خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 4460 - 2014 / 5 / 22 - 20:41
المحور:
الادب والفن
في الطريق إلى هناك
ضعتُ قروناً لا تُعدُّ، اختلطت عليَّ الصحراءُ والثلجُ، مشيتُ إلى آخرِ الجهاتِ، وكلُّ مرةٍ لم يكن هناك هناك، لم أجد حكايةً في ثنايا الرملِ، ولم أحدّد لون ظلّي ومكانَه، مررتُ بغاباتٍ تبكي أشجارها وحكاياتِها، مررتُ ببحارٍ تحفظُ بحّاريها الغرقى حكايةً حكايةً، مررتُ بثلوجٍ ما زالتْ تعلِّبُ الألمَ على وجوه الضحايا، مررتُ حتى استسلمت كلُّ رملةٍ في الأرضِ لخطوتي، تائهاً كحلمٍ في حلمٍ في منام، وما عاد المفسِّرون يولدون.
في الطريق إلى هناك
حملتُ سطوراً هرّبتُها من كتاب جغرافيا لم يعد يدرسُهُ أحد، كانت حدوداً يغيّرها العساكرُ، تغيرها العواصفُ والحرائق، يغيرها المال والصفقات بين الأقوياء، يغيّرها مزاجُ أهلِها، وكنتُ بين من حملوا خيالاتهم وظلالهم، حكاياتهم ووصايا آبائهم، أحلامهم، تجمّعوا كأوراقِ شجرٍ في ريح الخريف، كلامُهُم واحدٌ وأمنياتُهُم صغيرةٌ لا تبتعدُ عن صورةٍ يعلّقونها على ما تبقى من حوائط في ما تبقى من بيتٍ في ما تبقى لهم من وقت.
في الطريق إلى هناك
سقطتُ قتيلاً في خمسينَ حربٍ لم أشعلها، وتفرّعَ مني الشهداءُ كبراعمِ لوزٍ كثيرةٍ على عودٍ طريٍّ، لم أحتمل كل هؤلاء القتلى يخرخشون في قلبي كلما مشيت، لم أحتمل ضحكاتهم واشتياقاتهم لأمهاتهم وأشجارهم التي لم تجد من يسقيها بعدهم، صرتُ أبجديةً وحدي، مفرداتها الأحلامُ والرحيلُ والانتظارُ وأقمارٌ بين الحين والحين، وكلّما سقطتُ خَرَجَتْ من ضلعي فتاةٌ في العاشرة، تقضمُ زعتراً برّياً خالياً من صورة الحنطةِ، وتشيِّعُني بأغنيةٍ وتطيرْ.
في الطريق إلى هناك
أيقظتُ نائمينَ فماتوا فندمتُ، حرّضتُ جيوشاً على أعدائها فانكسرتْ فندمتُ، وعَّيتُ جهلاءَ فانتحروا فندمتُ، وما ندمتُ أنني خيّطتُ ما تفتّقَ من أرضٍ بما انهار من سماء، سمِعتْني الأنهارُ أغنّي كفلاّحٍ يستأجرُ الغيمَ بالعرق، غنّت معي إلى أن أنهكها البكاءُ، وما زلتُ لا أفهمُ لماذا تبكي الغيماتُ حينَ تغنّي، الغيمةُ لا هناكَ لها، بكاؤها مكانُها، أينما حلّت الدمعةُ تحلُّ.
في الطريقِ إلى هناك... ما زلتُ
الثاني والعشرون من أيار 2014
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟