|
هجرة
نبيل محمود
الحوار المتمدن-العدد: 4462 - 2014 / 5 / 24 - 16:07
المحور:
الادب والفن
أوطانٌ تكنس أبناءها كالغبار وتقيئهم من أحشائها ما أنْ يتعلّموا اشعال سيجارة أو حريق الغيوم تقود خطاى على الطريق تتلبّد الذكريات وينزل المطرْ من يعصر السماء في هذا الشتاء؟ وفي قلبي يرتعش عصفورٌ مبلّل يقطر منه الأسى.. أيتها الروح المرتجفة لِمَ لمْ تجلبي معطفكِ؟ قارسٌ هذا الزمن ألسنا في عزّ الثلج؟ وتعرفين جيداً كم هي باردة وموحشٌة دروب السفر.. أهو المعطف فقط ما تركناه هناك أم سنوات منطفئة في أزقّة موحلة؟ لا بأس يا قلبي فعصفورٌ مرتعش خير من حياة حبيسة في قفص وأنتِ أيتها الروح تدثّري بأغنية قديمة لمْ يكنْ لدينا وقت لترتيب الحقيبة فالفجر أوشك أن يدركنا أصوات الليل وشوشة وصرير وفحيح وأضواء النهار جناية والظلال وشاية علاقتنا بالوطن كانت مريبة للحيطان آذان وللخوف عينان.. *** زيت الناسك قد نضب اِنطفأ وحيداً في صحراء الروح لم يعدْ يبصر بعدما جفّف ينابيع الجسد والصوفيّ لم يجدْ في الحقل زرعاً ولا حطب اِقتات بالحروف وتدفّأ بالخِرَق كم من حلاّج دخل المدينه ونجا من الصلْب ما أن افصح قلبُه عن دِينَه؟ لكل مدينة أسوارها وأسرارها سجونها وجلاّدها.. *** بأيّ حقلٍ تينع الثمار فلن تسقط إلاّ في مدينة! الفلاحون نزلوا المدينة واحْتطبوا كلّ حديقة وحدّقوا بذهول في القُبَل لم يبقَ شجرٌ يُواري الشفاه ذُعرَ العشّاق وانطفأت الشعلة في قلب ثوريٍّ عابس لم يوفّرْ غير رغيف يابس معامل لم تنتج غير الصفيح ووطن لم يبدع إلاّ مدن الصفيح كان الوطن يصغر وكنّا نكبر ونكبر ونكبر.. قال مهرّج المدينة العابث - لنؤجّر الأوطان ونهاجر.. مسكين مهرّج المدينة لم يعرف أنّ الأوطان قد رُهنتْ منذ زمن بعيد بسبب صفقة بيع مجحفة! *** الحشود تقطفني من نفسي.. أنا لست أنا إمّا مجرمة أو محرّمة هذه الأنا.. كم تولّهْنا بالإثم وكم سحرتنا الخطيئة فانبرى الحجاب لحجب الحقيقة تشاغلنا بالعري عن العهر انتحب الصوت وشحب الصدى ولم يلُح الطيرُ في المدى؟ بين الماضي والمستقبل حاضر من الشطط ! جرح مفتوح على امتداد الروح بين الوطن والغربة حبلٌ سرّيٌّ طويل كالمتاهة.. من يضبط إيقاع الخطى؟ والدرب إمّا رملٌ أو حصى إمّا وحلٌ أو ... إلى كل الجهات أمدّ البصر فينكشف عالم واسعٌ آه كم أنت شاسعٌ أيها الوجع..! *** كيف لي أن أغنّي الجمال الرفيع وكلّ هذا الانحطاط يحاصرني؟ حتى الإلاهات الفاتنات الغابرات رأيتهن يعْبرن الشارع ويحملن تفاحاتهن الحمر تدحرجت إحداهن واستقرّت عند حافة الرصيف نصفها مغمور بمياه الصرف الصحي تحت عمود الإنارة ذي المصباح المعطوب النوم قريب والحلم بعيد.. أغمضت عينيَّ عند الرحيل وجررتُ قلبي إلى البحر والقصد ما وراء البحر بسط عصفور القلب جناحيه ولامس حرير السماء نقر الغيم وانسكبت شلالات ماء القارب نصلٌ صدئ يجرح جسد البحر والحمولة آهات مكتومة تعبر خط استواء الألم إلى شمال الحلم تهرب من هذيان الأوطان (اُهربْ يا ولدي فالوطن قادم.. هذا ما قالته الفلاحة لابنها) (*) *** لا مكان للفقراء في الطائرات لا مكان للفقراء في القطارات قوارب الموت سرَتْ بنا بصمت فالبحر قدرنا.. كم بلّلَنا البحرُ؟ وكم موّه ملامحَنا الضباب؟ لكنّ سُمرتنا وغبارنا القديم ظلاّ عالقين بأجسامنا كالقار أرهبنا انخفاض درجة انجماد الحقيقة وأرعبنا ارتفاع درجة حرارة الجنوب تحت ضغط الجنون نيراننا كانت صديقة..! *** بعضنا سكن الأعماق ونام في تابوت رمادي يشرب الزرقة الأبدية.. والأحلام المتفسّخة تُدهش العيون المعدنيّة لأسماكٍ غبيّة تنتف أجساداً مكفّنةً ببرودة العمق المعتم.. مَن يسمع صوت النحيب وسْط هدير الأمواج؟ مَن يعثر على دمع الضياع بين لزوجة الطحالب الخضر في قاع البحر؟ عند الشاطئ الآخر وللمرة الأخيرة اِلتفتنا إلى البحر كانت تتكسّر على سطحه بقعة حزن طافية.. *** ما جدوى الرحيل؟ وخيباتنا تملأ الحقيبة والأحزان فوق الأحزان تسيل منها الأوطان نغسل الوجوه من بقايا الكوابيس ونمحو تجاعيد الخوف من طيّات الحروف الكلمات أصوات الغياب توقظ فينا ما يتوارى.. ما أحوج الإنسان للنسيان عند اكتظاظ الذاكرة بالآلام لا سلام عند إطباق الجفون فمنذ الميلاد وحروب الأشباح دائرة في الأرواح ما الذي يتخلّف من الحيوات؟ غير أغانٍ وحكايات تعزفها أنغامٌ وتسردها كلمات.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) إيريك هوبزباوم، عصرالإمبراطورية، المنظمة العربية للترجمة، بيروت 2011، ص 279 (.. (عليك بالهرب، فالوطن قادم) أمّ فلاحة إيطالية لابنها. منقول عن الكاتب الإيطالي جوفين (F. Jovine) (1904-1950). )
#نبيل_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النص الطباعي والملتيميديا.. الوسيط المهيمن
-
غربة المقيم
-
(ريثما...) ينقذنا الجمال !
-
طاحونة الزمان
-
عيد المرأة والرياء الذكوري!
-
قطوف
-
!!!( 2014 )
-
((نجم)) و ((مانديلا))
-
كلّ شتاء
-
مثول الهوى
-
الحكمة المتوارية
-
((مشروع الخراب الكبير)) من مناطق النفوذ إلى مناطق الأستثمار
...
-
البحث عن البطل !
-
مهارة انتاج الآثام !
-
حديقة النجوم
-
الرسالة المصرية
-
رئيسان وراء القضبان! والشعب في الشوارع..
-
عصف الأشواق
-
عَشَرات
-
جدل الشوق والشقاء
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|