نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1264 - 2005 / 7 / 23 - 12:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اندلعت على هامش التهديد الإرهابي الذي تعرض له الكاتب السيد القمني بعض المناوشات الفكرية بين فصيلين هامين متناحرين من الميليشيات الليبرالية المسلحة بين مؤيد ومعارض,ومندد ,وشكّاك,ومتأمل راصد صامت ,وناظر شامت .وأسفرت عن قصف متبادل بتهم الردة والمغالاة, أدت إلى تدمير بعض البنى الفكرية التي حاولت هذه الطليعة الفكرية الليبرالية المتنورة إشادتها بين هذه الأنقاض الفكرية البائدة التي ورثناها, قسرا وبالإجبار, من عصور الانحطاط المستمرة بنجاح منقطع النظير منذ عدة قرون. كما أدت إلى سقوط عدد لا بأس به من من المرتكزات الفكرية والأساسية العقائدية التي قام عليها الفكر الليبرالي الحر المستنير,والذي تعرض لهزيمة كبرى في "قطاع" الحوار المتمدن البؤرة الأكثر اشتعالا الآن بالمعارك الفكرية الضارية التي ستزلزل,لا محالة , البنيان الراكد الفاسد يوما ما,وتناثر الشظايا المزعجة والمفاجئة على رؤوس المتابعين والقراء.فهل أصبح الدم الليبرالي مستباحا ورخيصا بين الأخوة "الألداء" إلى هذا الحد الذي جعل عتاة الأصوليين والتكفيريين يشمتون للانهيار السريع لوقف إطلاق النار بين الفر قاء ,برغم كل دعوات التهدئة ؟أم أنه خرق فاضح لاتفاق "الجنتلمان" بين الزملاء وأبناء "الكار"؟ وإذا لم يكن هناك ,في الحقيقة,ولا "مُسيلمة" واحدا في حرب الردة الفكرية هذه ,وهتك الأفكار ,فلا شك أن هناك وقعاً للخيول, و صليلاَ للسيوف , ودعوات للحرب,وتربصاً للقتال.فيما لا يزال كل فريق متمترسا في خندقه , ومصرا على آرائه التي تجعل التوصل لحل توافقي ,برغم التأكيدات وترديد اللازمة الفكرية المعروفة,التي يعرفها حتى الأعراب اللحويين أصحاب الجلابيب والعباءات ,إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
ففكر السيد القمني,كما هو فكر جميع رواد الفكر الإنساني العظيم والمستنير, لم يعد ملكا له بالأساس,وهو حال جل عصارة ذلك الفكر الإنساني الرائع الخلاق الذي أبدعته عقول بشرية رائدة وعملاقة ,نقتات ونعيش ببركاتها وننعم بفضائلها الآن,وبغض النظر عن المواقف الشخصية المتبدلة أحيانا.ولو ترك الأمر للفكر الظلامي لاستحالت الحياة البشرية إلى مجتمع حيواني بحت تسوده شريعة الغاب , يأكل فيها القوي الضعيف ,كما يحصل الآن في بعض من فلول الممالك الظلامية, والخردة الشمولية التي ما تزال تصارع البقاء على قيد الحياة .فهل لو تمت تصفية القمني,ولا سمح الله, ستموت أفكاره التي ستبقى بدون أدنى شك,وتتطور,وستجد ,ولا محالة ,من يزيد عليها ,ويسهب في تفسيرها حسب كل القوانين العلمية,وسيرورة الحياة الصاعدة بالتأكيد نحو الأفضل ,والأسمى ,والأجمل ,ولو كره الظلاميون الأشداء. ومن هذا المنظور لا يمكن أن نجد أي قيمة لهذا التراجع بعد أن استوطنت الأفكار في عقول الكثيرين وخرجت من حالة القيد والحصار والإغلاق لتنفلت في فضاء الحرية الذي يتسع يوما بعد آخر,وأصبحت تجد صدى بيّناَ وواضحا في الكثير من الكتابات,وهذا تيار,وموجة عارمة تكبر وتنمو يوما بعد آخر,ولا يعني ,بالنسبة لي على الأقل, خروج احد ما منه على الإطلاق,إغلاق جميع الأبواب ,وعودة لمجاهل الظلام. وهل بخروجه سينهار هذا الجدار؟ والسؤال ,طبعا,لا يحتاج لجواب .فقد أحدثت تلك الكتابات, في الحقيقة ,هزة شديدة في البنيان المتهالك الذي حاولت القوى الأصولية ,مدعومة بأنظمة الاستبداد,حمايته وإطالة عمره أطول فترة ممكنة,واعتبرته مقاما مقدسا ,وتابوها لا يجوز لأحد منه الاقتراب,والذي يعيش الآن النزع الأخير ,وحشرجات الموت ,والساعة القادمة التي لا ريب فيها بإذن الله.وفي نهاية المطاف ,فإن السيد القمني,ومع الاحترام الكامل لشخصه,إنسان فيه غريزة الحياة وله أحباب وأطفال وخلان وطموحات,ويخاف ,ويحب ,ويتألم,وييأس ,وينتابه الوجل والأرق ,كشأن باقي الناس,وقد يتراجع يوما ما عن أي قرار,حتى لو بدا موجعا الآن.
وإذا كانت الجغرافية,إلى حد ما, تحكم المواقف ,وتعكس الأفكار فهذا ما ظهر جليا في الموقفين الصادرين عن منطقتين متباعدتين جغرافيا,ومختلفتين كليا إيديولوجيا ,وعقائديا ,وسلوكا سلطويا ,وتجربة ديمقراطية .فقد وجد البعض الأعذار لموقف السيد القمني ممن يعيشون في قلب العاصفة الصحراوية الهوجاء السوداء ,التي تعصف بالمنطقة ,وهذا ما انعكس بالموقف الذي صدر من قلب مدن الظلام كونها الحاضن و"المفقس"الأكبر لفكر التشدد والغلواء,ونعد فيها للعشرة بعد العشرة آلاف قبل أن ننضّد,وندون أي حرف, ليلتمس له كل الأعذار التي قد تبدو من وجهة نظر ما معقولة ومقبولة.وأما الموقف الآخر,المتصلب والمتشدد" ,حسب البعض, الذي ظهر من وراء الأطلسي ,في دولة تعتبر رمزا للحرية الفردية والليبرالية ,والذي بدا حسب معايير البعض التفاضلية متطرفا ,وزائدا عن الحد,ولكنه كان يعبر عن معايير حياتية يومية سائدة لا ترى غضاضة في التعبير ,وكشف كل المستورات ,والمخبوءات ,وحتى المحظورات,ومستوى الأمان الذي يشعر به,والفضاء اللامتناهي من حرية التعبير التي ينعم بها.
إن الاختلاف هو من طبيعة الحياة ,وهذا التباين هو عامل صحة كونه يؤدي في النهاية إلى تشذيب وتهذيب الأفكار وتزاوجها لتنجب نسلا واتجاها أكثر تطورا. إن كلا الموقفين قد يبدو مفهوما , حتى وإن لم يكن موقف القمني مبررا للبعض,ولكن مالا يبدو مفهوما ,ومؤرقا بآن,هو ذاك التراشق الكلامي الذي خرج عن السياق في بعض الأحيان ,بين أبناء فصيل واحد ,لا بل رواد,يحملون مسؤولية تاريخية ,وعبئا ثقيلا واعدا ,لا أن تتعثر تلك المسيرة المباركة في خطواتها الأولى,وبداية انطلاقتها الكبرى.
لذا يرجى من جميع الفر قاء المتناحرين الالتزام بوقف إطلاق العيارات البلاغية العشوائية ,وألا تنحدر الأمور إلى حرب طاحنة تحرق الأخضر الليبرالي,واليابس الظلامي, فيمن يفترض أنهم يمثلون طليعة الفكر التحرري الليبرالي التنويري الأمل الأخير,وبصيص النور الوحيد في هذا النقق الطويل بالغ الكآبة والقتامة والسواد, وفض الاشتباك ,درءا لشماتة "العذال",وغربان الظلام ,والعودة لممارسة الحياة الفكرية الطبيعية,التي كانت سائدة قبل عملية تفجير مقر الإشعاع التنويري الالكتروني للسيد القمني بتلك الشحنة الناسفة من الرسائل الإرهابية,في تعرية السلبيات,وفضح العورات الظلامية التي تهدد المجتمع قاطبة أكثر من مجرد عيارات إلكترونية,قد تكون خلبية, وقد تصيب ,في المآل,أو لا تصيب هدفها.
كاتب مستقل-اللاذقية سوريا
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟