقل مركز ثقل المنظمة الى المناطق المحتلة حيث انفجرت الانتفاضة الاولى. بدل
احترام اليد الفلسطينية الممدودة للسلام، ردت اسرائيل باتفاق اوسلو الذي كان هدفه
القضاء على طموحات الشعب الفلسطينية للاستقلال. لاجل ذلك قامت اسرائيل بشراء قيادة
المنظمة وتحويلها الى هيئة فاسدة موالية لها. النتيجة كانت ولادة الانتفاضة
الثانية. يتضح من هذا، انه لا اليمين (لبنان) ولا اليسار (اوسلو) تعلما الدروس من
حمام الدماء الذي لا يزال منذ اجيال ينزف في الشرق الاوسط.
من جهة اخرى، يجب القول ان امريكا التي تقود حرب الخليج الثانية ليست نفس امريكا
التي قادت حرب الخليج الاولى. الآمال العريضة التي علقتها وول ستريت، مركز
الرأسمالية العالمية، على اسواق العالم التي فُتحت امام الشركات الامريكية الضخمة،
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، سرعان ما تبددت. مكان شعار "الامن لمئة عام" حصلت
امريكا على كابوس التوأمين. اوروبا تحتج على سياستها، والعالم الثالث مستاء منها.
اما الدولة الوحيدة التي وضعت امنها ومصيرها بيد امريكا فهي اسرائيل، حكومة وشعباً،
ومعها ستتقدم بثبات نحو الهاوية.
لا بد من وضع حد، وفورا،
للطموحات الجنونية الآخذة بالتبلور في البيت الابيض. ان تحقيق هذه المهمة يحتاج
للشروع الفوري ببناء نظام عالمي اشتراكي جديد، ينتزع القوة من ايدي ممثلي
الرأسمالية المتعطشة للحرب والارباح. النضال ضد الحرب القادمة يجب ان يكون المرحلة
الاولى في هذه العملية المصيرية من اعادة بناء البديل لانقاذ البشرية.
الصبار
تشرين ثان 2002، العدد
158 |