|
عقيدة تموز
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4465 - 2014 / 5 / 27 - 14:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هذا الكتاب يتحدث عن عقيدة الخلود في الهلال الخصيب تحديدا، وأحيانا يتناولها في مصر وإيران، حيث اسمرت الأفكار السومرية حية في المنطقة رغم تعدد الدول والأعراق التي تواجدت في المنطقة، فكل حضارة كانت تتبنى فكرة "الصراع بين تموز والموت" ورغم تغير شكل واسم الإله إلا أن المضمون كان يرسخ عقيدة "تموز". الكاتب انطون مورتكات يعتمد في كتابة على الرسوم والمنحوتات والأختام الاسطوانية التي خلفتها الحضارات في المنطقة، ولم يعطي الكتابة المسمارية ذات القيمة والأهمية، وكأنه كان يتجرد في بحثه على هذا الصنف من الحضارة ـ النقوش والرسوم ـ واستطاع أن يقدم لنا صورة التواصل والتراكم الثقافي والحضاري في المنطقة، من خلال هذه الأدوات. مشاهد الصيد التي تكررت منذ العصر السومري إلى نهاية الدولة البابلية، إن كان الصياد راكب عربة أم واقفاً على الأرض، السبع والحمل، الحملان اللذان يقفان منتصبان على شجرة، الإله الذي يقف وعلى جانبيه سبعين أو حملين، السبع الذي يفترس الحمل أو العجل، جوقة الموسيقى، إن كانوا ابشر أم حيوانات، مشاهد الوليمة، كلها وجدت في كافة الحضارات التي عاشت في المنطقة، وهنا يكمن السر في طبيعة هذه العقيدة، والقوة ـ الروحية ـ التي جعلتها تستمر لأكثر من ثلاثة ألاف عام. ولم يقتصر التطور في عقيدة تموز على الشكل الإله بل تم تطوير لرسم بطريقة الرمز، فمثل تم تطوير صورة الربة عشتار من أنثى إلى قصبتين منتصبتين فيهما انحناءة في الأعلى. يحدثنا الكاتب عن المقابر الملكية التي استخدمها السومريون، وكيف أن هناك موكب يصاحب الملك المتوفى إلى القبر، حيث هناك غرفة خاصة له، وهناك مكان أيضا ـ قد جهز لزوجته ـ التي ستدفن بجانبه بعد موتها، وأيضا وجود فتحة في أعلى الغرفة، لوصول الشراب والطعام للملك، وأيضا الحاشية من خدم وعبيد الذين خصص لهم غرفة فوق غرفة الملك، يحملون الطعام والشرب على العربات، كل هذا كان يؤكد على مفهوم الحياة الأخرى التي يعيشها الإنسان، وكيف أنهم جهزوا موتاهم لهذه الحياة. ويحدثنا الكاتب عن طقوس الزواج المقدس، والكيفية التي تتم بها عملية زواج الملك الممثل الإله بالكاهنة التي تمثل الربة، ومثل هذه الطقوس قد تم تصوريها على الحجر أو الأختام الاسطوانية، وأضيف إليها استلام الملوكية من الإله، إن كان الإله شمس أو الإله مردوخ أو الإله اشور أو الإله سن، وكان في هذا الزواج يتم لبس الأقنعة التي توحي لمكانة كل شخص في هذا الطقس الديني. يتناول الكاتب ملحمة جلجامش من منظور عقيدة الخلود، ويستنتج بان هناك قناعة راسخة عند السومريين والحضارات التي أعقبتها تتمثل في أن الخلود الجسدي مستحيل على البشر، وهم يخلدون من خلال أعمالهم فقط، من هنا جاء حديث جلجامش في بداية الملحمة ونهايتها عن المدينة التي بناها وكيف أن أسوراها من الداخل والخارج كان تبهر المشاهد بقوتها وجمالها، ويقول بان ما قام به جلجامش من بناء يعد استقلالا عن عبادة تموز "أن تشيد سور مدينة أوروك هو لحد ما بمثابة إشارة بداية الانفصال بين الكهنوت والملكية، الانفصال الذي يرتكز عليه جزء كبير من التطور السياسي الأحق لبلاد ما بين النهرين" ص188. ويؤكد الكاتب وجهة نظره حول فكرة استحالة الخلود للبشر من خلال موت انكيدو، الذي لم يستطع جلجامش إعادته للحياة، وأيضا فشل جلجامش في الحصول على الخلود رغم ما قام به من أعمال تعد مستحيلة.
ويحدثنا الكاتب عن الإله الأرضية السماوية، وكيف أن إلهة السماء كانت تلعب دورا ايجابيا، فالإله شمس هو اله سماوي "وينتمي إلى الثالوث الكوكبي للأكاديين الساميين، قمر وشمس وكوكب الزهراء 0سن وشمش وعشتار أنونيتو) ص187. وكيف أن الإله السماوي شمس احتل مكان الإله الأرضي تموز، لكن كان يأخذ في ذات الوقت صفاته وأعماله، وما اختفاء شمس كل يوم في المساء وظهوره صباحا، يتماثل مع دور تموز الذي يختفي في الصيف ويعود في الربيع، "أن إله الشمس يهبط في مساء في الغرب في محيط لكي يعبر مياه العلم السفلي ليلا بسفينته، وفي الصباح بعد قهر المخاطر تبدأ الرحلة المظفرة في عربة، بعد أن يكون قد بعث من جديد من جبال المشرق إي من قبره" ص198، بهذه الشاكلة تم استمرار عقيدة تموز الخالدة، فكرة صراع سرمدي بين اله الخير واله الموت، الخصب والجدب، النماء والجفاف، تناوبت مجموعة كبيرة من الإله على سلم هذا الصراع، لكنها في مجملها كانت تطرح فكرة تناوب الظلام والنور، الخصب والقحط، فكانت عقيدة تموز تمثل ظاهرة فريدة لهذه المنطقة التي احتضنتها لأكثر من ثلاثة ألاف عام. الكتاب من إصدارات دار دمشق، طبعة أولى عام 1985، يقع في 336 صفحة، عدا اللوحات التي وضعت في نهاية الكتاب، تعريب الدكتور توفيق سليمان، رغم حجم الكتاب الكبير نسبيا، إلا أن طريقة طرح الأفكار كانت سلسة، تعتمد على المشاهد والتمعن في الرسومات التي توضح الأفكار والاستنتاجات المطروحة. رائد الحواري
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البيضة والتمساح
-
-في رداء قديم- نسمة العكلوك
-
-رسائل قاضي اشبيلية- الفرد فرج
-
-|الجبل الخامس- بين الدين والعصر، الصراع وتحقيق الذات باولو
...
-
جدلية التطرف
-
المناضل والمجاهد
-
-عمدوني... فأعدوني اسما- جيروم شاهين
-
مسرحية -أبو الهول الحي- رجب تشوسيا
-
الجنة والنار
-
-مسرحية الايام الخوالي- هارولد ينتر
-
-قلب العقرب- محمد حلمي الريشة
-
-عودة الموريسكي من تنهداته
-
رواية -الدوائر- خليل إبراهيم حسونة
-
- في ظلال المشكينو- أحمد خلف
-
-الخراب الجميل- أحمد خلف
-
-الرجل النازل- علي السوداني
-
التفريغ
-
الأشهر القمرية لغريب عسقلاني
-
شرق المتوسط ل-عبد الرحمن منيف-
-
نبوءة العرافة -رجب أبو سرية-
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|